كتب - رسائل علمية

تيارات طهران:|"رسالة ماجستير" تتناول الجدل الإيراني حول مستقبل الدولة

طباعة

عرض: علي محمد علي  باحث سياسي مساعد بمركز الدراسات بالأهرام.

مع حدوث حالة من الاستقطاب السياسي داخل مؤسسات صنع القرار الإيرانية التي ستؤدي مستقبلا إلي "تيار إصلاحي" جديد يتشكل من محافظين راديكاليين بقيادة أحمدي نجاد، ومحافظين "براجماتيين" بقيادة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، يبقى تساؤل مهم يطرح نفسه، هو: إلى أين يتجه النظام السياسي في طهران؟، وما هي هويته المستقبلية؟. في هذا السياق، ناقش الأستاذ محمد عباس ناجي رسالةالماجستير الخاصة به في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحت عنوان "العلاقة بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المعينة وأثرها على عملية صنع القرار فى النظام الإيرانى في الفترة (1989 - 2005)".

خريطة مؤسسات صنع القرار

عرض الباحث العلاقة بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المعينة داخل النظام الإيراني، والعوامل المؤثرة فى هذه العلاقة، وتأثير ذلك كله فى عملية صنع القرار في النظام الإيراني، وهو من الموضوعات ذات الأهمية على الساحتين العربية والإقليمية، في ظل صعود النموذج السياسي الإيراني، مصنفا مؤسسات صنع القرار في إيران إلى :مؤسسات منتخبة، وهى رئاسة الجمهورية، ومجلس الشورى الإسلامى، ومجالس الشورى المحلية، وموقعها داخل النظام السياسى، ودورها فى ديناميات التفاعل داخل هذا النظام، وكذا هناك مؤسسات معينة، وهى مجمع تشخيص مصلحة النظام، والسلطة القضائية، والمجلس الأعلى للأمن القومي.

تسهم تلك المؤسسات في التأثير فى عملية صنع القرار، وفى التفاعلات مع المؤسسات السياسية الأخرى المكونة للنظام الإيراني، محدداالمؤسسات ذات الوضع الخاص داخل النظام الإيراني، وهى مجلس صيانة الدستور، ومجلس خبراء القيادة، والتى تمارس دورا مهما داخل عملية صنع القرار، لكن لا يمكن تصنيفها داخل المؤسسات المنتخبة أو المعينة، مع إبراز صلاحيات ودور مؤسسة المرشد الأعلى للجمهورية، باعتبارها المؤسسة الأهم والأكثر قوة داخل النظام الإيرانى، وكيف اختلف هذا الدور، حسب الظروف التى مر بها هذا النظام على مدى العقود الثلاثة التى أعقبت نجاح الثورة فى عام 1979.

الصراع  البراجماتي – الراديكالي 

        أكد الباحث أن الصراع بين المؤسسات الإيرانية في العقد الأول من الثورةكانبسبب وجود الإمام الخمينى الذى ساعدته الكاريزما التى حظى بها، فضلا عن الصلاحيات المطلقة التى منحها له الدستور، باعتباره قائد الثورة ومؤسس الجمهورية ، فى التغلب على كثير من الأزمات التى واجهها النظام فى هذه الفترة، وأنهمع انتهاء العقد الأول من الثورة الإسلامية، بدا النظام السياسي الإيراني في سبيله إلى التحول إلى مزيد من المؤسسية بفعل عوامل عديدة، هي وفاة الخمينى، وانتهاء الحرب مع العراق، وانهيار الاتحاد السوفيتى، والتوجه نحو إعادة الإعمار وبناء الدولة من جديد، بكل ما يعنيه ذلك من تبنى سياسات مختلفة عن تلك التى سادت خلال العقد الأول من الثورة، وتصاعد الدعوات إلى استبعاد الخطاب الأيديولوجى فى سياسة إيران الخارجية، والتى كانت قضية "تصدير الثورة" عنوانها الرئيسى، والتحول من حالة الثورة إلى حالة الدولة.

أشارت الرسالة إلى أن وفاة الخميني أثرت فى فكرة المؤسسية في إيران، حيث أدت إلى التفكير في ضرورة إعادة النظر في الدولة الإيرانية، والتحول الى المزيد من المؤسسية في عملية صنع القرار الإيراني، ومن ثم تم تقليص الشروط المطلوبة فى المرشح لمنصب المرشد الأعلى للجمهورية من أجل تمكين علي خامنئي من خلافة الخميني، حيث تم ترجيح كفاح الأول السياسى على مؤهلاته الدينية، ثم تصعيد هاشمى رفسنجانى لتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لخامنئى، ليبدأ الصراع فى هذه المرحلة بين مؤسسات النظام الإيرانى التى سيطر عليها تياران هما التيار البراجماتى بقيادة رفسنجانى، والتيار الراديكالى بقيادة أكبر محتشمى.

وبالرغم من ذلك، كان النظام الإيراني قادراً على التكيف مع هذا الصراع الذي لم يؤد إلى تكوين جبهات معارضة واسعة النطاق خارجة من عباءة النظام، منشقة منه، أو ثائرة عليه، لأن النظام كان حريصا على الحيلولة دون سيطرة تيار سياسى واحد على عملية صنع القرار. مؤكدا أنه على الرغم من نجاح  رفسنجانى في تمكين البراجماتيين من السيطرة على معظم مؤسسات صنع القرار، فإن ذلك لم يؤد إلى إقصاء الراديكاليين، بل انعكس ذلك على عملية صنع القرار، وتبني حكومة رفسنجانى سياسات اقتصادية جديدة قامت على الخصخصة، وتحرير التجارة وجذب الاستثمارات الخارجية، كما وسعت من هامش الحريات العامة، وبذلت جهودا حثيثة لتقليص حدة التوتر مع الخارج.

لكن هذه المحاولات لم تنجح بشكل كامل، لأن عملية الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها حكومة رفسنجاني أدت إلى الإضرار ببعض فئات المجتمع الإيراني، ومن ثم تولدت قوى معادية لرفسنجاني ولتياره البراجماتي.

 صعود التيار الإصلاحي

 تناول الباحث مسألة صعود التيار الإصلاحي، بقيادة الرئيس محمد خاتمى، إلى السلطة بعد فوزه بانتخابات الرئاسة عام 1997، مؤكدا أن الاستقطاب السياسي الداخلي في إيران بدأ يتخذ منحى جديدا، حيث بدأ الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين، وأصبح لكل منهم خطابه ورؤيته للقضايا الداخلية والخارجية.مشيرا إلى أن الإصلاحيين تبنوا برامج سياسية واقتصادية قامت على توسيع هامش الحريات السياسية، والسماح بصدور عدد كبير من الصحف والمجلات التى تتبنى وجهات نظر معارضة للنظام، وتفعيل دور القطاع الخاص.

لكن التيار المحافظ عمل بكل جهده على الحيلولة دون تنفيذ هذه البرامج، وهو ما أنتج تأثيرات مباشرة فى عملية صنع القرار. فعلى المستوى الداخلى، تم تقييد مساحة الحرية المتاحة لوسائل الإعلام المعارضة للنظام، ولم تنجح الإجراءات التي اتخذتها الحكومة فى التوصل إلى حلول فعالة للأزمة الاقتصادية التى واجهتها إيران. وعلى المستوى الخارجى، ورغم نجاح الإصلاحيين فى تقليص حدة التوتر فى العلاقات مع دول الجوار، فإنهم فشلوا فى تجاوز العقبات التى وضعها المحافظون فيما يتعلق بتطوير العلاقات مع بعض القوى الكبرى ، ولاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما لم ينجحوا فى التوصل إلى تسوية للملف النووى.

وأكد الباحث أن الإصلاحيين قد فشلوا في تنفيذ برامجهم السياسية والاقتصادية، مما وفر مناخا مواتيا لعودة المحافظين إلى السيطرة على المؤسسات المنتخبة من جديد، بدءًا بمجالس الشورى المحلية، مرورا بمجلس الشورى الإسلامى، وانتهاءً برئاسة الجمهورية، إلى جانب احتفاظهم بالسيطرة على المؤسسات المعينة وذات الوضع الخاص، مثل مجمع تشخيص مصلحة النظام، والقضاء، ومجلس صيانة الدستور.

 اضطرابات مستقبلية بين المحافظين

عرضت الرسالة للصراع داخل التيار المحافظ ذاته داخل مؤسسات صنع القرار ليظهر فى الأفق استقطاب سياسى من نوع جديد من داخل تيار المحافظين، بين "محافظين راديكاليين" بقيادة الرئيس أحمدى نجاد، و"محافظين براجماتيين" بقيادة على لاريجانى، رئيس مجلس الشورى، بشكل دفع بعض الاتجاهات إلى توقع ظهور "تيار إصلاحى" جديد من داخل التيار المحافظ لمنافسة المحافظين الراديكاليين داخل مؤسسات  صنع القرار.

تزامن ذلك مع تصاعد حدة الخلافات بين المرشد الأعلى للجمهورية والرئيس نجاد مع بدء الفترة الرئاسية الثانية للأخير، وهو ما دفع خامنئى إلى التلميح بإمكانية إلغاء منصب الرئيس مع تغيير النظام السياسى إلى النظام البرلمانى، وهو الخيار الذى سوف ينتج حتما توازنات جديدة داخل هذا النظام، ربما يكون لها تداعيات مباشرة على عملية صنع القرار، لأن رئيس الوزراء الذى قد تختاره الأغلبية فى مجلس الشورى، وفقا للطرح الذى قدمه خامنئى، ربما يسعى بدوره إلى مزاحمة المرشد على الصلاحيات التنفيذية التي حددها له الدستور ، مما يمكن أن يؤدي الى أزمات عديدة داخل النظام الإيراني.

وتساءل الباحث في نهاية الأمر عن مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، فإلى أين يتجه هذا النظام؟، هل إلى الارتداد مرة أخرى إلى "مرحلة الثورة"، التى بدت مؤشراتها تظهر فى الأفق، مثل عودة الاستقطاب الثنائى بين الراديكاليين والبراجماتيين إلى السيطرة على تفاعلات مؤسسات النظام، مثلما حدث فى نهاية العقد الأول وبداية العقد الثانى، ومثل تلميح خامنئى إلى العودة لوضع سلطات رئيس الجمهورية فى يد رئيس الوزراء، مثلما كان الحال فى السابق، أم إلى ترسيخ "حالة الدولة" من خلال توسيع هامش الحريات، وفرض رقابة على صلاحيات المرشد والانفتاح على الخارج، في ظل تحدي تجاوز الأزمة السياسية التى يواجهها النظام الإيراني منذ انتخابات عام 2009 وحركة المعارضة الواسعة للرئيس أحمدي نجاد، وسط تحيز كبير من جانب السلطة العليا، الممثلة في المرشد، إزاء الرئيس نجاد؟.

واختتم الباحث عرضه بمحاولة الإجابة على التساؤل الخاص بالشكل المستقبلي لهوية النظام الإيراني، بكونه تساؤلا ظل دون إجابة محددة: فهل هو نظام ثيوقراطى يحكمه رجال الدين من منطلق الحق الإلهى؟، أم أنه نظام يحمل فى بعض جوانبه أبعادا ديمقراطية؟ .

وربما يمكن صياغة هذا السؤال بشكل آخر، هو: الحاكمية لمن فى هذا النظام؟هل هى للشعب واختياراته، بكل ما يعنيه ذلك من ترسيخ عنصر "الجمهورية" داخل النظام، وتفعيل دور مؤسساته المنتخبة، وتوسيع هامش الحريات؟، أم أنها للولى الفقيه، بما يتضمنه ذلك من طغيان عنصر "الإسلامية" على أداء النظام، وإطلاق صلاحيات الولى الفقيه، وتضييق هامش الحريات وتغييب دور دولة المؤسسات؟.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد عباس ناجي

    محمد عباس ناجي

    باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام