مقالات رأى

آفاق وتحديات التحول إلى الطاقة المتجددة

طباعة

 مستقبل الطاقة في جميع بلدان العالم هو أمر حيوي للغاية يشغل جميع العاملين في مجال الطاقة العالمية، حيث تنضب سريعاً المصادر التقليدية والمعروفة بالطاقة غير المتجددة، ويسعى العالم بجدية بالغة إلى البحث عن مصادر آمنة بديلة للطاقة. ففي غضون خمسين عاما قادمة على الأكثر ستنضب إلى غير رجعة كل المخزونات العالمية من النفط والغاز الطبيعي، وليست مصر ببعيدة عن الموقف العالمي للطاقة، بل ينعكس فيها الموقف العالمي بواقعية شديدة، يتعمق فيها هذا المأزق عينه على نحو بالغ الخطورة. فمصر من أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان، وبالتالي فإنها تواجه زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة نتيجة تسارع وتيرة النمو السكاني والتوسع الاقتصادي، ويفرض ذلك طموحات وتحديات كبيرة لضمان الحفاظ على إمدادات الطاقة بشكل آمن ومستقر. ويمكن لمصر الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة ليس لتلبية حاجتها من الطاقة وحسب، وإنما لضمان نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص عمل جديدة، والمساهمة في تحقيق الأهداف العالمية بخصوص المناخ والتنمية المستدامة. فالتنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة الذى يمثل ۱٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي.

أول مظاهر الخطر في المشهد المستقبلي للطاقة بمصر يقبع في الوفرة الظاهرية الحالية لموارد الطاقة، والتي تشهدها مصر منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، اكتشافات غزيرة للغاز الطبيعي قد تمت وجعلت المخزون المصري من الغاز الطبيعي يرتفع إلى ما يتجاوز عتبة الستين تريليون قدم مكعبة، واكتشافات جديدة للنفط أغنت مصر عن استيراد المنتجات النفطية الآن وإلى حين، ولاتزال هنالك احتياطيات كامنة وفيرة لمصادر الطاقة غير المتجددة أو ما تسمى الطاقة الأحفورية، وفى قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، فقد أمكن الخروج من أزمة طاحنة في نقص فادح في الإمداد بالكهرباء في البلاد خلال فترة ما قبل عام ٢٠۱٤، ومن خلال استراتيجية واسعة شملت خطة عاجلة أسفرت عن إضافة ما يقرب من ۲۲ ألف ميجاوات مركب في نحو أربعة سنوات، والمضي قدماً في تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتطبيق برامج جادة وواعدة لرفع كفاءة الطاقة وترشيدها في ظل تقليص قوى وحاسم لدعم الطاقة وتوجيهها إلى برامج الضمان الاجتماعي والنهوض بالصحة والخدمات، لكن سيظل العامل الأكثر حسماً في هذه الاستراتيجية هو الرؤية السياسية الواضحة والقرار الشجاع بعيد المدى، أى ضرورة التنوع المستقبلي لمصادر إنتاج الطاقة، والبدء الفعلي في إعادة هيكلة مزيج التوليد الكهربي باستخدام مصادر الفحم والقوى النووية في مخطط التوسعات في التوليد الكهربي حتى عام 2030. وقد ظهر الأثر المباشر لهذه الاستراتيجية الشاملة في القضاء على أزمة الطاقة الكهربية نهائياً، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي والتحول إلى التصدير، هذه الوفرة تغطى الزيادة السنوية المطلوبة في القدرات المركبة لنحو خمس سنوات قادمة، لكن بعد هذه السنوات الخمس ستحتاج مصر حتماً إلى قدرات مركبة جديدة، لذلــك فــإن مصــر ملتزمــة بنشــر تقنيــات الطاقــة المتجــددة علــى نطــاق واســع، وطبقـاً لمـا هـو محـدد فـي اسـتراتيجية الطاقـة المتكاملـة والمسـتدامة حتـى عـام ۲٠٣٥. فقـد وضعـت الحكومـة المصريـة أهدافـاً للطاقـة المتجـددة بحيـث تبلـغ نحو ٢٠٪ مـن مزيـج الطاقـة الكهربائيـة بحلـول ٢٠٢٢ و٤٥٪ بحلـول ٢٠٣٥. وبعد أن حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، تسعى مصر جاهدة وتسير بخطوات قوية وسريعة في الاعتماد على الطاقة المتجددة والخضراء، إذ تسعى إلى التحول لمركز إقليمي للطاقة مستندة إلى البنية الأساسية القوية التي تتمتع بها والمتوافرة لديها.

فبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومة المصرية في قطاع الطاقة خلال الفترة الماضية، استطاعت اتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات، والتي تهدف إلى الإصلاح لإطلاق عملية التحول في الطاقة، والعمل على فتح أسواق وآفاق جديدة للاستثمارات في مختلف مجالات الطاقة، وظهر هذا التطلع من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت العمل المشترك بين الجانبين في مجالات الطاقة بشقيه من البترول والغاز والكهرباء، فضلا عن السعي إلى تطوير مجال الطاقة المتجددة.

وتهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ إلى بناء اقتصاد تنافسي ومتوازن في إطار التنمية المستدامة، وتلعب الطاقة المتجددة دوراً محورياً في ذلك، وتسعى استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام ٢٠٣٥ إلى تنويع مصادر الطاقة وضمان أمن الطاقة واستمراره، كما تحدد الشروط المهمة والضرورية لدعم نمو مصادر الطاقة المتجددة بمشاركة جميع قطاعات الدولة. علاوة على ذلك، تعكس الاستراتيجية طموح مصر بأن تصبح نقطة ارتكاز محوري على خريطة الطاقة العالمية تصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا عبر تعزيز ترابط شبكات الكهرباء والطاقة في دول المنطقة وخارجها، فمصر تمتلك العديد من موارد الطاقة غير المستغلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي من المفترض أن تساهم بنسبة تتعدى ٤٠٪ من إجمالي قدرة الطاقة بحلول عام ٢٠٣٥.

وعند الحديث عن تحول الطاقة إلى الطاقة المتجددة، هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان دائماً: كيف يبدو لنا مستقبل الطاقة الخضراء والنظيفة، بالنسبة لمعظم الناس؟ تستحضر الفكرة صور حقول التوربينات الرياحية ومزارع الألواح الشمسية الهائلة، لكن رغم أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هى أشكال متنوعة وممتازة وفعالة بشكل كبير وتكلفة معقولة لإنتاج الطاقة النظيفة مقارنة بالطاقة غير المتجددة، إلا أن لها ضوابط محددة، والمحدد الأول والأكثر انتشاراً  للرياح والطاقة الشمسية هو أن هذه الأنماط من إنتاج الطاقة متغيرة، بمعنى أنها لا تستطيع إنتاج كميات ثابتة ومحددة من الطاقة طوال الوقت، حيث يعتمد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على أشكال الطقس والتغيرات المناخية، والتي لم يجد العالم طريقة للتحكم فيها حتى الآن، وهذا يعني أنه على عكس الوقود الأحفوري التقليدي، تتدفق الطاقة إلى الشبكة من الرياح والطاقة الشمسية، ثم تتوقف ويبدأ بشكل لا يمكن التنبؤ به دائماً ، بينما يحتاج العالم إلى الطاقة بشكل مستقر وبصفة مستمرة نوعا ما، بغض النظر عن شروق الشمس أو هبوب الرياح.

وعن أبرز مشروعات الطاقة المتجددة التي أقيمت في مصر، مجمع بنبان الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، وتبلغ تكلفته نحو ثلاثة مليارات دولار، ويقع بمحافظة أسوان، هذا المشروع الضخم سيعمل على توفير الآلاف من فرص العمل، الأمر الذي ساهم بدوره أيضا في خفض نسبة البطالة. وقد أعلن البنك الدولي فوز مشروع الطاقة الشمسية في بنبان بمحافظة أسوان أنه أفضل مشروعات البنك تميزًا على مستوى العالم، كما أشادت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، بهذا المشروع قائلة إن هذا المشروع سيؤدى إلى إحداث ثورة في إمدادات الطاقة، مضيفة أنه سوف يضع مصر وحدها على خريطة الطاقة النظيفة.

لم يكن مشروع بنبان الطفرة الوحيدة التي شهدتها مصر في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، إذ قام الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع وزارة الكهرباء والطاقة، بتدشين أضخم مزرعة رياح في إفريقيا بمحطة الزعفرانة، وجبل الزيت، وخليج السويس.

وتشكل مزارع الرياح جزءًا مهمًا في استراتيجية الطاقة طويلة الأمد لمصر، والتي تهدف إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في مصر. وتبلغ الميزانية الإجمالية للمشروع ٣٤٠ مليون يورو، تشمل منحة بقيمة ٣٠ مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي، وتساهم تلك المشروعات في تلبية احتياجات البلاد من الطاقة، من خلال تشجيع استخدام الطاقة المتجددة للاستفادة من الموارد المحلية الهائلة في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وفى مجال صناعة الهيدروجين الأخضر، ذلك العضو الجديد في صناعة الطاقة المتجددة، بدأت الحكومة المصرية خطوات فعالة وسريعة للدخول في صناعة الهيدروجين وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود، حيث إنه جارى العمل حالياً على تطوير وصياغة استراتيجية خاصة بصناعة الهيدروجين في مصر من خلال لجنة وزارية مختصة تشارك فيها وزارة البترول والثروة المعدنية كعضو رئيسي، ويتواصل قطاع البترول حالياً مع الدول والشركات العالمية ذات الخبرات الفنية الكبيرة في هذا المجال لاستكشاف فرص التعاون، وأنه تم تنفيذ مشروعات تجريبية في مصر.

وأخيراً وليس آخراً، مصر تنعم بوفرة من مصادر الطاقة المتجددة مع إمكانية عالية لنشرها متمثلة بصفة أساسية في الطاقة المائية والشمسية، وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، ويمكن للمصادر المتجددة أن تحقق ما لا يحصى من المنافع، فعادة ما توفر تقنيات الطاقة المتجددة بديلاً آمناً ومستقراً للطاقة، وعاملاً مهماً في جلب الاستثمارات في البنية التحتية والخدمية للطاقة المتجددة المحلية كقيمة مضافة محلية كبيرة، من خلال توفير العديد من فرص العمل، وداعماً محورياً للاقتصاد المحلى. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدى الطاقة المستغلة والمستمدة من المصادر المتجددة إلى تحرير الاحتياطيات الهيدروكربونية أو غير المتجددة الآخذة في الانخفاض وتخفيض تشويه أسواق الطاقة العالمية، من خلال تخفيف العبء الضخم والثقيل الذى يلقيه الدعم على كاهل التمويل والاستثمار.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د . أحمد سلطان

    د . أحمد سلطان

    مهندس استشارى- رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة