كتب - كتب أجنبية

الطريقة المضمونة لخسارة الحرب‮: الولايات المتحدة في عصر الصراعات غير الرابحة

طباعة
Dominic Tierney,The Right Way to Lose a War:America in an Age of Unwinnable Conflicts,(New York: Little, Brown and Company, 2015)
 
عرض : محمد بسيوني عبدالحليم - باحث في العلوم السياسية
 
تواجه الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية‮ "‬معضلة القوة‮" ‬التي تجلت ملامحها في الهوة الشاسعة بين القدرات العسكرية المتاحة لدولة هي الأكبر من حيث الإنفاق العسكري،‮ ‬وامتلاك أحدث التقنيات العسكرية، وبين عدم حسم الحروب الخارجية التي تورطت فيها بصورة أدت إلي تعاظم تكاليفها‮.‬ 
 
وفي الوقت ذاته،‮ ‬تكفلت هذه الحروب‮ ‬غير الضرورية وغير المحسومة بتقويض صورة الولايات المتحدة كقوة عظمي متفردة تستطيع فرض إرادتها،‮ ‬لاسيما مع ما آلت إليه الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬بعد التدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق‮.‬
 
وقد كانت هذه المعضلة الأمريكية موضع اهتمام أستاذ العلوم السياسية بجامعة سوارثمور دومينك تيرني،‮ ‬في كتابه المكون من عشرة فصول، والذي ينطلق من فرضية رئيسية،‮ ‬مفادها أن القوة الأمريكية باتت محل شك الكثيرين خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‮.‬ 
 
فقد خاضت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين عددا من الحروب، بدت فيها عاجزة عن تحقيق أهدافها، وكرست لما يطلق عليه الكاتب‮ "‬عصر الظلام‮ ‬The Dark Age‮"‬، وما ينطوي عليه من تراجع للقدرات العسكرية الأمريكية‮. ‬ويعزز تيرني وجهة نظره،‮ ‬من خلال مقابلات أجراها مع عدد من العسكريين،‮ ‬والسياسيين الأمريكيين البارزين،‮ ‬علي‮ ‬غرار ستانلي ماكريستال،‮ ‬وجون ألين،‮ ‬وجورج كيسي،‮ ‬وريان كروكر‮.‬
 
العصر الذهبي‮:‬
 
ينقسم التاريخ العسكري الأمريكي،‮ ‬وفقا للكاتب،‮ ‬إلي مرحلتين رئيسيتين، إحداهما العصر الذهبي، والأخرى عصر الظلام‮. ‬خلال العصر الذهبي،‮ ‬كانت الولايات المتحدة تحظي بالقدرة الكافية لتحقيق الانتصارات الكفيلة بتحقيق أهدافها،‮ ‬وفقا لمعدل مقبول من التكاليف والخسائر‮. 
 

الطريقة-المضمونة---داخلي
وقد بدأت هذه المرحلة الزمنية في عام‮ ‬1846،‮ ‬حينما خاضت الولايات المتحدة صراعا مع المكسيك استمر لنحو‮ ‬18‮ ‬شهرا، وخرجت منه منتصرة،‮ ‬خاصة بعد توقيع معاهدة جوادالوبي هيدالجو عام‮ ‬1848،‮ ‬والتي بموجبها دفعت واشنطن‮ ‬15‮ ‬مليون دولار للمكسيك مقابل السيطرة علي ما يقرب من نصف أراضي المكسيك‮. ‬وكان السياسيون حينها ينظرون إلي هذه الحرب والتوسع كضرورة لتأكيد القوة الأمريكية‮.‬
 
شهدت تلك المرحلة أيضا الحروب الأمريكية‮ - ‬الإسبانية، والتي اندلعت عام‮ ‬1898‮ ‬لتؤكد الولايات المتحدة من خلالها مكانتها كقوة عظمي صاعدة لها مجالها الحيوي الخاص بها، أو بمعني آخر الفناء الخلفي لها‮. ‬فمن خلال هذا الصراع،‮ ‬حررت واشنطن كوبا من السيطرة الإسبانية‮.‬ ولم يقتصر الأمر علي كوبا،‮ ‬ولكنه امتد إلي بورتوريكو،‮ ‬وجوام،‮ ‬والفلبين،‮ ‬والتي تضمن الانتصار فيها تكاليف كبيرة‮.‬
 
وجاءت الحرب العالمية الأولي لتكرس للقوة العسكرية الأمريكية، فقد دخلت الولايات المتحدة الحرب متأخرة في عام‮ ‬1917،‮ ‬وكان لتدخلها تأثير كبير في مجريات الحرب،‮ ‬وهزيمة ألمانيا،‮ ‬وترجيح جانب الحلفاء‮. 
 
‬وتكرر هذا الأمر في الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة، وقوة عظمي تقود العالم الغربي،‮ ‬بعد أفول القوي الغربية التقليدية‮. ‬وكانت السمة الرئيسية للصراعات الممتدة خلال الفترة من‮ ‬1846‮ ‬إلي‮ ‬1945‮ ‬أنها حروب تقليدية بين مجموعة من الدول تتم في ساحات حرب محددة وواضحة المعالم‮.‬ ومثل هذا النمط من الحروب كان يشهد تفوق الجيش الأمريكي‮.‬
 
حروب بلا انتصارات‮:‬
 
يشير المؤلف إلي أن التتبع التاريخي للمسار العسكري الأمريكي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يكشف عن حقبة جديدة أطلق عليها تيرني‮ "‬عصر الظلام‮"‬، إذ إن معظم الصراعات التي خاضتها الولايات المتحدة،‮ ‬خلال تلك الحقبة،‮ ‬ظلت قائمة لفترة زمنية طويلة أكثر مما كان متوقعا، وانطوت علي تكاليف باهظة لا يمكن تقبلها، حيث فقدت الولايات المتحدة الكثير من الجنود في هذه الصراعات، وتأثرت أوضاعها الاقتصادية بالسلب، فضلا عن تقويض الصورة الأخلاقية المثالية للولايات المتحدة، وتنامي الكراهية لواشنطن وسياساتها في الكثير من دول العالم‮.‬
 
ويشير المؤلف إلي أن الاستثناء الوحيد،‮ ‬خلال تلك الحقبة،‮ ‬كان حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي في التسعينيات من القرن الماضي‮. ‬وبعيدا عن هذه الحالة الاستثنائية،‮ ‬فقد واجهت الولايات المتحدة معاناة كبيرة في الحروب التي خاضتها منذ الحرب العالمية الثانية‮.‬ ففي حرب كوريا،‮ ‬استمر القتال دون التوصل لنصر حاسم، وتم البحث عن مخرج من الصراع عبر مفاوضات استغرقت نحو عامين‮. ‬وفي فيتنام،‮ ‬تعرضت الولايات المتحدة لخسائر فادحة في صراع امتد لسنوات‮.‬
 
وخلال السنوات الماضية،‮ ‬تعرضت الولايات المتحدة لأكبر مأزقين في تاريخها،‮ ‬حينما قررت‮ ‬غزو أفغانستان والعراق‮. ‬ففي أكتوبر‮ ‬2001،‮ ‬دخلت القوات الأمريكية لأفغانستان لتطرد حركة طالبان خلال شهرين من كابل،‮ ‬حيث انتقلت الحركة إلي الجنوب تجاه الحدود الباكستانية،‮ ‬وأعادت ترتيب صفوفها، وتزايدت هجماتها علي القوات الأمريكية والأفغانية الموالية‮. ‬
 
وهكذا بعد نحو‮ ‬15‮ ‬عاما من الحرب،‮ ‬لا تزال الولايات المتحدة متورطة في صراع لا ينتهي،‮ ‬كلفها أكثر من ألفي جندي قتيل، وإصابة نحو‮ ‬20‮ ‬ألفا آخرين، علاوة علي إنفاق أكثر من‮ ‬600‮ ‬مليار دولار علي الحرب‮. ‬ولم يعد أحد يتحدث عن انتصار حاسم، بل أصبح الكثيرون يعدون أنفسهم لسيناريو حرب أهلية كارثية،‮ ‬بعد الخروج الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان‮.‬
 
حدث الأمر ذاته في العراق عندما قررت واشنطن‮ ‬غزوه في مارس‮ ‬2003‮. ‬وفي فترة وجيزة،‮ ‬أطاحت بنظام صدام حسين،‮ ‬ولكنها واجهت ما هو أسوأ من ذلك النظام‮. ‬فقد تدهورت الأوضاع الأمنية كثيرا، وتنامي الصراع الطائفي الداخلي، ودخل العراق حربا أهلية فعلية تعزز علي أثرها النفوذ الإيراني، وتدفق المقاتلون الأجانب للعراق‮. ‬وبالتوازي مع هذه الإشكاليات، كانت واشنطن تتحمل تكاليف باهظة، حيث قتل‮ ‬4500‮ ‬جندي تقريبا، وأصيب نحو‮ ‬30‮ ‬ألفا آخرين، وأنفقت أكثر من تريليون دولار علي الحرب‮.‬
 
ويرجع تيرني هذه الخسائر خلال صراعات ما بعد الحرب العالمية الثانية إلي عاملين جوهريين، أولهما تفرد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي،‮ ‬بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتصدرها دول العالم من ناحية القوة العسكرية، بصورة أفضت إلي إشكالية يمكن وصفها‮ "‬بإغراء القوة‮" ‬جعلت صانع القرار الأمريكي يندفع نحو استخدام القوة العسكرية،‮ ‬دون أن تكون لديه استراتيجيات واضحة للخروج،‮ ‬وكيفية إنهاء الحرب‮.‬
 
أما العامل الآخر،‮ ‬فيرتبط بطبيعة الصراعات،‮ ‬إذ إن أغلبية الحروب التي اندلعت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تعد حروبا تقليدية بين الدول، ولكنها حروب أهلية تنخرط فيها حركات متمردة،‮ ‬وتنظيمات إرهابية‮. ‬هذه التغيرات جعلت من الصعب علي الجيش الأمريكي حسم الصراعات التي يخوضها،‮ ‬خاصة مع محدودية معرفة الجنود الأمريكيين بتركيبة المجتمعات والدول التي يحاربون فيها ليصبح الفارق كبيرا بين الجيش الأمريكي النظامي،‮ ‬والقوي المناهضة‮.‬
 
ويخلص تيرني إلي ضرورة تبني الولايات المتحدة استراتيجية واضحة الملامح للخروج من الحروب،‮ ‬تقوم علي فكرة الضربات‮ "‬الجراحية السريعة‮ ‬Surgical Attack‮"‬ لتحقيق أهداف عسكرية محددة، وتمهد الطريق لعملية محادثات ومفاوضات مع القوي الموجودة علي الأرض،‮ ‬تؤدي في نهاية المطاف إلي الخروج والانسحاب من الدولة، وتركها في أفضل وضع يمكن تحقيقه‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    دومينك تيرني