مقالات رأى

بعد النيجر.. هل يكون انقلاب الجابون هو الأخير؟!

طباعة

تشهد القارة الإفريقية انقلابا جديدا بعد النيجر فى الجابون؛ حيث قام المجلس العسكرى فى الجابون بالاستيلاء على السلطة على خلفية فوز الرئيس على بونجو بفترة ولاية ثالثة فى الانتخابات الرئاسية؛ إذ أعلن ستيفان بوندا رئيس مركز الانتخابات فى الجابون فوز الرئيس بنسبه 64%، وفور إعلان الفوز بهذه النسبة سارعت المعارضة بالتشكيك فى هذه النتيجة والقيام بأعمال عنف ما أدىإلى قيام المجلس العسكرى بالسيطرة على السلطة فى الجابون، وأعلن ضباط الجيش عبر التلفزيون الرسمى للبلاد عدم القبول بنتائج الانتخابات لعدم نزاهتها والتشكيك فيها وعدم مصداقيتها، ومن ثم أعلنوا إلغاء نتائج هذه الانتخابات، وغلق الحدود وحل السلطة، وحل مؤسسات الدولة.

كماأعلن الضباط الذين أكدوا أنهم يتحدثون باسم "لجنة المرحلة الانتقالية " أنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع فى الجابون، لذا فإن نتائج الانتخابات باطلة، وقد سبق هذا الانقلاب الأسابيع الماضية فرض حظر التجول وقطع للإنترنت حتى لا يتم انتشار دعوات العنف فى البلاد.

الرئيس على بونجو الذى ترأس البلاد منذ 14 عاما ويبلغ من العمر (64 عاما )، انتخب رئيسا للمرةالأولى عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونجو أونديما الذى حكم البلاد أكثر من 41 عاما،وفى عام 2018 أصيب الرئيس بجلطة دماغية غاب على إثرها عن المشهد عدة أشهر، وقد أعلن فوز على بونجو على منافسه ألبير أوندو أوسا الذى حصل على 30% فيما حصل 12 مرشحا آخر على بقيةالأصوات، وبلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات 56%.

لقد سبق وتوقعت ما حدث فى مقالى السابق عن انقلاب النيجر، وذلك لعدة أسباب من وجهة نظرى، تتمثل أهمها فى صراع النفوذ الغربى فى القارة الإفريقية، وعدم رغبة فرنسا فى الخروج الحرج من النيجر وصعود النفوذ الأمريكى؛ فلم يقف الغرب مكتوف الأيدى، وعلى رأسهفرنسا، أمام عجزها عن اتخاذ موقف لعدم إحراجها دوليا بخروجها المخزى المرفوض بشدة من شعب النيجر الذى تمثل فى خروج تظاهرات للنيجريين على مرأى ومسمع للعالم برفض وجود فرنسا على أراضيهم، فكيف إذن تقف فرنسا موقف المتفرج إزاء هذا الإحراج الدولى؟! لذا، نرى أن الغرب عمل بقوة لتحريك حجر الدومينو فى القارة السمراء، وكما ذكرنا مرارا بأيدى أبناء القارة أنفسهم المتمردين لأوضاعهم البائسة لتستغلهم أيادى الغرب للانقلاب على أنظمتهم ودولهم، وبهذا الانقلاب ترد فرنسا. وبالفعل ردت اعتبارها أمام العالم، كما أن ثمة أمرا آخر وراء هذا الانقلاب هو صراع النفوذ القوى وغير المسبوق فى القارة الإفريقية، ومحاولات قوية لتشكيل النظام الدولى وفق الجيوسياسية الغربية التى تمتد متصارعة للتقارب مع إفريقيا أكثر من أى وقت مضى، مما تعمل بمحاولات غير مسبوقة وسريعة لمزيد من الانقلابات والصراعات فى القارة.

ونؤكد، كما أكدنا سابقا، أن القارة الإفريقية ستشهد صفحة جديدة من الانقلابات بمحاولات قوية لنظام عالمى جديد بمسار غربى صميم. سبب آخرأيضا هو تغيير أقطاب الحكم ليس فقط فى القارة بل فى العالم. كما أن تغيير التحالفات يعد عاملا قويا فيماحدث وسيحدث. والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: لماذا الآن ماحدث وسيحدث؟ وبالقطع الإجابة تكمن عند الغرب وتغيير الأقطاب والاتجاه للتعدديةالقطبية، مما قد يتجاوز الحدود لدول الجوار من صراع يطول مناطق عدة وفق اللعبةالدولية بخلق مناطق للصراع وفتح منطلق نفوذ القوى المختلفة مما يكون له الأثر الخطير فى المنطقة بالكامل بل فى الأوضاع العالمية. ولا نستبعد فى تحليلنا لما يحدث من صراعات الدخول فى حرب عالمية، إن لم يفق العالم خاصة الغرب والحكومات للتدخل السريع قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه نتيجة صراع إقليمى ودولى تشتعل معه حرب أهلية فى القارة الإفريقية بأكملها من جراء هذه الانقلابات المتتالية.

تداعيات الانقلابات على القارة الإفريقية:

إن انهيار مؤسسات الدولة وتلاشى فكرةالدولة والوطن بصفةخاصة هو مايريده الغرب، وأيضا عدم ثقة شعوب القارة بتحالفاتها ومنظماتها، فمجموعة إيكواس فى وضع حرج للغاية.فمع انقلاب النيجر لم تملك خطة محددة المعالم للسيطرة على الأمر، ولم تملك أيضا السيطرة على المشكلات السياسية، والآن ستقف المجموعة مكتوفة الأيدى مرة أخرى، فهى لم تملك الآلية للحل فى النيجر، فكيف تملك إذن الحل أمام هذا الانقلاب؟! فهى الآن فى وضع غاية فى الحرج والتعقيد.

ثمة دلالات أخرى لهذا الانقلاب منها عدم ثقة الشعوب بالاتحاد الإفريقى الذى لم يقم حتى الآن بحل أزمة النيجر، وسيواجه أزمة جديدة، فكيف يكون الحل السريع لدرء هذه الانقلابات والعمل الجاد لاستقرار هذه الدول؟! للأسف المنظمات الإفريقية لم تكن مؤهلة للحل منذ زمن لتفشى الفساد الذى يضرب النظام السياسى للدول الإفريقية، وهو ما جنته اليوم بهذه الانقلابات، وقد نادينا مرار من قبلبحتمية تدخل الاتحاد الإفريقى والحكومات للعمل على الاستقرار السياسى لدول القارة ودرء الفساد المستشرى فى هذه الأنظمة حتى لانصل إلى ما نحن عليه اليوم.

أيضا سيؤثر ما حدث بقوة فى شعوب القارة من حيث انتشار الجرائم والإرهاب والحروب الأهلية بل ظهور الأخطر من ذلك وهو الانقسام فى الجيوش الإفريقية، كما السودان، ما ينتج عنه ضرب استقرار الدول الإفريقية ووحدتها، والحرب الأهلية التى يقاتل فيها أبناء الشعوب بعضهم بعضا.بالإضافة إلى ذلك أيضا موجة شديدة من الهجرة بعد السودان ستشهدها المنطقة، ومن يتآكل هو المواطن. فكما ذكرت فى المعادلة الدولية: إن أمن المجتمع من أمن الفرد، وهو ما لم تعمل عليه اتحادات القارة.

سيناريوهات الحل

لابد من قيام الاتحاد الإفريقى وإيكواس بالدور المنوط بهما فى الحفاظ على سيادة الدول والتدخل السريع للحل السلمى، وتطبيق سياسة الحكم الرشيد، وإحلال الأنظمة الفاسدة، ما يعنى أخذ قرار الحل الداخلى أولا دون الغرب الطامح لمصالحه الشخصية فقط، ومراعاة التغيرات الدولية خاصة التى تحدث فى القارة والإقليم، والعمل عليها مسبقا حتى لاتحدث انقلابات أخرى، فلم تحتوِ هذه الاتحادات ما حدث من انقلابات سابقة حتى الآن، حتى يأتى عليها انقلاب جديد. وأن تسعى جاهدة للحفاظ على كيان الدول وموقعها التاريخى والجغرافى،وأن تعى جيدا التغيرات الجيوسياسية فى المنطقة، والعمل المسبق على مواجهتها. وكان لابد من أن تواجه تحول بعض الكيانات الغربيةالطامعة فى القارة السمراء، فعليها الآنالسرعة فى التحرك قبل فوات الأوان من خلال العمل وفق آليات سريعة لحفظ السلام فى القارة وتدخل سريع وفورى فى هذا الأمر لحفظ الأمن، وقيام الاتحادات القارية بتكوين قوات حفظ سلام إفريقية خالصة لتفادى الحروب الأهلية وانقسامات الجيوش الوطنية، وهو ما كان هدف الغرب الأساسى، وللأسف نفذ من قبل أياد وطنية تعمل وفق أجندات خارجية، مع ذلك لابد من العمل على عدد من المرتكزات الرئيسية وهى:

- استغلال ثروات القارة التى ينهبها الغرب، وجعل شعوب القارة بلا اقتصاد لتلجأ الدول إليهم اقتصاديا، ونتيجة لذلك اختطفت دول من قبل دول أخرى نتيجة هذا الاعتماد الاقتصادى عليها وخيراتها بداخلها، فلابد من العمل على ألا تكون الدول الإفريقية مسرحا لتنفيذ ما يرغبه الغرب بتجويع القارة، والآن الكرة فى ملعبه بفرض عقوبات كما فعل مع انقلاب النيجر ليزداد البؤس بؤسا لشعوب قارتنا، وللأسف هذا ما انزلقت إليه مجموعة إيكواس فى فرض عقوبات على النيجر بدلا من الحل الرشيد.

-لابد من أن يعمل حكماء القارة وحكومات الدول المستقرة على الحل السريع والمستقبلى من تأهيل متخذى القرار للحفاظ على أمن وسيادة وثروة دولهم، والعمل على تحقيق مصالح دولهم والحفاظ على الأمن القومى لها والمصلحةالوطنية والحفاظ على سيادتها، وأن تعمل أيضا على درء أخطار الانقلابات، وأن تلجأ إلى شعوبها لحراسة أمنها القومى وسياستها بدلا من الجيوش الخارجية التى تنخر فى جسد القارة وأبنائها،والعمل على حفظ قيم مجتمعنا الإفريقى وهويته،والتوعية بوضع المصلحةالوطنية نصب العين التى تعرف بأنها الأوضاع التى ترى فيها الدولة وجودها واستمرارها، وهو مايعمل على حفظ أقاليمها وصون استقلالها وحريتها وكيانها فى علاقتها الخارجية. ولابد من التوعيةأن المصالح الوطنية هى التى تحدد سلوك الدولة فى سياستها الخارجية فى إطار العلاقات الدولية سعيا منها لحماية مصالحها بسيطرتها على أوضاعها الداخلية ومواجهة الحروب الأهلية فى بلدان المنطقة، فحتى الآن لم يتم الحل لحرب السودان الشقيق، فتركت البلاد تقع تحت سيطرة زعماء المتمردين وأمراء الحروب، وهى فى غفلة نتيجة أوضاعها المتردية داخليا.

- ضرورة حل الانقسامات داخل مجموعةإيكواس، وهذا ماشهدناه جميعا،فالمجموعة ليست على قلب رجل واحد، بل التشرذم كان جليا فى اتخاذ القرارات والحلول فى معضلة النيجر، فلابد من الإفاقة لدول المجموعة، وأن يكون لهم القرار الأوحدوالسمةالغالبة لهم، وهى مصلحة دول غرب إفريقيا الأسمى، وذلك بالتحرك السريع والفورى بالاتحاد ودرء الانقسامات.

- وجود دور واضح من الدول الإفريقية المؤثرة فى المنطقة كما فعلت الجزائر بمبادرة السلام التى طرحتها للحل فى النيجر، ولابد من التفعيل على أرض الواقع.

- ثمة سيناريو آخر وهو الحل من قيادات الجيوش أنفسهم لحماية أوطانهم، كما فعل البرهان بما عرضه من حلول فى أثناء زيارته الأخيرة إلى مصر.

-على شعوب الدول أنفسهم لابد من اتحاد وفكر جديد قوى ومؤثر لإنقاذ دولهم، ونؤكد هنا أنه لابد من الحل الأمنى والسلام بأيدينا، وليس من قبل الغرب أيضا بتشكيل مجموعات سريعة للإنقاذ، واتخاذ القرارات القابلة للحل على أرض الواقع وعدم المماطلة.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    كاترين فرج الله

    كاترين فرج الله

    باحثة دكتوراه فى الاتصال السياسي