كتب - رسائل علمية

إفريقيا نموذجاً:|تأثير المؤسسات المالية الدولية في مراحل التحول الديمقراطي

طباعة

الجمعة 9-3-2012

عرض : مروة عبد العزيز - باحثة دكتوراه في العلوم السياسية

تعد قضية تأثير الجهات المانحة الدولية – البنك الدولي وصندوق النقد الدولي - في التحول الديمقراطي من القضايا الشائكة التي تؤثر في شرعية الكثير من النظم السياسية في دول العالم الثالث. وفي هذا السياق ، تبدو أهمية رسالة الدكتوراه التي حملت عنوان " تأثير الدور الخارجي في مرحلة التحول الديمقراطي‮ .. ‬دراسة لتأثير المؤسسات المالية الدولية في إفريقيا جنوب الصحراء منذ نهاية الحرب الباردة" وتناقش الدراسة استخدام المؤسسات المالية الدولية كأداة ضغط لدفع هذه الدول لإجراء مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومدي تأثير ذلك في استقلالية صنع القرار فيها‮.‬

العلاقة بين المعونات والتحول الديمقراطي‮:

تهدف الدراسة إلى تحليل ديناميات ونطاق التفاعلات الداخلية‮ - ‬الخارجية لعملية إرساء الديمقراطية في إفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة‮. ‬وفي هذا الصدد، فإن‮  ‬الدراسة تستكشف الآثار المترتبة علي بروز وزوال أجندة الحوكمة للمؤسسات المالية الدولية لدعم‮  ‬عملية التحول الديمقراطي في إفريقيا جنوب الصحراء منذ نهاية الحرب الباردة‮.

وقد ركزت الباحثة في الفصل الأول من دراستها علي دراسة العلاقة بين ظاهرتي التحول الديمقراطي والمساعدات، من خلال وضع إطار نظري‮  ‬وتحليلي، مبرزا المفاهيم الأساسية، والدراسات السابقة، والفرضيات الأساسية، والأسئلة المنهجية‮.‬وتشير الدراسة إلى أنه مع بداية عقد التسعينيات،‮ ‬تزامن تبني البنك الدولي لأجندة الحكم الرشيد مع ظهور سياسة التعددية الحزبية في عدد من الدول النامية، مما يشير إلى وجود علاقة بين الظاهرتين‮. ‬

وهذا الارتباط كان بارزا ومشهودا، وفقا لبعض الدراسات التي لها الدلالات الإحصائية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهي المنطقة التي تعتمد بشكل كبير علي المساعدات الأجنبية‮. ‬وبعد عقد من الزمان، كان هناك تزامن آخر في الاتجاه المعاكس، بمعني تراجع تدريجي بالنسبة للظاهرتين‮. وبالتالي، فإن تخفيف لهجة التدخل لفرض الحكم الرشيد من جانب الجهات المانحة كان مرتبطا بمرحلة الركود الديمقراطي الموجودة في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية وتراجع في نشر الديمقراطية، والنكسات في بعض الديمقراطيات الجديدة، خاصة في دول إفريقيا جنوب الصحراء‮.‬

كما‮  ‬تركز الدراسة علي أثر تطور المشروطية السياسية التي تمارسها المؤسسات المالية الدولية تجاه المنطقة، والتغيرات في أنماط الحكم المحلي، وكيف أثرت سياسات التدخل التنموي للمانحين في السياسة الداخلية للدول، وخصوصا من خلال استخدام العقوبات المرتبطة بقطع أو حجب المعونات،‮ ‬مما يؤثر في عملية صنع القرار في البلدان المتلقية للمساعدات‮.‬

المؤسسات الدولية والتحول الديمقراطي‮:‬

ركز الفصل الثاني علي أجندة الحكم الرشيد في المؤسسات المالية الدولية والمشروطية السياسية‮. ‬وتسلط‮  ‬الدراسة الضوء علي الديناميات،‮ ‬وتطور الدور السياسي للمؤسسات المالية الدولية، وكيف تطورت‮  ‬آليات المشروطية في التسعينيات، مع التركيز علي المساعدات التي تعتمد علي إفريقيا‮.في حين تناول الفصل الثالث السياق الإقليمي في إفريقيا جنوب الصحراء في مرحلة ما بعد الحرب الباردة،‮ ‬باعتبارها ملعبا أو ساحة رئيسية،‮ ‬مورست فيها المشروطية السياسية من قبل المؤسسات المالية الدولية‮. ‬ويعالج تفاعل العوامل الخارجية والداخلية ودورها في تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، وكيف أثرت هذه العوامل في عملية التحول الديمقراطي في المنطقة‮.‬

في حين قدمت الدراسة نماذج تطبيقية لأثر المشروطية السياسية في دعم التحول الديمقراطي في دول إفريقيا جنوب الصحراء‮. ‬فركزت الدراسة علي كينيا لاستكشاف التفاعل بين العوامل الداخلية والخارجية في الديمقراطية الانتقالية‮. ‬وسعت للإجابة علي تساؤل رئيسي،‮ ‬مفاده‮: ‬إلى أي مدي،‮ ‬قامت المشروطية السياسية الصارمة التي تمارسها المؤسسات المالية الدولية علي الدول المتلقية بقيادة هذه الدول إلى التحول الديمقراطي؟ وما هي طرق التأثير؟ وكيف تمت هذه التغييرات منذ نهاية الألفية؟‮. ‬كما استعرض تدرج وضع كينيا من التبعية للمساعدات، وصعود العلاقات الصينية‮ - ‬الكينية الذي أثر في العلاقات مع الغرب،‮ ‬ودفع كينيا لعملية التحول الديمقراطي‮.

وأخيرا، يناقش الفصل الخامس دراسة حالة مالاوي من خلال دراسة كل الأبعاد السابقة، ولكن مع التركيز علي زيادة هشاشة‮  ‬الاقتصاد المالاوي،‮ ‬وعما إذا كان ذلك قد أدي إلى تعرض البلاد للضغوط الخارجية لتحقيق مزيد من الديمقراطية أم لا؟‮.‬

دروس مستفادة‮:‬

وفي ختام الدراسة،‮ ‬قدمت الباحثة مجموعة من النتائج بشأن طبيعة الديناميات،‮ ‬وقيود‮  ‬العوامل الخارجية وأثرها علي الدول الإفريقية التي تمر بمرحلة انتقالية، ومنظورها‮  ‬لدراسة عن سياسة الترابط‮  ‬والتحول الديمقراطي‮.وتخلص‮  ‬الدراسة إلى أن نظام المساعدات المتبع من قبل المؤسسات المالية الدولية‮ - ‬خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‮ - ‬دمج الترويج للإصلاحات السياسية والاقتصادية في معادلة واحدة،‮  ‬والدعوة لها تحت مظلة الحكم الرشيد‮. ‬وقد لعب هذا دورا‮  ‬مهما في الترويج لعملية التحول الديمقراطي في دول إفريقيا جنوب الصحراء،‮ ‬خاصة في مراحلها الأولي،‮ ‬علي عكس المراحل اللاحقة‮.‬

وقد استنتجت الدراسة،‮ ‬من خلال استعراض حالتي كينيا ومالاوي،‮ ‬مجموعة من الملاحظات التي برهنت علي الدور المهم الذي لعبه نظام المساعدات المتبع من قبل المؤسسات المالية الدولية للترويج للديمقراطية في دول إفريقيا جنوب الصحراء،‮ ‬خاصة تلك التي تعتمد بشكل كثيف علي المعونات المرتبطة بالمشروطيات‮.

وفي النهاية،‮ ‬تري الدراسة أن تأثير المشروطية السياسية في عملية التحول الديمقراطي لا‮ ‬يعود فقط إلى العلاقة السببية بين الآليات التي تتبعها الجهات المانحة وظروف الدول المتلقية السياسية والاقتصادية، ولكن هناك مجموعة من المتغيرات المتشابكة والمركبة التي تسهم في ذلك‮.‬

طباعة

تعريف الكاتب

د. هناء عبيد

د. هناء عبيد

خبيرة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام