من المجلة - الافتتاحية

ماذا يبقى من قواعد النظام العالمي؟

طباعة
كانت القواعد المنظمة للعلاقات الدولية، وما تتضمنه من مبادئ إنسانية، ‮ ‬هي أهم ما ميز نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي حدث تغير في هيكله،‮ ‬بانتهاء الحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، علي النظم التي سبقته‮. ‬فقد‮ ‬قام هذا النظام علي قواعد فرضها توازن القوي في قمته، وتضمن مبادئ جديدة‮ ‬غير مسبوقة فرضت نفسها لسببين،‮ ‬أولهما‮: ‬تجارب مرة،‮ ‬وحروب جنونية،‮ ‬وجرائم هائلة بلغت ذروتها في النصف الأول من القرن العشرين الذي يمكن عدّه الأكثر دموية بمعيار الكم في تاريخ البشرية‮. ‬السبب الثاني والأخير‮: ‬الطابع الأخلاقي الذي سعي‮ "‬الحلفاء‮" ‬إلي إضفائه علي موقفهم خلال الحرب العالمية الثانية بدعوي أنهم يحاربون نازية وفاشية تجردتا من المبادئ الأخلاقية،‮ ‬وحملتا خطرا داهما علي البشرية‮. ‬ولم يكن تطور ملامح أولية لقانون دولي إنساني في العقدين الأخيرين إلا امتدادا لمبادئ متضمنة في ميثاق الأمم المتحدة‮ ‬1945،‮ ‬والإعلان العالمي لحقوق الإنسان‮ ‬1948،‮ ‬واتفاقيات جنيف‮ ‬‭.‬1949
 
وكان لقواعد النظام العالمي هذه أثرها الذي تسهل ملاحظته في الحد من الحروب الكبري،‮ ‬وتقليص ضحايا النزاعات المسلحة،‮ ‬مقارنة بما كان عليه الحال من قبل‮. ‬فلم يعد متصورا،‮ ‬علي سبيل المثال،‮ ‬أن يسقط في أي حرب،‮ ‬أو نزاع مسلح، عدد مماثل أو قريب من ضحايا أي من الحربين العالميتين الأولي والثانية‮.‬
 
خطر الاستثناء الإسرائيلي‮:‬
 
تعرضت قواعد النظام العالمي لانتهاكات شتي،‮ ‬خلال العقود الماضية، وأسئ استخدامها لأغراض سياسية، كما أنها لم تطبق باستقامة في‮ ‬غير قليل من الحالات‮. ‬ومع ذلك، فقد ظلت حية،‮ ‬بدرجة أو بأخري‮. ‬وأمكن في ظلها تحقيق إنجازات‮ ‬غير منكورة،‮ ‬مقارنة بما كان عليه الحال من قبل، رغم أنها لم تكن كافية بأي حال لتحقيق حد أدني من العدالة في العلاقات الدولية، الأمر الذي دفع إلي تنامي الدعوة لنظام عالمي جديد،‮ ‬بدءا من سبعينيات القرن الماضي‮. ‬ورغم أن تصفية الاستعمار،‮ ‬ومحاصرة العنصرية تعدان أهم إنجازات النظام العالمي الراهن، فقد بقيت حالة وحيدة ظلت استثناء، هي حالة الاستعمار الإسرائيلي الاستيطاني الإحلالي ذي الطابع العنصري‮. ‬فلم تفلح النضالات والجهود التي قام بها كثير ممن حلموا بشمولية قواعد النظام العالمي في وضع حد لهذا الاستثناء‮. ‬ولكن استمرار تلك الجهود،‮ ‬ومشاركة عدد لا بأس به من يهود العالم فيها أبقيا الأمل قائما في إنهائه، عبر إيجاد حل عادل بشكل ما يحول الصراع الإسرائيلي‮ - ‬الفلسطيني إلي تعايش بين دولتين وشعبين‮.‬
 
غير أن هذا الاستثناء استمر نتيجة تنامي التطرف الصهيوني الذي عرقل كل جهود الحل السلمي، بل ازداد رسوخا في ظل الإخفاق المستمر لهذه الجهود، بسبب إصرار الحكومات الإسرائيلية المتوالية علي الانفلات من قواعد النظام العالمي في أي حل للصراع، وتواطؤ بعض القوي الرئيسية في هذا النظام معها،‮ ‬وعجز البعض الآخر عن التأثير‮.‬
 
