من المجلة - ملف العدد

الجهود غير الرسمية فى مواجهة تأثيرات التغير المناخى

طباعة

أضحت قضايا التغير المناخى موضع اهتمام الحاكمين والمحكومين، حيث تمثل ذلك فى مستويين: المستوى الأول عبرت عنه العديد من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية وما تبعها من التزامات على الحكومات، أثمر عن استراتيجيات وخطط عمل وطنية، والمستوى الثانى ظهر بوضوح فى العمل المجتمعى من خلال المؤسسات غير الحكومية والتطوعية، مثل الجمعيات والمنظمات المهتمة بالبيئة(1)، بالإضافة إلى مؤسسات وشركات القطاع الخاص.

يواجه العالم حاليا كثيرا من المشكلات البيئية التى تمتد آثارها لدول العالم كافة، حيث أشارت العديد من التقارير الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية أن العالم يعانى مشكلات بيئية متعددة، لعل أبرزها: ظاهرة التغير المناخي، والتى من أشد تأثيراتها وضوحا الاحتباس الحرارى الذى تسبب فى ارتفاع درجة حرارة الأرض، فقد حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -وهى وكالة حكومية دولية من وكالات الأمم المتحدة، تضم 193 عضواً من الدول ومعنية بمجالات الأرصاد الجوية (الطقس والمناخ)، والهيدرولوجيا التطبيقية، والعلوم الجيوفيزيائية المتصلة بها- فى تحديث لتقريرها المناخى فى شهر مايو 2022، من وجود احتمال بنسبة تقارب الـ 50% بوصول المتوسط السنوى لدرجة حرارة الأرض، خلال سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، وهى النقطة التى تمثل تهديدا كارثيا على البيئة، فالدراسات تشير إلى أن التأثيرات المناخية عند تلك النقطة ستصبح أشدّ ضررا، ليس فقط على الأفراد، بل وعلى كوكب الأرض بموارده الطبيعية(2).
وتتسبب ظاهرة التغيرات المناخية فى مشكلات وآثار سلبية على حكومات الدول والمواطنين بغض النظر عن جنسياتهم وانتمائهم الاجتماعى  وأوضاعهم المهنية والطبقية، فسكان كوكب الأرض جميعهم معرضون لخطورة التدهور البيئى الناتج عن الأنشطة البشرية(3). علاوة على صعوبة تحقيق ما يسمى «العدالة البيئية Environmental Justice»، خاصة بين البلدان الصناعية المتقدمة وغيرها من الدول غير المتقدمة، وكذلك بين الفئات المهمشة داخل المجتمع الواحد وفى المناطق الفقيرة وبين الطبقات الاجتماعية الغنية. ويقصد بالعدالة البيئية «مجموعة القيم والأعراف الثقافية والقانونية واللوائح والسلوكيات والسياسات العامة والقرارات التى تدعم المجتمعات المستدامة بحيث يستطيع الأفراد التعامل بثقة فى بيئتهم الآمنة»(4).
فقد أدت الكثير من مساعى البشر التى يمكن أن تسمى «اقتصادية» -على مدار التاريخ البشرى-إلى تأثيرات مدمرة على البيئة. فالتقدم الصناعى السريع الذى صاحب الثورة الصناعية صاحبه استخدام غير رشيد وغير منضبط للموارد الطبيعية، وصاحبه ظهور أنواع جديدة من المنتجات والمخلفات الصناعية فى شكل منتجات ومواد كيميائية جديدة على البيئة يصعب التخلص منها دون إحداث أضرار بها، بالإضافة إلى تصاعد الغازات والانبعاثات الضارة من مداخن ملايين المنشآت والتى أدت إلى تلوث الهواء. وحظيت قضية التغير المناخى باهتمام عالمى واسع على مستوى الدول والمؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية، لأن تلك القضايا وما تحدثه من تكلفة اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، لا يقل بأى حال من الأحوال عن قضايا الإرهاب والحروب الشاملة، فتأثيرها على الإنسان له من الأضرار ما يؤدى إلى النتيجة نفسها وهى تدمير الإنسان وتخريب محيط معيشته، وبحسب تقارير لمنظمة الهجرة الدولية والبنك الدولى فإن عدد المهاجرين بسبب التغييرات المناخية سيصل فى عام 2050 إلى ما يقرب من 143مليون مهاجر(5).
ولا يمكن وضع مسئولية التعامل مع ظاهرة التغير المناخى والمشكلات الناتجة عنها على عاتق الساسة والقادة والباحثين والعلماء فحسب، بل يجب إشراك فئات ومؤسسات المجتمع جميعها، فالمواطنون العاديون يمكن أن يقوموا بدور رئيسى من خلال جماعات الضغط والحركات الاجتماعية والتى تهدف إلى التأثير فى الآليات السياسية والتقليدية(6)، كما أن تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى كشركاء مؤسسيين هو أمر ضرورى فى المواجهة، بالإضافة إلى تضمين مؤسسات وشركات القطاع الخاص أيضا، ليس لأن بعض مؤسساته هى المسئولة مسئولية مباشرة وغير مباشرة عن الأنشطة المسببة للتغيرات المناخية، ولكن أيضا لامتلاكه العديد من القدرات المحتملة Potentials، والتى متى توافرت لها بعض الإجراءات المكملة، فيمكن أن تسهم بشكل فعال فى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
وقد اتخذت الدولة المصرية عبر مؤسساتها واستراتيجياتها وسياساتها الرسمية المختلفة جهودا ضخمة ومتكاملة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي، لكن تظل هناك الحاجة لتكاتف كافة الجهود الرسمية وغير الرسمية للنجاح فى تحقيق أهداف تلك الاستراتيجيات والسياسات والتى تهدف إلى الحفاظ على البيئة والحد من المخاطر الناتجة عن تأثيرات التغير المناخى عليها.
وقد شهد النصف الثانى من شهر مايو 2022 الإطلاق الرسمى للاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050، والتى تضمنت خمسة أهداف رئيسية، ينبثق منها عدد من الأهداف الفرعية، هي(7):

• تحقيق نمو اقتصادى مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات فى مختلف القطاعات، بزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، وتعظيم كفاءة الطاقة، وتبنى اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من النشاطات الأخرى غير المتعلقة بالطاقة.
• بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، من خلال التخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، عبر العمل على الحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية، والحفاظ على موارد الدولة وأصولها، وتحسين البنية التحتية والخدمات المرنة فى مواجهة تأثيرات تغير المناخ، وتنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث، عن طريق إنشاء أنظمة إنذار مبكر.
• تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، من خلال تحديد أدوار ومسؤوليات أصحاب المصلحة لتحقيق أهداف الاستراتيجية، وتحسين مكانة مصر فى الترتيب الدولى الخاص بإجراءات تغير المناخ.
 • تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، من خلال الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضر، وآليات التمويل المبتكرة التى تعطى الأولوية لإجراءات التكيف، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص فى تمويل الأنشطة المناخية والترويج للوظائف الخُضر.
• تعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعى لمكافحة تغير المناخ والتكيف معه، من خلال تسهيل نشر المعلومات المتعلقة بالمناخ وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، بالإضافة إلى زيادة الوعى بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعو السياسات/القرارات، والمواطنون، والطلاب).
فى ضوء هذه الأهداف، يمكن تحديد أدوار المنظمات غير الرسمية المصرية -منظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص- فى مواجهة تأثيرات التغير المناخى من خلال مجالين أساسيين:
الأول، مجال «الحوكمة البيئية Environmental Governance» باعتباره أحد مفاهيم السياسة البيئية التى تدعو إلى الاستدامة البيئة فى إطار أهداف التنمية المستدامة، باعتبارها الاهتمام الأسمى لإدارة الأنشطة البشرية جميعها -السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية- من قبل كل من الدولة والمجتمع والقطاع الخاص معا، عبر الإدارة المشتركة والشراكات الحكومية/الخاصة والشراكات الخاصة/ الاجتماعية(8).
هذا وتضمنت الاستراتيجية الوطنية المصرية لمواجهة التغيرات المناخية 2050، هدف «تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ»، والذى شدد على تحديد أدوار ومسئوليات أصحاب المصلحة لتحقيق أهداف الاستراتيجية، وهو الأمر الذى عمل ليس فقط على تضمين القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى جهود المواجهة بل تعدى ذلك إلى تحديد أدوار بعينها لكل من الفواعل العاملة فى القطاع الخاص والمجتمع المدنى وكذلك بعض الفئات الاجتماعية مثل المرأة والشباب. بحسبان أن كل هؤلاء هم فاعلون أساسيون لهم أدوار مهمة ومكملة لدور الدولة فى المحافظة على البيئة ومواجهة المشكلات الناتجة عن التغيرات المناخية.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن هذا النهج التكاملى للعمل على مواجهة تأثيرات التغير المناخى متبع فى العديد من دول العالم وثبت نجاحه، وهو الأمر الذى دفع العديد من المنظمات الدولية إلى التأكيد والتشديد فى نصوص اتفاقياتها على أن هناك حاجة ملحة لتضمين كافة الفاعلين فى المجتمع فى جهود المواجهة.
الآخر، مجال «المواطنة البيئية Environmental Citizenship» باعتبارها أسلوبا للحياة تفرضه الواجبات البيئية التى تربط بين البشر فى العالم، وما يتصل بحمايتها وحسن استغلال مواردها بطريقة مستدامة(9). والحقيقة أن تلك المفاهيم -التى بدأت فى الظهور فى سبعينيات القرن الماضي- أسهمت إلى حد كبير فى خروج الجيل الثالث من حقوق الإنسان وهى «الحقوق البيئية»، وذلك بعد كل من الحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التى تمثل الجيل الأول والثانى لحقوق الإنسان.
والحقوق البيئية هى «مجموعة من الحقوق تستهدف بشكل رئيسى البيئة وصلتها بالإنسان، وتشمل حقوقاً فردية وجماعية»، وتتركز فى حق الإنسان فى بيئة نظيفة، وصحية، وسليمة داعمة لحياته ومعيشته الكريمة وآمنة لغذائه ومائه، وكذلك حق الأجيال القادمة فى الثروات الطبيعية، وحق الإنسانية فى التنمية المستدامة. وإعمالا لتلك الحقوق أصبح القطاع الخاص محكوما بالعديد من الأمور القانونية والأخلاقية التى وضعت عليها العديد من الالتزامات عند استخدام الموارد البيئية الموجودة فى المجتمع.
وتعمل العديد من منظمات المجتمع المدنى على رفع الوعى المجتمعى لدى فئات ومنظمات المجتمع المختلفة والتعريف بالممارسات الواجب إتباعها للحفاظ على الموارد البيئية بشكل أمثل، ويمتد عمل بعض المنظمات إلى القيام ببحوث علمية واجتماعية من شأنها حث كل من القطاع العام والخاص على تتبنى استراتيجيات وسياسات وخطط للعمل صديقة للبيئة. وقد يمتد دور بعض تلك المنظمات إلى تنظيم مجموعات للضغط Pressur Groups، ومجموعات للدعم Support Groups لدى المؤسسات التشريعية والتنفيذية على المستوى القومى فى بعض بلدان العالم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الدور الذى تلعبه على المستوى الدولي، فعلى سبيل المثال، لعبت منظمات المجتمع المدنى المختلفة الوطنية والدولية فى مجال القانون البيئى الدولى دورا مهما، ويرى كال راستيلاKal Raustiala مشاركة المنظمات غير الحكومية فى صنع القانون البيئى الدولى بطرق توفر فوائد عديدة للدول (فوائد سياسية، وتقنية، ومعلوماتية)، وقد لخص فوائد مشاركة المنظمات غير الحكومية على النحو التالي: بحث ورسم السياسات، ورصد الأداء، وتمثيل دوائر سياسية محلية مهمة، وتسهيل عملية التفاوض من خلال توفير المعلومات، وضمان استمرار واستدامة السياسات الحكومية(10).
وحرصت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 على تحفيز القطاع الخاص للدخول فى مشروعات تتناسب مع الجهود المبذولة لمواجهة التغيرات المناخية عبر مجموعة من الحزم التحفيزية وكذلك شروط تمويلية تضمن الحفاظ على البيئة بهدف تعزيز التحول الأخضر للقطاع الخاص فى مصر، بهدف ضمان التزام المؤسسات والشركات الخاصة بالمعايير البيئية فى كل ما تقوم به من ممارسات إنتاجية وتسويقية للسلع والخدمات، ووفق معايير ضمان حماية الموارد البيئية، والحد من التلوث.
وطبقا لتصريحات رئيس الوزراء المصرى قامت مصر بإطلاق سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتعبئة الموارد لمشروعات خضراء فى القطاعات الاقتصادية المختلفة، بهدف دفع وحث المستثمرين على العمل فى مشروعات التوسع فى استخدام الطاقة الجديدة والمُتجددة، بالإضافة إلى مشروعات فى مجال النقل والمواصلات، بهدف مواجهة التغيرات المناخية من خلال تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والغازات الأخرى المُضرة بالغلاف الجوى والمُسببة للاحتباس الحراري(11).
ويوجد فى مصر عدد من المشروعات الضخمة القائمة على الشراكة بين الحكومة والشركات الخاصة تهدف إلى مواجهة التغير المناخي، ومنها على سبيل المثال مشروع «بنبان» -الذى بدأ التشغيل التجارى له فى عام 2018- وهو أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية فى العالم، ويضم 32 محطة طاقة شمسية كهروضوئيـة تبلغ قدرتهـا الإجمالية 1465 ميجـاوت، أى ما يعـادل نحـو 90% مـن قـدرة السـد العالـي، ويشـارك القطاع الخاص فى هذا المشروع من خلال 10 شركات عالمية وعربية و30 شركة مصرية(12).
وبحسب تصريحات وزيرة التخطيط المصرية فى عام 2022، يعمل القطاع الخاص المصرى حاليا على إطلاق سندات خاصة خضراء بقيمة تتراوح بين 120-200 مليون دولار(13). كما قام القطاع المصرفى المصرى -عبر البنوك العامة والخاصة- بوضع شروط لتمويل المشروعات تضمن عدم إتاحة التمويل لأية مشروعات من شأنها زيادة حدة ومخاطر التغيرات المناخية، بهدف التوسع فى المشروعات الصديقة للبيئة، والعمل على ترسيخ مفهوم «الشركات الخضراء».
وقد شهد المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة تأسيس العديد من الشركات الناشئة المصرية ذات التوجهات البيئية، والعديد منها مرتبطة بداعمى التكنولوجيا الخضراء، مثل شركات «آيس كايرو»، و«آيس آليكس»، وشركات  «Mobikya»، و«Up-fuse»،  و«El Nafeza»، والتى تعمل على تحويل النفايات إلى مواد قابلة للاستخدام، بينما تركز منظمة «Greenish» والتى توجد عبر الإنترنت على تقليل تلك النفايات.
وفيما يتعلق بعمل الجمعيات الأهلية فى مجال مواجهة التغير المناخي، نجد أنه طبقا لقاعدة بيانات الجمعيات الأهلية المتاحة على الموقع الإلكترونى الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعي(14) يوجد فى مصر 471 جمعية أهلية تعمل فى مجال «البيئة والمحافظة عليها» موزعة على محافظات الجمهورية المختلفة بالإضافة إلى 10 جمعيات مركزية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية المشار إليها بعاليه والتى يتضمن قرار إشهارها العمل فى مجال «المحافظة على البيئة»، قامت العديد من الجمعيات الأهلية الأخرى خلال السنوات الأخيرة بدمج قضية التغيرات المناخية فى أنشطة وبرامج عملها وذلك بسبب تسليط الضوء المتزايد على تلك الظاهرة، وقيام المنظمات المانحة بإتاحة تمويلات متزايدة فى هذا المجال-  ويوضح الشكل رقم (1) التمركز العددى لتلك الجمعيات فى محافظات الجمهورية المختلفة.

المصدر: قامت الباحثة بإعداد الشكل طبقا للموقع الإلكترونى الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعي

تعمل تلك الجمعيات بشكل مباشر فى مواجهة ظاهرة التغير المناخى من خلال أنشطة متنوعة من بينها الأنشطة التوعوية الهادفة إلى رفع مستوى الوعى البيئى لدى المواطنين فى المجتمع المصري، بالإضافة إلى تشجيع البحث والابتكار لإيجاد حلول وممارسات صديقة للبيئة للتغلب على التحديات والآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة التغير المناخي، وتشجيع تمويل المشروعات الصديقة للبيئة فى مجالات الزراعة، والموارد المائية، والنقل، بالإضافة إلى تقديم المساعدات للفئات المتضررة من مظاهر التغير المناخى، مثل التصحر، وزيادة ملوحة التربة، وشح المياه، والكوارث الطبيعية، مثل السيول والأعاصير.
وقد تعمل بعض تلك الجمعيات بالشراكة مع الجهات المانحة الوطنية والأجنبية، وكذلك مع الحكومة المصرية. وذلك لضمان تكامل كافة الجهود لضمان استدامة عمل المشروعات والأنشطة الممولة من الجهات الحكومية المختلفة العاملة فى المجتمع المصرى.
فعلى سبيل المثال، تم إنشاء «مؤسسة الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة» وهى مؤسسة أهلية بهدف دعم المشروع القومى لإنتاج واستخدام البيوجاز وبتمويل من «مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة» وهو مشروع ممول من وزارة البيئة بالتعاون مع مرفق البيئة العالمى وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبالتنسيق مع عدد من الوزارات المعنية، منها البترول، والكهرباء والطاقة، والتعاون الدولى، والزراعة بالإضافة إلى الصندوق الاجتماعى للتنمية وهيئة تنمية الطاقة الجديدة. وتعمل هذه المؤسسة الأهلية بالشراكة مع الجهات الحكومية المختلفة على تشجيع استخدام تكنولوجيات الطاقة الحيوية وخلق سوق جديدة لها فى مصر، وتشجيع بناء قدرات الشباب للدخول فى الأسواق كرواد للأعمال من خلال شركات يؤسسها المشروع بمحافظات مصر المختلقة(15).
وجاء قرار إنشاء المؤسسة للمشاركة فى تنفيذ أنشطة المشروع وأهدافه، وكذلك لضمان استدامة أعماله بعد انتهاء مدة عمله، واستمرار توفير الطاقة البديلة النظيفة والدائمة لاسطوانات البوتاجاز من خلال استخدام المخلفات من روث الماشية وغيرها فى إنتاج الوقود الحيوي، ودعم الفلاحين بمختلف القرى والمحافظات بمصدر دائم للطاقة والسماد الحيوى الذى يعيد للأرض الزراعية خصوبتها، علاوة على الاستفادة من المخلفات بصورة آمنة ومفيدة وغير ضارة بالبيئة، وتوفير فرص عمل للشباب، بالإضافة إلى دورها فى نشر تكنولوجيا الطاقة الحيوية فى مصر وإِزالة كافة العوائق الفنية والمالية والمؤسسية نحو تطبيق تكنولوجيا الطاقة الحيوية وتقديم الدعم الفنى والمالي(16).
هذا، وقد شهد عام 2022 كنتيجة للزخم الحادث عن استضافة جمهورية مصر العربية للدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ Cop 27 خلال الفترة من 7 - 18 نوفمبر 2022، إطلاق وتنفيذ عدد من المبادرات المجتمعية غير الحكومية/ الرسمية للجمعيات غير الأهلية والأفراد والجامعات الخاصة بهدف التكامل مع العديد من المبادرات الرسمية التى أطلقتها وزارات البيئة «اتحضر للأخضر»، والبترول «عربية للطاقة النظيفة» والتخطيط «سفراء التنمية المستدامة»، وذلك لدعم الجهود المصرية لمواجهة التغيرات المناخية، ومنها على سبيل المثال: مبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ 27»(17)، ومبادرة «The Ride to COP 27»(18)، ومبادرة «Climate Marathon»(19)، ومبادرات «لنتنفس هواء نقيا» و«الأثر» و«كسب بيئتك: معا لبيئة نظيفة» فى شمال سيناء(20)، ومبادرة «مواجهة تغير المناخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة»(21). وتهدف تلك المبادرات إلى: تغيير السلوكيات للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وزيادة الوعى البيئي، وتعظيم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصديقة للبيئة، وذلك عبر فعاليات وأنشطة توعوية وبحثية وخدمية مختلفة. كما شهد المجتمع المصرى تأسيس أول اتحاد نوعى للمناخ بمصر فى أبريل 2022، تحت مسمى «اتحاد الجمعيات والمؤسسات الأهلية للمناخ» بهدف تخطيط برامج الحفاظ على المناخ التى تنفذها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإجراء البحوث والدراسات ونشرها بين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ووضع برامج الدعم الفنى والإدارى لأعضاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأعضاء، وإعداد قاعدة بيانات ومعلومات حول الموضوعات البيئية المحلية والعالمية ودليل للجمعيات العاملة فى مجال التغيرات المناخية بخدماتها المختلفة، وتقويم جهود الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأعضاء ونشاط الاتحاد فى ضوء السياسة العامة للدولة المصرية(22).

ختامـــًا:
إن مواجهة التحديات الناتجة عن ظاهرة التغير المناخى تحتاج إلى تضافر جهود شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، فتكامل الأنشطة والإجراءات بين قطاعات المجتمع الثلاث العامة والخاصة، والمدنية هى السبيل الوحيد لتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الوطنية، والإقليمية، والعالمية التى تهدف إلى معالجة الآثار السلبية للتغير المناخى وحماية المجتمعات وخاصة الفئات الأشد احتياجا والأكثر تأثرا.
وقد جاء اختيار مصر لاستضافة الدورة الـ 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ Cop 27، ليعطى قضية التغير المناخى زخما مجتمعيا ساهم فى تحفيز ودفع مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى من خلال مجموعة من الأدوار، منها على سبيل المثال -لا الحصر- الحد من مسببات التغيرات المناخية، ورفع الوعى المجتمعى بالظاهرة وتداعياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وسبل التعامل معها، و بناء القدرات الفنية والإدارية للمعنيين بالعمل، ونقل التكنولوجيا الخضراء صديقة البيئة وإتاحتها للجميع بأسعار مقبولة، وتمثيل مصالح المجتمعات المحلية عبر المشاركة فى وضع السياسات العامة ومتابعة تنفيذها وتقويمها، والعمل على توفير التمويل اللازم من خلال حشد الموارد والجهود الوطنية، والضغط على منظمات التمويل الأجنبية لتخصيص المزيد من الإعانات والمنح المالية والمادية والفنية التى يحتاج إليها المجتمع المصرى.

المصادر:


-


-

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. سالى محمود عاشور

    د. سالى محمود عاشور

    أستاذ العلوم السياسية المساعد، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية