من المجلة - المقــــــــــــالات

الصناعة الخضراء قاطرة التنمية المستدامة

طباعة

 العالم يعيش واقع التحول إلى صناعة تُحركها الطاقة النظيفة لتُنتج مُنتجات مُتطورة صديقة للبيئة، ويُعتبر الاندماج فى هذا التحول هو الطريق الحتمي للتنمية المُستدامة، مع اتجاه الصناعات التقليدية نحو الانقراض خلال سنوات قليلة.
يُعاني العالم من حالة ارتفاع تدريجي فى درجة حرارة الأرض وهو الأمر الذي رصده العلماء وحذروا منه، لأنه يدفع نحو ظواهر كالجفاف، والتصحر وفقدان الكثير من المحاصيل، وارتفاع وتيرة حرائق الغابات، وزيادة عدد وحدة العواصف والأعاصير، وغرق مساحات كبيرة من الأراضي، وغيرها من الظواهر التي تعصف بالإنسانية. ومع تأكيد بعض العلماء أن ظاهرة التغير المناخي من الظواهر الطبيعية التي تحدث تلقائياً بدون اعتبار للنشاط الإنساني، نجد أن غالب الاتجاهات العلمية تجزم بأن ارتفاع درجة حرارة الأرض ناتج عن مُمارسات الأنشطة البشرية التي ينتج عنها زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغيرهما من الغازات الضارة فى الجو بصورة تُسبب الاحتباس الحراري.


وقد اعترفت الأمم المتحدة بظاهرة الاحتباس الحراري وما تُسببه من أضرار بيئية يجب التصدي لها لضمان استدامة التنمية لتُراعي التوازن بين تلبية حاجات الأجيال الحالية دون المساس بمُتطلبات الحياة للأجيال القادمة، وفى سبيل ذلك أقرت الأمم المُتحدة الاتفاقية الإطارية بشأن المُناخ عام 1992 والتي اكتمل انضمام كافة دول العالم إليها عام 2020، وهي الاتفاقية التي تعد إطاراً للكثير من الاتفاقات والإجراءات الأخرى فى هذا الشأن، والتي من أهمها استراتيجية الأمم المُتحدة للتنمية المستدامة 2030، التي أصدرتها عام 2015 لمُحاربة الفقر والجوع وحماية كوكب الأرض من التدهور لضمان تمتع جميع البشر بحياة جيدة فى مُجتمعات سلمية عادلة, على أن تتعاون كافة الدول والكيانات فى العالم على تحقيق ذلك من خلال أهداف يلتزم بها الجميع، والتي من أهمها القضاء على الفقر، والجوع، وتوفير التعليم، ومُتطلبات الصحة الجيدة بما فيها المياه النظيفة، ومُحاربة التمييز، وضمان المُساواة بين الجنسين، والتحول إلى المُدن والمُجتمعات المُستدامة التي تعتمد على الطاقة النظيفة وتوفر السلام والعدالة، وتُراعي اعتبارات الحفاظ على البيئة، وتوفر فرص عمل لائقة فى إطار من جودة الاستهلاك والإنتاج المُرتبط بصناعات مُتطورة تقوم على الابتكار. ومن المؤكد أن بناء صناعات خضراء هو طريق تحقيق أهداف التنمية المُستدامة السابقة كافة.
فالصناعات الخضراءهي تلك الصناعات التي تستهدف تلبية الاحتياجات البشرية من خلال منظومة إنتاجية تُحقق زيادة وجودة فى الإنتاج ترفع من مُستوى المعيشة فى العالم دون الإضرار بالبيئة من خلال استثمار الموارد المُتجددة، والحد من المُخلفات والانبعاثات الضارة باستخدام تكنولوجيا مُتوافقة مع البيئة، تلك التكنولوجيا التي أصبح استخدامها هو أحد أهم مُحددات الإنتاج لدى الكثير من دول العالم، كما أن استخدامها أصبح الشرط الضامن للنفاذ لأسواق التصدير للكثير من دول العالم، والأهم هو أن الكثير من مؤسسات التمويل الكبرى فى العالم أصبحت تتبنى استراتيجيات تربط تمويل المشروعات بصفة عامة والصناعية منها بصفة خاصة بمُطابقة تلك المشروعات للاشتراطات البيئية سواء فى نطاق المشروعات الصناعية الكبيرة، أو الصغيرة لدفع الجهاز الإنتاجي فى العالم نحو الالتزام بمنظومة الضوابط البيئية. وهكذا امتد نطاق الصناعات الخضراءإلى قطاعات البنية التحتية، والنقل، والري، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها من قطاعات النشاط الاقتصادي لترتبط تلك الصناعات بتكنولوجيا إنتاج مُتطورة صديقة للبيئة تؤسس لمزيد من كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وصولاً إلى إنتاج أكثر جودة بتكلفة أقل0
لذا، فإننا أمام عملية انتقال لمرحلة جديدة من التطور البشري تنتقل بالعالم إلى تكنولوجيا جديدة تخلق فرص عمل لائقة بمنظور مُتطور يحتاج إلى قدر أكبر من التعلم والتدريب والتأهيل للقائمين عليه حتى يُمكن تحقيق الغايات المرجوة من عملية التنمية، حيث إن التخلف عن مواكبة ذلك التطور يدفع بالدول خارج نطاق المُستقبل الذي يتشكل وينتشر بصورة مُتسارعة فى العالم الذي انطلق يُعاد تشكيله باستخدام آليات جديدة لصناعة التنمية، وإذا كانت استراتيجيات التنمية التقليدية تدور فى فلك استهداف بناء صناعات تحل محل الواردات، أو بناء صناعات من أجل التصدير، وكذا بناء صناعات أساسية (كبرى)، أو صناعات استهلاكية (متوسطة، وصغيرة)، مع إمكانية الدمج بين كل ذلك حسب طبيعة وظروف كل دولة، فإن القاسم المُشترك بين كل ما سبق هو أن طبيعة الصناعة ذاتها تتغير وتتقيد بضوابط بيئية يتحتم الالتزام بها، مع تعهد حكومات العالم بالتحول إلى الطاقة المُتجددة، وخفض الانبعاثات الضارة وهو الأمر الذي سيعيد هيكلة منظومة الإنتاج فى العالم.
فعلى سبيل المثال، إن التوسع فى استخدام الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة يخلق صناعة جديدة لهذا الغاز صديق البيئة الذي يترتب على  التوسع فى إنتاجه تطوير كبير فى صناعات كالسيارات، والسفن، والطائرات، والعديد من المُحركات لتعمل بذلك الغاز، وفى هذا السياق يُمكن أن نرصد انطلاق والتوسع فى صناعة الهيدروجين الأخضر من خلال مظاهر كاتجاه الولايات المُتحدة الأمريكية لتأسيس مشروع فى ولاية تكساس أطلق عليه اسم «مدينة الهيدروجين»، والتي تُعد أكبر مُنشأة لتصنيع الهيدروجين الأخضر بقدرة 60 جيجا وات، وما يرتبط بذلك من تخزين ونقل لإنتاج مُتوقع يصل إلى نحو 2٫5 مليار كيلوجرام من الهيدروجين سنوياً، وسيتم التصنيع باستخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، بينما تستهدف دول أوروبا زيادة الاعتماد على الهيدروجين كمصدر لإنتاج الطاقة إلى نحو 14% من استهلاكها للطاقة بحلول عام 2050. ولكي يتم ذلك يتعين أن تضخ أوروبا استثمارات كبيرة فى دول إفريقيا التي تمتلك ميزة نسبية لتلك الصناعة لتوافر المساحة والطاقة الشمسية بها، وهو الأمر الذي سيساعد تلك الدول على تحسين اقتصادها. وفى مجال آخر للطاقة المُتجددة نجد أن وكالة الطاقة الدولية تعد الطاقة الشمسية هي ملك الطاقة الجديد، حيث تتوقع أن تستحوذ على نحو 30% من أسواق الكهرباء فى العالم، بالاشتراك مع طاقة الرياح التي تُشير التوقعات إلى أن تكنولوجيا صناعة توربينات توليد الكهرباء من الرياح تتطور بصورة تجعلها أكثر تنافسية وانتشاراً، حيث يتلقى هذا القطاع دعماً هائلاً فى الولايات المُتحدة الأمريكية، مما جعله يُعد ثاني أكبر مصدر للطاقة النظيفة بها، كما أن فرنسا تُخطط لأن تحصل على نحو نصف طاقتها الكهربائية من الرياح، ويأتي ذلك فى سياق جهود تبذلها الدول الأوروبية لرفع إنتاجها من طاقة الرياح بنحو 10 أضعاف إنتاجها الحالي، سيما مع اتجاه ألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، والدنمارك إلى إعادة تنظيم مصادر الطاقة , والرغبة فى خفض الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي، ومع ذلك يظل الغاز أحد أهم مصادر الطاقة مُنخفضة الانبعاثات الحرارية عالمياً.
 بصفة عامة، فقد بلغت الاستثمارات العالمية فى مجال صناعة الطاقة المُتجددة نحو 2٫6 تريليون دولار خلال الفترة من 2010 إلى 2019، ومن المتوقع أن تحدث طفرة عالمية فى تلك الاستثمارات تُسرع من مُخططات الانتقال للطاقة المُتجددة ارتباطاً بتداعيات الحرب الأوكرانية التي، من أهمها رغبة دول أوروبا فى عدم الاعتماد بصورة كبيرة على الغاز الروسي رغم تصنيف الغاز كوقود نظيف، وتطوير تكنولوجيا توليد الكهرباء بالغاز لتكون أقل استهلاكاً للوقود وأكثر إنتاجاً للكهرباء0 وهنا يُمكن لنا أن نرصد أن العالم يتجه إلى بناء منظومة عالمية مُتكاملة لصناعات الطاقة المُتجددة، بكافة أنواعها وهو الأمر الذي سيترتب عليه تطور كبير فى معظم قطاعات الصناعة الأخرى ارتباطاً بتغيير الوقود المُحرك لكافة مُعدات الصناعة. وعلى سبيل المثال، فى مجال صناعة النقل نجد أن مُحركات الاحتراق الداخلي ستصبح جزءاً من الماضي خلال سنوات قليلة لتحل محلها المحركات التي تعمل بالكهرباء، أو الهيدروجين الأخضر، أو الغاز الطبيعي، بينما ستعتمد صناعة المُدن الجديدة بكافة أفرعها على الطاقة المُتجددة التي من المُتوقع أن تعتمد عليها أوروبا بصورة أساسية فى مُعظم مناحي الحياة بها، سيما فى تشغيل المصانع، ووسائل النقل، وأجهزة التدفئة0
ومع تحول العالم إلى الطاقة المُتجددة نجد أن الدول العربية بما فيها الدول المُنتجة للبترول بالخليج قد اتجهت إلى تنويع مصادر الطاقة، والبحث عن موضع قدم فى عالم الطاقة الجديد. ففى المملكة العربية السعودية نجد أنها بدأت فى خطة مُتسارعة لزيادة إنتاجها من الكهرباء باستخدام الطاقة المُتجددة، ليرتفع من 0٫2 تيرا وات عام 2020 إلى نحو 0٫8 تيرا وات عام 2021، ومن المُتوقع أن تضخ نحو 16 مليار دولار فى إنشاء مشروعات للطاقة المُتجددة حتى عام 2030 بصورة ترفع من نسبة استخدام الطاقة المُتجددة فى إنتاج الكهرباء إلى 30% من الكهرباء السعودية عام 2030، بينما نجد أن الإمارات قد رفعت إنتاجها من الكهرباء المولدة باستخدام الطاقة المُتجددة خلال عام 2021 إلى نحو 5٫2 تيرا وات، مُعظمها من الطاقة الشمسية كما تُرتكز مُخططاتها لعام 2050 على إنتاج نحو 44% من إنتاجها للكهرباء عن طريق الطاقة المُتجددة، ونحو 38% عن طريق الغاز الطبيعي، و6% من الطاقة النووية. وفى المغرب نجد أنه خلال عام 2021 تم إنتاج كهرباء تعادل 1٫8 تيرا وات من الطاقة الشمسية، و5٫1 تيرا وات من طاقة الرياح حيث تُخطط المغرب لزيادة نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقة المُتجددة لما يُجاوز 52% من إجمالي إنتاجها لعام 2022.
إجمالاً، فإن الدول العربية تُخطط لإنتاج كهرباء تصل لنحو 80 جيجاوات باستخدام الطاقة المُتجددة بحلول عام 2030، ويتم بالفعل إنشاء نحو 114 محطة للطاقة الشمسية، و45 محطة لطاقة الرياح سيترتب على دخولها الخدمة تحقيق نحو 92% من مُستهدفات الدول العربية من الطاقة النظيفة لعام 2030، وهو الأمر الذي يُعبر عن ضخامة الاستثمارات العربية فى تلك الصناعات، والأمر يتجاوز ذلك، لأن الدول العربية لديها استراتيجيات فى مجال الصناعات الخضراءالتي تعتمد على الطاقة المُتجددة وتستخدمها كصناعة المحركات الكهربائية بأنواعها، والتحول للإنتاج النظيف، وصناعات المُدن المُستدامة، وتدوير النفايات وغيرها من أفرع الصناعات الخضراء. وفى هذا المجال، يُمكن رصد أن المملكة المغربية التي تُعتبر الأكثر جذباً لاستثمارات قطاع صناعة السيارات فى إفريقيا قد نجحت فى أن تجعل من نفسها شريكاً مُستقبليا حقيقياً فى مجال صناعة السيارات الكهربائية سيما أنها تسعى بكل قوة نحو إنشاء مصنع ضخم لبطاريات تلك السيارات، بينما أعلنت «مجموعة لوسد للسيارات الكهربائية» عن توقيع اتفاق شراكة مع المملكة العربية السعودية لإنشاء أول مصنع للسيارات الكهربائية بالسعودية باستثمارات تصل إلى نحو 3٫4 مليار دولار لتصنيع نحو 150 ألف سيارة سنوياً، وفى مارس 2022، وكذا أعلنت شركة «إي فى ميتالز» الاسترالية مشروعاً باستثمارات ثلاثة مليارات دولار بالسعودية لمُعالجة المعادن المُستخدمة فى صناعة بطاريات السيارات الكهربائية0 بينما شهدت مدينة دبي إطلاق أول سيارة كهربائية تحمل شعار «صنع فى الإمارات» بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 1٫5 مليار درهم إماراتي لاستهداف تصنيع 55 ألف سيارة سنويا. فى هذا الإطار، نجد أن الدول العربية تتجه وفقاً لاستراتيجيات مُتقاربة الأهداف نحو بناء صناعات خضراء حسب طبيعة الميزة التنافسية لكل دولة فى مجالات البنية  التحتية، والنقل والشحن، والصناعات الكيميائية، والغذائية، والإلكترونية، وغيرها من صناعات الاقتصاد الأخضر.
وفى مصر، تم إطلاق استراتيجية للتنمية المُستدامة لها أهداف مُحددة تتطلع مصر لتحقيقها بحلول عام 2030، ومن تلك الأهداف بناء اقتصاد تنافسي مُتنوع قادر على خلق فرص عمل لائقة مُرتكزاً على الابتكار والبحث العلمي، مُعتمداً فى انطلاقته على الطاقة المُتجددة وبناء أنشطة إنتاجية مُستدامة. من هذا المُنطلق, تحركت مصر لزيادة إنتاجها من الطاقة الخضراءمع استهداف الوصول بالطاقة المُتجددة إلى نحو 42% من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول عام 2035 باستثمارات تُجاوز 50 مليار يورو لتوفير قُدرة كهربائية تصل لنحو 60 ميجا وات، وذلك للبناء على ما تم من إنجازات فى هذا الملف أهمها ما تم تحقيقه من اكتشافات فى قطاع الغاز الطبيعي (صديق البيئة)قامت بتلبية الطلب المحلي، وتصدير نحو 7٫5 مليون طن خلال العام المالي 2021/2022، وقد كان للغاز الطبيعي دور كبير فى إنتاج الكهرباء، سيما مع استخدامه لتشغيل محطات سيمنز الثلاث العملاقة التي تتسم بأنها تعمل بنسبة أقل من الغاز لتوليد كمية أكبر من الكهرباء تصل إلى نحو 14٫400 ميجاوات، كان لها الدور الأكبر فى امتلاك مصر لطاقة كهربية تتجاوز حجم استهلاكها وتؤهلها للتوسع فى مشروعات الصناعة المُتنوعة.
وفى مجال الطاقة الشمسية نجحت مصر فى إنشاء مُجمع بنبان لمحطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، والذي تم تصميمه لإنتاج نحو 2000 ميجاوات، وكذا يتم تنفيذ محطة كوم امبو للطاقة الشمسية باستثمارات سعودية وتكنولوجيا هندية بتكلفة نحو 127٫5 مليون دولار لإنتاج نحو 200 ميجا وات، فضلاً عن مشروع لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 100 كيلو وات فى الإسكندرية بتعاون بين مُستثمرين مصريين وشركاء أوروبيين. وفى مجال طاقة الرياح، أنشأت مصر مزرعة رياح كبرى فى رأس غارب لإنتاج نحو 250 ميجاوات، كما تم التوقيع مع تحالف مُستثمرين لإنشاء محطة رياح فى خليج السويس بقدرة 500 ميجاوات. وفى مجال صناعة الهيدروجين والأمونيا وقعت مصر بالفعل مُذكرات تفاهم باستثمارات تصل إلى نحو 10 مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، والوقود الأخضر لتموين السفن بصورة تجعل مصر من كبار المُنتجين فى العالم مع دخول تلك المشروعات للتشغيل الفعلي تباعاً، كما تدخل مصر عالم توليد الكهرباء من المحطات النووية من خلال مشروع محطات مُفاعلات الضبعة النووية التي تضم 4 مُفاعلات تحت الإنشاء بسعة 1200 ميجاوات لكل مفاعل منها.
وهكذا، نجد أن مصر تدخل بقوة عصر الطاقة النظيفة بمشروعات كبرى لصناعة مصادر متنوعة للطاقة النظيفة التي تؤهلها لأن تكون مركز إقليمي للطاقة، وفى سبيل ذلك يتم تقديم باقة مُتنوعة من الحوافز التي تُشجع الاستثمار فى قطاع صناعة الطاقة المُتجددة كالإعفاء من بعض الرسوم وخفض قيمة الجمارك وضريبة القيمة المُضافة على مُعدات الطاقة المُتجددة.
ومع توافر الطاقة الخضراءتتوسع مصر فى الصناعات الخضراءالمُختلفة، التي منها صناعة المركبات بأنواعها، حيث بدأت مصر فى إنتاج الأتوبيسات الكهربائية بنسبة تصنيع محلي تصل إلى نحو 60%، وبالتوازي يتم الاتجاه نحو تصنيع أتوبيسات تعمل بالغاز الطبيعي، ومع تعثر مفاوضات مع شركات صينية لتصنيع السيارات الكهربائية فى مصر، تبدو التكنولوجيا الألمانية هي الأقرب لدعم دخول مصر هذا المجال بتعاون بين شركة النصر للسيارات، وإحدى شركات القطاع الخاص مع الجانب الألماني. ومع انضمام مصر لقائمة مُشغلي المونوريل فى العالم، كان الاتفاق مع الشريك الأجنبي على تصنيع المكونات الرئيسية للمشروع فى مصر. وفى قطاع التعمير، تتجه الدولة نحو تشييد المدن المُستدامة، والتحول التدريجي نحو استدامة المُدن الحالية وتحفيز نمو كافة الصناعات التي تدعم ذلك التحول كصناعات البناء صديق البيئة وما يرتبط به من خدمات كتوليد الكهرباء من الشمس، وإنتاج المياه بالتكثيف. كما تدعم الدولة تحول المصانع فى كافة القطاعات لتعمل بالغاز الطبيعي، أو الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري، فضلاً عن التوجه نحو تطوير صناعة تدوير المُخلفات حفاظاً على البيئة.
وهكذا، فإن الدولة المصرية تنظر إلى قطاعات الصناعة الخضراءباعتبارها قاطرة للتنمية حيث تتوسع فى صناعات الطاقة النظيفة، وتحفز تحول كافة الصناعات الأخرى لكي تستخدم تلك الطاقة لتشغيل مُعداتها وصولاً لإنتاج مُطابق للشروط البيئية، يُمكن أن نرصد نجاحا كبيرا فى استحقاقات الحكومة بمجال التحول للصناعات الخضراء برؤية وتكنولوجيا أجنبية، بينما مازالت الصناعات الخضراءالمُستمدة من البيئة المحلية لم تُحقق القدر نفسه من النجاح رغم ما تمتلكه مصر من بيئة محلية غنية، وقُدرات ابتكارية جيدة أكدها تقدم مصر فى مؤشر الابتكار العالمي، واحتلال مصر المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المُتحدة الأمريكية فى عدد براءات الاختراع الصادرة للمصريين من مكتب البراءات المصري بإصدار نحو 65 براءة اختراع لعام 2020 للمصريين، فضلاً عن إصدار 430 براءة اختراع للأجانب.
وقد تبنت الدولة المصرية العديد من المبادرات للربط بين الابتكارات الوطنية ورواد الأعمال المصريين، منها إنشاء مركز لتحديث الصناعة والذي من خلاله تم إطلاق برنامج الابتكار وريادة الأعمال ليدعم الربط بين المُبتكرين ورواد الأعمال، ويُقدم لهم كل أوجه المُساندة، ولكن مازالت نتائج تلك الجهود تتسم بالمحدودية ويتخذ المُستثمرون ورواد الأعمال الطريق السهل عبر استيراد الأنماط والمعدات الصناعية لإنتاج مُنتجات تقليدية تعتمد فى كثير من الأحيان على استيراد المواد الخام، وعلى سبيل المثال نجد أنه فى الوقت الذي يُعاني فيه العالم من تلوث كبير ناتج عن نفايات البلاستيك، ومع إعلان الدولة المصرية لحوافز ضريبية لصناعات البدائل صديقة البيئة للمنتجات البلاستيكية، نجد أن صُناع المواد البلاستيكية يُواجهون معاناة تدبير خامات البلاستيك المُستوردة دون التفكير فى بدائل محلية سيما فى صناعات التغليف التي يُمكن أن تتحول لاستخدام قش الأرز أو قش القمح أو سعف النخيل بديلاً عن البلاستيك، وكذا لم يبحث القطاع الخاص عن مواد محلية تحل محل الأخشاب المُستوردة فى صناعة الأثاث مثلما استخدمت الصين الكرتون المضغوط فى صناعة الأثاث الذي تُصدره للعالم، والأمر هنا يحتاج لتطوير جهود التنسيق بين ما تمتلكه مصر من ابتكارات وبراءات اختراع، وبين القطاع الخاص برعاية الدولة لتحويل ابتكارات الصناعة التي تعتمد على مُستلزمات إنتاج محلية طبيعية إلى فرص استثمارية أكثر تنافسية.
وهكذا، فإن مصر تستقبل قمة المناخ cop 27 فى نوفمبر 2022 القادم بنجاحات كبيرة بملف الصناعات الخضراء، وبتحديات أيضاً. فمع نجاح الحكومة المصرية فى تحقيق مُستهدفاتها بمجال صناعات الطاقة صديقة البيئة وما يرتبط بها من صناعات نجد أن قمة المُناخ ستكون مُناسبة لعرض تلك النجاحات ولجذب شركاء جُدد فى مجال تنفيذ مُخططات المُستقبل بصورة عادلة، وتمويل مُنخفض التكلفة، ولإتاحة مزيد من الفرص لنقل التكنولوجيا، وإذا كانت الدولة المصرية تستعد لهذه القمة على قدم وساق، فإنه يتعين على رواد الأعمال والمُستثمرين المصريين دراسة الأمر والبحث فى بيئتهم المحلية، ومُتابعة الابتكارات الوطنية، والتكنولوجيا العالمية لتكوين رؤية مُتكاملة للقطاع الخاص وتحديد مشروعات واضحة مُستمدة من الواقع المحلي، أو الخبرة الدولية لاستعراضها خلال فعاليات تلك القمة كمنصة لجذب الشركاء الأجانب والتمويل مُنخفض التكلفة الذي تُقدمه الكثير من الكيانات للمشروعات التي تُحقق أهداف التنمية المُستدامة بكافة محاورها، بحيث تكون فاعليات القمة فرصة لتحقيق مزيد من التقدم فى مُستهدفات التنمية المصرية، سيما فى مجال الصناعات الخضراءالتي تعد أساس تلك التنمية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د.وليد عبد الرحيم جاب الله

    د.وليد عبد الرحيم جاب الله

    خبير الاقتصاد والمالية العامة، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع