تحليلات - عالم عربى

دوافع تصعيد العمليات الإرهابية في الصومال

طباعة
على الرغم من عدم إعلان حركة "شباب المجاهدين" الصومالية مسئوليتها عن العملية الإرهابية السبت الماضي في قلب العاصمة الصومالية مقديشيو، والتي خلفت وراءها أكثر من  230 قتيلا، فإن الدلائل الأولية تشير إلى أن الحركة تقف وراء هذا الهجوم، نظراً لأنها القادرة على شن مثل هذه الهجمات الضخمة.
كانت شاحنة محملة بالمتفجرات قد انفجرت عند مدخل أحد الفنادق في العاصمة مقديشيو، وأحدثت دمارا هائلا، مما أسفر عن مصرع وإصابة المئات من المواطنين، كما أفادت مصادر بالشرطة الصومالية بأن شخصين على الأقل قتلا في انفجار ثان في منطقة المدينة بالعاصمة مقديشيو.
يثير ذلك الهجوم، الذي يعد الأعنف منذ ظهور الجماعات المتشددة في هذا البلد منذ عام 2007، التساؤل حول أسباب تكثيف حركة "شباب المجاهدين" لهجماتها الداخلية، على حساب عملياتها الخارجية التي انحسرت بقوة منذ مطلع عام 2016. إذ شهدت تلك الهجمات تصاعدا كبيرا عام 2015، والتي كان من أبرزها الهجوم على جامعة "جاريسيا" الكينية في مايو 2015، وقبلها الهجوم على مركز "ويستجيت"، بالعاصمة نيروبي، في أكتوبر 2013.
أهداف التصعيد:
يأتي ذلك التصعيد من قبل حركة "شباب المجاهدين" لعملياتها الإرهابية، عقب تولى محمد عبد الله فرماجو رئاسة البلاد في فبراير 2017، حيث توعدته الحركة بشن حرب طاحنة، وذلك من خلال بيان أصدرته الحركة في 19 فبراير 2017. لذا بدأت الحركة تصعيد نشاطها الإرهابي، مع بداية تسلمه لمنصبه. ويمكن تحديد أبرز أهداف التصعيد الإرهابي في الآتي:
إفشال مشروع الرئيس "فرماجو": حيث تدرك حركة "شباب المجاهدين" خطورة الرئيس "فرماجو" عليها، نظرا لأنه يمتلك خبرة سياسية، فضلا عن شعبية واسعة، وشبكة علاقات جيدة، والأخطر بالنسبة للحركة امتلاكه مشروعا طموحا لإعادة بناء مؤسسات الدولة الصومالية، مما يعنى إعادة الاستقرار للبلاد، والذي سيؤدى إلى القضاء على الإرهاب بشكل عام، مما يمثل خطرا على الحركة الإرهابية، التي لا تجيد العيش والتمدد إلا في بيئة منهارة أمنيا تعانى عدم الاستقرار، وبالتالي فإنها أرادت استباق ذلك بتسريع وتيرة العمليات الإرهابية.
ترسيخ النفوذ "القاعدي" في شرق إفريقيا: فنظرا لأن حركة "شباب المجاهدين" الصومالية تعد ذراع تنظيم "القاعدة" في منطقة شرق إفريقيا، وحاملة لوائها الفكري، فهي تسعى إلى توسيع نفوذ التنظيم في تلك المنطقة، من خلال تصعيد عملياتها، لاسيما أن مؤشر القوة لأي من التنظيمات الإرهابية، والذي يجعلها قبلة للشباب المتطرف هو ارتفاع معدل العمليات الإرهابية، خاصة أن "القاعدة" تسعى إلى استثمار حالة التراجع الداعشي في العراق وسوريا، وذلك لتقوية نفوذها من جديد في شرق إفريقيا، بعد أن استعادته في شمال وغرب إفريقيا.
استعادة المجموعات المنشقة: حيث تسعى حركة "شباب المجاهدين" إلى استعادة المجموعات التي انفصلت عنها، مثل مجموعة "مختار ربو أبو منصور"، القيادي السابق في الحركة، الذي سلم نفسه للحكومة الصومالية في أغسطس 2017، أو المجموعات الأخرى التي انضمت إلى تنظيم "داعش"، لاسيما أنها تعتقد أن سقوط التنظيم في معاقله في العراق وسوريا، سيؤدى إلى انهيار الفروع الضعيفة، التي ليس لها وجود أو نشاط قوي، مثل الفرع الصومالي.
 وبالتالي، فإن تصاعد إرهاب حركة "شباب المجاهدين" قد يرسخ وجودها على الأرض، ويجعلها قبلة تلك المجموعات، بعد انهيار تنظيم "داعش"، لأنها تبحث عن تنظيم قوى تحتمي به، وهنا تعد العمليات الإرهابية الضخمة أحد مؤشرات القوة بالنسبة للإرهابيين.
الحفاظ على التماسك التنظيمي: فبعد ظهور تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وجدت الحركة نفسها أمام تحدٍ بين الثبات على ولائها للقاعدة، وإعلانها البيعة لـ "داعش"، مما أدى إلى ظهور الخلاف داخل الحركة، الأمر الذي انتهي بانشقاق بعض المجموعات ومبايعتها لـ"داعش". وأسهمت هذه الانشقاقات في انحسار قوة الحركة، وتراجع معدل عملياتها، ولذا فإن عودة الحركة لممارسة نشاطها الداخلي قد تسهم في عودة الثقة في الحركة وقيادتها، مما يؤدى إلى منع الانشقاقات داخل الحركة خلال المرحلة القادمة.
الحفاظ على الولاء للقيادة: تهدف حركة "شباب المجاهدين" من وراء تصاعد نشاطها الداخلي إلى الحفاظ على ولاء أعضائها لقيادة الحركة الحالية، لاسيما أن أبرز معايير كفاءة القيادة التي تستوجب "الولاء" يكمن في قدرتها على شن أكبر عدد من الهجمات الإرهابية، وذلك من أجل خلق حالة من التماسك التنظيمي، بعد تعدد حالات الانشقاقات خلال السنوات الماضية، التي أصبحت تهدد صدارة الحركة على الساحة الصومالية. لذا، فإن تصعيد الحركة لنشاطها الداخلي قد يسهم في خلق حالة من الثقة في قيادة الحركة الحالية، ومنع أي انشقاقات محتملة خلال المرحلة القادمة.
أخيرا، يمثل تصعيد حركة "شباب المجاهدين" لعملياتها الإرهابية الداخلية تحديا كبيرا لكل من الرئيس فرماجو، والحكومة الصومالية، ودول الجوار في شرق إفريقيا، على نحو بات يفرض على القوى الإقليمية والدولية التعاون بشكل جاد من أجل القضاء عليها، أو على الأقل الحد من خطورتها، وذلك عبر اتخاذ خطوات جادة، لعل أبرزها المساعدة في إعادة بناء الدولة الصومالية، ومؤسساتها المختلفة، خاصة المؤسسة العسكرية التي سيكون لها الدور الفاعل في القضاء على الحركة.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة