تحليلات - مصر

لماذا يزور الرئيس السيسي فيتنام ؟

طباعة
يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأربعاء 6 سبتمبر 2017، العاصمة الفيتنامية هانوي، بعد مشاركته في قمة "البريكس" بالصين، وذلك في خطوة تعزز التوجه المصري للاستفادة من التجارب الاقتصادية الآسيوية، حيث تتضمن الزيارة العديد من اللقاءات السياسية والاقتصادية لدعم التعاون بين البلدين.
 
لم تأت تلك الزيارة التي تعد الأولى لرئيس مصري إلى هانوي من فراغ، وإنما على خلفية تحول فيتنام إلى تجربة اقتصادية متطورة. إذ أظهر الاقتصاد الفيتنامي نموا متصاعد، حيث أصدر البنك الدولي تقريرا نصف سنوي في يوليو 2017، أشار فيه إلى الزخم القوي للاقتصاد الفيتنامي، خاصة مع اتباع هانوي للعديد من السياسات لتعزيز مرونة الاقتصاد الكلي، ومعالجة الاختناقات الهيكلية للنمو.
 
 جاء ذلك مع تعافي الانتعاش في الاقتصاد العالمي منذ أواخر عام 2016، حيث توسع الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام بنسبة 5.7 % خلال النصف الأول من عام 2017، في حين لا يزال التضخم منخفضا بنسبة 2%. وأرجع تقرير البنك الدولي قوة محركات النمو الأساسية في فيتنام إلى قدرة الطلب المحلي، والتصنيع الموجه للتصدير، وهو ما يعالج الاختناقات الهيكلية الحرجة للنمو على المدى المتوسط، إضافة إلى ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلى، وإعادة بناء المخزونات السياسية.
 
وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن قطاع الخدمات - الذي يمثل نحو 42 % من الناتج المحلي الإجمالي- تسارع في النصف الأول من العام الجاري، مدفوعا بالنمو المتزايد في تجارة التجزئة، نتيجة لارتفاع النمو المستدام للاستهلاك المحلي. ولا يزال الإنتاج الصناعي قويا، على الرغم من الانخفاض الكبير في الإنتاج في قطاع النفط، وقد تعافى النمو تدريجيا في الزراعة.
 
 أما السياسة النقدية الفيتنامية، فتتسم بالتوازن بين أهداف النمو والاستقرار، مع انخفاض معدلات الفائدة الحقيقية، والنمو السريع للائتمان بنحو يقدر بــ 20 % على أساس سنوي. ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنه بعد فائض كبير في عام 2016، بدأ رصيد الحساب الجاري الخارجي في فيتنام في الانخفاض في أوائل عام 2017، وذلك بسبب انتعاش متوقع في نمو الواردات. ويشهد سعر الصرف الحقيقي ارتفاعا يرجع إلى وجود فائض خارجي كبير في قطاع الاستثمار الأجنبي المباشر.
 
 لذلك، جاءت توقعات البنك الدولي للاقتصاد الفيتنامي على المدى المتوسط بالإيجابية، حيث من المتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 6.3 % في عام 2017، نتيجة للازدهار في الطلب المحلي، وانتعاش الإنتاج الزراعي، والصناعات التحويلية القوية الموجهة نحو التصدير، مدعومة بانتعاش في الطلب الخارجي. وتظل الضغوط التضخمية معتدلة، مما يعكس استقرارا أساسيا في التضخم، وانخفاض أسعار المواد الغذائية والطاقة. 
 
ومن المتوقع أن يظل هناك فائض في الحساب الجاري. وعلى المدى المتوسط، التزمت الجمعية الوطنية، والحكومة الفيتنامية بكبح العجز المالي، ومن المتوقع أن يستقر النمو عند نحو 6.4% في 2018 - 2019، مصحوبا باستقرار واسع النطاق للاقتصاد الكلي.
 
 بذلك، فقد ضاعف اقتصاد فيتنام حجم الناتج المحلى الإجمالى له خلال السنوات الـثماني الماضية، حيث احتل المرتبة الثانية عالمياً كأسرع معدل نمو لنصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، فضلاً عن ارتفاع معدلات التنمية في الأعوام الثلاثين الماضية، وذلك نتيجة للعديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، التى بدأت منذ عام 1986 لتتحول معها فيتنام في تلك الفترة من واحدة من أفقر دول العالم إلى دولة متوسطة الدخل.
 
 ووفقاً لوكالة "موديز" للتصنيف الائتمانى، فإن اقتصاد فيتنام متنوع، مما يكسبها قدرا أكبر من المرونة، حيث تنتشر الصادرات عبر مجموعة متنوعة من المنتجات والأسواق، مما يعزز قدرتها على استيعاب الصدمات الاقتصادية. أما على المدى الطويل، فيبقى التحدي للاقتصاد الفيتنامي هو الحفاظ على النمو السريع، والحد من الفقر. ويمكن تحقيق مكاسب كبيرة من الإصلاحات الهيكلية التي تخفف من القيود المفروضة على نمو الإنتاجية، بما في ذلك من خلال إصلاحات الشركات المملوكة للدولة، ومزيد من التحسينات في بيئة الأعمال.
علاقات تجارية دولية
 
 وعملت الحكومة الفيتنامية على تطبيق الإصلاحات الأساسية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية المتطورة من أجل القدرة على المنافسة، ومواصلة التعاون الإقليمي، فبدأت بالتنمية المشتركة مع الصين، كما عملت على توقيع الاتفاقية التجارية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2001، على الرغم من التاريخ العدائي في علاقات البلدين، إضافة إلى إقامة هانوي علاقات دبلوماسية مع أكثر من 117 دولة، فضلاً عن كونها عضوا بأكثر من تجمع آسيوى، مثل تجمع «جنوب شرق آسيا».
 
في هذا السياق، يشير تقرير للهيئة المصرية العامة للاستعلامات إلى أن نجاح التجربة الفيتنامية بدأ منذ التسعينيات، عندما تحقق الاكتفاء الذاتي في الأرز، وصدرت فيتنام أول مليون طن من الفائض، ثم انطلق النمو، وتحققت معجزة اقتصادية في ربع قرن، حيث قفز متوسط النمو السنوي نحو 7% من عام
1990 حتى عام 2016، وتراجعت نسبة المواطنين تحت خط الفقر من 60% عام 1993 إلى 11% عام 2014. 
 
كما انتقل الاقتصاد من أفقر دول العالم بمتوسط دخل الفرد 100 دولار في نهاية السبعينيات إلى إحدى دول الدخل المتوسط بنحو 2000 دولار نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي، الذى بلغ 200 مليار دولار، مقسوما على عدد السكان، والذى يقترب من 100 مليون نسمة. وتضاعفت الصادرات بزيادة نحو 20% سنوياً حتى وصلت إلى 165 مليار دولار عام 2014 (سبعة أضعاف صادرات مصر)، والواردات 150 مليار دولار بفائض 15 مليار دولار فى الميزان التجاري، وبلغ التضخم أقل من 1% عام 2015 بعدما تجاوز 76% عام 1990، بينما وصل عجز الميزانية إلى حدود 1.2% من الناتج المحلى الإجمالي، والدين العام الخارجي إلى أقل من 50% من الناتج المحلي الاجمالي.
 
يبلغ عدد العاملين في فيتنام نحو 55 مليون نسمة في الترتيب 12 عالمياً، والبطالة 3.5 % في الترتيب 30 عالمياً. كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تضاعفت بسرعة نتيجة رخص تكلفة العمالة المتعلمة والمدربة، بعدما تحول شباب فيتنام إلى ثروة وطنية، نتيجة سياسة تعليمية ناجحة، ينفق عليها أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث نجحت فيتنام في جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتمويل أكثر من 3000 مشروع برأس مال يصل إلى 15.8 مليار دولار بزيادة قدرها 9% عن عام 2016، وذلك من خلال تخفيض الرسوم الجمركية بموجب الصفقات التجارية، والإعفاءات الضريبية.
 
لكل ما سبق، فإن ترسيخ التعاون بين القاهرة وهانوي يفتح العديد من الآفاق للتعاون، وتبادل المنافع بين البلدين في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والاستثمارات، والتصنيع، والتسويق، وغيرها لما للبلدين من مقومات وفرص يكمل كل منهما الآخر، فضلاً عن تجربة كل منهما في الإصلاح الاقتصادي، بخلاف الرؤى المشتركة في قضايا السلام والاستقرار للمنطقة، حيث أعلن الرئيس السيسي تأييد مصر للسياسة الفيتنامية الثابتة في الحفاظ على الأمن الإقليمي، والسلام العالمي، إضافة إلى العمل على تكثيف المصالح المشتركة بين أعضاء رابطة الآسيان، ودول المنطقة، والاتفاق على حرية الملاحة مع دول جنوب شرق آسيا.
 
طباعة

تعريف الكاتب

راندا موسي

راندا موسي

باحثة في الأقتصاد السياسي و العلاقات الدولية