من المجلة - المقــــــــــــالات

العاصمة الإدارية .. رمز الجمهورية الجديدة

طباعة

  خلال ثلاثة أيام من شهر مارس عام 2015، وتحديدا فى المدة من 13 إلى 15 عُقد بمدينة شرم الشيخ مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى بعد نحو تسعة أشهر من تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية رئاسة الجمهورية فى الثالث من يونيو عام 2014، أقيم هذا المؤتمر تحت شعار «مصر المستقبل» بمشاركة 2000 مندوب من 112 دولة، لدعم الاقتصاد المصرى فى مجالات متعددة منها مجالات الطاقة، والنقل، والشحن، والنفط، والعقارات.

 خلال المؤتمر، أعلنت الحكومة المصرية عدة مشروعات تنموية كبرى جاء على رأسها مشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك فى موقع يبعد 60 كيلو مترا عن منطقة وسط البلد بالعاصمة الحالية القاهرة، وكذلك يبعد عن السويس والعين السخنة، وتقع على مساحة 170 ألف فدان، وهى تعادل مساحة سنغافورة، وتعادل أربع مرات مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن Washington D.C، وتشمل عدة أحياء، منها الحى الحكومى المخصص لنقل مقر رئاسة الجمهورية والمقار الخاصة بكل الوزارات، بالإضافة إلى البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، ويتوسط المساحة بين الحى الحكومى ومبنى البرلمان بغرفتيه ساحة الشعب التى يتوسطها أعلى سارى علم فى العالم بارتفاع 207 أمتار، بعد أن كان من المقرر أن يكون الارتفاع 191 مترا فقط، إضافة إلى السفارات والقنصليات، ولكى تكون أيضا المركز المالى الجديد لمصر، أنشئ حى المال والأعمال ومنطقة الأعمال المركزية CBD التى يتوسطها البرج الأيقونى الذى يعد أطول برج فى إفريقيا بارتفاع 385 مترا، وحى البنوك والمكاتب الإقليمية للشركات الكبرى. كما تضم العاصمة الجديدة مقر قيادة الدولة الاستراتيجى، ومدينة الثقافة والفنون، ومدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية، ومدينة المعرفة، والنهر الأخضر الذى يمتد إلى أكثر من 35 كم ما يجعله أكبر ستة أضعاف من سنترال بارك فى مدينة نيويورك، ويعد كذلك أطول محور أخضر فى العالم، بالإضافة إلى عدد كبير من الجامعات والمدارس، إضافة إلى الأحياء السكنية. أنشئت شركة العاصمة للتنمية العمرانية، لتنفيذ هذا المشروع العملاق، فى عام 2016 كشركة مساهمة مصرية تعمل فى مجال الاستثمار العقارى برأس مال مدفوع بلغ ستة مليارات جنيه(1)، يسهم فيها عدد من الهيئات الوطنية العاملة فى مجال الخدمات والتعمير والطرق. وبحسب تصريحات إعلامية خلال شهر أغسطس عام 2023 أفاد رئيس مجلس إدارة الشركة بأن إجمالى أصول الشركة بلغ 255 مليار جنيه عام 2022 بزيادة 145% على العام السابق، وأن أرباح الشركة بلغت نحو 20 مليار جنيه فى العام نفسه(2)، وأضاف أنه توجد 85 شركة مطور عقارى تعمل فى 500 مشروع بالعاصمة، وأن الجهات الحكومية المنتقلة بلغ عددها 114 جهة. عودة إلى العاصمة الإدارية الجديدة كإنجاز كبير على أرض مصر، حيث تعد فى مقدمة المدن الذكية والمعروفة بمدن الجيل الرابع بهدف تحويل العاصمة إلى مركز سياسى واقتصادى وثقافى رائد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تستهدف نصف مليون نسمة فى المرحلة الأولى، إضافة إلى ما بين 40-50 ألف موظف حكومى وصولا إلى 100 ألف موظف خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع وصول عدد السكان إلى 6.5 مليون نسمة وفرص عمل منتجة تبلغ مليونى فرصة عمل(3). لا يقتصر الفكر والهدف من إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة على الجوانب العمرانية فحسب، بل تتخطاها إلى الأساليب التقنية والرقمية لميكنة دولاب العمل الحكومى وفق أحدث التقنيات الحديثة، الأمر الذى مهد لاختيارها لتكون العاصمة الرقمية العربية لعام 2021، وذلك خلال أعمال الدورة (24) لمجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات المنعقد بتاريخ 17 ديسمبر 2020(4).

نقاط مضيئة:

لا يمكن بأى حال من الأحوال فى مقالٍ مهمَا يبلغ حجمه أن يسرد كل تفاصيل هذا الإنجاز الضخم، ولكن فى هذه المساحة الصغيرة ربما يمكننا إلقاء بعض الضوء على ثلاثة نماذج من مجالات التطوير التى تم التخطيط لها فى محاور المعرفة والثقافة وتطوير الأداء الحكومى وهى:

أولا- مدينة الفنون والثقافة: لا شك فى أن مصر تتميز بتنوع ثقافى وإنتاج معرفى وإبداعى لا مثيل له، ما جعل المتخصصين يستخدمون تعبير «القوة الناعمة» لوصف هذا التأثير، وهو ليس وليد اليوم، لكنه بالفعل تراكم كبير وقديم امتصه الإنسان المصرى، وظهر فى هذا الكم الكبير من المبدعين ومن الأعمال الإبداعية فى المجالات الثقافية والفنية المختلفة، هذا التراكم عبر عنه المفكر الراحل الدكتور ميلاد حنا فى كتابه البديع «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، حيث يمكن تقسيم تلك الأعمدة إلى أعمدة مرتبطة بالجغرافيا وموقع مصر وهى الانتماء العربى والإفريقى وبدول حوض البحر المتوسط، وأعمدة مرتبطة بالتاريخ وهى الانتماء الفرعونى، واليونانى، والرومانى معا ثم القبطى والإسلامى أيضا. أُنشئت المدينة على مساحة 127 فدانا، وتضم العديد من الصروح الثقافية والتنويرية المهمة يأتى على رأسها دار الأوبرا الجديدة التى تعد أكبر دار أوبرا فى الشرق الأوسط، كما أنها ضمن العشر الأوائل على مستوى العالم من حيث السعة، حيث تضم القاعة الرئيسية التى تسع 2200 فرد، فدار الأوبرا الأكبر على الإطلاق تلك التى تسمى دار الأوبرا متروبوليتان بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسع 3850 فردا، يليها عدد من دور الأوبرا فى أوروبا تبلغ سعتها بين 2000 و2600 فرد ما يجعل دار الأوبرا الجديدة فى هذا الترتيب المتقدم. تشمل المدينة أيضا مسرحًا للموسيقى الذى يسع 1200 فرد، بالإضافة إلى مسرح الدراما والأداء الحركى الذى يسع 630 فردا، وذلك فى إطار طراز معمارى فريد وثرى، كما تضم مكتبة العاصمة التى تحتوى على العديد من الكتب والمقتنيات النادرة التى يتخطى عددها حاليا 70 ألف كتاب، ومن المخطط أن يصل إجمالى مقتنيات المكتبة إلى 5 ملايين كتاب، كما تتميز أيضا باستخدام أحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى عمليات البحث والاسترجاع، وتضم أيضا قسما خاصا بالكتب الإلكترونية والرقمية، كما تحتوى المكتبة على قاعات مخصصة تحمل اسم بعض رواد الأدب والثقافة بمصر منها قاعات: طه حسين، ونجيب محفوظ، وأحمد شوقى، وثروت عكاشة، وغيرهم. وتشتمل كل قاعة من هذه القاعات على كل مؤلفات الكاتب، بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى، وفى بعضها الآخر تمثال لصاحبها. أما فيما يخص المتاحف، فالمدينة بها متحف عواصم مصر الذى يحتوى على عدد كبير من الآثار التى تنتمى إلى كل حقبة زمنية مرتبطة ببناء إحدى العواصم التى تبدأ بالعواصم الفرعونية، وصولا إلى العواصم الإسلامية حتى نصل إلى القاهرة، كما تشتمل المدينة أيضا على متحف الفنون الذى يعرض العديد من اللوحات الأثرية والحديثة، ومتحف العملات(5).

ثانيا- مدينة المعرفة: أنشئت على مساحة 200 فدان بإجمالى استثمارات 15 مليار جنيه، حيث تختص تلك المدينة بكل ما هو مرتبط بالتكنولوجيا الحديثة وصناعة البيانات والمعرفة، ويطلق عليها أيضا «قلعة التكنولوجيا» الجديدة، وذلك لبناء مجتمع معلوماتى يتم من خلاله دعم البحث والابتكار فى التقنيات المتقدمة، وجذب استثمارات الشركات التكنولوجية العالمية، وتوفير التدريب التقنى لإعداد أجيال واعدة قادرة على تنفيذ مشروعات بناء مصر الرقمية، حيث تشمل عددا من المبانى المتخصصة، منها «جامعة مصر المعلوماتية» التى تعد أول جامعة فى إفريقيا والشرق الأوسط متخصصة فى تكنولوجيا المعلومات وعلوم الاتصال، وهى جامعة أهلية أنشأتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، وهى متخصصة فى مجالات متعددة منها التحول الرقمى، والذكاء الاصطناعى، وهندسة البيانات، والثورة الصناعية الرابعة، وتصنيع الإلكترونيات، وعلوم الاتصالات، والتكنولوجيا المالية، وتحليلات البيانات، والتسويق الرقمى، وفنون الرسوم المتحركة، وتجربة المستخدم، وتصميم الألعاب بطاقة عشرة آلاف طالب، وذلك من خلال أربع كليات رئيسية هى: علوم الحاسب والمعلومات، والهندسة، وتكنولوجيا الأعمال، والفنون الرقمية والتصميم. كما أبرمت الجامعة عددا من الاتفاقات مع عدد من الجامعات العالمية المهمة للحصول على درجة بكالوريوس مزدوجة ودرجات ماجستير متخصصة(6). تضم المدينة فى مرحلتها الأولى، إضافة إلى الجامعة، ثلاثة مبان أخرى تشمل مبنى للابتكار والبحوث التطبيقية، وآخر للتدريب التقنى، وثالثا لأكاديمية متخصصة فى البحوث والتطوير فى التكنولوجيا المساعدة لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة بواسطة الوجود الفعال للشركات العاملة فى تطوير البرمجيات والحلول التقنية من خلال إتاحة عشرة معامل متخصصة عالية التقنية تساعد فى إنتاج الحلول المبتكرة. كما تضم المدينة أيضا أول مركز إبداع فى الجيل الصناعى الرابع فى مصر، وذلك على مساحة 15 ألف متر مربع، حيث يستهدف هذا المركز والمسمى «إمحوتب» القيام بدور توعوى بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها العملية بالمصانع الذكية، وتبنِّى التكنولوجيا المتقدمة فى التصنيع المحلى من خلال إتاحة عدد كبير من المعامل المتطورة لـ 30 شركة عالمية ومحلية بهدف القيام بالأبحاث والتصاميم الإلكترونية فى المجال الصناعى، فضلا عن التدريب على تقنيات الأتمتة والرقمنة، وتقديم الدعم اللازم فى مجالات تحفيز الابتكار الصناعى، وتصميم المصانع الذكية بما يسهم فى نقل المعرفة وتطوير القطاع الصناعى، خاصة بعد أن انتشرت تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى كل المجالات، وهو ما يتوازى مع الاستعدادات التى توليها الدولة المصرية لهذا المجال خاصة بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى عام 2021 بعد عامين فقط من إنشاء المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى وتحديدا فى نوفمبر 2019(7). وهذه التوجهات وما نتج عنها من إنجازات حقيقية هى التى أسهمت فى تحسن مؤشر مصر فى جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعى، حيث وصل ترتيب مصر إلى المركز الـ 56 عالميا بين 172 دولة مقارنة بالمركز الـ 111 بين 194 دولة عام 2019(8). تضم مدينة المعرفة فرعين لمعهد تكنولوجيا المعلومات، والمعهد القومى للاتصالات، حيث يعدان الذراعين التدريبيتين للوزارة فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أما عن المرحلة الثانية من الإنشاءات بالمدينة فستتضمن ستة مبان متخصصة منها توسعة لجامعة مصر المعلوماتية، كما ستتاح أراض للشركات العالمية والمحلية لإقامة مقار لها بالمدينة وللوجود بالعاصمة الإدارية الجديدة(9)، وذلك بالاستراتيجية المتبعة نفسها فى القرية الذكية التى اتسعت اليوم لتشمل أفرعا للعديد من الشركات المحلية والعالمية العاملة فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا المالية وغيرها.

ثالثا- الحى الحكومى: يقع الحى الحكومى فى قلب العاصمة الإدارية الجديدة، ويتكون من عشرة مجمعات Clusters يحتوى كل مجمع على عدد من الوزارات، بالإضافة إلى مبانى مجلس الوزراء ووزارتى العدل والخارجية ليصل بإجمالى الوزارات إلى 34 وزارة، وذلك على مساحة 170 ألف متر مربع لكل مجمع، صُمم بعضها على الطراز الإسلامى، وبعضها الآخر على الطراز الفرعونى أو الكلاسيكى، يشمل الحى الحكومى أيضا مبنى البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، ويفصل البرلمان عن منطقة الوزارات ساحة الشعب التى يتوسطها أعلى سارى علم فى العالم. تصل المساحة الإجمالية للمبانى إلى 1.5 مليون متر مربع ما يشكل 28% من إجمالى المساحة التى تفيض بالمسطحات الخضراء. بدأ العمل فى الحى الحكومى منذ بداية العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة عام 2015، وانتقلت الوزارات والجهات الحكومية بداية من الأول من مارس 2023 وحتى اكتمال الانتقال الكامل فى الثلاثين من يونيو من العام نفسه. إن انتقال الحكومة من مقارها السابقة بالقاهرة إلى الحى الحكومى ليس انتقالا فيزيقيا فقط كما يتصور بعض المصريين، ولكن تأتى الطفرة التكنولوجية فى تغيير أساليب العمل من خلال توظيف أحدث تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتأمين البيانات وسلامة حفظها واسترجاعها وتداولها، ولم يكن لهذا الإنجاز التكنولوجى الكبير أن يتم إلا من خلال تضافر الجهود من مؤسسات الدولة المختلفة، وبالمتابعة المستمرة من القيادة السياسية، فالانتقال تضمن تقسيم التطبيقات الإلكترونية التى تعمل عليها الجهات الحكومية إلى تطبيقات تشاركية ومنها تطبيقات التراسل الإلكترونى، وحفظ الوثائق، وتطبيق الموارد البشرية، وتطبيق إدارة المشروعات، حيث تم تهجير جميع البيانات التى سبق العمل عليها إلى الأنظمة الجديدة، بالإضافة إلى رقمنة الوثائق الحكومية ليكون العمل بالأسلوب الجديد فى بيئة لا ورقية تستخدم أيضا تقنيات التوقيع الإلكترونى بديلا عن الأساليب الورقية المعتادة(10). بالإضافة إلى ذلك، هناك التطبيقات التخصصية التى تعنى التطبيقات الخاصة بطبيعة عمل كل وزارة على حدة التى لا يوجد لها مثيل فى جهة أخرى، وقد وصل ما نُقل حتى الآن إلى 455 تطبيقا، فضلا عن تركيب وحدات الإنترنت اللاسلكى الفائق السرعة بإجمالى 22 ألف محطة، والانتهاء من تجهيز نحو 1227 قاعة اجتماعات رئيسية وفرعية بأحدث أنظمة الصوتيات والمرئيات، إضافة إلى تشغيل أكثر من 16 ألف تليفون شبكى مؤمن، كذلك تشغيل أكثر من 36 ألف جهاز حاسب صفرى(11)، والحواسب الصفرية تلك تعد عنصرا مهما من عناصر تأمين البيانات والمعلومات فى الحفظ والاسترجاع والتداول، فتقنية الحواسب الصفرية تعتمد على وجود كل البيانات فى مركز بيانات موحد ومؤمن، حيث تستخدم تلك الحواسب الصفرية للدخول على تلك المصادر دون وجود أى بيانات عليها ضمانا واستكمالا لمنظومة أمن المعلومات الشديدة الدقة والإتقان. يُذكر أن الأرقام السابقة تزيد يوميا مع توطين المزيد من التطبيقات التخصصية للجهات. بلغت الوثائق الحكومية التى تم رقمنتها قبل الانتقال نحو 250 مليون وثيقة، وهو يعد أكبر مشروع رقمنة أرشفة فى الشرق الأوسط(12)، كما تم قبل الانتقال تدريب نحو 50 ألف موظف على مهارات الحاسب الآلى والتطبيقات التشاركية الجديدة وكيفية استخدامها بكفاءة.

سياق متصل:

لم تكن الإنجازات السابقة تأتى إلا فى سياق متصل مع ما سبقها من جهود فى مجال التحول الرقمى، وهى المرحلة التالية لمرحلة التحول الإلكترونى التى كانت توصف فيها الحكومة بأنها «الحكومة الإلكترونية»، حيث بدأت منذ إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عام 1999، واستمرت الجهود الحكومية لنشر الوعى بأهمية واستخدامات تقنيات المعلومات والاتصالات فى جميع مناحى الحياة، ولكن يمكن وبسهولة تمييز العصر الرقمى الجديد من خلال عدد من أحجار الزاوية المهمة، منها:
1- قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2259 لسنة 2014 بشأن إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبرانى. 2-  قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1453 لسنة 2015 بشأن إنشاء مجلس أعلى للمجتمع الرقمى. 3- قرار رئيس الجمهورية رقم 314 لسنة 2017 بشأن إنشاء منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة. 4-    قانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. 5- قانون رقم 18 لسنة 2019 بشأن تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدى. 6- قانون رقم 151 لسنة 2020 بشأن حماية البيانات الشخصية. 7- قانون رقم 194 لسنة 2020 بشأن قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى. 8- قانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية فى الأنشطة المالية غير المصرفية.
إن تلك القوانين قد سبقها عدد آخر من القوانين، مثل القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات، والقانون رقم 15 لسنة 2004 بشأن التوقيع الإلكترونى وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات. وضعت هذه القوانين وما نجم عنها من لوائح تنفيذية مجتمع تكنولوجيا المعلومات فى مصر فى سياق تنظيمى أسهم فى إنجاح العديد من المشروعات، وأدى إلى تحسن مؤشرات مصر فى جميع المجالات المرتبطة. وعلى رأس تلك النتائج، التى هى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمواطن، الخدماتُ الحكومية الإلكترونية التى تقدم من خلال بوابة مصر الرقمية التى أُطلقت فى أغسطس عام 2020 لتكون بمنزلة بوابة موحدة تمكِّن المواطنين من الحصول على عدد من الخدمات الحكومية عن بُعد بسهولة ويسر وسرعة وخصوصية ما يوفر الكثير من الوقت والجهد السابق بذلهما للحصول على تلك الخدمات بالسبل التقليدية القديمة. تحتوى البوابة التى عنوانها https://digital.gov.eg حاليا على 168 خدمة تقدم من خلال تسع وزارات، ووصل مستخدموها إلى 7.9 مليون مستخدم فى نوفمبر 2023 أجروا 44.6 مليار طلب خلال السنوات الثلاث الماضية تشمل خدمات التموين، والتوثيق، والحالة الشخصية، وخدمات المركبات، والكهرباء، والشهر العقارى، والإسكان الاجتماعى، والتراخيص، والسجل التجارى، والمحاكم، والضرائب العقارية، والأحوال المدنية، وخدمات القضايا، والتأمين الاجتماعى، ودار الإفتاء، والتأمين الصحى الشامل، والزراعة، والبريد المصرى. وخلال شهر يوليو الماضى أُطلق تطبيق على الهواتف الذكية يقدم الخدمات المتاحة نفسها على بوابة مصر الرقمية.  يتزامن مع ذلك التوسعُ فى المدفوعات الإلكترونية من خلال المحافظ الإلكترونية على الهواتف المحمولة التى وصل عددها إلى نحو 36 مليون محفظة، وكذا أيضا كروت الدفع الإلكترونى التى وصلت إلى نحو 62 مليون كارت، ووصول نقاط الدفع الإلكترونى إلى 1.2 مليون نقطة بيع، وأعداد ماكينات الصراف الآلى ATM إلى 23 ألف ماكينة من البنوك المختلفة، وذلك بحسب تصريحات نائب محافظ البنك المركزى فى الجلسة الافتتاحية لمعرض المدفوعات الرقمية والشمول المالى PAFIX، المقام ضمن فعاليات المعرض والمؤتمر الدولى للتكنولوجيا للشرق الأوسط وإفريقيا «كايرو آى سيتى 2023»(13). أما فيما يخص الأمن السيبرانى ومدى تأمين الأنظمة الفنية الموجودة فى الدولة المصرية، فقد احتلت مصر المركز الـ 23 على مستوى العالم فى مؤشر الأمن السيبرانى العالمى لعام 2020 The Global Cybersecurity Index /GCI الذى أصدره الاتحاد الدولى للاتصالات، وذلك ضمن 194 دولة شملها التقرير ما يجعل مصر فى المركز الرابع عالميا والأول إفريقيا، حيث حقق المؤشر قيمة بلغت 95.48 درجة بفارق أربع درجات ونصف الدرجة عن الدولة الأولى فى التقرير، وهى الولايات المتحدة الأمريكية(14).

درة المدن الذكية:

عودة إلى تناول موضوع العاصمة الإدارية الجديدة التى تشمل، بالإضافة إلى ما سبق، مسجدى مصر والفتاح العليم، وكاتدرائية ميلاد المسيح، كذلك تضم سبعة أحياء سكنية ضخمة وعددا من المبانى الخدمية كالإسعاف، والمستشفيات، والمحال، والمراكز التجارية. وتتصل بالقاهرة من خلال شبكة طرق متطورة على كل من طريقىّ السويس والعين السخنة، إضافة إلى القطار الكهربائى والمونوريل، كما اُفتتح مطار العاصمة الدولى عام 2019 على مقربة من العاصمة(15)، أما فى داخل المدينة، فقد أنشئت منظومة إدارة إلكترونية ذكية لإدارة البنية التحتية الأساسية للخدمات، كما أُنشئ أيضا مركز سيطرة وتحكم أمنى وخدمات السلامة العامة عن طريق 6 آلاف كاميرا موجودة فى المدينة. لا يقتصر الأمر على ما يراه الزائر للعاصمة الإدارية من إشارات إلكترونية وكاميرات مراقبة ليتم حسبانها مدينة ذكية، فإدارة جميع الأنشطة والخدمات تتم من خلال بيئة رقمية إلكترونية تستخدم أحدث تقنيات العصر، ومنها بالتأكيد تقنيات الذكاء الاصطناعى، وتحليل البيانات، وإنترنت الأشياء Internet Of Things /IoT، وليس الأمر مقتصرا على المحيط الخارجى فحسب، بل يشمل أيضا إدارة المبانى داخليا من خلال منظومات ذكية تعرف بالـ Building management أو اختصارا BMS، وهذه المنظومات تحافظ على الموارد الطبيعية، وتقوم بتوفير الطاقة واستهلاكاتها، إضافة إلى سرعة التحرك والعلاج فى حالة الطوارئ والأزمات ما يعزز من الإسراع بوتيرة التنمية الاقتصادية فى المدينة وللمتعاملين معها وقاطنيها، فالمبانى الذكية تستغل الطاقة بكفاءة واستدامة بيئية. ويحدث الأمر نفسه فى النقل والتنقل الذكى والمستدام، وفى الخدمات الحكومية الذكية، وكذا أيضا شبكات المياه والصرف، وغيرها من الأمور التى تنعكس بصورة إيجابية ناصعة على الصحة العامة لقاطنيها وتحسين جودة الحياة Quality Of Life بصورة كاملة وشاملة(16).

ختامـــًا:
إن العاصمة الإدارية الجديدة تأتى بعد أكثر من ألف عام على بناء العاصمة الحالية - القاهرة- بكل ما تحتويه من عمارة عبر العصور المختلفة، الفاطمية والخديوية وغيرهما، ومع ما مرت بها من أحداث كبيرة وثورات، ومع ما بها من تجهيزات ومبان ومرافق وخدمات وسكان وصل عددهم إلى نحو 10.5 مليون نسمة أى تقريبا 10% من تعداد مصر، إضافة إلى المحافظات المجاورة كالجيزة التى وصل عدد سكانها إلى 9.5 مليون نسمة، والقليوبية التى وصل عدد سكانها إلى 6.1 مليون نسمة(17)، أى نحو 26 مليون نسمة يشكلون ربع سكان مصر يتحركون حول القاهرة وداخلها، ما يشكل عبئا كبيرا الأمر الذى يؤدى إلى مشكلات مزمنة تتحدث عنها الدراسات منذ ستينيات القرن العشرين أو سبعينياته، ما دفع القيادة السياسية إلى التفكير منذ ذلك الحين فى إيجاد بدائل لعاصمة جديدة تكون هى الحل لتلك المشكلات التى لا يمكن معالجتها فى ظل العاصمة القديمة.
إن اختيار قرار وأخذه وتنفيذ هذا المخطط الكبير له العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، فالعاصمة الجديدة تتيح خلخلة السكان، وتغيير النمط السابق المتمركز حول نهر النيل، والاتجاه إلى العمران بعيدا عن الشريط الضيق، وليس الأمر يقتصر على السكان فحسب بل يشمل أيضا كونه وسيلة جذب للمستثمرين الحاليين والجدد للتوسع فى بيئة حديثة متقدمة تستخدم أحدث أدوات عصر التكنولوجيا فى الإدارة وتقديم الخدمات للجميع بسهولة وسرعة ويسر ودقة. إضافة، بالطبع، إلى سهولة الدمج المجتمعى للعاصمة مع المراكز السكانية والصناعية والتجارية القريبة منها، وهو أمر يحتاج إلى وقت حتى تتكشف فوائده، وهو ما يتفق عليه خبراء التخطيط والدراسات المستقبلية الذين يشعرون بالارتياح لكون مصر قد اتجهت ولأول مرة إلى الحلول الاستراتيجية للمشكلات المزمنة بدلا من سياسات إطفاء الحرائق التى استمرت عقودا طويلة.
 لذا، يمكن، وببساطة، أن نصف الجمهورية الجديدة بأنها جمهورية الاستراتيجيات المستقبلية التى ستنقل البلاد نقلة نوعية كبيرة فى المستقبل القريب إن شاء الله.

المراجع:

1-الموقع الرسمي لشركة العاصمة للتنمية العمرانية.http://www.acud.eg

2-: رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة: زيادة أصولها لـ 255 مليار جنيه،موقع اليوم السابع، 9أغسطس 2023.https://www.youm7.com

3- كتاب «حكاية وطن.. بين الرؤية والإنجاز»، رئاسة مجلس الوزراء، 2023 ، ص 205.

4- كتاب"حكاية وطن ..أرقام و إحصائيات و مشروعات"، رئاسة مجلس الوزراء،2023،  ص251.

5-الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية على موقع فيسبوك:

https://www.facebook.com/photo/?fbid=679273043561427&set=a.324472705708131

6-الموقع الرسمي لجامعة مصر المعلوماتية:https://eui.edu.eg

7- الموقع الرسمى للمجلس الوطني للذكاء الاصطناعي:https://ai.gov.eg

8- الموقع الرسمي لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:https://mcit.gov.eg/Ar/Media_Center/Press_Room/Press_Releases/53006

9-تصريحات السيد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على صفحة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء على موقع فيسبوك:

https://www.facebook.com/watch/?ref=embed_video&v=660501592251309

10-رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، 01 مايو 2023.

https://www.cabinet.gov.eg/News/Details/60196

11-رئيس الوزراء يتابع الموقف التشغيلي لنظم المعلومات والاتصالات بالمقرات الحكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 18 يوليو 2023.https://www.sis.gov.eg

12-وزير الاتصالات: رقمنة 250 مليون وثيقة ضمن أكبر مشروع بالشرق الأوسط، موقع جريدة الشروق، 1 أكتوبر 2023.

https://www.shorouknews.com

13- البنك المركزى: 36 مليون محفظة إلكترونية.. و6.2 مليون مستخدم بانستا باى، موقع اليوم السابع 20 نوفمبر 2023.

https://www.youm7.com

14- تقرير "الرقم القياسي العالمي للأمن السيبرانى"، الاتحاد الدولي للاتصالات، 2020 ص24.

15-مطار العاصمة الإدارية، الموقع الرسمي لرئاسة جمهورية مصر العربية.

https://www.presidency.eg

16-«المدن الذكية.. الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة»، نشرة «نظرة على الأحداث»، مركز المعلومات و دعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء، العدد رقم 100، سبتمبر2023.

17-عدد سكان مصر-الموقع الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.https://www.capmas.gov.eg/Pages/populationClock.aspx

طباعة

    تعريف الكاتب

    م. زياد عبد التواب

    م. زياد عبد التواب

    خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء