تحليلات - مصر

توافق مصري طاجيكي ومرحلة جديدة للعلاقات بين مصر وآسيا الوسطى .. الأبعاد والدلالات

طباعة

اختتم رئيس طاجيكستان "إمام علي رحمان" زيارته لمصر يوم 11 مارس 2022، التي استغرقت يومين، استقبله خلالها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، الذي أشاد بالروابط والقواسم الثقافية والتاريخية المشتركة بين القاهرة ودوشنبه، وأكد اهتمام مصر بتطوير العلاقات الثنائية معها وتبادل الخبرات بمختلف المجالات لاسيما تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، في ظل التطورات الأخيرة بأفغانستان. وأكد الرئيسين رغبتهما في تعزيز علاقات التعاون الثنائي وبحثا التطورات الإقليمية والدولية، وأكدا على توافق رؤيتهما بشأن الاعتماد على الحلول السياسية للأزمات الدولية ونبذ الحل العسكري. وتعد هذه الزيارة الثانية "لرحمان" لمصر بعد زيارته الأولى في 2007، وتأتي بمناسبة مرور 30 عاما على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ويعول عليها في تعزيز التعاون الثنائي بين القاهرة ودوشنبه وبين مصر ودول آسيا الوسطى ككل.

توافق مصري طاجيكي: 

عقدت جلسة مباحثات بين الرئيس "السيسي" و"رحمان" بقصر الاتحادية بالقاهرة يوم 10 مارس الحالي، أكدا خلالها على أهمية تعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات بين الدولتين. ويعد هذا الاجتماع الثالث بينم الرئيسين "السيسي" و"رحمان" حيث اجتمعا من قبل في مايو 2017 بالرياض علي هامش القمة الإسلامية العربية الأمريكية، وعام 2018  بقمة "البريكس" في الصين. ثم حضر "رحمان" منتدى الأعمال المصري الطاجيكي، وتكريمه بجامعة القاهرة ومنحة درجة الدكتوراه الفخرية، وذلك كما يلي:

- التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب: اتفق الرئيسين على تعزيز التنسيق بين القاهرة ودوشنبه في المجال الأمني وتبادل المعلومات والخبرات الثنائية بمجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والجرائم الالكترونية وتهريب الأسلحة، لأنها أصبحت خطر عالمي يهدد معظم دول العالم. وأكدا على أهمية الجوانب الثقافية والفكرية في التصدي للإرهاب والفكر المتطرف بجانب المواجهة العسكرية والأمنية.وجدير بالذكر أنه تم التوقيع على اتفاقية عام 2007 بين الدولتين لمكافحة الجرائم والإرهاب.

- إستبعاد الحل العسكري للأزمات الدولية: ثمة توافق في مبادئ السياسة الخارجية لكل من مصر وطاجيسكتان، حيث تعتمد الدولتان على الحلول السياسية والدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية والدولية واستبعاد الحل العسكري، كما تدعم طاجيكستان تعميم الأمن والسلم بالشرق الأوسط، وأكد "السيسي" و"رحمان" على ضرورة إنهاء النزاعات في أقرب وقت ممكن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وأوكرانيا. وثمة أهمية لاستمرار التنسيق بين الدولتين، لاسيما على المستوى الدولى، نظرا لكونهم أعضاء مشتركين في منظمتي الأمم المتحدة والتعاون الإسلامي.

- سعى لنقل التجربة المصرية: أكد الرئيسين ضرورة تطوير العلاقات الثنائية بين دولتيهما، واتفقا على متابعة تنفيذ نتائج الدورة الثانية للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني التي عقدت بالقاهرة في نوفمبر ۲۰۱۹.وأشار "رحمان" إلى اهتمام طاجيكستان بالاستفادة من المشروعات القومية والتجربة التنموية التي تشهدها مصر بقيادة الرئيس "السيسي".

- تعزيز التعاون الاقتصادي: بحث الرئيسين سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين، خاصةً في مجالات التعدين والزراعة والموارد المائية والسياحة والصحة، وتعظيم الاستفادة من الطاقة الكهرومائية، والتصنيع الدوائي الذي يمثل معظم الصادرات المصرية لطاجيكستان.وشهد الرئيسين توقيع عدد من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون في مجالات الزراعة، الشباب والرياضة، التعليم العالي، اتفاق صداقة وتعاون بين محافظة جنوب سيناء وإقليم "كاتلون" الطاجيكي، ومذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ومكتبة طاجيكستان القومية.

- التعاون لمواجهة التغير المناخي: من المقرر أن تستضيف مصر قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 27) في نوفمبر المقبل، وتسعى لحشد الجهود الدولية لإنجاح القمة، وتعد مشاركة طاجيكستان بالقمة هامة للغاية، نظرا لكونها تمتلك 60% من مجموع الموارد المائية بآسيا الوسطى، وتعد من الدول المتأثرة بالتغييرات المناخية لاسيما ارتفاع درجات الحرارة التي سيؤدي للذوبان السريع للأنهار الجليدية بها، ولذا قدمت عدة مبادرات في هذا المجال، تم اعتمادها بالأمم المتحدة.

- آليات تعزيز التعاون المشترك:اتفق الرئيسين "السيسي" و"رحمان" على تعزيز التعاون المشترك في شتى المجالات، ومن بين آلياته ما يلي:

· جمعية الصداقة المصرية - الطاجيكية: استقبل رئيس مجلس الشيوخ المستشار "عبدالوهاب عبدالرازق" رئيس طاجيكستان خلال زيارته لمصر، ودعا لتعزيز آليات التعاون برلمانياً  وتشكيل جمعية صداقة طاجيكية مصرية لدعم العلاقات البرلمانية بين البلدين كخطوة مهمة لنقل الخبرات التشريعية المصرية للجانب الطاجيكي.

·اللجنة الحكومية المشتركة:تم إنشاؤها عام 2009، وعقدت دورتها الأولي بالقاهرة باسم "اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني"، ثم عقدت الدورة الثانية بدوشنبه عام 2019، وتم توقيع4 اتفاقيات للتعاون المشترك آنذاك. ويمكن عقدها مرة كل خمس سنوات بدلا من عشر سنوات لمتابعة تنفيذ البرامج والاتفاقيات المشتركة.

· منتدى الأستثمار المصري الطاجيكي: افتتح الرئيس الطاجيكي "رحمان" ورئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" منتدى الأعمال المشترك يوم 10 مارس الحاليعلى هامش زيارته لمصر،
وأعلن "رحمان" عن إنشاء مجلس عمل بين البلدين، سيعمل على زيادة حجم التبادل التجارى. وتم توقيع 11 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين الجانبين، منها .. مذكرة تفاهم بين الاتحاد العام للغرف التجارية وغرفة تجارة وصناعة طاجيكستان، مذكرات تفاهم بين عدد من الشركات المصرية والطاجيكية في مجالات الأدوية، والسياحة، والإنشاءات والمنسوجات.جدير بالذكر أن هناك 45 شركة طاجيكية مهتمة بالاستثمارفي مصر.

أبعاد ودلالات استراتيجية:

تحمل زيارة رئيس طاجيكستان لمصر العديد من الأبعاد السياسية والاستراتيجية المهمة، نظرًا لطبيعة المتغيرات الآنية لمنطقة آسيا الوسطى بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والمنطقة العربية التي تمر بمرحلة انتقالية بالغة الدقة في كل الملفات، والمتغيرات الدولية الممثلة في الحرب الأوكرانية وتداعياتها على مستقبل النظام الدولي، حيث:

- أهمية تعظيم دور القوة الناعمة لمصر: أعرب رئيس طاجيكستان عن سعادته البالغة بعد منحه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة القاهرة، كما تم إهداؤه قلادة الجامعة ودرعها، بدوره قام "رحمان" بالتوقيع في السجل التذكاري للجامعة وألقى محاضرة أشاد فيها بدور الجامعة الرائد في المجالات العلمية والتعليمية على المستوى العربي والدولي، وثمن دور المؤسسات الدينية المصرية العريقة في نشر التعاليم الصحيحة للدين الإسلامي الحنيف، خاصة في ظل استقبال الدارسين من طاجيكستان في الأزهر الشريف والجامعات المصرية.وتزامن ذلك مع استقبال فضيلة الأمام الأكبر شيخ الازهر أ.د "أحمد الطيب" يوم 10 مارس 2022 سفير أوزبكستان بالقاهرة "منصور بيك كيليتشيف" لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين الأزهر وبلاده. وجدد السفير موقف بلاده من الأزهر الشريف وحرصها على تعزيز التعاون مع المؤسسات العلمية والدعوية في دولة أوزباكستان لتحقيق الاستفادة المتبادلة.وثمن دور "الطيب" في نشر قيم السلام والتسامح والحوار حول العالم. لاسيما أن الأزهر يقدم مئات المنح الدراسية السنوية لطلاب آسيا الوسطى في مختلف العلوم، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تفعيل قوة مصر الناعمة ممثلة في المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية المؤثرة عربيًا وإسلاميًا.

- جدوى تعزيز التعاون مع طاجيكستان: طاجيكستان هي دولة من دول آسيا الوسطى حبيسة وجبلية يقدر عدد سكانها بنحو 9 ملايين نسمة، وتبلغ مساحتها نحو 142.600 كم، لها علاقات جيدة بدول الجوار وتستضيف قاعدة عسكرية روسية، تصاعدت أهميتها بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021 لعاملين، هما:

· موقع طاجيكستان الاستراتيجي.. فهي دولة حبيسة تتوسط الصين وروسيا وأفغانستان وتشهد تلك الحدود حالة من السيولة الأمنية، لاسيما بعد سيطرة حركة "طالبان" (المصنفة إرهابية في معظم دول العالم) على الحكم بأفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي منها في أغسطس 2021. وتعززت في أفغانستان تجارة المخدرات والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. فضلا عن المخاوف الدولية المتصاعدة من تحول أفغانستان لبؤرة للتنظميات الإرهابية، مثل (شبكة حقاني، القاعدة، تنظيم داعش خراسان) وهذه التنظيمات توجد في أفغانستان ونشطت بقوة بعد سيطرة "طالبان" على الحكم، ولذا فإن التعاون بين مصر وطاجيكستان في مجال مكافحة الإرهاب سيكون له مردود إيجابي للدولتين.

·  موقف طاجيكستان من "طالبان".. حيث رفضت الاعتراف بالحركة أو إستقبال وفود منها أو التعامل معها، نظرا للتوترات التاريخية بينهم، حيث تقوم "طالبان" بأضطهاد أقلية "الطاجيك" التي تتركز في إقليم "بانجشير" شمال أفغانستان وتنتمي قوميًا وتاريخيًا لطاجيكستان، وتدعو الأخيرة لضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان ومنح حقوق السياسية للأقليات والمرأة، بيد أن "طالبان" ترفض ذلك مما آثار توترا حدوديا في سبتمبر 2021 بين دوشنبه وكابول بعد تهديدات من "طالبان". لاسيما أن كافة دول آسيا الوسطى قد فتحت قنوات تواصل مع الحركة لتجنب معاداتها.

- حرص القيادة السياسية المصرية التواصل مع آسيا الوسطى: حرصالرئيس "السيسي" منذ توليه منصبه على فتح آفاق جديدة للتعاون مع دول آسيا الوسطى (كازاخستان، أوزبكستان، تركمنستان، طاجيكستان، قيرغزستان). فرغم عدم الاتصال الجغرافي الا ان هناك العديد من القواسم المشتركة مع تلك الدول ومنها الجانب الديني والثقافي والرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون الاقتصادي، لاسيما في ظل امتلاك تلك الدول موارد طبيعية متعددة وفرص استثمارية مميزة. وقد أجرى الرئيس "السيسي" زيارتين لأوزباكستان وكازخستان مثَّلا نقلة نوعية في العلاقات معهما. كما أجرى مؤخرا اتصالا هاتفيا مع رئيس كازاخستان "قاسم توكاييف" يوم 24 فبراير 2022 لدعم بلاده بعد موجة الاضطرابات التي شهدتها مطلع يناير الماضي، وبحثا الملفات الإقليمية وسبل تطوير التعاون الثنائي بين القاهرة ونورسلطان عبر زيادة فرص الاستثمار المتبادل والتعاون في قطاعات الصحة والثقافة، فضلاً عن التنسيق وتبادل المعلومات بين الأجهزة المعنية.كما أن مصر تعد بوابة للدول العربية والافريقية لتعزيز تعاونهم مع آسيا الوسطى، وقد تبلور ذلك عام 2014، حيث تم تأسيس "منتدى الاقتصاد والتعاون العربى مع دول آسيا الوسطى" لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين الطرفين.

خلاصة القول، إن نجاح زيارة رئيس طاجيسكتان لمصر تعد مدخلا رئيسيا لتعزيز التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والثقافي بين مصر وطاجيكستان خاصة ودول آسيا الوسطى عامة، لاسيما بعد المتغيرات الدولية الآنية التي تنذر بعودة الحرب الباردة مرة أخرى وسيكون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أحد ساحاتها، ولذا فإن التنسيق المشترك بين دول الإقليمين سيجنبهم حدة الاستقطاب الدولي الراهن.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.