كتب - رسائل علمية

القوة الذكية:|أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان

طباعة

13 مارس 2014

عرض: إيمان شادي، باحثة في العلوم السياسية

تلعب إيران دورا محورا في الشرق الأوسط، إذ إنها باتت تشكل فاعلا مؤثرا في العديد من القضايا الداخلية والخارجية لدول المنطقة. وفي هذا السياق تأتي أهمية رسالة الماجستير للباحثة سماح عبد الصبور عبد الحي، حول "القوة الذكية في السياسة الخارجية: دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان منذ 2005"، والتي نوقشت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

تنبع أهمية هذه الدراسة من عدة محاور، أولها تناولها موضوعا لم يتم التطرق إليه كثيرا في الدراسات السياسية في الفترة الأخيرة، وهو موضوع القوة الناعمة، بالإضافة إلى مفهوم القوة الذكية، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني، وما يدور حوله من قضايا متعددة.

القوة الناعمة الإيرانية

تعد السياسة الثقافية من أهم أدوات القوة الناعمة الإيرانية، والتي يعد من أهم أهدافها: إقامة العلاقات مع المجامع العالمية المختلفة ، وتطوير الجمعيات الثقافية خارج الجمهورية الإسلامية، وتأسيس مراكز ثقافية مثل الملحقات الثقافية ،وجامعة إسلامية عالمية، ومؤسسة بحوث ثقافية عالمية، وتأكيد الوجود الفعال والمؤثر في الأوساط الثقافية العالمية، وإرسال الفرق والمنتجات الثقافية والفنية إلى خارج البلاد، وتوسيع وتقوية فروع اللغة الفارسية وقواعدها خارج البلاد.

وبالإضافة إلى الدبلوماسية الشعبية، تأتي تحركات إيران في إطار الممثليات الثقافية وأنشطتها من وفود شعبية وأسابيع ثقافية ومعارض وكتب، وغيرها في إطار دعم الدبلوماسية الشعبية الإيرانية في مجتمعها الإقليمي بل والعالمي أيضاً، حيث لم يقتصر تحرك إيران ثقافياً على منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك سعيا دائما لتعريف الآخر بالثقافة الإيرانية.

أما بخصوص الوجود والمشاركة الفعالة في المؤسسات والمحافل الدولية، فلإيران دور كبير في ذلك، يعمل على تقوية القوة الناعمة لها، وهو ما يدعم نشرها قيم المصلحة المشتركة. ومن أهم هذه المنظمات: المؤتمر الإسلامي.

ولا تهمل إيران جانب الإعلام والسينما، بل تبدي اهتماماً خاصاً بالسينما التي تراها جهازاً يؤدي خدمة كبيرة للثقافة الإسلامية، لذلك فمن الضروري زيادة حجمها في الخارج ، وزيادة إنتاجها العالمي لتحتل مكانة عالمية. وقد أكد وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، السيد محمد حسين، ضرورة الاهتمام بصندوق دعم الفنانين ، والإسهام في تشغيلهم لنشر الأعمال الثقافية والفنية الإيرانية في الخارج، وإشراك المؤسسات غير الرسمية في ذلك. ويؤكد أهمية هذا الدور أن السينما الإيرانية تلقى صدىً واسعاً في الخارج، وتحظى بتمويل حكومي كبير، حتى لا يكاد يخلو مهرجان دولي من الحضور الإيراني.

ويعد تقديم إيران لنموذج المقاومة في المنطقة عاملاً مهما في تدعيم قوتها الناعمة، حيث تسعى للظهور بدور القيادي في المنطقة، وذلك من خلال جعل القضية الفلسطينية قضية محورية في سياستها الخارجية، ودعم حركات المقاومة في الوطن العربي، ومحاولات تقديم نماذج بديلة للمشروعات الأمريكية في المنطقة، مثل: مشروع الشرق الأوسط الإسلامي.

جدير بالذكر أن إيران تستخدم قوتها الصلدة في تدعيم قوتها الناعمة، (مثال: إرسال مساعدات للتضامن مع الشعب البحريني)، وهو ما يتضح في الحالة اللبنانية بشكل كبير.

التحركات الثقافية الإيرانية في لبنان

يعطي المشترك الثقافي الشيعي بين الدولتين بعداً مهماً لتحركات إيران تجاه لبنان. وكما تصف الباحثة، فإن دولة لبنان تمثل الترمومتر الذي يقيس درجة التوتر والصراع في المنطقة، حيث تدار على الساحة الداخلية اللبنانية العديد من الصراعات بين قوى مختلفة تحاول اجتذاب طائفة بعينها من أجل تحقيق مصالح معينة. من هذا المنطلق، تجسدت القوة الذكية الإيرانية بقوة في أبعادها المختلفة تجاه لبنان، إلا أن ذلك لم يكن البداية، فكانت فترة رئاسة الإصلاحيين في ظل الرئيس خاتمي قد أعلت من أهمية البعد الناعم في التحركات الإيرانية بجانب التحركات الصلبة، في ظل دعوة خاتمي إلى ما سماه حوار الحضارات، الذي حظي بحفاوة عالمية.

كما حظيت لبنان بوضع خاص في ظل رئاسة أحمدي نجاد، وتتعدد أسباب ذلك . فبجانب أهمية لبنان للاستراتيجية الأمنية الإيرانية، فقد لعب الخروج السوري من لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري فى ٢٠٠٥ دوراً مهماً في التحركات الإيرانية تجاه لبنان، فقد سعت إيران للحفاظ على مصالحها في لبنان بعد الخروج السوري. ومع الثورات العربية، خاصة السورية ، اكتسبت لبنان بعداً مهماً في التحركات الإيرانية، في ظل الضغوط التي يلاقيها الحليف السوري، وسعت إيران إلى إيجاد البديل من أجل الحفاظ على مصالحها داخل لبنان، وحفظ سلاح المقاومة اللبنانية ، ممثلة في حزب الله اللبناني الذي يكتسب أهمية خاصة في التحركات الإيرانية تجاه لبنان.

وقد استعملت إيران العديد من الوسائل لتحقيق أهدافها في إيران، منها القوة الناعمة، مثل تزايد الأنشطة الثقافية في لبنان بإنشاء المكتبات، ودور النشر والمعارض الإيرانية، ونشر اللغة الفارسية. أما بالنسبة للبعد التعليمي، فقد قامت إيران بإنشاء المدارس، وإعادة ترميم غيرها بعد حرب 2006، بالإضافة لنشر بعض المؤسسات التي لها دور في العملية التعليمية في لبنان، مثل مؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، وهي جمعية تربوية تهدف للعناية بالنشء، ليس فقط في الداخل اللبناني، بل وتستهدف الجالية اللبنانية في إيران. وتعمل هذه المؤسسة على نشر الثقافة الإيرانية، وتعليم اللغة الفارسية، وعمل رحلات ترفيهية إلى إيران.

أما أداة الإعلام التي تتخطى التأثير الداخلي، فتحسن إيران استخدامها، مثل تمويل بعض الجرائد، خاصة أوقات الأزمات. كما زاد النفوذ الإيراني بعد مقتل الحريري، مما دعا إيران لتقوية نفوذ حزب الله الذي ضعف بعد الخروج السوري.

القوة الإيرانية الصلدة تجاه لبنان

وعلى الجانب الآخر، فإن امتلاك إيران للقوة الصلبة التقليدية وغيرها مكنها من لعب دور فعال في المجال الدولي والإقليمي بما يحافظ على مصالحها، خاصة في ظل الضغوط الخارجية، وحصار البرنامج النووي. وتعد القوة البشرية الإيرانية من مصادر القوة الصلبة، بالإضافة إلى التحكم في أكثر من 10% من احتياطيات النفط العالمية، و15% من احتياطيات الغاز، مع إمكانية واحتمالية حيازة أسلحة نووية.

ويتزامن مع ذلك تزايد حجم تجارتها مع أقطاب عالمية صاعدة كالصين، والهند، وكذلك روسيا، وهي جميعها تصب في إطار فاعلية أدوات القوة الصلبة الإيرانية في دعم أهداف وتحركات إيران في الخارج بصفة عامة، وفى لبنان بصفة خاصة.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران تستعمل التحركات العسكرية ونفوذها في لبنان، وهو البعد الذي تزايد بعد الانسحاب السوري، وإبرام مذكرة التفاهم للتعاون بين وزاتي الدفاع في البلدين 2005، إلى جانب البعد الاقتصادي الذي تمثل في تقديم مساعدات غير مشروطة للبنان لإعادة إعمارها بعد الحرب الإسرائيلية وغيرها.

ويمكن القول إنه على الرغم من الضغوط والحصار اللذين تتعرض لهما إيران، فإنها حاولت توسيع شبكة حلفائها، ودعم قوتها باستهداف المصالح الغربية في لبنان والمنطقة. وباستخدام القوة الذكية (الناعمة والصلبة)، استطاعت إيران، من خلال القوة الاقتصادية تحديداً على الجانبين، أن تدعم حزب الله بتسليح العناصر الداخلية في لبنان، الأمر الذي أدى لتدخل غير مباشر، مما أوجد حالة من عدم الاستقرار اتضحت في أحداث مايو 2008.

وفي الوقت نفسه، تعلن إيران أنها تدعم المقاومة اللبنانية، وليس حزب الله فقط ضد إسرائيل، بما يستهدف باقي الطوائف عن طريق القوة الناعمة. وأخيراً، فإن أهم عوامل نجاح القوة الذكية الإيرانية وقدرتها على توظيف الأبعاد المختلفة للقوة هو الجانب المؤسسي على المستويين الرسمي وغير الرسمي.

طباعة

تعريف الكاتب

سماح عبد الصبور‮

سماح عبد الصبور‮

مدرس مساعد العلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة‮.