أنشطة السياسة الدولية - حلقات نقاش

"حلقة نقاشية": حدود وأبعاد الصراعات الداخلية في تركيا

طباعة
أدت السياسات الخاطئة لحزب العدالة والتنمية- الحزب  الحاكم  في تركيا- إلى ظهور(حركة الخدمة)، وهى أكبر فروع جماعة النورسين الصوفية، التي أسسها بديع الزمان سعيد النورسى، ويتزعمها اليوم فتح الله كولن، ودخلت معه في خلاف متصاعد لأسباب عديدة. هذه الحركة تؤيد سياسة الانفتاح على الأكراد وتدعم المصالحة، ولديها بعض التحفظات حول تعاطي حكومة رجب طيب أردوغان مع هذا الملف، بالإضافة إلى أن حكومة أردوغان وزعت المنتمين لحزب العدالة والتنمية على المناصب المهمة في الدولة. فجماعة كولن تريد المشاركة في الحكم، ولا يمكن للحكومة تسليم الحكم الذي منحه لها الشعب التركي، عبر صناديق الاقتراع، إلى جماعة لم تخض الانتخابات، لأن ذلك يعد وصاية على الإرادة الشعبية.  فالحرب أصبحت مفتوحة بين حركة الخدمة، وحزب العدالة والتنمية، خاصة بعد قرار أردوغان إلغاء قانون مراكز الامتحانات الخاصة، وتحويلها لمدارس تعليمية تعمل وفق مناهج تربوية حكومية.  
 
 ومن عمق هذه الظروف، وفى هذا الإطار، عقد برنامج تركيا والمشرق العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية  حلقة نقاشية بعنوان "الصراعات الداخلية في تركيا ونمط العلاقة بين حركة الخدمة وحزب العدالة والتنمية". ترأس أعمال الحلقة، وتحدث فيها كل من: عبد الحميد بيليجى، الكاتب الصحفي بجريدة الزمان،  رئيس مجلس إدارة وكالة جيهان للأنباء التركية،  ومحمد عبد القادر خليل، مدير برنامج دراسات تركيا والمشرق العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهانئ رسلان،  رئيس مركز الدراسات الاجتماعية والتاريخية، وحضر الحلقة عدد من السفراء، والباحثين السياسيين والصحفيين بمختلف الصحف والمهتمين.
 
تركيا من الداخل:
 
في البداية، أشار محمد عبد القادر إلى وجود استقطاب عالي الحدة في تركيا من مشاعر عدائية بين الطوائف المذهبية المختلفة، ويمثل عملية قلقة تخفى في باطنها العديد من عدم الاستقرار السياسي ، وأن ما يحدث في تركيا اليوم لا يمت بصلة للتقدم التنموي، وتحقيق الديمقراطية، ودليل ذلك الأحداث الأخيرة  بميدان تقسيم الذي توفى فيه العديد من المواطنين الأتراك المعارضين لحزب العدالة والتنمية. وأكد أن المشروع الكردي الذي يطمح أردوغان  إليه يرتبط بمعادلة إقليمية تشير لصعود الأكراد على المستوى الإقليمى سياسيا وعسكريا.
 
 ومن جانبه، أكد هانئ رسلان  أن سياسات أردوغان عدائية غير مفهومة، وغير مبررة، وأنه  يلعب على تناقضات لا يمكن أن تستمر. ففي الوقت الذي يريد فيه أن يتزعم دولة علمانية، يرى نفسه قائدا للعالم الإسلامى، وهذا الخلط يدعو للفشل والتراجع .
 
وأعرب د . بيليجى عن أسفه لما يحدث في تركيا اليوم، وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية عام 2001 كان يتبنى برنامجا لتحقيق الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، والخروج من الحكم العسكري  للحكم المدني. وأكد بيليجى أنه فور صعود  أردوغان إلى سدة  الحكم، ظهر بخطاب جديد للشعب التركي "أنا أبتعد عن الإسلام السياسي، وقلعت ردائي القديم"؛ فماذا ارتديت إذن؟.
 
وأضاف دكتور بيليجى أن نجم تركيا بعدما كان يسطع في سماء العالم، تراجع للوراء، فقد تم اعتقال كبار الصحفيين لمجرد كتاباتهم المعارضة، وتم إغلاق قنوات فضائية، فضلا عن العديد من أساليب القمع، وحجب الحريات، فتركيا تصرخ من الداخل دون سماع أحد.
 
الصراع بين حركة الخدمة والحزب الحاكم:
 
وحول الصراعات الداخلية بتركيا، أشار هانئ رسلان إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يترأس السلطة يمثل التيارات المتطرفة التي تشكل الإرهاب، متجسدة في "داعش"، وجماعة الإخوان المسلمين. وعلى النقيض، تأتى حركة الخدمة التي تقوم على الحوار البناء، وتقبل الآخر، والتسامح الديني ، والإيمان بالحريات وحقوق الإنسان، فجميع كتب فتح الله كولن عمودها التعلم الصحيح، والدين والدولة والمجتمع بأفق إنساني.
 
وفى هذا السياق، أوضح دكتور عبد الحميد بيليجى تغير سياسات ومبادئ حزب العدالة والتنمية من 2002م إلى 2014م ، وكيف كان، وكيف أصبح، من تبنى الديمقراطية إلى قمع الحريات. وأضاف أن تركيا بعدما كانت تحتل المرتبة السابعة عشرة اقتصاديا على مستوى العالم، تراجعت للمرتبة التاسعة عشرة، مع حدوث تضخم  وانخفاض في قيمة العملة التركية، وقطع العلاقات مع بعض الدول.
 
وأكد عبد الحميد بيليجى أن تركيا في عام 2008 كان تمتلك عضوية مجلس الأمن بدعم من 151 دولة، وهذه الفترة تشكل لتركيا الفترة الذهبية في سياستها الخارجية. وفى عام 2014 ، لم تقبل عضويتها في مجلس الأمن، حيث لم يدعمها سوى 60 دولة فقط، وذلك نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة. 
 
ولفت عبد الحميد بيليجى الانتباه  إلى أن تركيا ليست حزبا واحدا، بل لها تاريخ ومجتمع مدني قوى، فقد صرح بولنت ارينج، عن حزب العدالة والتنمية، "نحن نأخذ 40% من تأييد الشعب التركي وبذلك نصبح الحكومة". وأشار بيليجى إلى أن 60%من الشعب التركي هم الأكثر نفوذا، وأن حركة المجتمع تتبنى التساوي في العلاقة بين طرفين ( القلب والعقل من جانب، والحقائق من جانب آخر)، مما يؤكد سقوط حزب العدالة والتنمية في يوم ما على يد حركة المجتمع.
 
وعقّب محمد عبد القادر في هذا الإطار بأن المعارضة التركية تمثل أكثر من 70% ، وغير ذلك هى المستفيدة من حزب العدالة والتنمية، من خلال حصولها على تمويل، ودعم مادي، أو قروض لتنفيذ مشاريعها، فسقوط الحزب قد يؤدى لاهتزاز وضعها المادي، وهذا اقتراب براجماتى أكثر منه أيديولوجيا.
 
وأشار محمد عبد القادر إلى أن "حركة الخدمة " أقرب إلى الانقلاب الناعم على السلطة، وهى مؤسسة كبيرة، وتملك نفوذا اقتصاديا وسياسيا في المجتمع التركي .
 
العلاقات المصرية- التركية.. قراءة من الطرفين:
 
  ولم تغفل الحلقة النقاشية تناول العلاقات المصرية- التركية، حيث تحولت العلاقات المصرية- التركية من سبل دعم التعاون السياسي، والاقتصادي، والعسكري، وتعزيز الشراكة المصرية- التركية في العديد من المجالات إلى توتر وقطع للعلاقات، نتيجة لسياسة أردوغان الذي يدير تركيا بعقلية رجل التنظيم الدولي للإخوان.
 
 وفى هذا الإطار، أوضح دكتور عبد الحميد  بيليجى أن الشعوب تبقى، والسلطات تزول. فالعلاقة بين الشعبين المصري والتركي هي علاقات صداقة ودية، لا يمكن أن تزول، وتركيا فقدت هيبتها أمام العالم أجمع، وليس مصر فقط، فتركيا تزداد عزلة عن العالم كلما ابتعدت عن الديمقراطية.                                                                                                                                                                     
فقد بذل رئيس الجمهورية السابق، عبد الله جول، جهودا فائقة في سياسته الخارجية، على النقيض من رجب طيب أردوغان، الذى أضر بمصالح تركيا عن طريق توظيف السياسة الخارجية في اللعبة السياسية الداخلية في البلاد. وأشار إلى سبب تأزم العلاقات المصرية- التركية نتيجة تبنى أردوغان سياسة دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن إعلان "داعش" لتمويلها من جانب تركيا ليس من فراغ.
 
وتطلع عبد الحميد بيليجى إلى أن  تتحسن العلاقات المصرية- التركية، وأن الشعب لا يمكن أن يُعاقب على سياسات النظام، بل هو طرف متأثر بشكل مباشر بتلك السياسات.
 
وخلص  هانئ رسلان  إلى أن مصر ترفض التكفير والوصاية باسم الدين، وتتمسك بالعقيدة الإسلامية السمحة، وترفض دعم الإرهاب والجماعة غير المشروعة في مصر"الإخوان المسلمين"، وتمويل داعش بأساليب خفية. فدولة كبيرة مثل تركيا لها دور إقليمي رئيسي على مسرح الشرق الأوسط،  وتحسن العلاقات المصرية- التركية لا يحدث إلا عن خيارين، إما تغيير سياسة أردوغان، أو عزله عن الحكم. فالرئيس التركى مدعوم من حزب العدالة والتنمية. ففى حال استيلاء حركة الخدمة على السلطة، سوف يتغير الوضع المحزن للعلاقات الثنائية بين البلدين.
 
وأوضح محمد عبد القادر أن تحسن العلاقات بين الدول تفرضه الحكومات بمغفل عن الشعوب التى يكون دورها غير فعال فى التأثير فى سياسة الحكومة، وقد يكون هناك انقلاب فى القريب العاجل على حكومة تركيا، التى وقعت به فى بئر لا يمكن الخروج منها إلا بمنقذ، وربما تكون حركة الخدمة هي ذلك المنقذ المنتظر لتركيا لتحسين وضعيها الداخلي والخارجي . وأعرب عبد القادر عن تطلعه لتحسن العلاقات المصرية- التركية.
 
خلاصة ما سبق : قدمت حلقة النقاش تأصيلا واضحا وبسيطا، ولكنه عميق، فتركيا لا يمكن فهمها عن بعد، والسيناريو الأقرب للواقع هو فشل أردوغان. وإذا حدث انقلاب على الحكومة، فسيبدأ حزب العدالة والتنمية بالتذمر، وسيحاول البحث عن رئيس جديد، أو صعود حركة الخدمة التى تشكل انقلابا ناعما على حزب العدالة والتنمية، حتى تستأنف تركيا طريقها نحو الديمقراطية.
طباعة

    تعريف الكاتب

    هند عثمان

    هند عثمان

    باحثة ماجستير علوم سياسية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية