تحليلات - قضايا عالمية

الحلول الأمريكية "المنقوصة" لاستئناف مفاوضات السلام

طباعة
تكشف زيارة الوفد الأمريكي البارز للأراضي الفلسطينية المحتلة، أخيرا، عن غياب رؤية واضحة لإنجاز عملية السلام، في ظل تجنب توضيح موقف محدد من الاستيطان، والقدس، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق حدود عام 1967، خلا الحديث المتواتر حول "صفقة نهائية" للصراع العربي- الإسرائيلي، بدون تحديد ماهيتها أو مضمونها حتى الآن.
 
فيما تتضمن أبرز ملامح الأجندة الأمريكية لضخ وتيرة الحراك في حالة الجمود الراهنة للعملية السياسية، عبر جولات مبعوثيها المكوكية للمنطقة التي لم تثمر عن نتائج ملموسة حتى الآن، بحسب ما يتسرب من خلف أبواب المباحثات المغلقة، حيث تركز واشنطن على مساري تقديم "التسهيلات الاقتصادية"، و"الحل الإقليمي"، بما يلائم المنظور الإسرائيلي، على حساب القضية الفلسطينية.
 
بيد أن المساعي الأمريكية – الإسرائيلية، التي تتجاوز أساس "حل الدولتين" نحو جبّ الكيان الفلسطيني المنشود بحكم ذاتي محدود، تصطدم بالموقف العربي الفلسطيني الموحد، الذي تجسد في المشاورات التنسيقية الثلاثية، المصرية، والأردنية، والفلسطينية، التي عقدت أخيرا في كل من عمان والقاهرة للعمل على إطلاق مفاوضات جادّة وفق قرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية للسلام.
 
مسارات متناقضة
ضمت زيارة الوفد الأمريكي البارز للأراضي الفلسطينية المحتلة أخيرا كلا من المبعوث الخاص للعملية السلمية، جيسون غرينبلات، وكبير مستشاري البيت الأبيض، جيرارد كوشنر، ونائب مستشار الأمن القومي للشئون الاستراتيجية، دينا باول، للأراضي الفلسطينية المحتلة .
 
وجاءت هذه الزيارة عقب مشاورات الاجتماعات التنسيقية الثلاثية، المصرية- الأردنية- الفلسطينية، التي عقدت في عمان، في منتصف مايو الماضي، والقاهرة، أخيرا، وقريباً في رام الله، انبثاقاً عن قرار قمة عمان، في مارس الماضي، من أجل تنسيق المواقف، وطرح رؤية عربية موحدة وداعمة للقضية الفلسطينية، في ظل الجهود الأمريكية الحالية لبحث سبل استئناف المفاوضات، وقبيل اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الشهر القادم في نيويورك، وذلك عبر تأكيد المبادرة العربية للسلام، بدون تغيير أو تعديل.
 
إذ تعد هذه المبادرة الخيار الاستراتيجي العربي لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والتشديد على "حل الدولتين" بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وقابلة للحياة، وفق حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، فضلاً عن العمل على إطلاق مفاوضات ضمن إطار زمني محدد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإنهاء الاحتلال، وصولاً إلى بلوغ اتفاق شامل يعالج جميع قضايا الحل النهائي، وفق مقررات الشرعية الدولية.
 
وإذا كان الالتزام "بحل الدولتين" قد حضر بقوة من جانب الرئيس محمود عباس، خلال لقائه في رام الله بأعضاء الوفد الأمريكي، أصحاب المواقف المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، فإنه كان غائباً تماماً عن أجواء الحوار مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن عن إقامة وحدات استيطانية جديدة على وقع زيارة مبعوثي واشنطن، حيث شغل ملف عملية السلام مساحة هامشية من المباحثات الثنائية، لمصلحة الاهتمام بأولوية القضية الأبرز التي تقلق سلطات الاحتلال بشأن الأزمة السورية.
 
إذ يخشى الإسرائيليون من أن وجود إيران و"حزب الله" قرب الجولان المحتل في سوريا يشكل عامل ضغط عليهم في أي مواجهة عسكرية محتملة، في ظل تحسب واشنطن من التورط أكثر في الأزمة السورية أسوة بواقعها في العراق، مما دفع بنتنياهو للالتفات صوب روسيا، لإقراره بأنها تعد مدخلاً إلزامياً لأي ترتيب سياسي أمني في سوريا، في محاولة منه لربط اتفاق وقف النار بشرط انسحاب القوات الإيرانية و"حزب الله" من ساحتها.
 
نتائج متواضعة
وخلافاً للتصريحات الأمريكية والفلسطينية الرسمية التي وصفت مباحثات الرئيس عباس مع أعضاء الوفد الأمريكي "بالمثمرّة"، إلا أن نتائج مهمة مبعوثي البيت الأبيض جاءت متواضعة، عند اكتفاء الجانبين بتأكيد إيجابية الحوار، وأهمية استكمال المشاورات لبحث سبل إحياء المفاوضات، مقابل تأكيد موقف القيادة الفلسطينية من رفض الذهاب إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بدون تحديد موقف أمريكي واضح من "حل الدولتين"، ومناهضة تعديل المبادرة العربية للسلام أو تغييرها، عدا رفض "الحل الإقليمي"، و"التسهيلات الاتصادية" الأمريكية مقابل استئناف المفاوضات.
 
بينما باتت الشروط الفلسطينية، الممثلة بوقف الاستيطان، وإقامة الدولة وفق حدود عام 1967، لاستئناف التفاوض، وضمان نجاعة مساره، في مرمى شكوك النفاذ، أمام الموقف الأمريكي - الإسرائيلي المضاد للشروط المسبقة.
 
حلول منقوصة
أمام اصطدام الموقف العربي الفلسطيني بطبيعة الجهود الأمريكية، المتماهية مع المنظور الإسرائيلي للعملية السياسية، فإن الساحة تبقى مهيأة لاستقطاب حلول منقوصة للتسوية، ستسعى جاهدة لإيجاد موطئ نفاذ لها من بين مواطن الانقسام الفلسطيني، الممتد منذ عام 2007، والمشهد الإقليمي العربي المضطرب بأزماته القاتمة.
وتتخذ طبيعة الجهود الأمريكية لتحريك العملية السياسية مساري تقديم "التسهيلات الاقتصادية" الإنسانية للشعب الفلسطيني، مقابل استئناف المفاوضات، وتجميل وجه الاحتلال، بالإضافة إلى "الحل الإقليمي"، وكلاهما مرفوضان عربياً وفلسطينياً، في الوقت الذي لم يعلن فيه البيت الأبيض صراحة عن موقفه من "حل الدولتين" والاستيطان، بينما جعل القدس المحتلة رهينة الطروحات المتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، عند الإدلاء بتصريحات غير مسبوقة تفيد بنقل السفارة الأمريكية إليها.
 
وتستقيم تلك الطروحات مع ما ينشط راهناً من حراك أمريكي – إسرائيلي يستهدف "التطبيع" قبل حل "قضايا المرحلة النهائية"، (اللاجئون، والقدس، والاستيطان، والحدود، والأمن، والمياه)، للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، المفترضة، بالضغط على الدول العربية الإسلامية لتعزيز آمال الثقة في المنطقة، والتقدم بمبادرات ملموسة تجاه إنهاء عزلة الكيان الإسرائيلي، وإقامة علاقات طبيعية معه، من دون استبعاد الخروج بصيغة (ما) يتصدر التطبيع فيها حل قضايا الوضع النهائي. 
 
ويشكل ذلك محذوراً خطيراً يحقق الأهداف الإسرائيلية في المنطقة، ويجبّ الحقوق الفلسطينية العربية المشروعة، ويقلب عكسياً مضمون المبادرة العربية للسلام، الصادرة عام 2002، والتي تشترط الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من يونيو 1967 ، والتوصل إلى حل عادل متفق عليه بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار الدولي 194، مقابل التطبيع، بمعنى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي العربية والفلسطينية، أولا، وصولا، في الخطوة النهائية، إلى "التطبيع".
 
ويعني ذلك، بشكل أو بآخر، الحديث عن الدولة الفلسطينية بلغة الوضع النهائي، بمعنى الدولة قبل الحل، بما يطوي معه تصفية للحقوق الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن تناقضه البنيوي مع حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم التي هجروا منها بفعل العدوان الإسرائيلي عام 1948، خاصة في ظل الاشتراط الإسرائيلي بالاعتراف الفلسطيني "بيهودية الدولة"، والذي يستهدف شطب حق العودة، وحرمان المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 من حقهم في بلادهم.
 
ويدرك الاحتلال الإسرائيلي جيداً تحلله من أية ضغوط راهنة قد تدفعه لتقديم أي تنازلات نحو إحداث تقدم في العملية السياسية، فيما يجد نفسه غير مضطر، اليوم، لبلوغ تسوية تشمل حلا وسطاً بخصوص الأراضي المحتلة، وإضعاف قدرته الرادعة، إزاء اختلال موازين القوى لمصلحته، في ظل المشهد الإقليمي العربي المضطرب، فضلاً عن عدم استعداده لتبديل طبيعته وخطابه الأيديولوجي، على الرغم من محاولاته المستمرة للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية. ذلك أن المحتل يبحث عن صيغة (ما) تمكنه من تحقيق السيطرة والأمن، من دون أن تؤدي إلى اهتزاز الداخل الإسرائيلي، وفقدان مصداقية المشروع الصهيوني، سواء بالنسبة للمستوطنين، أو للمركز الإمبريالي الذي تتبع له، وهو أحد أهم التناقضات التي تكتنف مسيرة التسوية السلمية. 
 
من هنا، يأتي الرفض الإسرائيلي لتقسيم القدس، ووقف الاستيطان، وحق العودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، حيث لم يخرج الموقف الإسرائيلي من الكيان الفلسطيني المستقبلي عن إطار حكم ذاتي تنحصر حدود صلاحياته ضمن الشئون الحياتية للسكان، فيما الأمن والسيادة موكولان للاحتلال. 
 
وقد سمح الوضع العربي الإقليمي والدولي للاحتلال بالمضي في مخطط منع إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة، وفق حدود عام 1967، وتقوّيض "حل الدولتين"، عبر إغراق المساحة المخصصة لكيانها بالمستوطنات، والطرق الالتفافية، والحواجز العسكرية، مما تسبب في قضم 80% من مساحة الضفة الغربية، مقابل أقل من 20% للفلسطينيين، تشكل 12% من فلسطين التاريخية، ضمن "كانتونات" غير متصلة جغرافياً، وتضم زهاء نصف مليون مستعمر في 180 مستوطنة.
غياب الرؤية الأمريكية 
 
بيد أن أي تسوية قد يتم التوصل إليها لن تنهي الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث ستبقى قضايا جوهرية معلقة، مثل الاستيطان، وحق العودة، والقدس، في ظل شكوك بالالتزام الإسرائيلي بأي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه، قياساً بتجارب سابقة.
 
وفي المحصلة؛ لا يوجد ما يشي بقرب التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية خلف المنعطف المقبل، على الأقل، وربما البعيد، حيث لا تملك الإدارة الأمريكية رؤية واضحة لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، بل جلّ ما تحرص عليه الإمساك بتلابيب ملف التسوية السلمية، بعيداً عن القنوات الأممية، والأوروبية، والصينية (الحديثة)، والقيام بجولات مكوكية توحي بإبقاء الملف حاضراً ضمن نطاق اهتمامها لإدارة الصراع فقط، وليس حله.
 
 
 
طباعة

تعريف الكاتب

د. نادية سعد الدين

د. نادية سعد الدين

كاتبة وباحثة من الأردن