مقالات رأى

مُستقبل صناديق الاستثمار فى مصر

طباعة

تحتاج صناعة التنمية إلى آليات تعبئة للموارد ولمؤسسات قادرة على التنظيم، وتعد صناديق الاستثمار إحدى أهم آليات تنظيم الاستثمار فى اقتصاد السوق الحرة، وقد كان لهذه الصناديق دور كبير فى صناعة التنمية فى دول كالصين وسنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية. وتعد صناديق السيادية بمنزلة القطاع الأكبر لصناديق الاستثمار التى يتم من خلالها بناء استثمارات كبرى تعتمد على استثمار الفوائض المالية للدول، وحصيلة خصخصة، أو ثمة أصول مهملة، وتشير التقديرات إلى أن حجم أعمال الصناديق السيادية فى العالم تطور ليتجاوز 10 تريليونات دولار، بعد أن كانت نشأتها فى أسكتلندا عام 1870، ثم ظهرت فى أمريكا عام 1941 وفرنسا عام 1945، وألمانيا عام 1950 لتنتشر ويصل عددها إلى ما يزيد على 55 صندوقا فى 37 دولة فى العالم وكان لأهمية دورها أن صدر قانون لصناديق الاستثمار فى أوروبا الموحدة. وعربيا يعد أقدم صندوق سيادى عربى هو مكتب الاستثمار الكويتى، ثم هيئة استثمار أبو ظبى.

وفى مصر ظهرت صناديق الاستثمار الخاصة مع صدور قانون سوق رأس المال عام 1992، الذى فتح الباب لنشأة صناديق تكون مهمتها تجميع مدخرات الأفراد واستثمارها فى الأوراق المالية، لاستهداف زيادة الربح عن الودائع البنكية، ولكن أنشطة صناديق الاستثمار أوسع من ذلك عالميا لتشمل الاستثمار السيادى من خلال صناديق مثل صناديق ادخار جانب من عوائد موارد ناضبة كالبترول للأجيال القادمة، وصناديق التنمية التى تستهدف تنمية قيمة الأصول قبل توزيع الأرباح، وصناديق عوائد المواد الأولية، وصناديق فوائض المدفوعات الجارية، والصناديق الممولة من فوائض الميزانيات، وصناديق الاستثمار العقارى، وصناديق استثمار عوائد الخصخصة، وصناديق الشراكات الزراعية، وصناديق التثبيت والاستقرار، ومنه صندوق شيلى للاستقرار الاقتصادى والاجتماعى الذى أُسس عام 1885 من إيرادات صادرات النحاس، لتوجه عائدته إلى دعم استقرار أسعار البترول والسلع الأساسية.

وإجمالا، فإن دور الصناديق يكون أكثر أهمية للمواطنين فى ظل أسعار فائدة منخفضة، ويكون أكثر أهمية للدول عند الأزمات المالية، حيث يكون للصناديق دور فى تحفيز النمو وتوقى الصدمات، ولكن ظهرت انتقادات للصناديق كان أهمها أنه غالبا ما تصاب تلك الصناديق بفقدان الرؤية الاستثمارية، وعدم قراءة المستقبل لعدم الربط بين الاقتصاد والاستثمار، والدخول فى أسواق الأسهم فى أوقات غير مناسبة، وعدم الوصول إلى الاستراتيجية المناسبة للاستثمار، وكذلك الافتقار النسبى للشفافية والحوكمة. ولمواجهة تلك الانتقادات أُسست مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية فى واشنطن 2008 بعضوية 26 دولة من أعضاء صندوق النقد الدولى ليكون لها دور فى تنظيم أعمال الصناديق السيادية، وقد اجتمعت تلك المجموعة فى سانتياجو (شيلى) وقامت بصياغة مبادئ (24) للعمل فى الصناديق لدعم حوكمة العمل بها، منها الإفصاح، والمساءلة.

وبالنظر للحالة المصرية يجب عند الحديث عن صناديق الاستثمار أن نستبعد صناديق الخدمات الحكومية، وصناديق الرعاية الاجتماعية والصحية، وصناديق رعاية الشهداء، وصندوق الأسرة، وما يشابهها من صناديق خدمية واجتماعية وليس غرضها الاستثمار. أما صناديق الاستثمار المصرية فبمفهومها الواسع يمكن أن تشمل كيانات أهمها صناديق الاستثمار فى البورصة المصرية بالقانون رقم 95 لسنة 1992، وصندوق مصر السيادى بالقانون 177 لسنة 2018، وهيئة الأوقاف، وجهاز الأموال المستردة. بينما يمكن رصد صناديق ذات طبيعة مختلطة تجمع الجانب الاجتماعى مع جانب الاستثمار كصندوقى تحيا مصر، وتطوير العشوائيات.

وفى ظل اتجاه للتوسع فى صناديق الاستثمار نؤكد أن القضية ليست إنشاء صناديق من عدمه، فالصناديق آلية استثمار موجودة عالميا، ولكن الأهم هو كيف تنجح تلك الصناديق، ووضع تنظيم لا يجعل من وجود هذه الصناديق يمس وحدة موازنة الدولة، وكذلك عدم إطلاق سلطة القرار بها للمديرين التنفيذيين الذين يستهدفون التوسع، وذلك من خلال خلق دور للمراقبين الذين يضغطون لاستهداف الربح، والاقتصاديين القارئين للمستقبل. فمصر تحتاج بالفعل إلى صناديق جديدة من أهمها إنشاء صندوق لدعم تثبيت واستقرار أسعار الوقود والسلع الأساسية يُمول من وفورات أسعار البترول، والسلع الأساسية عند انخفاض الأسعار العالمية، ويقوم بدعم السعر عند ارتفاع الأسعار العالمية، وصندوق لاستثمار عوائد الخصخصة يمول من حصيلة طرح الشركات الحكومية ويعيد توجيهها لاستثمارات أخرى، وإنشاء صندوق للشراكات الزراعية للدخول فى شركات مع الفلاحين فى مجال توحيد نوع الزراعة فى الحوض الواحد واختيار المحصول، وتقديم الإرشاد الزراعى، وتقديم السماد، وتسويق المحصول، والتأمين عليه مقابل نسبة من الربح.

ومن المهم أن تكون المساهمة المالية للموازنة العامة، أو الوحدة الحكومية عند بدء التأسيس فقط، ثم يمارس الصندوق دوره الاستثمارى دون تلقى ثمة مساهمات دورية من أى إيراد حكومى آخر خلاف إيراد الصندوق ذاته، كما يجب تأكيد تقرير مبدأ الإدارة التشاركية التى يشترك فيها المديرون التنفيذيون مع الماليين والاقتصاديين، والعمل وفقا لاستراتيجية مرنة، وأن يتم شغل الوظائف القيادية لفترات محددة يتم ربطها بمستهدفات بعينها، وأن تكون سياسات التشغيل من خلال مسابقات شفافة ومحايدة، وتعزيز أطر الشفافية والحوكمة بالصورة التي تمكن تلك الصناديق من النجاح في تحقيق أهدافها.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د.وليد عبد الرحيم جاب الله

    د.وليد عبد الرحيم جاب الله

    خبير الاقتصاد والمالية العامة، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع