تحليلات - التطرف والإرهاب

دلالات وأهداف تصاعد العمليات الإرهابية في مصر

طباعة
شهدت مصر، خلال الأيام الماضية، تصاعدا للعمليات الإرهابية، التي بدأت بالهجوم على إحدى نقاط الارتكاز الأمني على محور 26 يوليو، مساء السادس من يوليو الجاري، والذي نتج عنه إصابة أحد المجندين. وفى اليوم التالي، شنت مجموعة تابعة لتنظيم "داعش" هجوما على نقطة عسكرية للجيش في منطقة "البرث"، جنوب رفح، شمال سيناء، مما أسفر عن استشهاد وإصابة 26 ضابطا وجنديا، ومقتل 40 إرهابيا من المهاجمين. ثم تم اغتيال ضابط بالأمن الوطني بمنطقة الجبل الأصفر في محافظة القليوبية. تطرح تلك العمليات الإرهابية تساؤلا مهما حول توقيتها، ودلالاتها، وأهدافها، لاسيما وأن مثل هذا النوع من العمليات قد توقف منذ عدة أشهر.
 
توقيت العمليات:
 
حمل توقيت الهجمات الإرهابية السابقة، خاصة حادث رفح، بعض الدلالات المهمة، لاسيما عقب الرفض القطري لمطالب دول المقاطعة، التي كان على رأسها وقف تمويل التنظيمات الإرهابية في المنطقة، مما يشير إلى احتمال أن تكون تلك العمليات قد جاءت في إطار مساندة هذه التنظيمات لقطر في مواجهة دول المقاطعة، وعلى رأسها مصر.
 
إذ إن جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد الداعم الأكبر لقطر في هذه الأزمة، إلى جانب تنظيم "القاعدة"، قد أصدرت فتوى، عبر إحدى أذرعها الدعوية، وهو ما يسمى بـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي يترأسه "يوسف القرضاوى"، في 8 يونيو 2017، تقول إن "مساندة قطر في مواجهة دول المقاطعة، وفك الحصار عنها واجب شرعي، لا يجوز التخلي عنه".
 
كما أن هذه الهجمات الإرهابية قد جاءت بعد وقت وجيز من إعلان الجيش العراقي عن تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم "داعش"، الأمر الذي يشير إلى أن هجوم رفح ربما يأتي فى إطار رغبة "التنظيم" في لفت انتباه وسائل الإعلام بعيدا عن الانهيار التنظيمي الذي يواجهه فى العراق وسوريا، وفى الوقت نفسه يرفع معنويات عناصره، عبر الظهور بأنه لا يزال قادرا على القيام بهجمات إرهابية، مما يمكنه من خلق حالة من التماسك التنظيمي.
 
بالإضافة لذلك، فإن هذه الهجمات قد جاءت عقب أحكام الإعدام التي صدرت ضد المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"مذبحة كرداسة"، والتي قامت بها مجموعة من الإرهابيين الموالين لجماعة الإخوان المسلمين، مما يدل على أن الهجوم على كمين 26 يوليو يمكن أن يكون من تنفيذ إحدى المجموعات الإخوانية، التي صارت تمارس الإرهاب على نطاق واسع، لاسيما وأن حركة "حسم"، التي تعد أحد الأجنحة العسكرية للجماعة، أعلنت مسئوليتها عن اغتيال ضابط الأمن الوطني، الملازم إبراهيم عزازى.
 
وتشير العمليات الإرهابية، التي شهدتها مصر، فى الأيام الأخيرة، والتي قام بها كل من تنظيم "داعش"، وجماعة الإخوان المسلمين، إلى حجم الإرهاب الذي تحاربه مصر، حيث إنه لم يعد مقصورا على جماعة بعينها، حيث أصبح يتسم بالتنوع الشديد، فى ظل تعدد التيارات التي تمارسه، فضلا عن التنسيق فيما بينها، وذلك لإحداث أكبر قدر ممكن من الرعب والخوف بين المواطنين.
 
كما أن الطريقة التي نفذ بها عناصر "داعش" الهجوم على نقطة الجيش فى رفح، والتي استخدموا فيها مايقرب من 12 سيارة دفع رباعي، بخلاف الأسلحة والمتفجرات، تدل بشكل واضح على عمق التمويل الذي تتلقاه هذه التنظيمات، خاصة أنها  ليست العملية الأولى التي يتم فيها استخدام مثل هذه الإمكانيات العالية، والتي تحتاج إلى تمويل كبير، لا يتوافر إلا من خلال قوى إقليمية راعية للإرهاب.
 
أهداف متعددة:
 
ثمة مجموعة من الأهداف تسعى التنظيمات الإرهابية لتحقيقها من وراء الهجمات الأخيرة، لاسيما فى ذلك التوقيت، خاصة أنها تتزامن مع احتفالات الدولة المصرية بثورة 30 يونيو. ويمكن تحديد أهم هذه الأهداف فى الآتى:
 
 كسر "هيبة الدولة" المصرية: حيث تدرك التنظيمات الإرهابية التي تقوم بتلك العمليات جيداً أنها لن تتمكن من إسقاط الدولة المصرية، أو إقامة "إمارة" خاصة بها، عبر تلك العمليات، كما أنها لن تؤدى إلى هزيمة الجيش المصري،أو انهيار مؤسسات الدولة. وبالتالي، فإنها تهدف بشكل أساسي إلى كسر "هيبة الدولة المصرية" داخليا وخارجيا، كونها تمثل "عمود الخيمة" في بقائها، لاسيما فى مواجهة الدول التي تسعى إلى إسقاط الدولة المصرية، مثل قطر وتركيا، عبر دعمهما لجماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
 
تحجيم دور مصر الخارجي: حيث تسعى التنظيمات الإرهابية فى مصر، بتحريض من الدول الداعمة لها، إلى تشويه صورة الدولة المصرية فى الخارج، وإظهارها بصورةالعاجزة عن حماية جنودها، فضلا عن حماية مواطنيها،الأمر الذي يؤثر سلبا فى دورها الإقليمى، خاصة فى ظل دورها البارز فى الحرب على الإرهاب، وهذا ما تسعى إليه تلك الدول، خاصة بعد أن كشفت مصر عن علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية، عبر تقديمها الدعم المالي والإعلامي واللوجيستى.
 
•خلق "وجود داعشى": ففى ظل الفشل الذريع لتنظيم "داعش" فى سيناء، نظرا لكونه الفرع الوحيد الذي لا يسيطر على مساحة من الأرض، مثل باقي فروع التنظيم، خاصة أن ذلك يعد من الشروط الرئيسية لإطلاق مصطلح "ولاية"، مما جعله ينظر إليه على أنه  مجرد مجموعة داعشية، وليس واحدا من الفروع الرئيسية، لذا فإن عناصر التنظيم يسعون بين الحين والآخر إلى شن الهجمات ضد رجال الشرطة والجيش ليثبتوا أن التنظيم موجود على الأرض، وبالتالي يتمكن من جذب عناصر جديدة، يعوض بها الخسائر البشرية الفادحة فى صفوفه، حتى يتمكن من البقاء على قيد الحياة.
 
•ضرب حالة الاستقرار فى البلاد: من المؤكد أن التنظيمات الإرهابية لا يمكنها العيش فى دولة تتمتع بالاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي فهي تقوم بمثل هذه الهجمات فى مناطق متعددة من البلاد لضرب حالة الاستقرار التي أصبحت تتمتع بها مصر مؤخرا،أخيرا، لاسيما وأن ذلك يؤثر سلبا فى قطاع السياحة والاستثمار الذي تعول عليه الدولة كثيرا، خلال المرحلة الحالية، فى تحسين الأوضاع الاقتصادية فى البلاد. وبالتالي، فإن القوى الداعمة للإرهاب تسعى لضرب حالة الاستقرار، حتى تنتشر المجموعات المتطرفة والإرهابية، وهو ما يعنى الفوضى والانهيار.
 
رسالة لدول المقاطعة: فربما تمثل الهجمات الإرهابية الأخيرة، التي حدثت فى مصر، رسالة تهديد لدول المقاطعة بأن قطر تعد صاحبة أذرع طويلة، عبر تحالفها مع التنظيمات الإرهابية، وأن هذه الأذرع يمكن أن تطول مصالح بعض الدول، لاسيما وأنها تمكنت من استهداف مصر. وبالتالي، فإنه من المحتمل أن تكون تلك الهجمات تحمل رسالة، مفادها أنه يجب على دول المقاطعة تغيير موقفها من قطر، لأنها ليست بمفردها، خاصة بعد سعى جماعة الإخوان المسلمين إلى تصوير الخلاف بين قطر ودول المقاطعة على أنه صراع ديني. وقد عبر عن ذلك التوجه القيادي فى الجماعة وجدي غنيم، فى يونيو 2017، بأن دول المقاطعة تتحالف مع الكفار والصليبيين ضد دولة قطر، لأنها تدافع عن الإسلام. 
 
 في ضوء ما سبق، يمكن القول إنه برغم قدرة التنظيمات الإرهابية فى مصر، بين الحين والآخر، على شن بعض الهجمات الإرهابية، التي يسقط فيها أعداد من الشهداء، خاصة من رجال الجيش والشرطة، فإن الدولة المصرية قادرة على مواجهة تلك التنظيمات، والقضاء عليها، برغم  الدعم الذي تتلقاه من القوى الخارجية، وعلى رأسها قطر وتركيا، نظرا لأن التاريخ والخبرة يقفان إلى جانب الدولة المصرية، التي قدر لها أن تكون رأس الحربة فى مواجهة الإرهاب، والقضاء عليه داخليا وخارجيا.
طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة