تحليلات - عالم عربى

إلى أين تتجه الأزمة اليمنية بعد مقتل صالح؟

طباعة
بعد ثلاثة أعوام من التحالف بين الميليشيات الحوثية والرئيس الأسبق "علي عبدالله صالح"، جاءت تصفية الأخير على يد حلفائه السابقين لتضع نهاية لهذا التحالف، فاتحةً المجال أمام تطورات متسارعة وخطيرة على الساحة السياسية اليمنية، في ظل احتمالية تغير التحالفات والتوازنات العسكرية على هذه الساحة بشكل جذري، نتيجة لهذه التطورات، الأمر الذي من المتوقع أن يكون له انعكاسات قوية على الأزمة اليمنية المتفاقمة منذ عدة سنوات.
وتشير التطورات والتفاعلات الراهنة على الساحة اليمنية إلى أن الوضع في اليمن منفتح على مسارين رئيسيين في المرحلة القادمة، هما: مسار تزايد حدة الصراع والتصعيد العسكري، ومسار التسوية السياسية. وعلى الرغم من تناقض هذين المسارين، فإنهما مرتبطان ببعضهما بعضاً، ويعتمد كل منهما على الآخر.
 
أولاً-  مسار تزايد حدة الصراع والتصعيد العسكري:
يتمثل هذا المسار في تفاقم حدة الصراع المسلح، بإضافة محور آخر لهذا الصراع، وهو محور الحوثي / أنصار صالح، والاتجاه نحو المزيد من تصعيد المواجهات العسكرية في اليمن، كمحاولة من قِبل طرفي الأزمة الرئيسيين (معسكر الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي، ومعسكر الميليشيات الحوثية) لحسم الصراع عسكرياً، أو سعياً لتحقيق مكاسب أو اختراقات استراتيجية، من أجل تعزيز الموقف العسكري لكل منهما. ومن المؤشرات الدالة في هذا الإطار، إعلان الحكومة اليمنية الشرعية عن إطلاق عملية عسكرية تحت اسم "صنعاء العروبة" لتحرير العاصمة اليمنية من قبضة الميليشيات الحوثية.
في هذا السياق، سوف تقوم القوى الموالية للحكومة الشرعية، بدعم من قوات التحالف العربي، بتكثيف الضربات العسكرية ضد الحوثيين، وتضييق الخناق عليهم في العاصمة "صنعاء"، وصولاً إلى محاولة اقتحامها، ولاسيما من الجهتين الشرقية والجنوبية، مع تكثيف الضغط العسكري على المعقل الرئيسي للحوثيين في "صعدة". وفتح جبهات أخرى للمواجهات العسكرية، مع احتمالية شن عملية هجومية كبيرة لطرد الميليشيات الحوثية من ميناء "الحديدة" على البحر الأحمر.
بالتزامن مع تكثيف الضغط على الحوثيين في "صنعاء" سوف تتصاعد المواجهات المسلحة بين الميليشيات الحوثية والعناصر الموالية للرئيس الراحل "علي عبد الله صالح"، كما ستتصاعد حدة المواجهات العسكرية في الجبهات الأخرى، وخاصةً جبهة "تعز". مع احتمالية تصاعد الصدامات العسكرية على الحدود اليمنية-السعودية، واحتمالية مواصلة الحوثيين استهداف الأراضي السعودية، وقوات التحالف العربي ببعض الصواريخ الباليستية.
مع استمرار المواجهات المسلحة، من المرجح أن تميل كفة التوازن العسكري بشكل كبير لصالح القوى الموالية للحكومة الشرعية، في ظل تكثيف التحالف العربي بقيادة السعودية دعمه لهذه القوى، فضلاً عن انضمام القطاعات القبلية (ولاسيما من الحزام القبلي لصنعاء)، والوحدات العسكرية الموالية للرئيس الراحل إلى معسكر الحكومة الشرعية، مقابل عجز الميليشيات الحوثية عن تعويض الخسائر البشرية في صفوفها، وعجزها كذلك عن تعويض خسائرها في الأسلحة والعتاد، في ظل إحكام الحصار المفروض عليها من قِبل قوات التحالف العربي.
من المتوقع أن يترتب على المواجهات العسكرية حدوث انهيارات كبيرة في صفوف ميليشيات الحوثيين، وسقوط عديد من المواقع بشكل متتابع في يد القوات الموالية للحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي، وصولاً إلى السيطرة على العاصمة "صنعاء". وذلك على غرار ما حدث في يوليو 2015، عندما جرى تحرير "عدن"، وكثير من المواقع في جنوب وشرق اليمن.
انهيار الميليشيات الحوثية، وانحصارها في الأحياء الشمالية من "صنعاء"، أو في معقلها الرئيسي في "صعدة"، قد يحسم الصراع لمصلحة قوى الحكومة الشرعية، ويضع حداً للأزمة اليمنية، عبر فرض الحكومة الشرعية لسلطتها في اليمن كأمر واقع بدعم من قوات التحالف العربي.
من شأن تصاعد الضغط العسكري على الحوثيين أن يدفعهم إلى إعلان قبولهم غير المشروط بالتسوية السياسية للأزمة، وفقاً للمرجعيات المتمثلة في القرار الأممي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، أو القبول بأي مبادرة أخرى للتسوية مقابل ضمانات للبقاء في المشهد السياسي، وعدم تعرضهم لعمليات انتقامية من قِبل خصومهم، وذلك كخطوة استباقية لتجنب الانهيار الشامل لقوتهم العسكرية على نحو قد يخرجهم تماماً من المعادلة السياسية في اليمن، أو يحجِّم، بشكل كبير، تمثيلهم في أي نظام سياسي قادم.
 
ثانياً- مسار التسوية السياسية:
يتمثل هذا المسار في إمكانية التهدئة، والتوافق بين طرفي الصراع على الحوار، وإحياء المفاوضات من أجل إيقاف الحرب.
التوجه نحو هذا المسار قد يترتب على تصاعد الضغط العسكري على الميليشيات الحوثية بشكل يجعلها على حافة الانهيار، مما يدفعها إلى الإعلان عن القبول بالتفاوض غير المشروط لإنهاء الحرب وتسوية الأزمة، أو قد يترتب على إدراك طرفي الصراع لضرورة تسوية الصراع سلمياً، تجنباً للعواقب السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية الكارثية الناجمة عن استمراره، وخاصةً في حالة تأخُر الحسم العسكري للصراع، واقتناع الأطراف المتصارعة بصعوبة تحقيق الحسم على المدى القصير، وبعدم جدوى مواصلة الحرب، واستمرار الاستنزاف والتدمير، وذلك مع وصول الأطراف الإقليمية والدولية إلى اقتناع تام بضرورة وضع حد للصراع، تجنباً لعواقبه الأمنية والإنسانية الكارثية.
سوف يعتمد نجاح أى تسوية سياسية محتملة للأزمة على طبيعة التوازنات والاختراقات التي سيسفر عنها التصعيد العسكري في المرحلة القادمة. إذ من المرجح أن تتزايد فرص نجاح التسوية في حال أدى التصعيد العسكري إلى اقتراب القوات الموالية للحكومة الشرعية والتحالف العربي من حسم الصراع لمصلحتها، أو أسفر - على الأقل - عن تحقيق هذه القوات لاختراقات ونجاحات عسكرية كبيرة، على نحو يجبر الميليشيات الحوثية على الانصياع للمرجعيات السابقة للتسوية السياسية، وفي مقدمتها القرار الأممي 2216.
 
في هذا الإطار، قد يتجه ممثلو الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيون إلى الدخول في مفاوضات جادة، والوصول إلى توافق حول آليات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216، وتحديد جدول زمني لهذا التطبيق، مع توفير ضمانات دولية وإقليمية لتنفيذ المخرجات التي قد تسفر عنها المفاوضات، وصولاً إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني حتى إجراء الانتخابات في مرحلة لاحقة. فضلاً عن وضع الأسس الأولية لصياغة نظام سياسي متوازن يستوعب كل القوى، وينظم العلاقة بين الدولة ومختلف المكونات السياسية والمجتمعية في إطار المواطنة، على نحو تكون فيه الدولة اليمنية ممثلة لجميع المكونات، وغير خاضعة لجماعة سياسية بعينها.
 
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى إذا أفضت أي مبادرة قادمة إلى إيقاف الصراع المسلح، فإن مسار التسوية الشاملة والدائمة في اليمن سيكون بالغ الصعوبة. فقد فاقم الصراع من حدة الانقسامات السياسية، والطائفية، والقبلية، وألحق دماراً هائلاً بالمقدرات الاقتصادية اليمنية الضعيفة أصلاً، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة، واتفاقيات سياسية جادة وفعالة لتجاوز هذا الوضع المتردي والمعقد.
 
طباعة

تعريف الكاتب

د. محمد حسن القاضي

د. محمد حسن القاضي

خبير في الشأن اليمني