مقالات رأى

عقيدة أوباما السياسية

طباعة
أخيراً تأكدت الأفكار التي كان المحللون لسياسة أوباما الخارجية يجتهدون في استخلاصها بعد نشر التقرير المطول الذي حمل عنوان هذا المقال في مجلة «أتلانتيك» مؤخراً، وقد كتبه الصحفي الأميركي جيفري جولدبرغ استناداً إلى عديد من المقابلات والحوارات التي أجراها مع الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته ومستشاريه عبر سنوات، ومن حق أوباما أن تكون له عقيدته وأن يرتب عليها قرارات، غير أن من حقنا نحن أيضاً أن نناقش عقيدته هذه سواء في ذاتها، أو في السياق الأعم للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بصفة خاصة، وثمة ملاحظات عديدة نتخير فيما يلي أهمها:
 
أولى الملاحظات تتعلق بتغير «عقائد» الرؤساء الأميركيين، فقد رأينا الكثير منها بدءاً من «عقيدة أيزنهاور» وحتى الآن، وقد سببت لنا تحولاتها وتداعياتها الكثير من الإرباك والمشاكل، فمن شرق أوسط رأى أيزنهاور أنه بات يعاني من فراغ يهدد بأن يملأه الاتحاد السوفييتي، ومن ثم أبدى استعداده للمسارعة بتقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لدوله، إلى شرق أوسط يراه أوباما مصدراً للشرور والآثام (نظم أوتوقراطية، أيديولوجيات متطرفة، صراعات طائفية، إخفاق اقتصادي.. إلخ)، ومن ثم فهو يريد أن ينسحب بعيداً عنه إلى آسيا التي تمثل المستقبل بالنسبة له وخاصة أن الشرق الأوسط يفقد بسرعة أهميته بالنسبة للاقتصاد الأميركي بفضل الثورة الأميركية في مجال الطاقة، بل إن أوباما يرى في شعوب أفريقيا وآسيا شعوباً شابة تسعى لتحسين حياتها بالحداثة والتعليم والتقدم المادي ولا تفكر في قتل الأميركيين، وعند هذا الحد ينبغي التوقف لمساءلة أوباما الذي يبدو واضحاً أن مشكلات المنطقة قد حجبت عنه جهوداً حقيقية للتقدم في المجالات التي يعايرنا بها فضلاً عن أنه يبدو «عنصرياً» تجاه العرب على هذا النحو! فالعرب إما أنهم أفارقة أو آسيويون، ومع ذلك فهم بعيدون في نظره عن الصفات الإيجابية التي ألصقها بشعوب هاتين القارتين، كما أنهم لا يفكرون في قتل الأميركيين، ولكنَّ نفراً منهم انجرفوا إلى سبيل الإرهاب وهم يقتلوننا نحن عرباً ومسلمين قبل أن يقتلوا الأميركيين.
 
 
 
لم يُشِر أوباما بحرف واحد إلى المسؤولية الأميركية عن آثام الشرق الأوسط. ألم تكن السياسة الأميركية مسؤولة غير مرة عن خلق الإرهاب وتعزيزه؟ أوَ كنا نحن الذين تحالفنا مع «القاعدة» ودعمناها في الحرب على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان؟ أم نحن الذين خلقنا «داعش» وسلّمنا العراق إلى النفوذ الإيراني بسبب الإدارة المدمرة للعراق بعد الغزو الأميركي؟ أم أننا السبب في إذكاء الصراع الطائفي بين سُنة العرب وشيعتهم وهم الذين عاشوا قروناً لم يتجاوز فيها البعد الطائفي حدود الاختلافات العادية؟ وإذا كان أوباما يريد أن ينسحب من الشرق الأوسط فليفعل، لكن عليه أن يتذكر أنه يقدم على هذا وقد خلفت لنا سياسات أسلافه قدراً هائلاً من المشاكل، وفي كل الأحوال عليه أن يحتفظ لنفسه وهو ينسحب بنصائحه المسمومة عن مستقبل المنطقة، فهو ينصح السعوديين بالتشارك مع الإيرانيين والتوصل إلى طريقة للتعايش وتحقيق نوع من السلام البارد تفادياً للصراعات القائمة لأن الولايات المتحدة لن تتدخل بقوتها العسكرية لحسم هذه الصراعات! وبداية فليعلم الرئيس الأميركي أننا أول من يود العيش في سلام مع جيراننا ولكن لإيران مشروعها للهيمنة على الوطن العربي عامة وخليجه خاصة، وقد حقق هذا المشروع اختراقات فادحة حتى الآن في العراق وسوريا ولبنان، وكاد الأمر يستتب له في اليمن لولا «عاصفة الحزم»، وبالتالي فإن الشرق الأوسط ليس كعكة يقتسمها هذا وذاك، ولكنه يشهد معركة حقيقية بين نوازع الهيمنة الإيرانية والإصرار على حماية الهوية والمصالح القومية العربية، وفي هذه المعركة لن تنفعنا نصائح أوباما.
تحتاج «عقيدة أوباما» إلى مزيد من إمعان النظر غير أن الدرس الأول المستفاد منها هو أنه قد آن الأوان لكل من يولي وجهه شطر البيت الأبيض طلباً للعون في قضايانا المصيرية أن يعلم أن الاعتماد على «العقائد» الأميركية طريق مضمون للتهلكة، وأن الاعتماد على الذات في حسم هذه القضايا هو طريقنا الوحيد.
 
------------------------------
* نقلا  عن الاتحاد الإماراتية، 15-3-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

د. أحمد يوسف أحمد