أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

"حلقة نقاشية": واقع ومستقبل العلاقات المصرية- الإريترية

  • 25-11-2014

طباعة
* حازم عمر
 
تشهد العلاقات المصرية- الإريترية تطورا ملحوظا بعد ثورة 30 يونيو، حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر الماضي الرئيس الإريتري أسياس أفورقي  لبحث العلاقات الثنائية، ودور مصر في إفريقيا، وانتهى الطرفان إلى ضرورة التعاون في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية. ولقياس حدود وأبعاد التطور في العلاقة بين البلدين، عقدت سفارة دولة إريتريا بالقاهرة ندوة حول العلاقات بين البلدين، والمستجدات التي طرأت على المنطقة، وذلك بحضور السفير الإريتري فاسيل جيرسيــلاسى تكـلا، وعدد من النخبة المصرية المتخصصين في الشأن الإفريقي.
 
النضال الإريتري:
 
في البداية، أشار السفير فاسيل تكلا إلى أن الصراع الإريتري- الإثيوبي بعد الحرب العالمية الثانية تم فرضه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكي تظل إثيوبيا مسيطرة على البحر الأحمر، خاصة أن دولة إريتريا تتمتع بموقع استراتيجي، حيث تشغل مساحة 1200 كم على البحر الأحمر.
 
وفي هذا السياق، أكد فاسيل أن دولة إريتريا لم تكن جزءاً من إثيوبيا. إلا أنه في ضوء التنافس الثلاثى بين فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا على هذه المنطقة لأهميتها الاستراتيجة، وجدت إريتريا نفسها تحت الوصاية الدولية، وبدأت صفحة جديدة من الأطماع الدولية، حيث أقامت بريطانيا إدارة عسكرية بها، وأخذت فى دعم الأطماع الإثيوبية بعد عودة الإمبراطور الحبشي هيلاسلاسي إلى الحكم في بلاده بمساعدة الإنجليز، وتمكنت إثيوبيا عبر الدعم البريطانى والأمريكى لها من أن تقيم اتحادا غير مشروط بين البلدين.
 
وحول الدعم المصري لإريتريا للحصول على استقلالها، أشار فاسيل إلى أنه منذ انطلاق الثورة الإريترية المسلحة في 1 سبتمبر 1961، كان أول مكتب لها في جمهورية مصر العربية، وكانت بداية للعلاقات المصرية- الإريترية خلال النضال الشعبي الذي استمر لمدة 30 عاماً حتى عام 1991، إلى أن حصلت إريتريا على استقلالها.  
 
حدود التقارب المصري- الإريتري:
 
أكد السفير فاسيل تكلا  أن مصر كان لها اهتمام ملحوظ بالقضية الإريترية، وتبلور ذلك فى اتخاذ القاهرة مقراً لتأسيس جبهة التحرير الإريترية، واستقبالها للطلاب الإريتريين قبل الثورة، فضلاً عن تأسيس أول اتحاد طلاب إريتري عام 1952 الذي كان بمنزلة السفارة الإريترية في مصر، كما قدمت مصر مختلف أنواع الدعم السياسي، والمادي، والتعليمي.
 
وأضاف فاسيل أنه منذ استقلال دولة إريتريا، بلغ عدد الزيارات التى قام بها الرئيس أسياس أفورقى لمصر 22 زيارة، وذلك لبناء علاقات استراتيجية مع مصر. 
 
وأشار فاسيل إلى أن مصر بعد أن كانت رائدة في العمل التنموي في إريتريا، تخلت عن هذا الدور في الفترة الأخيرة، فتراجعت عن تقديم الدعم والمساعدة لإفريقيا، وبدأت تنظر إلى علاقاتها مع الشمال بدلاً من دول الجنوب. وأرجع التراجع في الدور المصري في إفريقيا إلى محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك، مشيرا إلى أنها كانت محاولات مصرية، ولكن دفعت إفريقيا ثمنها. وأضاف أن ضعف الدور المصري في إفريقيا أدى إلى تصاعد نفوذ قوى أخرى مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا، مقابل تخلي مصر عن دورها وقيادتها لإفريقيا. 
 
وأكد فاسيل أن إريتريا ترى أن النظام الجديد بعد 30 يونيو 2013 بدأ يولى اهتمامه بالقارة الإفريقية، والعودة إليها مرة أخرى. ووصفه بالتوجه الإيجابي، مؤكدا أنه سيأخذ بعض الوقت، حيث يحتاج إلى العمل، وليس الجهد الإعلامي فقط. وعلى الرغم من الظروف والمؤثرات الخارجية التي تحيط بالدولة المصرية، فإن هناك رغبة صادقة من اليقادة المصرية للتوجه نحو إفريقيا، وعودة الدور المصري مرة أخرى.
 
وذكر أن أول رسالة إلى الرئيس الموقت عدلي منصور كانت من الرئيس الإريتري. وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية، ووصول السيسي إلى سدة الحكم، كانت أول زيارة من إفريقيا هي زيارة الرئيس الإريتري، وذلك بهدف توطيد العلاقات بين البلدين، خاصة أن من مصلحة إريتريا أن تكون لها علاقات قوية مع مصر، وأن ضعف تلك العلاقت سيؤثر فى إريتريا بالطبع.
 
وفي هذا السياق، أكد فاسيل أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وجذب الاستثمارات المصرية إلى إريتريا، خاصة أن إريتريا تعاني أزمة مالية، وعدم قدرتها على توفير العملة الصعبة. وأشار إلى أن الدولتين بعد 30 يونيو مهيأتان للدفع باتجاه تعاون إقليمي مشترك مع المملكة العربية السعودية لتشكيل آلية فعالة لأمن البحر الأحمر.
 
علاقات دولية وإقليمية:
 
حول العلاقات الإريترية الدولية والإقليمية، أكد السفير فاسيل أن إريتريا ترى أن مستقبلها يرتبط بمستقبل المنطقة وتطورها، وأنها تسعى إلى أن تقيم علاقات استراتيجية خاصة مع دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، وستيعد إحياء مبادرة السعودية للحفاظ على أمن البلدين في منطقة البحر الأحمر، رغبة منها في بناء جسر من التواصل مع العالم العربي. وأشار إلى أن الأحداث التي شهدتها المنطقة في 2011 ، وفقاً لوجهة النظر الإريترية، هى محاولة لتفتيت المنطقة لصالح القوى الغربية للحفاظ على مصالحها، والتي كان لها نتائجها السلبية والإيجابية على منطقة القرن الإفريقى عموماً، وإريتريا على وجه الخصوص. وفي ضوء علاقتها الإقليمية، أكد على حرص إريتريا على إقامة علاقات مع إثيوبيا وغيرها من دول العالم كسبيل لدعم السلام والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي.
 
وأشار فاسيل إلى أنه من أهم المحددات التى تحكم السياسة الخارجية الإريترية التأكيد على رفض التدخل الأجنبى، الذى يزيد من تعقيد المشكلات، خاصة أن واقع منطقة القرن الإفريقي يحظى بالدعم الغربي، والأمركي، والأوربى لإثيوبيا، وهو ما يجعلها تفرض نفسها على المنطقة، بحسبانها قوة إقليمية بتدخلها في الصومال وجنوب السودان.
 
دور جامعة الدول العربية: 
 
وفيما يتعلق بقضية انضمام إريتريا إلى جامعة الدول العربية، أشار الأستاذ هاني رسلان، مدير مركز الأهرام للدراسات التاريخية والاجتماعية، إلى أنه بعد الثورة الإريترية، كانت هناك مواقف وتصريحات من الرئيس الإريتري يبرر فيها رفض إريتريا الدخول في جامعة الدول العربية، ووصفها بالتصريحات الصادمة.
 
وأشار رسلان إلى أن المنطقة تتعرض لإعادة صياغة للخرائط والتوازنات، وأن هناك محاولة لتأسيس بداية جديدة مع إفريقيا، وأن تخلى مصر عن دورها في منطقة القرن الإفريقي جعلها تدفع أثمانا كبيرة نتيجة هذا التراجع.
 
على جانب آخر، قال الدكتور إبراهيم نصر الدين، أستاذ النظم الإفريقية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، أن جامعة الدول العربية تضفى هوية، والدولة التى تريد الانضمام إليها يتطلب أن ينص دستورها على أن اللغة العربية لغة رسمية لها، بينما الناطقون باللغة العربية من الشعب الإريتري لا يتعدون 20% من إجمالي عدد السكان. 
 
وأشار نصر الدين إلى أن انضمام إريتريا إلى جامعة الدول العربية يعنى قيام حرب أهلية داخل الدولة، نظراً لتعددية المجتمع الإريتري. فمع انضمام الدولة إلى جامعة الدول العربية، سيدفع  ذلك بعض المدن الإريترية إلى إعلان انضمامها إلى إثيوبيا. وأوضح أن انضمام إريتريا إلى جامعة الدول العربية لن يحقق أية مكاسب للدولة، بل سيكون ضاراً في علاقتها بالدول الأخرى، وأن الأهم هو تطوير العلاقات المصرية- الإريترية، بغض النظر عن انضمامها إلى جامعة الدول العربية.
 
------------------------------------------
* باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
طباعة