أنشطة السياسة الدولية - حلقات نقاش

سيناريوهات مستقبلية:|المائدة المستديرة لـ "السياسة الدولية": التداعيات الإقليمية والدولية للأزمة السورية

  • 8-10-2013

طباعة

29 سبتمبر 2013

دخلت الأزمة السورية في منعطف جديد منذ استخدام الأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق الشرقية، والذي راح ضحيته 1200 من السوريين، الأمر الذي استدعى تدخلا كبيرا في الأزمة من قبل الأطراف الدولية، خاصة روسيا والولايات المتحدة. ومع استمرار الأزمة السورية، وارتفاع تكلفة استمرارها إقليميا ودوليا،  يظل السؤال المحير الذي يطرح نفسه وهو: ما هو مستقبل الأزمة في ضوء تطوراتها الداخلية، ودور القوى الإقليمية والدولية، خصوصا أن الجميع يعلم أننا أمام مرحلة حاسمة في الأزمة السورية، سيكون لها تأثير في أمن المنطقة، والتحالفات الدولية فيها؟.

وفي هذا السياق، عقدت مجلة السياسة الدولية المائدة المستديرة مؤخرا تحت عنوان "مستقبل الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية والدولية" بمشاركة نخبة من الخبراء والسفراء، وهم السفير محمد العرابي، وزير خارجية مصر الأسبق، والسفير محمد أنيس سالم، مدير مركز العمل الإنمائي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، والدكتور محمد قدري سعيد، رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، والسفير ناصر كامل، مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية، والدكتور ناصيف حتي، أستاذ العلاقات الدولية. وقد دارت مناقشات المائدة ، حول محورين رئيسيين:

المحور الأول: تفسير الأزمة وفهم تطوراتها في المرحلة الراهنة، وتداعياتها المحتملة إقليميا ودوليا.

المحور الثاني: استشراف المستقبل من خلال طرح السيناريوهات المحتملة لتسوية هذه الأزمة، سواء كان ذلك عن طريق التدخل العسكري، أو التسوية السلمية.

في البداية رحب أبو بكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية بالسفراء والخبراء المشاركين في المائدة، متحدثا عما وصلت إليه تطورات الأوضاع في سوريا،  واصفا المشهد السوري الداخلي بالخطير، بسبب ما وصلت إليه أحداث العنف بين النظام السوري وقوى المعارضة التي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف قتيل خلال أكثر من عامين، متطرقا إلى الجدل الدائر عالميا وإقليما حول استخدام الأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق الشرقية، وما نتج عنه من صراع "أمريكي– روسي" حول مدى إمكانية توجيه ضربة عسكرية لأركان نظام الأسد، انتهى بطرح روسيا مبادرة تقتضى بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية، بل تجريد سوريا منها، وقد وافق النظام السوري على ذلك، معتبرا ذلك انتصارا وقى الشعب السوري مخاطر الضربة الأمريكية.

أولا- قراءة في البعد الداخلي للأزمة السورية:

بدأ رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية النقاش حول المحور الأول، مؤكدا أننا في حاجة لفهم حقيقة وتطورات الأزمة السورية في المرحلة الراهنة، متسائلا عن تداعياتها المحتملة إقليميا ودوليا.  وقد تحدث السفير محمد أنيس سالم، مدير مركز العمل الإنمائي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، ردا على تساؤل رئيس التحرير، قائلا إن هناك مجموعة من التطورات الهيكلية في الأوضاع السورية كانت قبل استخدام الأسلحة الكيميائية، مشيرًا إلى أن أهم نقاط التحول في البعد الداخلي على الساحة السورية، هي :

- سقوط القُصير، التي كانت بمثابة نقطة التحول الأولى في المسرح الداخلي التي عبرت من الناحية الإستراتيجية عن مدى شعور النظام السوري بالثقة في أسلوب تعامله مع الأزمة، مؤكدا أنه اتضح مع عملية القصير حدوث ثغرات في الأداء العسكري للمعارضة السورية، مع الظهور الواضح والعلني لحزب الله وإيران على أرض المعركة، مما كان له العديد من التداعيات السياسية التي أدت إلى تعميق الانقسام الشيعي- السني، بما له من تداعيات إقليمية.

-ظهور مجموعة من المواءمات التي أسهمت في تكوين المعارضة السورية على مدى العام الماضي، تمثلت في ظهور المجلس الوطني، والجيش الوطني الحر، ولجنة التنسيق في أواخر العام 2012، موضحا أن هذه المجموعة ذاتها كانت بمثابة مسار في التحول الذي طرأ على الساحة السورية، حين ظهرت المعارضة السورية أنها منقسمة وغير قادرة على الذاهب إلى جينيف2.

واستكمل السفير أنيس قائلا إنه على الرغم من أن الأوضاع الدستورية في سوريا هي حلقة ضمن سيناريو السقوط السريع للدول والحكومات، فإن بقاء نظام الأسد واستمراره حتى الآن كان بسبب ما فيه من عناصر القوة التي لا يمكن التغافل عنها، والتي كان أهمها العناصر العلوية، إضافة إلى الثقل العسكري للجيش السوري، على الرغم من انشقاق ما يقرب من 2300 ضابط خرجوا عن منظومة القوات المسلحة السورية، وأيضا دور النخبة التي استفادت من أوضاع الحكم السوري اقتصاديًا، فضلاً عن استفادة الأقليات المسيحية، والآشورية، والدروز من علمانية النظام، كل هذا هو ما زاد من مقاومة النظام، واستقطاب العديد من المجموعات المؤيدة له.

وأضاف د. ناصيف حتّي، أستاذ العلاقات الدولية قائلا إن ما يميز الحالة السورية عن التجربتين المصرية والتونسية هو الجغرافيا السياسية شديدة الجاذبية، إضافة إلى الفسيفساء التي تشكل المجتمع السوري، والتي ظهرت في لحظة انكشاف لتصنع حدودًا انتمائية أهم من الحدود الجغرافية، في حالة هي أقرب إلى الصدام البنيوي لتعبر عن حالة أقل من الاندماج مُنيت بها الدولة السورية، على خلاف العالم العربي الذي يشهد نوعًا من الاندماج بشكل أو بآخر.

ثانيا- حدود الدور العربي في تطور ومعالجة الأزمة:

وحول الأبعاد العربية والإقليمية للأزمة السورية، أكد السفير ناصر كامل، مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية، أن الأزمة السورية انتقلت من انتفاضة وثورة شعبية تمت عسكرتها لتتحول من ثورة سلمية إلى حرب أهلية، وبالتالي تحولت من صراع بين شعب ونظام إلى أزمة إقليمية، سيتحدد بسببها الكثير من ملامح مستقبل النظام الإقليمي العربي وما حوله من قوى إقليمية، ليصبح معها النظام السوري والمعارضة السورية هما أحد اللاعبين.

وأضاف مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية أن موقف جامعة الدول العربية لم يكن متباينًا في الطرح الرسمي العربي، والمتمثل في أن لا حل عسكريا للازمة السورية، وأن الحل السياسي لم يتأت إلا من خلال فكرة التوافق ما بين النظام والمعارضة للوصول إلى صيغة انتقالية، فيما عدا لبنان التي اختارت أن تنأى بنفسها.

وتابع السفير محمد العرابي، وزير خارجية مصر الأسبق، قائلا إن ثمة اتفاقا عربيا على لاءات ثلاث، هى " لا للأسلحة الكيميائية، لا للضربة العسكرية، لا لتقسيم سوريا"، ولكنه ذكر أن التطورات المتلاحقة على الساحة السورية عملت على إخراج سوريا من الإطار العربي إلى الساحة الدولية.

ثالثا-إيران وتركيا.. محاور إقليمية أكثر تأثيرًا:

وأشار السفير ناصر كامل إلى أن المحاور الإقليمية للأزمة تتركز في الدور الإيراني المتنامي في المشرق العربي، قائلا إن الأزمة السورية كشفت لإيران عن موقع أكثر أهمية للنظام السوري. وأضاف أنه في ظل مرور مصر بحالة من الوهن والضعف، خلال المرحلة السابقة، أصبح الصراع في المنطقة هو صراعا بين المشروعين الإيراني والتركي.

وعن موقف دول الخليج العربي من الأزمة السورية، أكد السفير ناصر كامل، مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، أن دول الخليج العربي تقرأ الأزمة من خلال تقديراتها في أن انهيار النظام السوري سيعمل على مد النفوذ الشيعي من قلب المشرق العربي، وبالتالي كان منطلق التعامل مع من يمثلوا تهديدًا في الخليج العربي، لتصبح الأزمة السورية مرتكزًا لتداخل الطموحات الإقليمية ما بين الاحتواء التركي، والتمدد الإيراني.

رابعا - ملامح سياسة الدول الكبرى تجاه تطورات الأزمة السورية:

وهنا، أشار السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، إلى وجود عاملين رئيسيين تسببا في تغير الموقف الأمريكي تجاه الأزمة، هما: تغير الأحداث على الساحة المصرية بعد 30 يونيو التي أنهت على فكرة الحرب بالوكالة، والعامل الآخر هو: استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية. واستكمل العرابي قائلا إن إعلان الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية إلى الأسد كان الغرض منه جذبه إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة السورية، مؤكدا أنه لم يكن في السابق ثمة أدنى أي حل غربي لإنهاء الأزمة السورية، حيث بقى التساؤل الرئيسي دائمًا هو: ماذا بعد الأسد؟!.

ورأى السفير العرابي أن الضربة العسكرية الأمريكية إطالة لأمد المشكلة، وليس حلها لعدم وجود إجابة واضحة لمستقبل سوريا بعد الأسد، مؤكدا أن المبادرة الروسية هى التى أوقفت هذا المد الأمريكي، قائلا إن اللاعبين الرئيسين في المسألة السورية هما الولايات المتحدة وروسيا، وتبقى كل من تركيا وإيران قوتين إقليميتين تؤثران في مجريات الأمور على الساحة السورية الداخلية.

وأضاف اللواء الدكتور محمد قدري سعيد، رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، أن الجانب الدولي هو الذي يقود التغيرات الموجودة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط الذي تتدخل فيه القوى الدولية بشكل كبير، مقارنة بالوجود العربي.

واستكمل دكتور قدري قائلا إن الوضع السوري أثبت أنه لا وجود للقوة الكافية للتدخل العربي. وعن الأسلحة الكيميائية، ذكر د.قدري أن السلاح الكيميائي موجود منذ بداية القرن الماضي، وتم استخدامه لفترة، ثم ظهر مرة أخرى في المنطقة من قبل دول كانت تتجه لهذه النوعية من الأسلحة، وليست سوريا فحسب، فضلاً عن وجود الأسلحة النووية، والاختلاف في نوعية السلاح، فلم يكن هناك حديث من قبل عن الغواصات التي تستخدم الآن في ظل توجه كبير للسلاح البحري، مقارنة بالأسلحة الأخرى، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيضع الفترة القادمة أمام منافسة فيما يتعلق بالتسليح.

وحول ملامح الصراع في الأزمة السورية، وصف الدكتور ناصيف حتي الأزمة السورية بأنها ثلاث حلقات صراعية كل منها فوق الأخرى. على المستوى الداخلي، صراع هيكلي خُطف في أوله ليتحول إلى حرب أهلية، ليتحرك إلى صراع إقليمي شهد نزوعا لعروبة النسق العربي، لتتحول معه المنطقة من القيادة العربية إلى قيادة من الخارج، من تركيا إلى إيران، ومنها إلى بيروت، حيث تتمركز تلك المحاور حول الدولة السورية، ومنها إلى الدور الأعلى في الصراع الذي يؤسس لنظام عالمي، ستبدأ إرهاصاته من الشاطئ السوري، قد يشهد معه حربًا باردة قد تؤسس لنظام تعاوني مستقبلي.

تابعوا بقية مناقشات المائدة وما طرحته من مسارات محتملة للأزمة السورية بمحاورها كاملة في مجلة السياسة الدولية ، عدد أكتوبر 2013
 

طباعة

تعريف الكاتب