مقالات رأى

الأمن القومي العربي بين "التعريف" و"الواقع"

طباعة
تتعرض منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول العربية، للعديد من الأخطار والتهديدات، التي تؤثر بشكل مباشر فى "أمنها القومي"، وذلك في ظل التهديدات المستمرة، سواء من الوجود الإسرائيلى في قلب الوطن العربي، أو المحاولات لتقسيم المنطقة، من خلال مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، بالإضافة إلى الحروب الأهلية في ليبيا، وسوريا، واليمن، والتى اندلعت عقب ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، فضلا عن المحاولات الإيرانية للتدخل فى شئون بعض الدول العربية، والتغلغل داخلها.
 
والأخطر من ذلك ما تشهده المنطقة العربية من حركات إرهابية متعددة، بدأت تستهدف الدول العربية بشكل مباشر، حتى أصبحت مهددا حقيقيا لأمنها واستقرارها، خاصة بعد تمكنها من السيطرة على بعض المناطق، وبناء معاقل لها، كما في العراق وسوريا. ومما زاد من خطورة تلك الحركات أنها أصبحت عابرة للحدود، وقادرة على شن عمليات إرهابية خارج معاقلها، مما جعل "الإرهاب" يمثل تهديدا مباشراً للأمن القومي العربي.
 
يأتى هذا فى الوقت الذى تسعى فيه القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ما أوتيت من قوة، إلى ضرب أى تكتل عربي، يعمل على مواجهة تلك المخاطر التي تهدد "الأمن القومي العربي"، حيث يسهل عليها تقسيم المنطقة من جديد، والاستيلاء على ثرواتها، وإضعاف جيوشها، بعد إنهاكها في حروب مع تنظيمات إرهابية، زُرعت في المنطقة، لتكون الذريعة التي تستغلها تلك القوى للتدخل فى المنطقة، بشكل مباشر، بحجة القضاء على الإرهاب، كما فعلت من قبل فى أفغانستان، تحت شعار القضاء على تنظيم "القاعدة".
 
أولاً- الأبعاد المختلفة للأمن القومي العربي:
 
إذا أردنا أن نتعرف على التحديات المختلفة التي تواجه "الأمن القومي العربي"، فى تلك المرحلة، فيجب بداية التطرق إلى أبعاده المختلفة، حيث إنه على الرغم من حداثة الدراسات فى موضوع "الأمن القومى"، فإن المفاهيم المتعلقة به قد أصبحت محددة وواضحة فى فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية فى الكثير من الدول. وقد برزت كتابات متعددة فى هذا المجال، وشاعت مفاهيم بعينها فى إطاره، لعل أبرزها "الأمن القومي الأمريكي"، و"الأمن الأوروبي"، و"الأمن الإسرائيلي"، و"الأمن القومي السوفيتي"، قبل تفككه.
 
وفى مجال التوصل إلى "مفهوم" متفق عليه لـ "الأمن القومى العربى"، فإنه يجدر بنا التعرف على مدلول ذلك "المفهوم"، فى إطار المدارس الفكرية المعاصرة. فـ"الأمن"- من وجهة نظر "دائرة المعارف البريطانية"- يعنى "حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية". ومن وجهة نظر هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، يعنى "أى تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه فى البقاء".
 
ولعل من أبرز ما كتب فى هذا الإطار ما جاء فى كتاب "جوهر الأمن"، الذي كتبه "روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وأحد مفكري الاستراتيجية البارزين، والذي قال فيه "إن الأمن يعنى التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، فى ظل حماية مضمونة". واستطرد قائلاً: "إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التى تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية فى جميع المجالات، سواء فى الحاضر أو المستقبل".
 
ثانياً- مفهوم "الأمن القومي" فى النظام العربي:
 
بدأ "الفكر السياسي" العربي فى الاهتمام بصياغة محددة، ومفهوم متعارف عليه لـ"الأمن القومي العربى"، فى منتصف السبعينيات، حيث تعددت اجتهادات المفكرين العرب فى تلك الفترة، من خلال الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، سواء فى المعاهد العلمية المتخصصة، أو فى مراكز الدراسات السياسية، والتى تحاول تعريف ذلك "الأمن".
 
ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، الذى وضع عام 1944، وأنشئت الجامعة على أساسه فى مارس عام 1945، لم يذكر مصطلح "الأمن"، وإن كان قد تحدث فى المادة السادسة منه عن مفهوم "الضمان الجماعي" ضد أي عدوان يقع على أى دولة عضو فى الجامعة، سواء من دولة خارجية، أو دولة أخرى عضو بها.
 
كما أن معاهدة "الدفاع المشترك"، و"التعاون الاقتصادي" بين الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية، والموقعة عام 1950، قد أشارت إلى التعاون فى مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، لكنها نصَّت أيضا فى المادة الثانية على "الضمان الجماعي"، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة فى حالة الخطر الداهم، كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك "مجلس الدفاع العربي المشترك"، الذي يتكون من وزراء الدفاع، والخارجية العرب.
 
كما أُنشئت "اللجنة العسكرية" الدائمة، التي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية. هذا، ولم تبدأ الجامعة العربية فى مناقشة موضوع "الأمن القومي العربي" إلا فى دورة سبتمبر 1992، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن ذلك "المفهوم"، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، تعرض بعدها على مجلس الجامعة. وقد تم إعداد ورقة عمل حوله لمناقشتها فى مجلس الجامعة العربية، وحددت الورقة ذلك "المفهوم" بأنه «.. قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها، وحقوقها، وصياغة استقلالها، وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانات العربية فى مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة فى الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر فى الأمن القومي العربي».
 
هذا، ولم تعرض الدراسة الشاملة عن "الأمن القومي العربي" على مجلس الجامعة، كما أن العديد من المفكرين عبَّروا عن قصور "المفهوم" الذي توصلت إليه اللجنة، حيث اتسم "المفهوم" بالغموض من جانب، والخلط بين التعريف والإجراءات من جانب آخر. ولهذا، فإن الورقة أفاضت بعد ذلك فى تحديد استراتيجيات "العمل الوطني" فى جميع المجالات، ولم تحدد اختصاصات تنفيذ ومتابعة أيٍّ منها.
 
فى النهاية يمكن القول: إن "الفكر السياسي العربي" لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم "الأمن القومي العربي" يمكن أن تواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي، وتوازناته، وانعكاساته على تصور وأبعاد هذا "الأمن"، وإن الموضوع لا يزال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة، رغم كل ما كتب عنه. لذا، بات من الضروري التوصل إلى مفهوم شامل لـ "الأمن القومي العربي"، ووضع "التنظيمات الإرهابية" كمهدد رئيسي لهذا "الأمن"، خاصة فى ظل انتشارها وتغلغلها فى المنطقة. كما أن وجود قوة عربية متماسكة، تحت قيادة موحدة، صار ضرورة ملحة لمواجهة ذلك التهديد الإرهابى، والقضاء عليه نهائيا فى المنطقة، لاسيما أنه أصبح يهدد أمن واستقرار الدول العربية بشكل كبير.
 
طباعة

تعريف الكاتب

جميل عفيفي

جميل عفيفي

مدير تحرير جريدة الأهرام