أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

رؤية استراتيجية:| " ندوة" بدائل مقترحة للخروج من أزمة المياه في حوض النيل

طباعة
تمثل أزمة المياه في حوض النيل شأنا بالغ الأهمية بالنسبة لمصر، وأحد الشواغل الرئيسية، ليس فقط لمؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، بل أيضا للمواطنين بمختلف شرائحهم واهتماماتهم . في ضوء ذلك، نظم مركز البحوث والدراسات السياسية، بالتعاون مع منتدى القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ندوة بعنوان: " بدائل الخروج من أزمة المياه: رؤية قانونية وسياسية"، تحدث فيها الدكتور أشرف عرفات، أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي والعام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، عن الجوانب القانونية لأزمة مياه نهر النيل، كما تحدث الدكتور إبراهيم غانم، أستاذ الجغرافيا ووكيل كلية الآداب الأسبق بجامعة طنطا، عن البدائل السياسية التي يمكن اللجوء إليها للخروج من هذه الأزمة، وذلك بحضور عدد من الخبراء، والأساتذة، والباحثين المعنيين.
 
أزمة المياه من منظور قانوني :
 
قام الدكتور أشرف عرفات بتقديم خطاب  قانوني موجه إلي المجتمع الدولي المتمثل سواء في الدول ذات المصلحة، لاسيما إثيوبيا، أو في المنظمات الدولية التي تدعمها، لاسيما صندوق النقد الدولي،  وأكد اتصاف هذا الخطاب بصفتي التجريد والتكامل. وتحدث فيه عن الجوانب القانونية للإشكاليات المتعلقة بمياه نهر النيل، وعلى وجه التحديد مشروع بناء سد الألفية\النهضة من جهة، والاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل، والتي تعرف باسم " اتفاقية عنتيبي" ، من جهة أخرى.
 
أولا- الموقف القانوني من بناء سد النهضة :
 
أكد الدكتور أشرف عرفات الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر في مياه نهر النيل، التي يعززها ويدعمها مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية المستقرة التي لا جدال عليها، ولا محيص عنها، والتي يأتي في مقدمتها ثلاثة مبادئ أساسية، هي :
 
1- مبدأ عدم الإضرار :
 
يستند هذا المبدأ إلى قاعدة مستقرة في القانون الروماني، هي "استعمال ما هو مملوك لك دون الإضرار بالآخرين"، وهو ما يقضي بإعطاء الدولة التي يمر بها جزء من النهر الحق في الاستفادة منه بشرط عدم الإضرار بالدول الأخرى المشاركة لها في النهر، الأمر الذي أكدته المادة 21 في إعلان استوكهولم بشأن البيئة والتنمية لعام ١٩٧٢، إذ نصت على ضرورة تأكد الدول من أن الأنشطة التي تقوم بها في إقليمها، أو تتولي الإشراف عليها في أقاليم مشاركة، لا تضر بغيرها من الدول. كذلك، تقضى المادة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة،  ، لعام 1997، بإلزام الدولة عند ممارستها لأي مشروع أو نشاط ألا تحدث ضررا في الدول المشاطئة في هذا النهر. وينبغي أن يكون هذا الضرر بالغا وجوهريا وملموسا، بحيث يمكن إثباته بأدلة قاطعة وواضحة، وهو ما توافر في الوضع المصري ، حيث إن المساس باستخدامات مصر القائمة علي مياه النيل يعد ضررا بالغا وواضحا، لاسيما في ضوء عدم وجود مورد مائي بديل. 
 
2- مبدأ الاستخدام العادل والمعقول لمياه الأنهار : 
 
هو المبدأ الذي يتم على أساسه تقسيم مياه الأنهار الدولية،  وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة من جانب جميع الدول التي يمر هذا النهر بإقليمها، مع الأخذ فى الحسبان أن هذا لا يعنى بأي حال التساوي الحسابي لأنصبة الدول المشتركة في هذا النهر. وقد وردت معايير تحديد النصيب العادل والمعقول للدول من مياه الأنهار الدولية في عدة قواعد قانونية، أهمها : قواعد هلسنكي لعام 1966، واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، وقواعد برلين لعام 2004.
 
3- مبدأ الطبيعة العينية للمعاهدات الخاصة بالأنهار الدولية:
 
ذلك أن المعاهدات المتعلقة بالأنهار الدولية تتصف بطبيعة إقليمية، فهي تبقى في الإقليم، ولا تتغير أو تتبدل بتغير الأنظمة الحاكمة أو السيادات التي تأتي على الإقليم. ومن ثم، تصبح معاهدات توارث دولي، الأمر الذي أكده الفقه والقضاء الدولي في إطار اتفاقية عام 1997، وفي سياق الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية بشأن النزاع المجري-السلوفاكي الذي أقر الطبيعة العينية لاتفاقيات تقسيم مياه الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة.
 
وأضاف عرفات أنه في ضوء المبادئ القانونية سالفة الذكر، فإن مصر تتمتع بحقوق تاريخية مكتسبة ثابتة ومؤكدة بقواعد قانونية وفقهية ومدعمة بأحكام القضاء الدولي، ما دام قد توافر فيها ثلاثة شروط، هي الظهور، وطول المدة، وعدم اعتراض ذوي المصلحة. إذ لا بد أن تكون هناك ممارسة ظاهرة ومستمرة للحق، يقابلها موقف سلبي، وعدم اعتراض لفترات طويلة من الدول ذات المصلحة، بحيث يفهم منه التسامح العام، وهي الشروط التي أكدتها محكمة العدل الدولية في حكمها في قضية المصائد النرويجية لعام ١٩٥١. وعليه،  نجد أن لمصر حقوقا في مياه النيل تعود إلي ممارسة مستمرة ومستقرة من جانبها تمتد إلي آلاف السنين دون مانع أو حائل، بل ودون اعتراض من الدول الأخرى على ضفاف النهر. وبالتالي، تتوافر الشروط المؤكدة علي الحقوق التاريخية والمكتسبة لمصر.
 
ثانيا- الموقف القانوني من اتفاقية عنتيبي :
 
أشار المتحدث إلى افتقاد اتفاقية عنتيبي- الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل- لعام 2007 لأهم ثلاثة نصوص كان يجب تضمينها في أحكامها ومبادئها، وهي:
 
1- خلو الاتفاقية من نص يؤكد صراحة عدم التأثير فى الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر.
 
2- خلو الاتفاقية من نص أو مجرد الإشارة إلى وجوب الإخطار والتشاور المسبق بين دول حوض النهر الدولي، وهو ما يعد مبدأ ثابتا ومستقرا في الاتفاقيات والأعراف الدولية، إذ يجب على الدول المشتركة في حوض نهر ما- خاصة دول المنبع-إخطار الدول الأخرى المشتركة في الحوض نفسه- خاصة دول المصب- والتشاور معها بشأن أي مشروعات تنوى إقامتها على مجرى النهر، وأن تمنحها فترة زمنية مناسبة لدراسة المشروع، وإبداء ملاحظاتها، أو اعتراضاتها عليه، إن وجدت، وذلك بهدف درء الأضرار المحتملة، أو تخفيضها إلى أدنى حد ممكن، أو القبول بها، مع إلزام الدولة المستفيدة بدفع التعويضات اللازمة.
 
3- خلت الاتفاقية من نص يوجب توافق الآراء بشأن القضايا الحساسة ذات الأهمية كأساس لصدور القرارات، أو تعديل أحكام الاتفاقية، حيث تقضي هذه القاعدة بالتوصل إلي قرارات متوازنة لجميع الدول، لأن القرار الذي يستند إلى توافق الآراء يكون أقوى من القرار الذي يستند إلى الإجماع ، كما أنها لا تعني بالضرورة اتفاق جميع الدول على مشروع القرار، وإنما تستدعي عدم وجود معارضة قوية ضده. والامتناع عن التصويت من جانب أي دولة لا يعد عائقا لصدور القرار، فهي قاعدة قانونية ذات مدلول سياسي، تتفق مع حسابات العدالة التي يجب أن تسود العلاقات الدولية، وتؤكد استقلالية وسيادة الدول. وعليه، كان لا بد أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من بنودها ليس بالأغلبية المطلقة، وإنما بالتوافق العام، أو بالأغلبية الموصوفة التي تشتمل على كل من مصر والسودان. 
 
  بناء على ما تقدم، أكد عرفات أن موقف مصر سليم تماما من الناحية القانونية،  وأن الاعتماد على الخطاب القانوني وحده في حل هذه الأزمة هو أمر غير كاف، إذ يجب اللجوء إلى الوسائل السلمية المقررة في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتضمن الوساطة، والتفاوض، والتوفيق، والتحقيق، والتسوية القضائية، حيث يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للنظر في النزاع، مع العلم بأنها ولاية اختيارية تتوجب الاتفاق بين الأطراف المتنازعة للجوء إليها كشرط لقبول الدعوة. كذلك، يمكن اللجوء إلى المنظمات الدولية، بحسبانها أشخاصا فاعلة في المجتمع الدولي، مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومحاولة التوصل في ظل هذه الوسائل السلمية إلى حلول وبدائل ترضي جميع الأطراف المتنازعة.
 
البدائل السياسية لأزمة المياه :
 
استهل الدكتور إبراهيم غانم حديثه بالإشارة إلى ما تواجهه مصر من صعوبات وتحديات خطيرة، لاسيما بشأن أمنها المائي، وما يتطلبه ذلك من ضرورة البحث عن بدائل مختلفة لتجنب العواقب الوخيمة لهذه التحديات بعد عشرات السنوات من الآن.
 
وفي هذا السياق، قام غانم بتقديم مشروع قومي من إعداده، بحسبانه أحد البدائل الممكنة للخروج من هذه الأزمة، هو مشروع " نيل الواحـات".
 
يقضي هذا المشروع بإيجاد فرع نيل بديل يسير في موازاة نهر النيل، يبدأ من فم النيل عند بحيرة ناصر، ويسير إلى منخفض جنوب الوادي، ويواصل سيره غرب الواحات الخارجة، ثم شمال الواحات الداخلة، متجها شمالا، مع الانحدار العام للأرض ليسير شرق واحات الفرافرة، ثم غرب الواحات البحرية، ليصب في النهاية في شمال منخفض القطارة، وذلك دون أن يحتاج في أي من قطاعاته إلى ماكينة واحدة لدفع مياهه .
 
وأكد المتحدث أن هذا المشروع سوف يفيض على مصر بفوائد جمة، أبرزها: 
 
- زراعة نحو ثمانية ملايين فدان منتجة للحبوب– خاصة القمح - والخضروات.
 
- تعمير جزء كبير من صحراء مصر الغربية، إذ يستدعي المشروع استقرار العاملين بجواره، نظرا لعدم قربه من وادي النيل أو الدلتا. وبالتالي، يمكن اجتذاب نحو 30 – 40 مليون شخص على الأقل من كتلة 91 مليون مصري متكدسين في الدلتا والوادي.
 
- توليد طاقة كهربائية ضخمة من الانحدارات الشديدة للواحات، ومن طاقة الرياح في الغرب منها.
 
- تغذية المياه الجوفية في الصحراء الغربية من أجل رفع منسوبها، وضمان عدم نضوبها لتكفي حاجة العمران الريفي، والحضري، والسياحي.
 
- إيجاد مناخ محلي معتدل الحرارة نسبيا مصحوب بأمطار تكفي لنمو العشب، وقيام حرفة الرعي لمضاعفة الثروة الحيوانية، والمنتجات الغذائية.
 
- مضاعفة حركة وعوائد السياحة الدولية إلى مصر، من خلال حوض نيل الواحات ، إلى جانب تحويل منخفض القطارة إلي بحيرة مياه عذبة هائلة، يمكن استثمارها كبحيرة سياحية، وإنشاء قري سياحية ومنتجعات حولها.
 
- إضافة مصدر جديد لدخل مصر القومي من العملات الصعبة، من خلال تصدير فائض الغذاء والكهرباء إلى أفقر دول العالم، لاسيما دول حوض النيل وبعض الدول الإفريقية.
 
- ربط مصر ودول حوض النيل بشبكة كهربائية واحدة، تنفيذا للاتفاقيات الدولية المبرمة بينها، والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
 
أما بخصوص مصادر مياه نيل الواحات، فأضاف المتحدث أن هناك أوجها عديدة لضياع وإهدار المياه في مصر من جراء زراعة محاصيل محددة – كالقطن والقصب والأرز- من خلال الري بالغمر، وهو ما يمكن ترشيده فى حال استبدال سلالات أخرى موفرة بهذه المحاصيل، واستخدام نظام الري بالتنقيط، وبذلك يمكن توفير نحو 10- 15 مليار متر مكعب سنويا، وأن يتم توجيه ما يعادله من أمام السد العالي إلى مجري نيل الواحات. 
 
  وإلى جانب المصادر الداخلية المتمثلة في ترشيد مياه الري، هناك مصادر خارجية تهدف إلي الحصول على حصة إضافية من مياه نهر النيل تقدر بنحو 15 مليار متر مكعب، وذلك من خلال مياه بحر الغزال، وبحر الجبل، ونهر السوباط في جمهورية جنوب السودان، التي يصب فيها نحو 500 مليار متر مكعب من الأمطار سنويا، والتى تسبب لها أضرارا بيئية وصحية خطيرة.
 
  في ضوء ذلك، أفاد المتحدث بأن نيل الواحات هو بالأساس مشروع تنموي، ليس فقط لمصر، وإنما أيضا لجميع دول حوض النيل، وأنه مشروع للتكامل الاقتصادي بين مصر وتلك الدول، التي سيكون لها من الغذاء والكهرباء ما يماثل حصة مصر، وبأسعار مخفضة نسبيا تنافس بها أي قوى أخرى. وعليه، يمكن أن نصرف إثيوبيا عن بناء السدود الأربعة التي بدأت بالفعل في بناء أحدها علي النيل الأزرق (سد الألفية|النهضة) بتكاليف باهظة للغاية.
 
  وفي نهاية حديثه، أكد غانم أهمية تغيير الخطاب المستخدم مع دول حوض النيل، وضرورة البدء في إعطائها قبل الأخذ منها، إذ يمكن مساعدة تلك الدول، وتنمية موارد بشرية، وبناء مدارس، ومستشفيات، من أجل إعطاء مصر ما تريد من فوائض وفواقد مياه الأمطار الساقطة عليها سنويا، إلى جانب أهمية اللجوء إلى القوة الناعمة والدبلوماسية، في ظل تأكيد أن المشروع يخص تلك الدول، كما يخص مصر، وأنه يحقق منفعة عامة للجميع.
طباعة

تعريف الكاتب

بسمة محمد عبد اللطيف

بسمة محمد عبد اللطيف

باحثة ماجستير بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.