وأدي هذا الإخفاق إلي تفاقم تدريجي للمأساة الإنسانية الفلسطينية التي صاحبت المشروع الصهيوني منذ بدايته، إلي أن بلغت في السنوات الأخيرة مبلغا يكفي في حد ذاته لدق ناقوس الخطر بشأن قواعد النظام العالمي ومبادئه‮. ‬ومع ذلك، تعامل أقطاب النظام العالمي مع ثالث عدوان إسرائيلي علي قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬خلال خمس سنوات،‮ ‬بطريقة تعيد البشرية إلي عصر كان الاستعمار فيه هو السيد، وليس فقط إلي ما قبل النظام العالمي الذي خرج من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية،‮ ‬حاملا بعض القيم الإنسانية،‮ ‬ضمن القواعد التي أقيم عليها‮.‬
 
تعامل هؤلاء الأقطاب فعليا مع الجرائم الإسرائيلية كما لو أنها جزاء يستحقه الفلسطينيون، مثلما كان سادة العالم ينظرون إلي الهنود الحمر في مرحلة مبكرة من تاريخ الظاهرة الاستعمارية‮. ‬فقد تم تجريد الفلسطينيين ليس فقط من حقوقهم الإنسانية كافة، بل من طبيعتهم كبشر،‮ ‬حيث صار قتلهم مباحا،‮ ‬ودك أحيائهم ومنازلهم فوق رءوسهم معتادا‮. ‬فما شهداؤهم إلا أرقاما لا دور للنظام العالمي ومنظمته الجامعة‮ (‬الأمم المتحدة‮) ‬إلا متابعة ما يحدث فيها من زيادة،‮ ‬وإبداء القلق بشأنها‮. ‬ولم يجد السكرتير العام للأمم المتحدة في صور أعلام هذه المنظمة،‮ ‬ولافتاتها الزُرق ممزقة علي أنقاض مدارس‮ "‬الأونروا‮" ‬التي تعرضت للقصف ما يدفع إلي أكثر من إبداء الأسف، مع إشارة عابرة،‮ ‬لم يأخذها أحد مأخذ الجد،‮ ‬إلي ضرورة محاسبة المسئولين عن هذا القصف‮. ‬ولم يخرج عن هذا السياق إلا مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية حين قام بتشكيل لجنة تحقيق‮.‬
 
فليس هناك ما يثير‮ ‬غضب أقطاب النظام العالمي عندما يقتل مئات الفلسطينيين،‮ ‬ويهجر،‮ ‬ويشرد مئات الآلاف منهم‮. ‬ولكن الغضب كله يحضر مزمجرا،‮ ‬فور إعلان إسرائيل أسر ضابط من قواتها، وبدون انتظار لمعرفة صحة هذا الإعلان أو كذبه‮. ‬فقد‮ "‬انتفض‮" ‬رئيس الولايات المتحدة،‮ ‬ووزير خارجيته،‮ ‬والأمين العام للأمم المتحدة،‮ ‬وآخرون يعتلون قمة النظام العالمي،‮ ‬فور إعلان إسرائيل أسر أحد ضباطها،‮ ‬وخرقها تهدئة إنسانية بهذه الذريعة صباح الأول من أغسطس الماضي، وكأنه لم يقتل هو وزملاؤه ألفا ونصف ألف فلسطيني حتي ذلك الوقت، أو كأنه أسر من منزله،‮ ‬وليس داخل منطقة ذهب ليحيل حياة أهلها إلي جحيم‮.‬
 
ويعني ذلك تكريس الاستثناء الإسرائيلي الذي وصل إلي مستوي يهدد بتقويض أحد أهم مقومات نظام عالمي بات مزعزعا أكثر من أي وقت مضي، إلي حد أن بعض الخبراء الأكثر جدية في مراكز أبحاث وتفكير‮ ‬غربية يتجهون الآن للبحث في فرضية الفوضي العالمية‮. ‬ويعزز العدوان الإسرائيلي الأخير،‮ ‬وطريقة التعامل معه أهمية البحث في هذه الفرضية‮. ‬فقد أصبح هناك استعداد دولي واسع لقبول مبالغة شديدة الفجاجة في إساءة تأويل مبدأ‮ "‬حق الدفاع عن النفس‮"‬،‮ ‬واستخدامه لتحقيق عكس ما أقر من أجله‮. ‬صار هذا المبدأ ذريعة للظلم والقتل والعدوان،‮ ‬بدلا من أن يكون سبيلا إلي إحقاق الحق،‮ ‬وتوفير العدل،‮ ‬وتحقيق سلام يقوم عليه‮.‬
 
إسقاط المعايير الدولية‮:‬
 
ارتبط تكريس الاستثناء الإسرائيلي بإدارة الظهر للوثائق التي تتضمن بعض أهم مقومات النظام العالمي‮. ‬فقد استند هذا النظام إلي منظومة من الوثائق حددت أساسه القانوني،‮ ‬والسياسي،‮ ‬والأخلاقي‮. ‬ووضع بعض هذه الوثائق قواعد‮ ‬غير مسبوقة في تاريخ العالم لإدارة الحروب والنزاعات المسلحة،‮ ‬وحماية المدنيين خلالها،‮ ‬وتعيين الحدود بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية‮.‬
 
وقد شهد العدوان علي قطاع‮ ‬غزة ما يمكن عدّه جرائم ضد الإنسانية، وليست فقط جرائم الحرب التي ركز عليها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،‮ ‬عندما قرر في‮ ‬23‮ ‬يوليو الماضي تشكيل لجنة تحقيق دولية بشكل عاجل،‮ ‬وبأغلبية كبيرة‮ (‬29‮ ‬من أصل‮ ‬43‮ ‬عضوا‮). ‬وكان موقف هذا المجلس هو الثغرة الوحيدة في جدار الاستثناء الإسرائيلي الذي بات يهدد النظام العالمي برمته، رغم الحدود الضيقة لهذا الموقف الذي لم يتسع للبحث فيما يتجاوز جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الغزو والاحتلال الإسرائيلي بشكل منتظم في مختلف الحروب والاعتداءات،‮ ‬منذ يونيو‮ ‬‭.‬1967‮ ‬فهي تتعامل بطريقة العصابات أو‮ "‬الميليشيات‮" ‬الإرهابية،‮ ‬وليست الجيوش النظامية المنضبطة التي تعرف معني الشرف العسكري‮.‬
 
فقد ارتكبت هذه القوات جرائم ضد الإنسانية يسهل توثيقها إذا تعامل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مع العدوان الإسرائيلي بطريقة مهنية في إطار المبادئ التي يقوم عليها،‮ ‬والقواعد التي تحكم عمله،‮ ‬متحررا من الخضوع لـ‮ "‬الحصانة‮" ‬التي تتمتع بها الدولة الاستعمارية العنصرية الوحيدة في عالم اليوم‮.‬
 
لقد شهد هذا العدوان انتهاكات مسلحة فظيعة تتحدي وثائق النظام العالمي المحددة لقواعده،‮ ‬والحاملة لمبادئه الهادفة إلي طي صفحة الحروب الوحشية، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في أغسطس‮ ‬1949‮ ‬بشأن معاملة الجرحي والأسري،‮ ‬وحماية السكان المدنيين وقت الحرب‮. ‬وبدلا من مواجهة هذه الانتهاكات، تعامل معها النظام العالمي بأقطابه ومؤسساته بخفة شديدة،‮ ‬بدا في ظلها أنه ينحدر إلي هوة سحيقة‮.‬
 
وينطوي هذا الانحدار علي نقلة من حالة ازدواج المعايير في التعامل مع بعض القضايا إلي إسقاطها كليا بشأن الشعب الفلسطيني،‮ ‬ووجوده الإنساني،‮ ‬وليس فقط بخصوص قضيته‮. ‬وليس هذا مجرد استنتاج،‮ ‬فلدينا تعبير واضح عن هذه الحالة الجديدة‮ (‬إسقاط المعايير الدولية كليا‮) ‬في تعليق رسمي للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية،‮ ‬جنيفر بساكي،‮ ‬علي ثالث قصف لمدرسة تابعة لوكالة‮ "‬الأونروا‮" ‬يوم‮ ‬3‮ ‬أغسطس‮ ‬2014‮ ‬في رفح،‮ ‬فقد قالت نصا‮: (‬ينبغي أن تقوم إسرائيل بالمزيد لاحترام المعايير التي وضعتها لنفسها‮..). ‬وليس هذا‮ -‬في سياقه‮- ‬مجرد تعليق عابر علي حدث خطير،‮ ‬فهو يرقي إلي مرتبة‮ "‬الوثيقة‮" ‬الدالة علي بداية تحول نحو قبول إسقاط أهم ما ميز النظام العالمي الراهن علي النظم التي سبقته،‮ ‬وهو وجود قواعد عامة ينبغي علي الجميع احترامها، ولا يحق لأحد وضع قواعد خاصة به‮.‬
 
فلا معني لقانون دولي عام أو إنساني، ولا دور لمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، في ظل هذا التحول الذي يجعل حديث الأمين العام لهذه المنظمة،‮ ‬بشكل متكرر خلال العدوان،‮ ‬عن ضرورة محاسبة المسئولين عن قصف مدارس الأونروا‮ (‬فقط وليس‮ ‬غيرها كما لو أنه أمين عام لمنظمة خاصة‮) ‬مجرد إبراء للذمة‮. ‬وفي ظل هذا التحول، تبدو منظمة الأمم المتحدة أقرب إلي منتدي للنقاش لا تفيد إلا بيروقراطيتها المتضخمة التي تضم جيشا من الموظفين الدوليين،‮ ‬يتمتعون بمزايا هائلة،‮ ‬ولا يقوم إلا قليل منهم بعمل جاد، خاصة أولئك الذين يعملون علي الأرض‮.‬
 
ومن هؤلاء موظفو وكالة‮ "‬الأونروا‮" ‬في قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬فقد أدوا عملا شاقا،‮ ‬وتحملوا أخطار العدوان، وسجلوا في تقاريرهم الانتهاكات التي تنطوي علي جرائم ضد الإنسانية‮. ‬ففي تقريرهم مثلا عن قصف مدرسة جباليا للبنات ثلاث مرات، وليست مرة واحدة، ورد أنه تم إبلاغ‮ ‬الجيش الإسرائيلي سبع عشرة مرة بالموقع الدقيق للمدرسة، وأنها تُستخدم ملجأ للمدنيين النازحين‮. ‬كما سجلوا أن القصف تم بواسطة المدفعية، وأدي إلي قتل أطفال وهم نيام بجوار أهلهم علي أرض بعض الفصول‮.‬
 
ولذلك كله، وغيره، يتضاعف خطر تقويض ما بقي من مقومات للنظام العالمي في لحظة فريدة،‮ ‬تقف فيها علي رأس هذا النظام قوة عظمي‮ (‬أو إمبراطورية بمصطلحات التاريخ‮) ‬لا تعرف ماذا تريد تحديدا،‮ ‬وليس لديها تصور واضح لمستقبل المجتمع الدولي‮. ‬ففي مثل هذه اللحظات،‮ ‬يصبح انفلات قوة‮ ‬غاشمة تتمتع بوضع استثنائي هو أخطر معاول هدم نظام عالمي يترنح،‮ ‬ويكاد بعض أهم أقطابه يقرون بأنه يفقد مبادئه‮. ‬وهذا هو ما نفهمه من الرواية التي رواها نائب الرئيس الأمريكي،‮ ‬جو بايدين،‮ ‬لمجلة‮ "‬نيويوركر‮"‬،‮ ‬في عددها الصادر في أول أغسطس الماضي،‮ ‬عن لقائه الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو عام‮ ‬‭.‬2011‮ ‬فقد قال له إنه ينظر في عينيه فلا يجد لديه روحا، وهو ما يعني في ثقافتنا العربية أنه ليس لديه ضمير حي‮. ‬وأضاف بايدين أن بوتين رد عليه قائلا‮: ‬إننا نفهم بعضنا بعضا‮. ‬وانتهت رواية بايدين عند هذا الحد،‮ ‬تاركا لكل أن يستنتج منها ما يراه‮. ‬والاستنتاج الذي يتبادر إلي الذهن، في السياق الذي نتحدث فيه، هو إقرار بوتين بما قاله بايدين، ولكن علي أساس أنه قاسم مشترك بينهما‮.‬
 
روسيا شريكة‮ .. ‬وضحية‮:‬
 
لقد وضعت الدولتان جانبا القواعد الإنسانية للنظام العالمي الذي كان لهما الدور الرئيسي في تأسيسه، رغم أن إحداهما‮ (‬روسيا‮) ‬تخسر كثيرا جراء ذلك‮. ‬فلم يكن لموسكو صوت مسموع خلال العدوان علي قطاع‮ ‬غزة‮. ‬والمفارقة اللافتة هنا هي أن موقفها المتواطئ تجاه هذا العدوان يتزامن مع ارتفاع صوتها ضد اعتداءات الحكومة الأوكرانية علي سكان المناطق الشرقية فيها‮. ‬فقد رأت روسيا عدوان إسرائيل علي‮ ‬غزة‮ "‬دفاعا عن النفس‮"‬، واستهانت بمعاناة المعتدي عليهم،‮ ‬مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة‮.‬
 
وينطوي هذا الموقف الروسي علي مفارقة مدهشة،‮ ‬لأن موسكو تحتاج إلي احترام قواعد النظام العالمي التي تنتهكها الولايات المتحدة في العلاقات الثنائية بين الدولتين،‮ ‬وليس العكس‮. ‬فلم تمض سنوات علي انفراد أمريكا بقمة النظام العالمي،‮ ‬حتي أخذت في التعدي علي هذه القواعد في‮ ‬غياب التوازن الذي فرض عليها أن تحترمها في الأغلب الأعم قبل ذلك‮. ‬وتبعتها روسيا في هذا الاتجاه نفسه،‮ ‬رغم تعارضه مع مصالحها بعد أن صارت في وضع كان مفترضا أن يدفعها إلي التمسك بقواعد النظام العالمي‮.‬
 
وكان تفاقم أزمة أوكرانيا، قبل أسابيع من العدوان الإسرائيلي علي‮ ‬غزة، مؤشرا واضحا علي ذلك‮. ‬فقد وصل الصراع علي أوكرانيا إلي حافة الهاوية، في ظل تعطيل القواعد التي تحكم النظام العالمي،‮ ‬وتحديد الخطوط الحمر في العلاقات بين القوي الكبري‮.‬
 
وعلي مدي أكثر من عقدين،‮ ‬منذ انتهاء الحرب الباردة الدولية، ظلت العلاقات بين هذه القوي في حالة سيولة وعدم يقين بشأن الاستمرار والتغير في القواعد التي يقوم عليها النظام العالمي‮. ‬وأيا كان الرأي في مثالب حالة الثنائية القطبية،‮ ‬وما أنتجته من حرب باردة، كانت هناك قواعد واضحة للعلاقات الدولية في كثير من جوانبها‮. ‬فقد احترم كل من القطبين في الأغلب الأعم اتفاقات استراتيجية تم التوصل إليها،‮ ‬سواء في مجال الحد من التسلح،‮ ‬أو‮ ‬غيره‮. ‬كما التزم كل منهما الحذر بشأن الإقدام علي ما يمثل تهديدا للآخر داخل‮ "‬معسكره‮".‬
 
ولذلك،‮ ‬كانت أزمة خليج الخنازير هي الأولي والأخيرة التي حدثت فيها مواجهة مباشرة بينهما،‮ ‬كادت تصل إلي حافة الهاوية قبل التوصل إلي تسوية لها في اللحظة قبل الأخيرة‮. ‬وأسهمت تلك الأزمة الكبري في إبراز أهمية القواعد التي تحكم النظام العالمي،‮ ‬منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وتدعيم الاتجاه إلي احترامها‮. ‬ولذلك،‮ ‬امتنعت الولايات المتحدة‮ -‬علي سبيل المثال‮- ‬عن القيام بأي عمل لدعم الانتفاضة الشعبية ضد السلطة الموالية لموسكو في تشيكوسلوفاكيا عام‮ ‬1968،‮ ‬ثم صمتت عندما أرسل الكرملين قوات لسحقها‮.‬
 
غير أنه في ظل تعطيل بعض قواعد النظام العالمي، تحولت الانتفاضة الأوكرانية الكبيرة الثانية التي بدأت في أواخر العام الماضي إلي ما يشبه كرة لهب أخذت تتدحرج،‮ ‬فتجاوزت الحدود،‮ ‬واكتسبت طابعا عالميا‮ ‬غير عادي من حيث إنها باتت تهدد بتصاعد الصراع بين روسيا والغرب إلي مستوي لا سابق له،‮ ‬منذ انتهاء الحرب الباردة الدولية، ولكن في‮ ‬غياب قواعد تحكم هذا الصراع‮.‬
 
ورغم أن هذه ليست المرة الأولي التي يقف فيها الروس والغربيون علي طرفي نقيض تجاه أزمات إقليمية، فإن الأزمة الأوكرانية تنطوي علي طابع خاص‮. ‬فالصراع، هنا، علي دولة تقع في أكثر المواقع حساسية بين روسيا وأعضاء الحلف الأطلسي،‮ ‬فهي تعد الآن الخط الفاصل بين الجانبين، وتشغل أكثر من نصف مساحة البوابة الشرقية المؤدية إلي أوروبا،‮ ‬فضلا عن اختلاط السياسة في أوكرانيا بالهوية،‮ ‬وارتباط الصراع علي هذه الهوية بمرجعيتين،‮ ‬إحداهما روسية،‮ ‬والأخري‮ ‬غربية،‮ ‬ولذلك فهي تختلف تماما عن الأزمة السورية مثلا‮.‬
 
كما أن تعطيل بعض قواعد النظام العالمي يجعل المناطق الأكثر حساسية في العلاقات بين روسيا والغرب أشد تعرضا لازدياد التوتر فيها حين يحدث أي خلاف،‮ ‬خاصة بعد أن تراكمت العوامل المغذية لعدم الثقة خلال العقد الأخير‮. ‬فثمة شعور بالمرارة لدي روسيا،‮ ‬جراء عدم التزام الغرب بالاتفاق الذي تم بين الرئيسين الأسبقين جورباتشوف،‮ ‬وبوش الأب‮ (‬الأول‮)‬، وهو أن يلتزم الثاني بعدم تمدد حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا،‮ ‬إذا تخلي الأول عن حلف وارسو‮.‬
 
