مقالات رأى

دبلوماسية القمم.. هل تحل قمة "إيجاد" الأزمة السودانية؟

طباعة

تفاقمت الأوضاع فى السودان باستمرار القتال بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، حرب دخلت شهرها التاسع دون التوصل إلى أى حل، فعلى الرغم من عقد قمم متعددة من قبل الدول الإقليمية والدولية فإنه ستعقد بجيبوتى قمة رئاسية طارئة لمنظمة إيجاد(الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا) لبحث الأزمة السودانية ودرء فتيل الحرب التى نتجت عنها انتهاكات وجرائم ضد المدنيين، ونزوح جماعى إلى مصر التى استقبلت اللاجئين بكل ترحاب. بارقة أمل ينتظرها العالم وليس السودان فقط بهذه القمة بعد أن حصل رؤساء وقادة منظمة إيجاد على موافقة من طرفى الأزمة، قائد الجيش رئيس مجلس السيادة السودانى عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للجلوس معا للتباحث بشأن وقف الأعمال العدائية، وذلك بحضور ورعاية  السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات وقطر، وبمشاركة واسعة من الأمم المتحدة والدول الإفريقية والاتحاد الإفريقى.

 هذه القمة هى استثنائية فى جيبوتى؛ حيث تترأس الدورة الحالية، لم تكن هذه  القمة هى الأولى بل سبقتها قمة ومباحثات من قبل الرئيس الجيبوتى إسماعيل غيلى للتوصل إلى حل الأزمة، جهود حثيثة تبذلها منظمة إيجاد حتى تم إقناع الطرفين بالجلوس معا للمرة الأولى.

لقاء هو الأول بينهما منذ اندلاع الحرب قى منتصف أبريل الماضى بعد رفض قائد قوات  الدعم السريع لقاء البرهان إلا بصفته قائدا للجيش فقط وليس بصفته رئيسا لمجلس السيادة  السودانى، وهو ما قابله البرهان بإصرار أن يلتقيه بصفته رئيسا لمجلس السيادة السودانى، حتى توصل قادة المنظمة إلى عدم وضع شروط مسبقة لهذا اللقاء من قبل الطرفين، أيضا بعد أن كان للحكومة السودانية تحفظ على رئاسة كينيا للجنة الرباعية لحل أزمة السودان، ورغم ذلك فإن البرهان هو من كانت له المبادرة باللجوء إلى إيجاد لحل الأزمة بعد فشله فى تحقيق هدفه فى قمة جدة بعدم إدانة قوات الدعم السريع.

رغم تجدد التوتر بين حكومة السودان والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق إفريقيا إيجاد بسبب رفض الخارجية السودانية ما جاء فى البيان الختامى للقمة الطارئة لزعماء دول المنظمة التى عقدت سابقا لبحث الأزمة وتحفظها على البيان الختامى، متعللة أن البيان وصل متأخرا، كما اشترط البرهان وقفا دائما لإطلاق النار، وخروج قوات الدعم السريع من الخرطوم، وزاد التوتر بين المنظمة والجيش عندما انسحب السودان من قمة زعماء دول المنطقة التى عقدت فى العاصمة الإثيوبية، متعللا بتولى الرئيس الكينى وليام روتو اللجنة الرباعية المعنية بحل أزمة السودان واتهامه بعدم الحياد،  ومن ثم قام الجيش السودانى بقطيعة مع إيجاد بعد إعلان اللجنة الرباعية المكونة من إثيوبيا، وجنوب السودان، وجيبوتى، وكينيا، فى يونيو الماضى  بحث إمكانية نشر قوات حفظ السلام فى الخرطوم لحماية المدنيين، ودعت إثيوبيا إلى فرض حظر جوى، حينها أخذ الجيش موقفا سريعا ورفض الدعوة ذاكرا سبب الرفض أنه تدخل فى الشأن الداخلى ووعد بمقاطعة المنظمة.

فى خطوة مغايرة فاجأ عبد الفتاح البرهان الجميع بزيارة إلى كينيا وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتى، وأسفرت لقاءاته عن انعقاد القمة لوضع خريطة طريق واضحة المعالم لإنهاء الأزمة ووقف الحرب فى السودان. قمة تم الاتفاق عليها عقب لقاءات منفصلة أجراها البرهان مع الرئيس الكينى وليام روتو والرئيس الجيبوتى عمر إسماعيل غيلى الذى تترأس بلاده الدورة الحالية  للمنظمة، مبادرات عدة انعقدت بجهود من الاتحاد الإفريقى وجهود إقليمية ودولية مثل المبادرة السعودية الأمريكية، ورغم كل الجهود التى خاضتها مصر والسعودية فلم تسفر عن وقف إطلاق النار.

جهود قمة إيجاد:

تميزت قمة إيجاد بالاجتماع الفورى والاتفاق على وقف الأعمال العدائية وهى خطوة  وصفت بأنها حاسمة فى اتجاه تلبية تطلعات الشعب السودانى، وتضمنت الجهود ما يلى:                     

- التوصل إلى وقف إطلاق النار وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.

- تبنى خطة تدمج بين رؤية منبر جدة والمقترحات الإفريقية التى تنص على إطلاق عملية سياسية لانتقال السلطة.

- معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.

- وضع إطار للعملية السياسية فى السودان لإنهاء الحرب والوصول إلى سلام شامل.

- البدء فى عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائى.

  جهود مصر لإنهاء أزمة السودان:

    خاضت مصر جهدا من أجل إنهاء الوضع بين الأطراف المتنازعة فى السودان منذ اندلاع الحرب حتى عقد قمة دول جوار السودان فى يوليو الماضى فى القاهرة، جهود خاضها الرئيس عبد الفتاح السيسى الذي نجح في اصطفاف دول الجوار تجاه الأزمة السودانية  بل حفظ سيادة السودان بعدم التدخل الخارجى، أيضا ترعى مصر جهودا حتى الأسبوع الماضى لأطراف سودانية مختلفة برعاية المجلس المصرى للشئون الخارجية لحل أزمة  السودان وخلق رؤية شاملة لمعالجة الأزمة السودانية، ورعاية المجلس المصرى للمبادرة  السودانية التى تعنى بأربعة محاور: المحور الأول الجانب الإنسانى والسياسى. الثانى يتعلق الأمن. الثالث يعنى بإعادة الإعمار. والرابع الانفتاح على جميع الأطراف لخلق رؤية  لحل الأزمة عبر مسارين هما الحوار بين جميع الأطراف، والتنسيق بين الجهات الفاعلة  المعنية الملف السودانى وقبلا خرجت قمة جوار السودان برعاية مصر بالبيان التالى:

- المطالبة بوقف إطلاق النار من الطرفين.

- عقد حوار وطنى يضم الفصائل السودانية لإنهاء الأزمة السودانية.

- حماية المدنيين وتجنبهم ويلات الحرب.

- احترام سيادة السودان على أراضيه.

- تأسيس مجموعة من وزراء خارجية دول الجوار.

- منع التدخل الخارجى فى الشأن السودانى.

يتبقى السؤال: هل يكون الحل من خلال القمة أم يكون حلا أمميا ينتظره السودان بعد أن طالب البرهان بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة "ب"، متعللا أن رئيسها ينحاز إلى جهات بعينها، مشيرا إلى قوى الحرية والتغيير ما أدى إلى قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين رمضان العمامرة، دبلومسى جزائرى، مبعوثا شخصيا للسودان، أم سيكون الحل من خلال تنسيقية  القوى المدنية الديمقراطية التى يترأسها رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك الذى طرح ورقة الحل التى تتضمن تأسيس تحول ديمقراطى مستدام، وإنهاء الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار الذى يشارك فيه المدنيون.

ويتبقى الحل الجذرى لإنهاء الأزمة متمثلا فى الآتى:

- فك كل طرف علاقاته مع قوى إقليمية ودولية بعينها.

- عدم التدخل الخارجى فى الشأن السودانى.

- تعاظم الجهود الإفريقية والعربية من أجل وقف إطلاق النار والحل الشامل بين طرفى الأزمة.

- أن يكون هناك دور من جامعة  الدول العربية.

- التأسيس لمرحلة انتقالية تلبى تطلعات وآمال الشعب السودانى.

ختاما، هل تنجح قمة إيجاد فى حل الأزمة السودانية؟ هل تتكامل جهود مبادرة إيجاد مع المبادرات التى سبقتها من المبادرة الأمريكية السعودية، والجهود المصرية، خاصة  أن قمة إيجاد تحظى بقبول حكومة السودان رغم تحفظها على عدد من الفقرات فى مسودة البيان الختامى للقمة التى عقدتها إيجاد فى يونيو الماضى وقبول السودان للحل العربى والإفريقى؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام.

طباعة

    تعريف الكاتب

    كاترين فرج الله

    كاترين فرج الله

    باحثة دكتوراه فى الاتصال السياسي