تحليلات - شئون دولية

ماذا بعد استقالة موجابى من رئاسة زيمبابوي؟

طباعة
لم يتوقع روبرت موجابى، أقدم رئيس في العالم لا يزال في السلطة، أن إقالته لنائبه الأول "إيمرسون منانجاجوا" ستنهى حكمه الذي استمر دون انقطاع منذ عام 1980، حيث أصدر موجابي في بداية نوفمبر 2017، قرارًا بعزل نائبه، واتهمه بالتآمر للوصول إلى السلطة، قبل أن يغادر إلى المنفى. وأدت إقالة منانجاجوا إلى سلسلة من التطورات السريعة في الداخل الزيمبابوي، حيث تدخل الجيش لمنع موجابي (93 عامًا) من تعيين زوجته، بدلًا من نائبه منانجاوجوا. وتطرح أزمة استقالته موجابى من رئاسة زيمبابوي عدة تساؤلات تتعلق بأسباب وأبعاد وتداعيات تلك الأزمة، ومستقبل الوضع السياسي في تلك البلاد.
أولا- أسباب الأزمة:
لم تخف الزوجة جريس موجابى تطلعاتها للسلطة، خاصة مع قرب انتهاء الولاية الحالية لزوجها الرئيس في يوليو 2018، فراحت تصرح بسعيها للوصول للسلطة، وأنها تعيد ترتيب أمورها في سبيل تحقيق هذا الهدف. لقد دفعت احتمالات خلافة منانجاجوا  لـ موجابى، وتصاعد شعبيته، في توقيت تطمع زوجة موجابي فيه الوصول للسلطة- إلى إصدار الرئيس المستقيل قرارا بإقالة نائبه، أدى إلى تسارع الأحداث الداخلية في زيمبابوي، وتغير مسارات الحركة السياسية في هذا البلد، فلم يكد يمر أسبوع على ذلك القرار حتى سيطر الجيش على الدولة، ووضع قادته الرئيس موجابي قيد الإقامة الجبرية، في الوقت الذى فر فيه النائب الأول المقال منانجاجوا خارج البلاد. 
وفى تطور سريع ومفاجئ، أعلن حزب "موجابى" الحاكم "زانو - بىإف" عزل موجابى من رئاسة الحزب وتعيين منانجاجوا رئيسا له، ودعا الحزب موجابى لتقديم استقالته من رئاسة البلاد وأمهلوه 24 ساعة كانت تنتهي في 19 نوفمبر. خلال ذلك جرت مفاوضات ماراثونية بين "موجابى" وقادة الجيش حول مسألة استقالته، وكان من المقرر أن يعلن "موجابى" ذلك في خطاب للأمة، غير أنه ألقى خطابه متمسكا بالسلطة، فاتجه نواب الحزب نحو اتخاذ إجراءات عزله، وهى إجراءات برلمانية معقدة قد تطول حسب الدستور الزيمبابوى، غير أنه وفى خطوة مفاجئة جديدة أرسل موجابى في 20 نوفمبر 2017 خطابا باستقالته طواعية إلى البرلمان.
ويرجع تصعيد منانجاجوا، بعد إقالته من منصبه، إلى تقاربه مع قادة الجيش، فهو واحد من النافذين في الدولة، حيث تقلد العديد من المناصب الوزارية منذ الثمانينيات، إذ عمل وزيرا لأمن الدولة، ووزيرا للإسكان، ووزيرا للعدل، ووزيرا للمالية، والأهم أنه عمل وزيرا للدفاع، وهو ما جعله يحظى بتفضيل الجيش لخلافة "موجابى"، ويحظى بمكانة رفيعة في الحزب الحاكم، وكذلك يحظى بتأييد واسع لدى رابطة المحاربين القدماء ذات الثقل السياسى في الدولة، وهو ما يفسر التحرك السريع للجيش الزيمبابوى لكبح جماح زوجة موجابي.
ثانيا- أبعاد وتداعيات الأزمة:
تتمثل أبعاد استقالة الرئيس في زيمبابوي في بعدين رئيسيين، هما بعد اقتصادي يكون هو الأخطر على الوضع الداخلي في البلاد. وبعد سياسي، يكون هو الأسرع حسما، ولكن له تداعيات خارجية على هذه الدولة، وذلك على النحو الآتي:
- البعد الاقتصادي، فعلى الرغم من كون زيمبابوي ثانى أكبر الدول المنتجة للنفط في أفريقيا بعد نيجيريا، فإنها تأتى في مرتبة متدنية في كل المؤشرات الاقتصادية، وهو ما يعنى أن الأزمة الحالية في تلك الدولة  كفيلة بوضعها في مأزق اقتصادي خطير. فقد وصفت مجلة (الإيكونوميست) البريطانية الأوضاع فى زيمبابوى بأنها تعانى ترديًا بالغًا، وقالت اقتصادها يعانى انكماشا، والعديد من بنوكها على وشك الإفلاس كما تعانى من نقص حاد فى العملة الصعبة.
- البعد السياسي، فلقد كان المأزق أكثر خطورة. ففي حال لم يستجب "موجابى" لنداءات تقديم استقالته، لعُدت الأحداث انقلابا عسكريا، وهو ما كان سيضع زيمبابوي تحت طائلة عقوبات الاتحاد الإفريقي، وعقوبات منظمة "مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية" "سادك"، حيث يدين ميثاقى المنظمتين التغيير غير الدستوري للسلطة.
ثالثا- ماذا بعد استقالة موجابى؟:
بخصوص خلافة الرئيس، يحدد الدستور الزيمبابوى من يخلفه في حال خلو منصبه، إذ تنص المادة (100) على أن النائب الأول للرئيس هو من يخلفه عند شغور المنصب، فإن لم يكن فالنائب الثانى، فإن لم يكن فمن يحدده الرئيس، فإن لم يكن فمن يحدده مجلس الوزراء.
كما يحدد الدستور في المادة (101/2) أنه في حال خلو منصب النائب الأول للرئيس، يصبح النائب الثانى هو الناب الأول.
ولما كان "منانجاجوا" قد أُقيل من منصب النائب الأول في 6 نوفمبر 2017، وبالتالي أصبح النائب الثانى "فليكيزيلامفوكو" هو النائب الأول منذ ذلك التاريخ، فإن "مفوكو" يصبح باستقالة "موجابى" هو الرئيس الدستورى للبلاد لبقية ولاية "موجابى"، أي أن "مفوكو سيكون رئيسا لزيمبابوى حتى الانتخابات القادمة بعد يوليو 2018، وليس "منانجاجوا"، كما ذهبت بعض التحليلات.
أما بخصوص الأوضاع السياسية ما بعد الاستقالة، فمن المنتظر أن تدشن زيمبابوي حقبة جديدة من التنافسية السياسية الحقيقية، وكان ذلك قد بدا في تصريحات "مورجانتسفانجيراي" زعيم المعارضة، حيث دعا لاجتماع كل الأطراف لرسم مستقبل زيمبابوي، وبالإشراف الدولي على الانتخابات.
بيد أن ذلك الحراك المستقبلي لا يُنتظر منه تغيير المشهد السياسي تغييرا جذريا؛ فلم يكن "موجابى" - على خطاياه - مكروها لدى شعبه فالآباء المؤسسون مقدسون بدرجة كبيرة لدى الأفارقة، فضلا عن أنه ينتمى إلى جماعة الـ "شونا" التي تمثل نحو 70% من الزمبابويين، لذا فلن يكون للأحداث الأخيرة تأثير سلبى على حزبه الحاكم "زانو - بىإف" الذي يُرجَح أن يَحتفظ بالسلطة، وأن يفوز "منانجاجوا" برئاسة البلاد على الأقل في الاستحقاق الانتخابي القادم.
 
طباعة

تعريف الكاتب

سعيد ندا

سعيد ندا

باحث في الشئون الإفريقية