تحليلات - مصر

أهداف الهجوم على مسجد الروضة في شمال سيناء

طباعة
لم يكن الهجوم على مسجد قرية الروضة في شمال سيناء هو الهجوم المنظم الأول من نوعه في شمال سيناء، ولم تكن أيضا تلك هي المرة الأولى التي يكون فيها التيار الصوفي، ومساجده، وأضرحته، واتباعه في شمال سيناء هدفا لهجوما إرهابيا من التنظيمات الإرهابية التي تصاعد نشاطها في سيناء بصورة ملحوظة عقب سقوط الإخوان، ولكنه الهجوم الأكثر دموية، وقد اتسم الهجوم الذي تم باستخدام الأسلحة النارية بدرجة عالية من التنظيم والحشد، حيث شنه حوالي 40 عنصرا إرهابيا يستقلون 8 سيارات دفع رباعي عقب الأذان الثاني لصلاة الجمعة وبدء إمام المسجد في إلقاء الخطبة.
 
لماذا استهدف الهجوم مسجدا للصوفية:
على الرغم من عدم إعلانه مسؤوليته عن الهجوم حتى الآن، فإن جميع الشواهد ترجح بقوة مسؤولية تنظيم أنصار بيت المقدس ( الذي يطلق على نفسه ولاية سيناء منذ مبايعته لتنظيم داعش)عن الهجوم، ليس فقط كونه التنظيم الأكثر نشاطا في شمال سيناء، ولكن أيضا نتيجة لما سبق الهجوم من تهديدات متكررة وجهها التنظيم إلى أتباع الطرق الصوفية في سيناء وقيامه باختطاف وقتل العديد منهم، وتفجير وهدم الأضرحة، والمساجد التي تخصهم، ويعود تصاعد استهداف التنظيم للتيارات الصوفية في سيناء لعدد من الأسباب:
 
أسباب عقائدية: حيث يعتبر التنظيم منهج الصوفية "منهج شرك" مخالف للشريعة الإسلامية، وهو ما دفع التنظيم إلى هدم وتفجير الأضرحة في مناطق نفوذه في سوريا والعراق. وفي حوار أجرته مجلة «النبأ» الإلكترونية التابعة للتنظيم داعش الإرهابى فى العراق في 9 ديسمبر 2016، مع أحد قيادات التنظيم في سيناء، والذي أطلقت عليه "أمير الحسبة في ولاية سيناء"، حول ديوان الحسبة وصوفيي سيناء قال موجها حديثه لأتباع الطرق الصوفية في سيناء "أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في ولاية سيناء"، متهما الصوفية بأنها "واحدة من أخطر الأمراض التي ابتليت بيها دولة الخلافة"، وقد اعتبر " الطريقة الجريرية أشد الطرق كفرا وأكثرها علاقة بالروافض" على حد قوله، مهددا بحرب تجتث الصوفية من شبه جزيرة سيناء. 
 
 شعبية التيار الصوفي في سيناء: حيث يتجه التنظيم بما يمكن وصفه ب"الكراهية" لشيوخ قبائل شمال سيناء المعروفين بالتدين والصوفية، خاصة وأنه ينظر اليهم بوصفهم خطر قائم، نظرا لشعبيتهم والتي لازالت تمثل عائقا أمام محاولاتهم نشر أفكارهم التكفيرية .
 
رفض إيواء عناصر التنظيم: غالبا ما يرفض أتباع الطرق الصوفية الفكر التكفيري، ويسعون إلى التصدي له ولفظه في مناطق تمركزهم، وهو ما جعلهم يرفضون إيواء عناصر التنظيم الإرهابي الذي بدأ في البحث عن مناطق تمركز بديلة لتلك التي اضطر للانسحاب منها عقب تكثيف الضربات الأمنية.
 
التعاون مع قوات الأمن: لعل أتباع الطريقة الجريرية في سيناء ( وهم المستهدفون بالهجوم اليوم ) يتمتعون بتاريخ وطني مشرف، حيث كان لهم دورا بارزا في دعم القوات المسلحة المصرية ومساندتها خلال حربى الاستنزاف والسادس من أكتوبر، وكان شباب الصوفية يقاتلون بضراوة فى حرب الاستنزاف، ما أدى إلى حصولهم على نوط الامتياز من رئيس الجمهورية تقديرًا لما أسدوه للوطن من خدمات، وما أراقوه من دماء، واستمر هذا الدور عقب تنامي الفكر التكفيري في سيناء.
 
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: حيث يأتي الهجوم متزامنا مع احتفالات الطرق الصوفية بعيد المولد النبوي الشريف، والذي تنظر له التيارات التكفيرية السلفية بوصفه بدعة، وقد جاء استهداف التنظيم لقرية الروضة كونها واحدة من المناطق التي يتمركز فيها أتباع الطريقة الجريرية، حيث توجد زاوية للطريقة بجوار المسجد، ولكنها تخلو هى والمسجد من الأضرحة، حيث تخلت الطرق الصوفية في محافظة شمال سيناء عن أهم طقوسها تجنبا للتعرض لهجمات التنظيم، فاتجهت إلى هدم جميع الأضرحة الصوفية وبنائها مرة أخرى بدون قباب. 
 
أبرز هجمات التنظيم ضد الصوفية في سيناء:

 

يتجاوز عدد الطرق الصوفية في سيناء 12 طريقة، أقدمها الطريقة التيجانية، وأكثرها عددا وانتشارا الطريقة العلوية الدرقوية الشاذلية التي تلقاها الشيخ جرير عن الشيخ أحمد الغزاوي، وينتمي أغلب أبنائها لقبيلة السواركة، والطريقة الجريرية، ينسب اسمها لمؤسسها الشيخ عيد أبو جرير، وهو شيخ عشيرة الجرارات من قبيلة السواركة، ويتبع لها العديد من المساجد في رفح والعريش والشيخ زويد.
وعلى الرغم من انتشار الفكر الصوفي في سيناء، وانضمام العديد من شيوخ القبائل في سيناء إلى الطرق الصوفية، إلا أن هذا الانتشار شهد انحسارا ملحوظا ومع تزايد نفوذ التنظيمات التكفيرية في سيناء، وتصاعدت هجمات التنظيمات الإرهابية على الصوفية في سيناء بصورة ملحوظة بداية من عام 2013، وهو العام الذي شهد سقوط جماعة الإخوان المسلمين، ودأبت بعده  التنظيمات التكفيرية وعلى رأسها تنظيم أنصار بيت المقدس على شن هجمات على زوار الحضرات الصوفية واختطافهم، وتمثلت أبرز الهجمات التي تعرض لها أتباع الطرق الصوفية منذ عام 2013 وحتى هجوم اليوم فيما يلي:
 
- وضع عبوات ناسفة أمام بعض مساجد الصوفيين وأضرحتهم،  ففي 4 أغسطس 2013 قام التنظيم بتفجير ضريح الشيخ حميد أبو جرير بمنطقة المغارة في وسط سيناء، والشيخ سليم الشريف أبو جرير بمنطقة المزارة في بئر العبد، بصورة متزامنة، ترتب عليها هدم الضريح والقبر الذي بداخله، وامتدت آثار التفجير لتهدم أجزاء من قبور مجاورة أثناء قيام الأهالي بأداء صلاة التراويح.
 
- وتصاعد الضغط الذي يمارسه تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء تجاه التيارات الصوفية في أوائل شهر أكتوبر من عام 2016، حيث هاجم التنظيم عددا من الزوايا التابعة للطريقة العلاوية، ومنع أتباع الطريقة الصوفية من الذكر وممارسة طقوسهم، وتطورت الأوضاع عقب رفض الصوفية الإذعان للتنظيم الذي قام بخطف سبعة أشخاص من كبار الزوايا، وطالبوهم بتنفيذ ما طلب منهم وهددوهم بإقامة الحد الشرعي عليهم، وقد استجابت الصوفية تفاديا لهجمات التنظيم الانتقامية، وهو ما تبعه اصدار التنظيم في نفس الشهر لبيان رسمي أعلن فيه ووضع المنتمين للطرق الصوفية على قائمة اغتيالاته.
 
- وفي 29 مارس 2017 أعدم التنظيم اثنين من مشايخ الصوفية، بتهمة ممارسة السحر والكهانة، وقد بث التنظيم تسجيلا مصورا يظهر اعتقاله الشيخ سليمان ابو حراز وهو أحد أكبر مشايخ الطرق الصوفية في سيناء في التسعينيات من العمر، وقطيفان بريك عيد منصور أحد أتباعه، حيث أخرجهما الارهابيون مقيدين من سيارة سوداء ودفع بهما إلى الصحراء، حيث قطع رأسيهما، بعد أن قال أحد أعضاء التنظيم، إن "محكمة شرعية أدانت الرجلين بالقتل لممارستهم الكهانة وادعاء علم الغيب ودعوة الناس للشرك".
 
طباعة

تعريف الكاتب

عزة هاشم أحمد

عزة هاشم أحمد

باحثة في العلوم السياسية