فما إن نفذ جورباتشوف الشق الخاص به في هذا الاتفاق، حتي بدأت أمريكا والاتحاد الأوروبي في التحرك في الجوار الروسي المباشر‮. ‬ولذلك،‮ ‬أخذت ردود فعل موسكو تتسم بتشدد أخذ في الازدياد عاما بعد آخر،‮ ‬بالتوازي مع سعي فلاديمير بوتين إلي إعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية لحماية أمنها القومي الذي بات مهددا،‮ ‬في ظل وصول النفوذ الغربي إلي قلب عمقها الاستراتيجي،‮ ‬ومجالها الحيوي‮.‬
 
وهذا يفسر رد فعل بوتين العنيف تجاه إسقاط النظام الموالي له في أوكرانيا التي تمثل أهم امتداد استراتيجي مباشر لروسيا، وخط الدفاع الأول عنها،‮ ‬والمعبر الرئيسي لأي تهديد تتعرض له، واهتمامه الخاص بشبه جزيرة القرم التي تعد المجال الأكثر حيوية في هذا الامتداد الاستراتيجي،‮ ‬بحسبانها موطن الأسطول البحري الروسي،‮ ‬وليست مجرد قاعدة له،‮ ‬فضلا عن رابطة الهوية السلافية الأرثوذكسية الأكثر من وثيقة مع أوكرانيا‮. ‬إذ‮ ‬يعد القوميون الروس كييف مهد حضارتهم التي كانت القبائل السلافية نواتها في العصور الوسطي،‮ ‬فضلا عن عدم ثقة القادة الروس في الولايات المتحدة،‮ ‬بعد نقض اتفاق بوش الأول‮  ‬جورباتشوف‮.‬
 
وإذا كان عدم الثقة أو ضعفها من أهم العوامل المؤثرة سلبيا في العلاقات الدولية، فهذا العامل يتعاظم أثره حين يتراجع دور القواعد التي تنظم هذه العلاقات،‮ ‬وتحكم النظام العالمي‮. ‬كما أن ضعف الثقة بين القوي الكبري يؤدي إلي مزيد من التراجع في دور هذه القواعد، الأمر الذي يقود بدوره إلي مزيد من عدم الثقة في النظام العالمي، وهكذا‮.‬
 
وهذا هو الحال بين الولايات المتحدة والصين أيضا،‮ ‬فقد فشل الحوار الاستراتيجي والاقتصادي،‮ ‬الذي أجري بينهما في أول أغسطس الماضي،‮ ‬في استعادة شيء من الثقة التي تراجعت‮. ‬فلا تقدم أحرزه هذا الحوار بشأن النزاعات المتصاعدة علي عدة مناطق في بحري الصين الشرقي والجنوبي، والتي أدت إلي حرب كلامية بين وزارة الخارجية الأمريكية،‮ ‬ووزارة الشئون الخارجية في الصين‮. ‬ولا نتيجة تحققت علي صعيد النزاعات التجارية بين الدولتين،‮ ‬وما اقترن بها من ارتفاع قيمة العملة الصينية مقابل الدولار بنسبة‮ ‬2‭.‬4٪‮ ‬في النصف الأول من عام‮ ‬2014،‮ ‬بعد ارتفاعها بنسبة‮ ‬37٪‮ ‬علي مدي السنوات الثماني الأخيرة‮. ‬ولا حل تم التوصل إليه لحرب المعلومات التي اشتعلت أكثر،‮ ‬منذ أن اتهمت وزارة العدل الأمريكية،‮ ‬قبل شهرين علي بدء الحوار،‮ ‬خمسة مسئولين صينيين بالتجسس الاقتصادي،‮ ‬وسرقة برامج،‮ ‬والاحتيال في مجال الكمبيوتر‮.‬
 
وعندما تغيب القواعد، أو تضعف، تزداد فجوة عدم الثقة،‮ ‬وتؤدي ليس فقط إلي تفاقم نزاعات،‮ ‬بل أيضا إلي ظهور خلافات كان ممكنا تجنبها‮. ‬فهذه القواعد هي التي تضع سقفا لانفلات الأفعال وردود الأفعال،‮ ‬وبالتالي تصاعد الأزمات،‮ ‬وبلوغ‮ ‬بعضها حافة الهاوية‮.‬
 
وعندما تنحي هذه القواعد جانبا، ويقل حضورها في إدارة العلاقات الدولية، يزداد الانفلات،‮ ‬وتصبح القوة العارية هي المعيار أو‮ "‬القاعدة‮" ‬علي النحو الذي ساد تلك العلاقات،‮ ‬قبل تهذيبها،‮ ‬في ظل النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وما تضمنه من قواعد‮.‬
 
ولذلك،‮ ‬لابد أن يلفت الانتباه موقف روسيا تجاه العدوان علي قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬وقبولها انتهاك إسرائيل قواعد النظام العالمي، في الوقت الذي كان فيه حلفاء إسرائيل في الغرب يواصلون انفلاتهم من هذه القواعد في ضغوطهم المتزايدة علي موسكو،‮ ‬لكي تتخلي عن حقها في حماية أمنها القومي في جوارها المباشر،‮ ‬بل الملاصق‮. ‬فقد تزامن العدوان الإسرائيلي،‮ ‬بما شمله من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية،‮ ‬مع اتخاذ حلف الأطلسي إجراءات جديدة لتطويق روسيا تحت ستار‮ "‬تعزيز الدفاع المشترك في الشرق‮"‬،‮ ‬عبر نشر مزيد من الطائرات،‮ ‬والسفن،‮ ‬وتنظيم مناورات عسكرية ميدانية،‮ ‬والإعداد لنشر قوات وعتاد بشكل دائم في دول البلطيق، فضلا عن إعلان الدول السبع الصناعية الكبري‮ (‬الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، وكندا، وإيطاليا، وبريطانيا، وفرنسا‮) ‬التحضير لحزمة عقوبات اقتصادية إضافية ضد موسكو‮. ‬ولا يخفي أن استبعاد روسيا من مجموعة هذه الدول،‮ ‬عقابا لها علي سعيها إلي حماية أمنها القومي،‮ ‬يعد في حد ذاته انتهاكا لقواعد النظام العالمي المرتبطة بتأسيسه الثاني،‮ ‬عقب انتهاء الحرب الباردة الدولية‮.‬
 
وحين يتواصل كسر قواعد النظام العالمي،‮ ‬علي هذا النحو، وتصبح القوة العارية من أية شرعية هي‮ "‬المعيار‮"‬، وينفرد الأقوي بالأضعف،‮ ‬فيسعي إلي افتراسه،‮ ‬في ظل صمت دولي، ولا يجد من يتعرضون للافتراس،‮ ‬تضامنا معه، يصبح من الصعب عدم التفكير في إمكان انهيار هذه القواعد في مجملها، بما فيها تلك التي ظلت محترمة لعقود طويلة،‮ ‬مثل اتفاقات الحد من التسلح الاستراتيجي التي تعود إلي الحقبة الأولي للنظام العالمي‮. ‬فقد أصبح بعض هذه الاتفاقات‮  ‬في خطر نتيجة التوتر المتزايد الناجم عن الضغوط الأمريكية والغربية المتزايدة علي روسيا، التي لم يعد في إمكانها أن تقف مكتوفة اليدين أمام التوسع في منظومة الدرع المضادة للصواريخ،‮ ‬عبر نشر مزيد من منصات الإطلاق في بولندا،‮ ‬ورومانيا‮. ‬فكان طبيعيا أن ترد موسكو عبر اختبار طراز جديد من صاروخ كروز، الأمر الذي يثير أسئلة جدية بشأن مستقبل معاهدات الحد من التسلح الاستراتيجي، خاصة معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدي‮.‬
 
ولا ننسي أن الأفق مفتوح، في هذا السياق، علي مزيد من التوتر في منطقة آسيا الوسطي أيضا،‮ ‬مع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان نهاية العام الجاري‮. ‬فالأمريكيون المتوترون بما يكفي، لتركهم أفغانستان في وضع يرشحها لتدهور قد يوقعها في أيدي المتطرفين مجددا، يريدون تعويض فشلهم فيها،‮ ‬عبر تعزيز نفوذهم في آسيا الوسطي، أي في‮ "‬حديقة خلفية‮" ‬أخري لروسيا‮. ‬ويتركز تحركهم، حتي كتابة هذه الافتتاحية، علي أوزبكستان،‮ ‬سعيا إلي التفاهم مع حكومتها علي صيغة لإعادة الوجود العسكري الأمريكي فيها،‮ ‬بعد أن فقدوا‮ "‬قاعدة ماناس‮" ‬الجوية في قيرغزستان التي طلبت حكومتها العام الماضي من واشنطن مغادرتها‮.‬
 
وكانت الولايات المتحدة قد فقدت قاعدة‮ "‬خان أباد‮" ‬في أوزبكستان عام‮ ‬2005،‮ ‬إثر صدام سياسي مع نظام الرئيس إسلام كريموف بسبب قمعه الدموي لانتفاضة شعبية في منطقة أنديجان‮.‬
 
وتتحرك روسيا بطبيعة الحال للضغط علي أوزبكستان لعدم قبول أي وجود عسكري أمريكي جديد، مثلما ضغطت علي قيرغزستان لإنهاء هذا الوجود فيها، خاصة في ظل طموح واشنطن إلي ما هو أبعد من استعادة قاعدة‮ "‬خان أباد‮". ‬فهي تتطلع إلي قاعدة عسكرية ثانية علي حدود أوزبكستان مع أفغانستان،‮ ‬بحيث تستوعب القاعدتان القسم الأكبر من القوات التي ستغادر كابول‮.‬
 
وعندما يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، ويتوسع نطاقه،‮ ‬وينتشر في مساحات متزايدة، يشتد الخطر علي ما بقي من قواعد للنظام العالمي،‮ ‬آخذة في التداعي‮.‬
 
وربما يمتد هذا التداعي أيضا إلي قواعد العلاقات الاقتصادية الدولية التي اقترنت بالتأسيس الثاني للنظام العالمي،‮ ‬في إطار العولمة،‮ ‬وتحرير التجارة الدولية ودعم الاعتماد المتبادل‮. ‬فقد لا يبقي في القريب معني لتلك القواعد،‮ ‬في ظل التوسع المتزايد في استخدام العقوبات الاقتصادية والتجارية، التي صارت روسيا ضمن الدول المستهدفة بها علي النحو الذي سبقت الإشارة إليه‮. ‬ولا يخفي ما يعنيه ذلك من زيادة الحواجز الاقتصادية والتجارية،‮ ‬بدلا من إزالتها‮.‬
 
وإذا صح ما يتوقعه خبراء في مراكز أبحاث أمريكية قريبة من دوائر صنع القرار بشأن تصعيد الحرب الاقتصادية علي موسكو لتشمل السعي إلي خفض سعر النفط الذي يمثل نحو‮ ‬40٪‮ ‬من إيرادات الموازنة الروسية لعام‮ ‬2014،‮ ‬فستكون هذه خطوة ارتدادية شديدة الخطر‮. ‬وإذا لم يصح هذا التوقع، فستظل قواعد العلاقات الاقتصادية الدولية مهددة،‮ ‬ليس فقط نتيجة الإسراف في فرض عقوبات لأسباب سياسية، ولكن أيضا في ظل توحش صناديق التحوط الأمريكية،‮ ‬واستخدامها أساليب ملتوية لتحقيق مكاسب فادحة، خاصة شراء ديون دول متعثرة، واللجوء إلي أدوات قضائية مشكوك في سلامتها علي نحو يحدث اختلالات خطيرة،‮ ‬كان أبرزها في الشهور الأخيرة نسف مشروع هيكلة الدين العام في الأرجنتين نتيجة إصرار عدد من تلك الصناديق علي سداد هذا الدين كله دفعة واحدة بدلا من جدولته‮.‬
 
وهكذا،‮ ‬أظهر العدوان الإسرائيلي علي قطاع‮ ‬غزة، مثلما كشفت الأزمة الأوكرانية وتداعياتها، وكما يتضح من الخطر الذي يهدد العلاقات الاقتصادية الدولية، المدي الذي بلغه مأزق النظام العالمي المرتبك والمتأرجح،‮ ‬منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي بين توازنات سابقة،‮ ‬وأخري مستحدثة، وبين رواسب قديمة مرتبطة بمرحلة القطبية الثنائية،‮ ‬ومصالح وتشابكات جديدة متعلقة بعصر القطب الأكبر الذي يفتقد استراتيجية واضحة،‮ ‬ولا يملك‮ "‬بوصلة‮" ‬تحدد له الاتجاه‮.‬
 
فقد كانت الولايات المتحدة تعرف ما تريده،‮ ‬حين كان هدفها الأول كسب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق ومعسكره،‮ ‬ولكنها لم تعرف منذ أن نجحت في ذلك ما الذي تريده‮. ‬ولذلك،‮ ‬فهي تتحمل المسئولية العظمي عن تعطيل قواعد أساسية تحكم النظام العالمي،‮ ‬وتجاهل أهم مبادئه الإنسانية التي ميزته عن كل ما سبقه‮. ‬ويقترن هذا التجاهل بحالة تبلد لدي القوي الرئيسية في النظام العالمي،‮ ‬ليس فقط تجاه الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، ولكن حتي إزاء جرائم الإرهاب وتنظيماته التي تزداد تطرفا في الشرق الأوسط أيضا‮.‬
 
وحين يبلغ‮ ‬تداعي القواعد التي تحكم العلاقات الدولية هذا المبلغ، يبدو النظام العالمي الذي ميزته هذه القواعد عن كل ما سبقه في التاريخ متجها نحو المجهول‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. وحيد عبد المجيد

    د. وحيد عبد المجيد

    مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام