من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

مؤلفات تبحث ظاهرة الإرهاب بعد 15 عاما من أحداث سبتمبر

طباعة
على الرغم من مرور خمسة عشر عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر‮ ‬2001،‮ ‬لا تزال قضية الحرب على الإرهاب هي القضية المركزية لعديد من المؤلفات التي تصدرها دور النشر الغربية والعربية على حد سواء، لاسيما مع تنامي عدد التنظيمات الإرهابية، وتعدد هجماتها، في وقت تقود فيه الولايات المتحدة،‮ ‬بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين،‮ ‬حربا دولية مكلفة ماليا وبشريا ضد تلك التنظيمات الإرهابية‮. ‬وقد انقسمت المؤلفات التي تتناول ظاهرة الإرهاب الدولي بالبحث والتحليل،‮ ‬خلال الأشهر التسعة الماضية من هذا العام‮ (‬2016‮)‬،‮ ‬إلى ثلاثة أنواع رئيسية، هي‮:‬
 
النوع الأول‮- ‬صعود تنظيم‮ "‬داعش‮":‬
 
تناقش المؤلفات من هذا النوع أسباب ظهور تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬على الساحة الدولية، وإعلانه‮ "‬دولة الخلافة‮"‬، وسيطرته على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، وانتشار تنظيمات أعلنت ولاءها للتنظيم في سيناء،‮ ‬وليبيا،‮ ‬ودول أخرى داخل وخارج الإقليم‮. ‬وقد ازداد الاهتمام بهذا التنظيم بعد تنفيذه لعلميات إرهابية في عدد من العواصم الأوروبية أخيرا‮. ‬وتناقش تلك المؤلفات‮ -‬أيضا‮- ‬تفوق تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬على‮ "‬القاعدة‮" ‬في قيادة الحركة الجهادية العالمية، مع التركيز على أيديولوجيته،‮ ‬وطرق تجنيده، وكيفية استفادته من الشبكة العنكبوتية في التجنيد،‮ ‬ونشر أفكاره، والاستفادة منها‮  ‬في الترويج لعملياته الإرهابية‮.‬
 
من المؤلفات التي تتناول أسباب نشأة هذا التنظيم كتاب باتريك كوكبرن الذي حمل عنوان‮ "‬الفوضي والخلافة‮: ‬الجهاديون والغرب في صراع من أجل الشرق الأوسط‮". ‬فقد سلط الكتاب الضوء على كيف أسهم التدخل الغربي في أفغانستان،‮ ‬والعراق،‮ ‬وليبيا،‮ ‬وسوريا،‮ ‬واليمن في صعود تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬في العراق والشام،‮ ‬وإعلانه دولة الخلافة‮. ‬فبداية يشير الكتاب إلى أن التدخل الأمريكي في العراق واحتلاله،‮ ‬وتدميره قد حوله من دولة موحدة إلى دولة أصبحت فيها الطوائف العراقية الرئيسية‮ (‬السنة،‮ ‬والشيعة،‮ ‬والأكراد‮) ‬في حالة دائمة من المواجهة والصراع، مما كان له أكبر الأثر على زعزعة استقرار وأمن جميع الدول المجاورة للعراق،‮ ‬فضلا عن دوره في بروز تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬في العراق للدفاع عن السنة، بعد انعدام دورهم في الحكومات العراقية التي تشكلت عقب الغزو الأمريكي للعراق، وفصلهم من وظائفهم في القوات المسلحة،‮ ‬ووكالات الاستخبارات،‮ ‬وقطاعات واسعة من الإدارة المدنية، كما ذكر الكاتب‮.‬
 
ويضيف المؤلف أن تحول الثورة السورية من انتفاضة شعبية إلى صراع عسكري وطائفي أدي إلى تصاعد تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬بشكل كبير على الساحة الإقليمية‮. ‬وفي هذا الإطار، أرجع الكاتب سبب انضمام الكثيرين إلى تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬إلى الفساد المستشري وطائفية الحكومات، أو لأنهم يعتقدون في عدم وجود خيارات أخرى إذا كانوا يرغبون في البقاء على قيد الحياة، ولحالة التفكك والانقسام التي‮ ‬يعانيها العديد من دول المنطقة‮.‬
 
النوع الثاني‮- ‬تقييم الحرب على الإرهاب‮:‬
 
اهتمت الكتابات من هذا النوع بالجهود الدولية لمحاربة الإرهاب،‮ ‬ومنها الحرب الأمريكية على الإرهاب،‮ ‬منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومدي نجاحها في مكافحة التنظيمات الإرهابية مع ارتفاع تكلفتها المادية والبشرية‮. ‬ففي تقييم للتدخل العسكري الفرنسي المباشر في‮ ‬2013‮ ‬بمالي لمواجهة تهديد تنظيم القاعدة، وطموحات التنظيم بتأسيس دولته الخاصة داخل مالي،‮ ‬صدر كتاب‮ "‬الحرب الفرنسية على القاعدة في إفريقيا‮".‬
 
في هذا الكتاب،‮ ‬يرى كريستوفر تشيفيز أن التجربة الفرنسية في مالي تشكل أحد النماذج المهمة والناجحة لعمليات التدخل العسكري الخارجي لمكافحة الإرهاب، خاصة في حال مقارنتها بعمليات التدخل العسكري الغربي التي تمت خلال السنوات الماضية‮.‬ فالعملية العسكرية تمت بصورة سريعة،‮ ‬ولم تتكبد فرنسا على إثرها تكاليف مرتفعة،‮ ‬سواء من الناحية البشرية،‮ ‬حيث قتل في العملية ثمانية جنود فرنسيين، أو من الناحية المادية، حيث بلغت تكلفة الحملة نحو‮ ‬647‮ ‬مليون يورو‮. ‬ويرتبط هذا الأمر إلى حد ما بالاستراتيجية التي اتبعتها فرنسا، والقائمة على التدخل العسكري السريع،‮ ‬والمحدد الأهداف، والمستند إلى دعم ومساعدة داخلية‮ (‬من حكومة مالي‮)‬،‮ ‬وإقليمية،‮ ‬ودولية‮.‬
 
في نهاية مؤلفه،‮ ‬توقع تشيفيز أن تستمر الأزمة البنيوية لدولة مالي التي لا تزال تعاني الانقسام بين الشمال والجنوب، وتراجع الديمقراطية، وفساد الحكم‮.‬ كما أن المساعدات الدولية والإقليمية تبدو‮ ‬غير كافية‮.‬ وهذا الضعف للدولة سيحمل تهديدات مستقبلية قد تؤدي إلى تكرار سيناريو دولة تنظيم القاعدة مجددا، ولكنه سيكون حينها أكثر كارثية
 
النوع الثالث‮- ‬الإرهاب الإلكتروني‮:‬
 

المكتبة---داخلي-داخلي
ناقشت المؤلفات التي تأتي ضمن هذا النوع التحولات في عمليات التنظيمات الإرهابية‮. ‬فقد ركزت تلك المؤلفات على كيفية استفادة التنظيمات الإرهابية من ثورة الاتصالات والتكنولوجيا في تنفيذ هجمات إرهابية أكثر تأثيرا وضرارا من استخدام المتفجرات كتكتيك تقليدي،‮ ‬على‮ ‬غرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر،‮ ‬في ظل تبني الدول الغربية استراتيجيات أمنية صارمة أحبطت عددا من الهجمات الإرهابية التقليدية‮.‬ وإذا كانت التنظيمات الإرهابية قد نجحت في تنفيذ بعضها، فإن الخبراء يتحدثون عن الهجمات الإلكترونية التي هي الأكثر خطورة من الهجمات الإرهابية التقليدية‮. ‬وقد نما هذا النوع من الهجمات،‮ ‬الذي قد تشنه الدول ذاتها،‮ ‬أو تعتمد على أفراد أو مجموعة من القراصنة للقيام بتلك الهجمات الإلكترونية‮. ‬ومن تلك الهجمات هجوم كوريا الشمالية أخيرا في عام‮ ‬2015‮ ‬على شركة سوني بسبب‮ ‬غضبها من فيلم أنتج عام‮ ‬2014،‮ ‬يتضمن مشهدا لاغتيال الزعيم الكوري كيم جونج وون، وقيام روسيا بهجوم إلكتروني على الموقع الإلكتروني لحكومة استونيا،‮ ‬وتكبدها خسائر مالية‮.‬
 
ومن تلك المؤلفات التي تتناول الصور الجديدة لهذا النوع من الإرهاب كتاب فريد كابلان المعنون بـ‮ "‬أرض الظلام‮: ‬التاريخ السري للحرب الإلكترونية‮". ‬ففي هذا الكتاب،‮ ‬يعرض الكاتب لتاريخ الهجمات الإلكترونية، ونماذج لتلك الهجمات‮. ‬ويركز على الولايات المتحدة،‮ ‬وعلى جهود الإدارات الأمريكية المتعاقبة،‮ ‬بداية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ريجان إلى الرئيس الحالي باراك أوباما لتأمين شبكاتها الإلكترونية التي تعتمد عليها مؤسساتها الحيوية ضد الهجمات الإلكترونية‮. ‬وفي مؤلفه،‮ ‬يشير كابلان إلى أن خسائر الحروب الإلكترونية قد تفوق تداعياتها خسائر الهجمات الإرهابية التقليدية، وأنه يصعب التنبؤ بتلك الهجمات،‮ ‬ومنفذيها، لتعطي التنظيمات الإرهابية ميزة تمكنها من شن هجمات مكلفة ضد اقتصادات الدول الكبري،‮ ‬تفوق الذهاب لتنفيذ هجمات ضد تلك المنشآت بالوسائل التقليدية‮.‬
 
في مؤلفه،‮ ‬أشار الكاتب إلى أن الحروب الإلكترونية أصبحت هي الجيل الجديد من الحروب التي تستهدف اختراق أمن الدول في المقام الأول، مؤكدا أن هذه الحروب بدأت منذ حرب الخليج في عام‮ ‬1991،‮ ‬وتطورت مع التطور التكنولوجي، وصولا إلى قدراتها الفائقة والمعقدة اليوم على اختراق قواعد البيانات والمعلومات،‮ ‬وإمكانية تغيير الأحداث والبيانات السابقة بما قد يضر بمستقبل العالم أجمع‮.‬
 
ويشير كابلان إلى أن تلك الحرب تمثل تحديا حقيقيا للولايات المتحدة، خاصة أن بعض الجهات البيروقراطية داخل الحكومة ليست قادرة على العمل،‮ ‬ومواكبة التطور الرقمي المتسارع، إضافة إلى أن خصوم الولايات المتحدة،‮ ‬من حكومات دول معادية،‮ ‬أو تنظيمات إجرامية،‮ ‬وشبكات عابرة للحدود الوطنية،‮ ‬وتجمعات إرهابية، تخوض هذه الحرب بلا هوادة،‮ ‬وتبتكر فيها بما يساعدها على تطوير تقنيات الاختراق والتكتيكات‮.‬
 
وفي سياق متصل،‮ ‬يتناول آدم سيجال،‮ ‬مدير برنامج سياسات الفضاء الإلكتروني والرقمي بمجلس الشئون الخارجية‮ ‬(CFR)،‮ ‬في كتابه‮ "‬النظام العالمي المخترق‮: ‬كيف للأمم أن تقاتل، وتتاجر، وتناور، وتتلاعب في العصر الرقمي‮" ‬الفضاء الإلكتروني،‮ ‬وما يمثله من مخاطر على الدول الأكثر انخراطا وتداخلا مع هذا العالم الرقمي، فضلا عن دوره في تعظيم الفرص للدول الأضعف من حيث المعايير التقليدية للقوة، فضلا عن دور الإنترنت كمنصة للحروب‮ ‬غير التقليدية، حيث أصبحت المنصات الرقمية العالمية بمنزلة منطقة للصراعات والمناوشات بين القوي الكبري والصغري‮. ‬ففي السنوات القليلة الماضية، أصبح الإنترنت سبيلا للتجسس الاقتصادي، وطريقا لسرقة الأسرار الخاصة بالأمن والدفاع، وأداة لإدارة حرب المعلومات، ومجالا مفتوحا لوضع منصات الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحساسة في حالة نشوب حرب حقيقية‮. ‬وفي مؤلفه،‮ ‬يوصي سيجال الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز دفاعاتها ضد أي هجمات إلكترونية محتملة على البنية التحتية‮.‬
 
في الختام، على الرغم من الحروب التي تشنها القوي الدولية ضد التنظيمات الإرهابية،‮ ‬منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي تدخل عامها الخامس والعشرين، لا تزال ظاهرة الإرهاب من القضايا التي تنال اهتمام دور النشر الغربية‮. ‬وتركز المؤلفات التي تصدرها على التنظيمات الإرهابية الجديدة،‮ ‬مثل تنظيم‮ "‬داعش‮"‬، والتنافس بينها وبين التنظيمات القديمة،‮ ‬مثل تنظيم‮ "‬القاعدة‮"‬،‮ ‬على زعامة الحركات الجهادية العالمية، ومواضع الاختلاف في المنطلقات الفكرية والعملياتية بين التنظيمات الإرهابية، وكيف تنجح الحرب على الإرهاب في وقت تطور فيه التنظيمات من تكتيكاتها،‮ ‬وسبل نشر أفكارها، وابتكارها أساليب جديدة للتجنيد‮. ‬فضلا عن إمكانية تنفيذ التنظيمات الإرهابية هجمات أكثر خطورة وتكلفة من الهجمات الإرهابية التقليدية، لاسيما في عالم أصبح فيه الفضاء الإلكتروني هو مصدر التواصل والربط بين أجزائه، وهو الأمر الذي يعقد من المشهد الأمني،‮ ‬مع عدم وضوح منفذي الهجمات الإلكترونية‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو عبد العاطي

    عمرو عبد العاطي

    باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية