من المجلة - المقــــــــــــالات

قمة شرم الشيخ.. إشكاليات الالتزام الدولى بقضايا التغير المناخى

طباعة

تتصدر قضايا التغير المناخى أجندة الاهتمام العالمى حاليا، نتيجة تسليط الضوء عليها، وآثارها الخطيرة على العالم عامة، والدول النامية خاصة، التى تدفع فاتورة تداعيات التغيرات المناخية الناتجة عن الانبعاثات المتزايدة من العالم الغربي، الأمر الذى تسبب فى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق فى كثير من الدول، وحدوث فيضانات ضخمة فضلاً عن ارتفاع مستوى المياه فى البحار والمحيطات وغيرها من التغيرات التى تنذر بأخطار محدقة تهدد مستقبل البشرية.

تكمن الإشكالية الرئيسية فى قضايا المناخ فى أن معظم الدول لم تلتزم بشكل كاف بمعظم التعهدات الدولية التى تم الاتفاق عليها وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو بموجب مقررات مؤتمرى باريس 2015 وجلاسكو 2021.. فهل يشهد مؤتمر شرم الشيخ التزاما دوليا واضحا بقضايا تغير المناخ؟

فى هذا السياق، بدأت تظهر مصطلحات جديدة مثل التكيف والتخفيف والتمويل والعدالة المناخية، منذ إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 1988، وتوقيع اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ 2009، حيث لم تكن قضايا البيئة وتغير المناخ محل اهتمام رئيسى من قبل  الأمم المتحدة قبل ذلك.

أثيرت قضية تغير المناخ لأول مرة فى المؤتمر العلمى للأمم المتحدة، المعروف باسم «قمة الأرض الأولى» باستوكهولم فى الفترة من 5 إلى 16 يونيو 1972. وقد أطلق إعلاناً حدد مبادئ الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها، مطالباً الحكومات بأن تضع فى حسبانها الأنشطة التى يمكن أن تؤدى إلى تغير المناخ.

أعقب ذلك اعتماد «اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون» عام 1985، حيث تصدرت قضية الانحباس الحرارى أولوية النقاش الدولى منذ عام 1988، ثم تأُسست «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC)، المعنية بفحص الانحباس الحرارى وتغير المناخ العالمي، واجتمعت للمرة الأولى فى نوفمبر عام 1988.

ثم عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1992 مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، المعروف بـ «قمة الأرض» فى ريو دى جانيرو بالبرازيل، حيث تم توقيع «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» (UNFCCC) ودخلت حيز التنفيذ عام 1994. وقد تضمنت مبدأ ينص على المسئوليات المشتركة وفقاً للقدرات المتباينة للدول، حيث تحمى الاتفاقية البلدان النامية من الالتزامات المتعلقة بالحد من انبعاث الغازات، مع الاهتمام بالجوانب الأخرى لنظام المناخ ، بما فى ذلك مسألة التمويل.

يعد «مؤتمر الأطراف» (COP) بمنزلة هيئة اتخاذ القرارات، وهو مسئول عن مراقبة واستعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وكذلك مراجعة تنفيذ التعهدات التى تم الاتفاق عليها فى المؤتمر السابق، سواء للدول النامية أو المتقدمة، وتقييم التقدم المحرز فى التعامل مع التغير المناخي. ويهدف لوضع التزامات ملزمة قانونًا للدول المتقدمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يعقد بشكل سنوى منذ مارس 1995، حيث عقد «مؤتمر الأطراف الأول» فى برلين، وأطلق مباحثات حول بروتوكول يحتوى على التزامات أقوى للبلدان المتقدمة، وتلك التى تمر بمرحلة انتقالية، ثم توالى تنظيم الدورات المتتالية لمؤتمر الأطراف فى دول العالم المختلفة.

عقدت الدورة الـحادية والعشرون (COP21) فى العاصمة الفرنسية باريس فى الفترة من 29 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2015، وصدر عنها اتفاق باريس الذى يعد علامة فارقة فى عملية تغير المناخ متعددة الأطراف. إذ إنه للمرة الأولى، يتم تجميع الدول من خلال اتفاقية ملزمة للاضطلاع بجهود طموح لتغير المناخ والتكيف مع آثاره. كما  عبّر عن توافق إرادات الأطراف فى احتواء الاحترار إلى أقل من درجتين مئويتين وحصره قدر الإمكان فى 1.5 درجة مئوية، فضلاً عن دعوة الدول إلى إعداد استراتيجيات طويلة الأجل بحلول 2050 لخفض انبعاث الغازات بدلاً من عام 2030. كما رفضت كل من الولايات المتحدة وكندا إدراج مفهومى المسئولية والتعويض تجاه البلدان النامية خشية المسئولية القانونية.

ثم جاءت الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP26) بمدينة «جلاسكو» الاسكتلندية بالمملكة المتحدة فى الفترة من 31 أكتوبر حتى 21 نوفمبر2021. وأكد ميثاق «جلاسكو» هدف باريس المتمثل فى الحد من الزيادة فى متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 1٫5 درجة مئوية، وتأكيد التزام الأطراف بمضاعفة التمويل لدعم الدول النامية للتكيف مع آثار تغير المناخ. كما حثت قرارات «جلاسكو» البلدان المتقدمة على الوفاء الكامل بمبلغ ١00 مليار دولار أمريكى بشكل عاجل، وقد عبرت البلدان المتقدمة عن ثقتها بتحقيق الهدف عام ٢0٢٣.

وقد قررت الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ استضافة مصر والإمارات للدورتين 27 و28 من مؤتمر دول الأطراف عامى 2022 و2023. فى هذا الإطار، قامت الحكومة المصرية بترتيب جميع الاستعدادات فى مدينة شرم الشيخ لاستضافة أعمال الدورة (COP27)  خلال الفترة من ٦ إلى ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢.

وفى إطار الجهود الدولية التمهيدية لمؤتمر شرم الشيخ، نظمت  ألمانيا ومصر «حوار بيترسبرج» للمناخ بالعاصمة برلين فى 18 يوليو 2022، تحت عنوان «الطريق إلى الدورة 27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ» وشارك فيه المستشار الألمانى أولاف شولتس والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، بهدف تعزيز التعاون وإيجاد مسارات مستدامة لحماية المناخ، وكذلك تحديد مسار مؤتمر المناخ العالمي.

ولا شك فى أن السبب الرئيسى فى عدم التزام الدول بتعهدات المناخ السابقة هو اختلاف رؤى الدول تجاه مسئولياتها البيئية الدولية. فدول الشمال تدافع عن حماية مصالحها الاقتصادية، وترى أن مواجهة تداعيات التغير المناخى مسئولية مشتركة بين الدول كافة، على أساس أن تأثيرات التغير المناخى ذات طبيعة عالمية. أما الدول النامية، فترى أن الدول الرأسمالية هى المسئولة تاريخياً عن الأضرار البيئية التى لحقت بالبشرية منذ الثورة الصناعية الأولى، وتؤكد أنه لا تغير للمناخ بدون عدالة فى تقاسم الأعباء المناخية. وتدافع عن هذه الرؤية كل من الصين ومجموعة الـ 77. ومع ذلك، تحاول الدول النامية إعداد خطط وطنية مستقلة للتكيف مع التغيرات المناخية، لكن تواجهها العديد من الإشكاليات نتيجة ضعف الموارد المالية، وضعف الخبرات العلمية.

يلاحظ أيضا أن الأزمات العالمية (وباء كورونا، وأزمات الطاقة، والغذاء والتضخم، والأزمة الأوكرانية) قد أسهمت فى مضاعفة التحديات التى تمر بها  الدول المتقدمة والنامية على السواء، على نحو يفرض على  قمة المناخ القادمة اتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة هذه الدول بما يُمكِّنها من الوفاء بمتطلبات مكافحة التغيرات المناخية.

يتميز مؤتمر المناخ بشرم الشيخ بصبغة إفريقية، لأن الدولة المضيفة، مصر، تمثل القارة الإفريقية. وقد أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة المصرية، أن (COP27) «سيكون مؤتمرًا إفريقيًا حقيقيًا، قائلة: «نأمل أن نحقق تقدمًا فى مجالات تمويل المناخ والتكيف والخسارة والأضرار، لمواكبة التقدم الذى يأمل العالم أن يحققه فى جهود التخفيف والوصول إلى الحياد الكربوني». من ثم، تركز مصر خلال استضافتها على القضايا ذات الأولوية للدول النامية عامة والإفريقية خاصة، وقد خصصت أياما موضوعية فى المؤتمر لمناقشة مختلف القضايا محل الاهتمام فى مقدمتها «التخفيف»  و«التكيف» و«التمويل».

ويقصد بالتخفيف Mitigationخفض الانبعاثات، وتعد الدول الكبرى المسئولة عن النصيب الأكبر من انبعاثات الكربون، وسيناقش يوم التخفيف أساليب وسياسات خفض الانبعاثات، بهدف تشجيع وتسهيل التحول النموذجى نحو اقتصاد منخفض الكربون.

أما التكيف Adaptation، فيعنى تحسين القدرة على الصمود مع تغير المناخ، وهو يحمى البشر من الآثار السلبية  لتغير المناخ فى البلدان الأكثر فقراً، ويتطلب استثمارات فى تحسين سبل المعيشة وتحسين البنية التحتية، وإدارة المياه، والتكنولوجيا الزراعية. وسيناقش يوم التكيف جميع قضايا التكيف، بما فى ذلك الزراعة والتغذية وسبل العيش والحماية فى المناطق الساحلية، والخسارة والأضرار، والحد من مخاطر الكوارث.

كما خلص تقرير فجوة التكيف Adaptation Gap Report 2021إلى أن هناك حاجة ملحة لزيادة تمويل تكيف المناخ ما بعد جائحة «كورونا»، وأن الدول النامية تحتاج سنوياً لنحو 70 مليار دولار من أجل تحقيق التكيف، علاوة على أن الفجوة فى تمويل التكيف آخذة فى الاتساع بالدول النامية. وقد قدرت الهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) حجم الاستثمارات المطلوبة من أجل التحول نحو الطاقة النظيفة بنحو 850 مليار دولار أمريكى سنويا من أجل الوفاء بهدف 1.5 درجة مئوية حتى عام 2050.

وتواجه الدول النامية حاليا إجراءات صارمة لعمليات التمويل من قِبل المؤسسات الدولية المنوط بها تحقيق التنمية، حيث تضع الأخيرة شروطاً ومعايير بيئية من أجل تحقيق أهداف حياد الكربون بحلول منتصف القرن الحالى وهذا أمر إيجابى فى حد ذاته. لكن يجب مراعاة ظروف الدول النامية التى لم تشارك إلا بالقليل فى الانبعاثات الكربونية، لذا من الضرورى مراعاة ظروفها وحماية صناعاتها الناشئة.

أما بالنسبة للتمويل، فقد تعهدت الدول الكبرى فى مؤتمر بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن، عام 2009، بتقديم مساعدات مالية للدول النامية لمواجهة التهديدات الناجمة عن التغيرات المناخية وللتعويض عن الأضرار التى لم تستطع تجنبها، قُدرت  بنحو 100 مليار دولار سنوياً. وإلى الآن، لم يتم الوفاء بها.

تهدف  مصر إلى العمل على توفير التمويل الكافى للدول الإفريقية للتكيف مع تداعيات التغير المناخي، وسيتناول يوم التمويل الحديث عن أدوات التمويل المبتكرة  مثل مبادلة الديون، والتمويل الأخضر.

ويقوم صندوق التمويل الأخضر (Green Climate Fund (GCF-المنشأ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي- بتمويل المشروعات الخاصة بتغير المناخ ومساعدة الدول النامية فى ممارسة سياسات التكيف والتخفيف لمواجهة التغير المناخي، خاصة أن هناك فجوة تمويلية كبيرة بين المطلوب والمتاح. كما أنه لا يوجد توازن فى التمويل ما بين مشروعات التخفيف والتكيف على نحو ما نص اتفاق باريس 2015، حيث تذهب 79٪ من توزيع تمويل المناخ إلى مشاريع التخفيف فقط، مقارنة بالمشروعات المرتبطة بالتكيف.

أخيرا، تقوم مصر بتوفير كل سبل الدعم اللوجيستية والسياسية من أجل إنجاح مؤتمر شرم الشيخ (COP27) من خلال توفير البيئة المناسبة الجامعة لجميع الأطراف من الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، بهدف تحقيق تقدم حقيقى على مختلف مسارات قضايا التغير المناخي.

مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخى COP

COP1  برلين - ألمانيا 1995

COP2جنيف - سويسرا 1996

COP3  كيوتو - اليابان 1997

COP4بوينس آيرس - الأرجنتين 1998

COP5بون - ألمانيا 1999

COP6لاهاي - هولندا 2000

COP6(مكرر) بون - ألمانيا 2001

COP7مراكش - المغرب 2001

COP8نيوديلهي - الهند2002

COP9ميلانو - إيطاليا2003

COP10بوينس آيرس - الأرجنتين 2004

COP11مونتريال - كندا 2005

COP12نيروبي - كينيا 2006

COP13  بالي - إندونيسيا 2007

COP14بوزنان - بولندا 2008

COP15كوبنهاجن - الدنمارك 2009

  COP16كانكون - المكسيك 2010

COP17ديربان - جنوب إفريقيا 2011

COP18  الدوحة - قطر 2012

COP19وارسو - بولندا 2013

COP20ليما - بيرو 2014

COP21باريس - فرنسا 2015

COP22مراكش - المغرب 2016

COP23بون - ألمانيا 2017

COP24كاتوفيتشي - بولندا 2018

COP25مدريد - إسبانيا 2019

COP26جلاسكو - بريطانيا 2021

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أبو بكر الدسوقي

    د. أبو بكر الدسوقي

    مستشار تحرير مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الأهرام