مقالات رأى

فلسفة التعاطى العربى مع الأزمات الإقليمية .. الدبلوماسية المصرية مقاربًة

طباعة

فى خضم الأزمات الإقليمية المتلاحقة، وربما التى لم تقتصر على مجرد الأزمات التقليدية المتعارف عليها كالصراعات الدائرة ومؤشرات الاقتصاد المتراجعة بفعل عدة من العوامل الدولية والإقليمية، لكن كشرت الطبيعة عن أنيابها، لتهاجم شقيقتين عربيتين وشعبين لا يستحقان ما حدث، وربما كارثية الموقف ليست فيما لحق بشعبين كريمين، لكن فيما أبرزته من عدم الجاهزية والاستعدادات الواجبة، مع الخلط بين المفاهيم السياسية والمتعلقة بالسيادة وبين وجوب التعاون والتكاتف بالأزمات، أضف إلى ذلك حتمية ترتيب الجهود المبعثرة على المستويين الوطنى والإقليمى، مع البحث عن مدى فعالية الدور الحقيقى للجامعة العربية والمنوط بها، إلا أن ثمة إيجابيات برزت على السطح، أبرزها الدبلوماسية المصرية ودعم القاهرة الواضح لأشقائها، ليس فقط فى هاتين الأزمتين، لكن فى أزمات متلاحقة طالت الشرق والغرب، برزت خلالها دبلوماسية القاهرة وآلياتها كنموذج يحتذى به، لا سيما فيما يحكم العلاقات بين الدول.

أزمات متواترة:

عدد من التقلبات الجيوفيزيقية والطبيعية، أسهمت فى تواتر الأزمات فى الآونة الأخيرة على المغرب وليبيا، لينكشف الضعف والتراجع على مستويات عدة، غير انتهاج بعض السياسات جامدة لعدم قبول التعاون مقابل حفظ السيادة والاستقلال، عُد ضمن أبرز التعقيدات المستجدة التى شابت المشهد، وبينما سجل زلزال المغرب آلاف القتلى والجرحى، وتراوحت قوته بين 6,8 إلى 7 درجات بحسب الجهات المعنية، إن كان المعهد الجيوفيزيائى الأمريكى أو المركز الوطنى للبحث العلمى والتقنى المغربى، وضرب تحديدا إقليم الحوز جنوب مراكش، وتسبب فى انهيار أسوار مراكش، وبعض الأماكن الأثرية، وتجاوزت خسائره الاقتصادية ما يعادل 8% من الناتج المحلى الإجمالى للمغرب الذى يقدر بنحو 130 مليار دولار، وذلك وفقا لتقديرات هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية.

فيما شهدت ليبيا إعصارا عُد الأقسى منذ أكثر من 40 عاما، وراح ضحيته مئات الألوف من القتلى والجرحى والمشردين، فيما عدت أهم أسباب تداعياته الضخمة الانقسامات السياسية فى ليبيا ومحاولات فرض حكومتين إحداهما فى طرابلس والأخرى تتمركز فى برقة، إلى جانب إهمال درنة - أكثر المدن تأثرا بالإعصار- منذ أحداث 2011 والإطاحة بالقذافى، ومن ثم تغلل داعش والجماعات المتطرفة، مما أثر فى التوقف شبه التام عن الترميمات والإصلاحات للبنى الهيكلية، وهو ما أسهم بنسبة كبيرة فى عدم احتمال السدود لقوة الإعصار، ومن ثم انهيارها.

الموقف المصرى:

تبرز القاهرة كحالة ومقاربة تستدعى الدراسة، خصوصا عقب تعاطيها السريع مع أزمات الأشقاء، فلم يكن بمستغرب الموقف الذى انتهجته مصر عقب هذه الأزمات، كونه ينبع من عدة ركائز دبلوماسية طالما ترسخت لدى القاهرة وقناعتها، تأتى هذه الركائز من عدة منطلقات:

-  الدبلوماسية المرنة والآلية الإنسانية ضمن أبرز آليات الخارجية المصرية، تلك التى تتشكل فى ضوء عدة من المتغيرات الدولية والإقليمية المحيطة، ومع حالة الاتزان الدبلوماسى والرصانة المصرية، تغلب النزعة الإنسانية أيضا، تماشيا مع الأوضاع الكارثية وأزمات الشعوب.

-  فى ظل الأحداث المتصارعة وتغير القناعات ووجهات النظر تجاه العديد من القضايا والملفات العالقة، تحرص مصر على احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها، مع إرساء مبادئ السلام والاستقرار.

-  مراعاة العوامل الجيوسياسية لا سيما فى ظل المستجدات الأخيرة، والمترتبة على بروز عدد من الصراعات.

