تحليلات - عالم عربى

عوامل استمرار نشاط "القاعدة" في اليمن

طباعة
برغم الضربات المكثفة التي يتعرض لها تنظيم القاعدة في اليمن، خلال السنوات الأخيرة، سواء من قبل الطيران الأمريكي، أو قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، أو جماعة الحوثيين، فلا يزال التنظيم قادراً على البقاء والاستمرار في نشاطه الإرهابي، عبر شن الهجمات الدموية، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول أهم العوامل التى أسهمت في بقاء التنظيم واستمرار نشاطه، برغم كل هذه الضربات من قوى متعددة. 
كانت الأشهر الأخيرة قد شهدت استهدافا متصاعدا لمواقع تنظيم القاعدة وقيادته، كان آخرها، استهداف طائرة أمريكية دون طيار للقيادي "أحمد مصفر الخضر" شرق مديرية مودية الفاصلة بين محافظتي أبين وشبوة جنوب شرق اليمن، في الثاني من نوفمبر الجاري، مما أدى إلى مقتله.
كما شنت قوات "الحزام الأمني"، حملة عسكرية واسعة النطاق منذ مطلع سبتمبر 2017، مما أدى إلى طرد التنظيم من معظم "أبين"، كما نجحت حملة أمنية وعسكرية مدعومة من التحالف، خلال الأيام الماضية، في تطهير مديرية المحفد من عناصر التنظيم بوصفها معقلا للجيوب الفارة من بقية مدن المحافظة، وتسعى هذه القوات أيضا إلى فرض سيطرتها بشكل كامل على مديريات محافظة أبين والخط الساحلي، عبر حملات دهم واعتقالات للخلايا القاعدية في تلك المناطق.
استهداف متصاعد:
يعد فرع تنظيم "القاعدة" فى اليمن، من أكثر الفروع تعرضاً للضربات الأمريكية، نظراً لكونه أخطرها، لاسيما أنه يجعل استهداف المصالح الأمريكية على رأس أولوياته، منذ أن تم دمج فرعي التنظيم السعودي-اليمني، فى مطلع عام  2009، باسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، تحت قيادة واحدة اتخذت من اليمن مقراً لها.
ويضم التنظيم منذ نشأته مجموعات من المقاتلين المحترفين، الذين تمكنوا فى وقت مبكر من توجيه ضربة مؤلمة للولايات المتحدة، مثل الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول"، قبالة سواحل عدن الجنوبية في أكتوبر 2000،  حيث أسس التنظيم منظومته الفكرية على العداء المطلق لواشنطن، تحت شعار "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب". 
لذا، حرصت الولايات المتحدة على توجيه ضربات مستمرة ومركزة ضد معسكرات التنظيم ومقاتليه، وقد ارتفعت وتيرة هذه الضربات مع تولى الرئيس دونالد ترامب، حيث شهدت الفترة بين 28 فبراير وحتى بداية أبريل 2017، ما يقرب من 70  غارة جوية أمريكية، على مواقع التنظيم، كجزء من خطة لمطاردة القاعدة فى اليمن، والتأكد من إلحاق الهزيمة بالتنظيم، وحرمانه من فرصة شن هجمات إرهابية، طبقاً لتصريحات المتحدث باسم "البنتاجون"، "جيف ديفيز"  في 3 أبريل 2017 ، فى تعليقه على تلك الضربات.
عوامل نشاط "القاعدة":
شهد تنظيم "القاعدة"  في اليمن، طفرة تنظيمية كبيرة، بعد تولي قائده السابق "ناصر الوحيشي" قيادة التنظيم، حيث تمكن من إعادة إحياء "التنظيم"، والتواصل مع مجموعات إرهابية متعددة في مناطق مختلفة من إفريقيا وأوروبا. وقد استطاع القائد الحالي "قاسم الريمى" من المحافظة على تلك الطفرة التنظيمية، عبر مجموعة من العوامل التي يمكن تحديد أهمها في الآتي:
استغلال حالة الفوضى:  حيث إن حالة الفوضى التي تسبب فيها الانقلاب الحوثى، مثلت فرصة لتنظيم القاعدة، لترسيخ تواجده في العديد من مناطق اليمن، كما مكنته من الاستيلاء على كميات من كبيرة من الأسلحة من معسكرات الجيش اليمنى، مثل الهجوم على معسكر اللواء 17 في مدينة "المكلا"، في أبريل 2015، حيث استولى على ما فيه من معدات وأسلحة ثقيلة مكنته من تثبيت قوته فى المدينة.
الحفاظ على شبكة العلاقات الداخلية:  حيث تمكن "قاسم الريمي"، من الحفاظ على شبكة العلاقات القوية، التي أسسها "الوحيشى" مع عدد من القبائل، في مواجهة التمدد الحوثى في البلاد، مما أخرجه من عزلته، ومكّنه من تجنيد العديد من أبناء القبائل. إذ حرص الريمى على تنمية هذه العلاقات بشكل مستمر، مما ساعده على التمدد بشكل ملحوظ، وإنشاء بعض المعاقل الجديدة، وخلق ظهير أمن يمكن اللجوء إليه وقت الأزمات.
وقد ظهر دور هذه التحالفات، خلال الهجوم الأمريكي على موقع إحدى مواقع تنظيم القاعدة فى 29  يناير 2017 ، والذي أسفر عن مقتل جندي أمريكي، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح في الهجوم، حيث كشف "الريمى" فى حواره الذي نشره التنظيم فى 30  أبريل 2017 ، بأن من أهم أسباب فشل الهجوم الأمريكي، هو المساندة التى حصل عليها التنظيم من أبناء قبيلة "مارع"، الذين ساندوا مقاتليه فى التصدي لهذه الهجوم.
تعدد مصادر التمويل:  يتميز تنظيم "القاعدة" في اليمن، بوجود مصادر متعددة للتمويل، خاصة بعد استيلائه على مدينة "المكلا" في أبريل 2015 ، حيث تمكن من إضافة مصادر تمويل جديدة، إلى المصادر التقليدية، التي كانت تتمثل غالباً في التبرعات، والهبات، وأموال الزكاة، والفدية، حيث أضاف إليها بيع النفط، وفرض الإتاوات، والضرائب على المهربين، والتجار فى مناطق نفوذه، إضافة إلى نهب البنوك والمصارف، حيث استولى فى أبريل 2015 ، من فرع البنك المركزي اليمني في "المكلا"، على ما يقرب من 85 مليون دولار.
الحد من عمليات الاختراق التنظيمي:  حيث كانت عمليات الاختراق من قبل العملاء والجواسيس تهدد الهيكل التنظيمي للقاعدة بشكل مباشر، لأنها أدت إلى سقوط العديد من قيادات التنظيم، مما دفع الأخير إلى تأسيس جهاز أمنى داخلي، تمكن من تفكيك عدد من خلايا التجسس التي كانت تعمل في أوساط مقاتليه، والحد من استهداف القيادات، وبالتالي الحفاظ على الحيوية التنظيمية.
الاستمرار فى تجنيد مقاتلين جدد:  تمكن تنظيم القاعدة في اليمن، خلال المرحلة التي أعقبت الانقلاب الحوثي في البلاد، من تجنيد العديد من أبناء اليمن، إضافة إلى بعض المقاتلين الأجانب، تحت شعار مقاومة المد الشيعي، والدفاع عن أهل السُنة، وقد استمر التنظيم في التجنيد حتى الوقت الحاضر، سواء من خلال الحشد الطائفي، أو من خلال الإغراء بتقديم أموال أو رواتب مرتفعة، وهو ما مكنه من توفير موار بشرية تساعده على الاستمرار في نشاطه العملياتي حتى الآن.
أخيرا، يمكن القول إن تنظيم القاعدة في اليمن قد يتمكن من مواصلة نشاطه الإرهابي لفترة قادمة، مادامت الأوضاع فى اليمن بشكلها الحالي، الأمر الذي بات يفرض ضرورة وجود تعاون دولي وإقليمي حقيقي لإعادة الشرعية إلى البلاد، وبناء جيش وحكومة وطنية، يمكن من خلالها القضاء على التنظيم وتجفيف منابع قوته، لاسيما أن التنظيم لم يعد يهدد اليمن فحسب، بل صار يهدد المنطقة ومصالح الدول الكبرى أيضاً.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة