تحليلات - عالم عربى

دوافع حماس في التوجه نحو المصالحة

طباعة
أعلنت حركة "حماس" الفلسطينية، فجر يوم 17 سبتمبر 2017، عن حل حكومتها في قطاع غزة، التي كانت باسم "اللجنة الإدارية"، وتولت إدارة القطاع منذ ثلاث سنوات، ودعت الحكومة الفلسطينية إلى تولى إدارة غزة. كما أعلنت عن موافقتها على إجراء انتخابات عامة، تمهيدًا لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وهو ما يعد تغيرًا جذريًا في موقف الحركة، نبع من عدة عوامل دفعتها لذلك، كما سيؤثر إعلانها فى مستقبل القضية الفلسطينية. 
قراءة في بيان "حماس":
حمل بيان "حماس" عدة رسائل للداخل والخارج، منها:
إلقاء المسئولية على "فتح": رهنت حركة "فتح" أكثر من مرة تحقيق المصالحة الفلسطينية بتنازل "حماس" عن حكم قطاع غزة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، والوزارات، والمؤسسات الحكومية، وإجراء انتخابات جديدة، وهو ما وافقت عليه "حماس" في إعلانها.
ومنذ أن سيطرت "حماس" على القطاع في 2007، يعاني سكانه (ما يقرب من مليوني نسمة) أزمات إنسانية واقتصادية حادة. وبهذا الإعلان، ستصبح السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" المسئولتين عن إدارة شئون القطاع سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، ويبقى البحث في سبل استيعاب موظفي "حماس" البالغ عددهم نحو 40 ألف موظف مدني وعسكري في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة المزمع تشكيلها، حال تم تحقيق المصالحة الوطنية بين "فتح" و"حماس".
-  تحسين صورة "حماس": منذ قمة الرياض لمكافحة الإرهاب التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في مايو ،2017 ، وحضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تصاعدت الرغبة الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب، وهناك مساع مستمرة لتصنيف "حماس" كحركة إرهابية، وهو ما رفضته مصر أكثر من مرة. وبهذا الإعلان، ستثبت "حماس" أنها نموذج وطني استجاب لكلّ شروط "فتح" لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وليس حركة إرهابية تعمل على تحقيق مصالحها فقط. 
كما تهدف "حماس" إلى تحسين صورتها، خاصة داخل المجتمع المصري، حيث تعرض على القضاء المصرى قضايا تتهم فيها الحركة بتقديم دعم لجماعات إرهابية في سيناء، ولذا حمل البيان شكرا وتقديرا للجهد المصريّ المستمر للتخفيف من آلام الشعب الفلسطيني، وتأكيد الدور المصري التاريخي في دعم القضية الفلسطينية كنوع من استرضاء القاهرة.
- الإشادة بالجهود المصرية: أكد البيان أن قرار التخلي عن إدارة قطاع غزة جاء استجابة للجهود المصرية، التي انتهت بعقد العديد من اللقاءات مع وفدي "فتح" و"حماس" لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتحقيق المصالحة. حيث بدأ رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، يوم 9 سبتمبر 2017، زيارة هي الأولى له منذ توليه منصبه في مايو العام الجاري، واستمرت لأكثر من أسبوع، عقد خلاله اجتماعات مع عدد من المسئولين المصريين، وذلك للعمل على إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني. وكذلك، استقبلت القاهرة وفدًا من حركة "فتح"، برئاسة عزام الأحمد، لبحث المصالحة مع "حماس".
- اتفاق القاهرة 2011 مرجعية للمصالحة: أوضحت "حماس" في بيانها استعدادها لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة "فتح" حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011 كافة، ليكون بذلك "اتفاق القاهرة" هو المرجعية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، حيث تم توقيعه بعدما توصلت "حماس"، و"فتح"، وبقية الفصائل الفلسطينية، برعاية مصرية، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
 
دوافع "حماس":
  هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي دفعت "حماس" لاتخاذ القرار بالتخلي عن إدارة قطاع غزة، ومنها:
*استكمال إعادة هيكلة الحركة: بدا واضحا أن حركة "حماس" الفلسطينية ترغب في إعادة هيكلة مواقفها الداخلية والخارجية، وقد تجسد ذلك في إصدار وثيقة "حماس" في مايو 2017، التي تضمنت المبادئ والسياسات العامة للحركة، وجاءت في 42 بندًا جديدًا، وقد عرفت فيها "حماس" نفسها، ومشروعها، ورؤيتها كحركة تحرير وطني تحمل مبادئ أساسية للقضية الفلسطينية، ووحدة الشعب والأرض، وألغت دعوتها لتدمير إسرائيل، كما أعلنت فك ارتباط الحركة بجماعة "الإخوان المسلمين". وبموجب الوثيقة، تم تعيين رئيس جديد للمكتب السياسي للحركة، هو إسماعيل هنية، الذي بدأ مرحلة جديدة في حياة الحركة، اتبع فيها نهجا مغايرا عن سلفه خالد مشعل، الذي تعمد ربط مواقف الحركة بمواقف قوى إقليمية تدعمها ماليًا ولوجيستيًا، كقطر، وإيران، وتركيا، مما أضر بالحركة داخليًا وخارجيًا. 
*العجز عن إدارة القطاع: تصاعدت منذ مطلع العام الحالي الضغوط السياسية، والمالية، والأمنية بقطاع غزة، مما أثبت عجز "حماس" عن مواجهتها، حيث قررت السلطة الفلسطينية وقف التحويلات المالية إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه "حماس"، وخفض رواتب موظفي السلطة في القطاع، ووقف دفع ثمن الكهرباء التي تزود بها إسرائيل القطاع، مما مثل ضغطًا ماليًا على عائلات قطاع غزة وموظفيها الذين يقدرون بنحو  40ألف موظف مدني وعسكري، كما حدث عدد من الحوادث الأمنية، التي تؤكد ضعف القبضة الأمنية لحركة "حماس" على الفصائل الفلسطينية الأخرى بالقطاع، ومنها "الجهاد الفلسطينية".
وعلى الصعيد السياسي، نظمت عدة فصائل سياسية بالقطاع تظاهرات، ومؤتمرات جماهيرية حاشدة تعلن تأييدها للدولة المصرية، ومحاربتها للإرهاب، وهو موقف مغاير لما اعتادت عليه تلك الفصائل، التي دأبت على دعم جماعة "الإخوان المسلمين" (تصنفها القاهرة كجماعة إرهابية)، الأمر الذي مثل تحديًا جديدًا لـ"حماس"، وهو إمكانية أن تتفق تلك الفصائل، ومنها "الجهاد"، مع القاهرة، وتحقق المصالحة الفلسطينية، وتقصي "حماس" من إدارة قطاع غزة. لذا، بادرت "حماس" باتخاذ تلك الخطوة، فنظمت مؤتمرًا جماهيرًا للإعلان عن تأييد الدولة المصرية، ودعمها في مكافحة الإرهاب، خاصة في سيناء، وهو ما ردت عليه القاهرة بإعلان تزويد "حماس" بمعدات ثقيلة، وكاميرات مراقبة بما يساعد على تحسين مستوى الضبط الأمني في المنطقة الحدودية الواقعة بين مصر وقطاع غزة لمنع تسلل الإرهابيين، وضبط الحدود. 
*متغيرات الوضع الإقليمي: شهدت منطقة الشرق الأوسط عدة متغيرات في الفترة الأخيرة، أثرت سلبًا فى الدعم الإقليمي المقدم لحركة "حماس"، فضلًا عن استمرار تراجع القضية الفلسطينية كقضية مركزية في المنطقة. فمن المعروف أن قطر كانت من أكثر الدول دعما لحركة "حماس"، وأصبحت بعد الأزمة الخليجية أكثر الدول المتهمة بدعم الإرهاب، وفق وثائق رسمية تثبت ذلك، وهناك أزمة مالية تمر بها الدوحة، ربما تمنعها من استمرار تقديم الدعم المالي للحركة، فضلاً عن الموقف السياسي الذي يتهم "حماس" بأنها حركة إرهابية، وهو ما ترغب الحركة في نفيه.
وفيما يخص الموقف التركي، فهو ليس أفضل حالا، فاقتصاد البلاد يمر بأزمة مالية منذ الانقلاب الفاشل في منتصف 2016، كما تتعدد الأزمات الداخلية والخارجية التي تلاحق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وليس أقلها انفصال إقليم كردستان العراق، وتصاعد أزمته مع ألمانيا، فضلا عن تعقيدات الموقفين السوري والعراقي، التى تمثل عاملا ضاغطا عليه. كل هذا يحتل المرتبة الأولى في أجندة العمل التركي، وليس دعم القضية الفلسطينية.
وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي تهتم بالتسويات النهائية في سوريا، والتصعيد الإسرائيلي ضد دمشق و"حزب الله"، وإدارة ملفها النووي مع واشنطن، والتي تهدد بإلغاء الاتفاق النووي أو مراجعته. وفي المقابل، نجد أن الدعم المالي واللوجيستي المصري والإماراتي لقطاع غزة استمر، كما رفضت القاهرة إعلان "حماس" حركة إرهابية، مما يؤكد الحرص المصري على حل الانقسام الفلسطيني. هذه المتغيرات الإقليمية استوعبتها حركة "حماس"، وكانت أحد العوامل المساهمة في تغير موقفها، وإعلان بيانها بالتخلي عن إدارة قطاع غزة. 
*استباق قمة نيويورك الثلاثية: جاء إعلان "حماس" عن رغبتها في تحقيق المصالحة الفلسطينية قبل لقاء ثلاثي من المزمع عقده (ليس هناك تـأكيد على عقده) على هامش اجتماعات الأمم المُتحدّة في نيويورك، يضم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لبحث سبل استئناف مباحثات السلام المجمدة منذ سنوات. وبهذا الإعلان، تظهر "حماس" بمظهر الداعم لتحقيق السلام، والمؤيد له، لاسيما بعد إصدار وثيقتها الجديدة التي تعترف بحدود 1967. كما تنفى "حماس" عن نفسها صفة "الحركة الإرهابية"، لأنها ستصبح جزءًا من السلطة الفلسطينية التي ستتفاوض مع إسرائيل، مما سيكسب "حماس" تعاطفًا إقليميا ودوليًا.  
ردود الفعل:
رحبت حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية بإعلان حركة "حماس" حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة. وأكد القيادي بـ "فتح"، محمود العالول، أن إعلان "حماس" أمر مبشر، وسيتم التأكد منه، واتخاذ القرارات بناء علي ذلك. كما رحبت الحكومة المصرية بإعلان "حماس"، وبموقف حركتى "فتح" و"حماس"، وما أبداه وفدا الحركتين، خلال زياتهما الأخيرة إلى القاهرة من تفاهم وحرصهما على بدء الحوار الفلسطينى- الفلسطينى. ومن المنتظر أن يصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً لإلغاء القرارات التي اتخذها ضد قطاع غزة، تمهيداً لبدء حوار وطني برعاية مصرية. كما سيصدر بيان مصرى حول نتائج اللقاءات مع وفدي حركتي "فتح" و"حماس" الموجودين في القاهرة، ثم سيتم الإعلان عن أجندة بدء حوار وطني فلسطيني لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة. 
في النهاية، يمكن القول إن إصدار البيان، بعد زيارة هنية الأولى للقاهرة، يؤكد عودة مصر كفاعل جوهري في القضية الفلسطينية، مما يعزز دورها الإقليمي، ويعيد القضية الفلسطينية لبؤرة الاهتمام العربي والدولي مرة أخرى، تمهيدا لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة النهائية.
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.