- وضع الحسابات الاستراتيجية ومعايير التوازن فى الحسبان، حرصا من مصر على عدم الإخلال بمصالحها، وبما لا يطول مصالح الآخرين.

ومنه توافدت المساعدات المصرية إلى معظم الشعوب المتضررة، وأحدثها وطبقا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية يستمر تقديم الدعم الفورى والإغاثة الإنسانية إلى ليبيا؛ حيث جاءت الأوامر بتحرك قوافل محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية ومواد الإعاشة وأطقم الإغاثة وعربات الإسعاف وأعداد كبيرة من المعدات الهندسية عبر الطرق والمحاور المختلفة، بالتنسيق بين القوات المسلحة ومختلف أجهزة الدولة، لتحميلها عبر حاملة المروحيات من طراز (ميسترال) لإرسالها بحرا.

فى الوقت نفسه وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات تم دفع قافلة من المنطقة الغربية العسكرية محملة بمساعدات إنسانية ومستلزمات طبية وفرق البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى معدات هندسية لتحركها براعبر منفذ السلوم، للمعاونة فى إزالة الآثار الناتجة عن الإعصار المدمر، فضلا عن عدد من طائرات البحث والإنقاذ والإخلاء للعمل بالمناطق المنكوبة.

الجامعة العربية.. مدى الفعالية:

اهتمت الجامعة العربية منذ إنشائها 1945 بالإقليم، وعلى مستوى كيفية التصدى للنزاعات ومخاطر الحروب، وفيما عنيت باستراتيجيات السلم والأمان لأعضائها، بالإضافة إلى اقتراح التدابير اللازمة لأى اعتداءات، مع تعزيز القدرات العربية وبذل المساعى الدبلوماسية، والأهم تعزيز التعاون فى مواجهة التهديدات والمخاطر العابرة للقارات، أيضا إنشاء قوات حفظ السلام، إلى جانب تيسير العمل الإنسانى وإزالة الأزمات، وذلك حسبما نصت أبرز نصوص ومواد ميثاقها، وهنا تأتى مجابهة الكوارث فى مؤخرة الاهتمامات، فلا توجد ضمن ركائز الميثاق، مادة قوية أو فعالة تحاكى كيفية مجابهة الأزمات والكوارث، أو تنطوى على أطر واضحة من التعاون والتنسيق، غير أن البلورة الحقيقية للفاعلية المرجوة تبرز فى مبادرة المصرية -الإقليمية، التى قادها الرئيس السيسى مع بعض الزعماء العرب، من أجل إحياء آليات العمل العربى المشترك، ومحاولات إنشاء صندوق عربى لمواجهة الأزمات والكوارث.

وربما تصورات الحلول تكمن فى حتمية الانطلاق ناحية البدء الفورى فى تفعيل أدوار هذه الهيئات عبر التمويلاتالدوليةومخصصاتها المالية، مع تعزيز الاستثمارات ناحية هذه الاتجاهات على أن تخصص عوائدها لدعم ومعاونة الشعوب المنكوبة وإعادة إعمار البنى التحتية للدول المتضررة، والأهم الاستعانة بالجهات الإقليمية المتخصصة والهيئات فيما يخص بحث كيفية التأمين الوقائى للشعوب والبلدان ضد الأزمات من هذه القبيل، خصوصا الشعوب التى تعانى نظما سياسية غير مستقرة، أو نظما ترتكن لأساليب حكم قد تتعارض ومصالح الشعوب، على أن تراعى كل هذه التصورات فى لائحة أو ميثاق تتم صياغته، فى إطار مستجدات الأوضاع والتغيرات التى يشهدها الإقليم، وتحت أى بند سواء فى إطار الجامعة العربية، أو أى منظمة عربية يتم تصعيدها وتصديرها المشهد الإقليمى مواكبة لمجريات الأحداث، لا سيما عقب التعاطى الأخير للجامعة العربية مع كارثتى المغرب وليبيا! حيث اكتفت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتنظيم مؤتمر صحفى حول الأوضاع الإنسانية فى المنطقة العربية،لاسيما الزلزال الذى ضرب المملكةالمغربية والإعصار الذى ضرب دولة ليبيا، فى إطار التعاون القائم بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (قطاع الشئون الاجتماعية – إدارة الصحة والمساعدات الإنسانية) والمنظمة العربية للهلال الأحمروالصليب الأحمر، كما دعت المجتمع الدولى إلى التحرك الفورى والسريع لتقديم كل أشكال الدعم الإنسانى اللازم للتخفيف من حدة الآثار المترتبة على الزلزال الذى ضرب المملكة المغربية، وما خلفه الإعصار فى دولة ليبيا، بحسب الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشئون الاجتماعية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إيرينى سعيد

    إيرينى سعيد

    صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية