من المجلة - المقــــــــــــالات

تأثيرات التغير المناخى فى اقتصادات الدول

طباعة

ارتبط النمو الاقتصادى العالمى على مدى العقود الخمسة الماضية بتدهور سريع فى البيئة العالمية، حيث لم يكن هناك اهتمام فى الفكر الاقتصادى باستنزاف الموارد الطبيعية. إن العالم كله مشغول بقضية تغير المناخ والارتفاع غير المنضبط فى معدل درجات الحرارة، بفعل تداعياتها المتوقعة على الاقتصادات العالمية. فكل الأزمات التى يعانيها الاقتصاد العالمى فى الوقت الحالي، يؤكد إدوارد ويلسون، عالم الأحياء الأمريكي، أنها فى الأساس متصلة بالبيئة. كما تؤكد العديد من الدراسات أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشرى فى المجالات المختلفة لاستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حرارى عالمى غير مسبوق، كانت له تداعياته السلبية على الاقتصادات العالمية.

ويُعرف العلماء تغير المناخ بأنه «أى تغير مؤثر وطويل المدى يحدث لمنطقة معينة فى معدل حالة الطقس، التى تشمل درجات الحرارة ومعدل تساقط الأمطار وحالة الرياح». وتحدث التغيرات بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالبراكين، أو بسبب قوى خارجية كالتغير فى شدة أشعة الشمس أو سقوط النيازك الكبيرة، أو بسبب نشاط الإنسان». ويؤكد قطاع واسع من العلماء أن النشاطات البشرية حالياً هى السبب الرئيسى لارتفاع درجة حرارة الأرض. ويشار إلى أن حدوث ارتفاع متزايد فى درجات الحرارة سيزيد من الاضطرابات المناخية خلال الـ30 عاما المقبلة، ومن ثم سيزيد ذلك الضغوط على طلب الغذاء والمياه، مع ازدياد موجات الهجرة. ولا يمكن استبعاد احتمالية حدوث احتباس حرارى كارثى فى وقت لاحق، قد ينتج عنه ذوبان القمم الجليدية فى «جرينلاند».

وعلى الرغم من أن الحكومات قدمت فى قمة المناخ 2021 التى عقدت فى أبوظبى مجموعة من التعهدات المهمة لمواجهة هذه الأزمة، فإنه لم يتم الالتزام بهذه التعهدات، خاصة فيما يتعلق بقطاع الصناعات المرتبطة بالوقود الأحفوري.

أزمة معقدة:

أصبحت قضية تغير المناخ أكثر إلحاحاً، وأحد أهم الأخطار التى تواجه البشرية فى الوقت الراهن، خصوصاً مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية فى يوليو 2017 الانسحاب من اتفاقية باريس لمجابهة تغيرات المناخ، بحجة الدعوة التى أطلقها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، تحت شعار «الدفاع عن الوظائف الأمريكية».  وكان ترامب يعتقد أن الاتفاق لا يصب فى مصلحة واشنطن، حيث يفرض قيودا مالية واقتصادية شديدة عليها. وتفاقمت أزمة المناخ مع اتجاه البرازيل نحو فتح غابة الأمازون أمام الاستغلال التجاري، ما سيشكل خطرا على صحة الكرة الأرضية برمتها، لاسيما أن ضخامة حجم غابات الأمازون، التى تبلغ مساحتها ما يقرب من 600 مليون هكتار، تجعل لأى تغيرات بسيطة فى نظامها البيئى أثراً مهماً على دورة الكربون فى الغلاف الجوي.

فى المقابل، تتفاوت استجابة باقى الدول الاقتصادية الكبرى والدول النامية. فمثلاً، ترى الهند والصين -رغم إعدادهما برامج لمجابهة تغير المناخ على المستوى القومي- أن مساعى إلزامهما بخفض انبعاثاتهما تهدف إلى وأد النمو الاقتصادى فيهما. هنا، يمكن فهم تراجع  الدول الغنية عن تعهدات سابقة بجمع 100 مليار دولار من الأموال العامة والخاصة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية بحلول عام 2020، وذلك لدعم اقتصادات الدول الفقيرة، وتعزيز قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية. لكن دراسة نشرها موقع «ساينتفك أمريكان» عام 2015 تحت عنوان «موجات الصدمة: إدارة تأثيرات تغير المناخ على الفقر»، ذكرت أن «حجم الأموال التى يجب على الدول الغنية دفعها إلى الدول الفقيرة للتكيف مع آثار تغير المناخ سيبقى نقطة خلاف رئيسية بين الدول الغنية والفقيرة».

تحذيرات لافتة:

فى خطاب مطول له فى أكتوبر 2015، حذر محافظ «بنك إنجلترا المركزي»، مارك كارني، من آثار التغير المناخى على الاقتصاد والاستقرار المالى العالمي، وحض خبراء الاقتصاد على التحرك فى شكل سريع لمحاولة احتواء الضرر الاقتصادي، ولو جاء ذلك التحرك متأخراً. وصف «كارني» الضرر الذى يسببه التغير المناخى على الاقتصاد بـ«مأساة فى الأفق»، مؤكداً أن التكاليف المترتبة على التغيرات المناخية تتجاوز توقعات السلطات التكنوقراطية، التى لا تأخذ فى الحسبان استنزاف الموارد المشتركة من قبل الأفراد الذين يتشاركون فيها، وفقا للمصلحة الذاتية لكل منهم، على الرغم من إدراكهم أن استنزاف هذه الموارد يتعارض مع المصلحة المشتركة للمجموعة فى المدى الطويل.

من جهته، اتجهت الولايات المتحدة إلى تبنى إجراءات لمواجهة قضية التغيرات المناخية، وتجلى ذلك فى تصريحات للرئيس الأمريكى جو بايدن أمام قمة افتراضية بشأن تغير المناخ فى أبريل 2021، حيث قال إننا نعيش فى «عقد حاسم» فيما يتعلق بمواجهة ظاهرة تغير المناخ. وأشار إلى تعهد بلاده بخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 بنسبة تتراوح بين 50 و52% مقارنة بمستويات عام 2005.

بيد أن التعهد الأمريكى يعنى حدوث تغييرات كبيرة فى طريقة الحياة الأمريكية، إذ يجب اختفاء الفحم من مزيج الكهرباء، بينما تتحول السيارات والشاحنات، التى تستهلك كميات كبيرة من الغاز، إلى الكهرباء.

فى المقابل، حذر صندوق النقد الدولى من تداعيات تزايد الكوارث المرتبطة بالمناخ على النمو الاقتصادى فى الشرق الأوسط. وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، فى 30 مارس الماضى (2022) إن «تواتر وشدة الكوارث المرتبطة بالمناخ تتزايد فى الشرق الأوسط ووسط آسيا على نحو أسرع من أى مكان آخر فى العالم، ما يشكل خطرًا كبيرًا على النمو والرخاء فى المنطقة». كما أظهرت وثيقة جديدة لصندوق النقد الدولى أن الكوارث المناخية فى المنطقة أصابت وشردت سبعة ملايين شخص، وأسفرت عن أكثر من 2600 حالة وفاة وأضرار مادية بقيمة مليارى دولار(1).

يشار إلى أن الكوارث المناخية تقلل النمو الاقتصادى السنوى بنسبة 1-2 نقطة مئوية للفرد، كما تسببت الكوارث فى خسارة دائمة بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى دون الإقليمية بنسبة 5.5 نقطة مئوية. كما أنه على المدى الطويل، يُتوقع أن يضعف التغير المناخى النشاط الاقتصادى العالمى نتيجة الأضرار المترتبة على قطاعات اقتصادية حيوية مثل الزراعة، والأضرار فى الممتلكات والبنى التحتية، وارتفاع تكاليف التأمين، وضعف الإنتاجية، والتهجير.

خسائر متصاعدة:

تعد التغيرات المناخية مجموعة من الإختلالات التى تطرأ على حالة المناخ العامة فى الكرة الأرضية، التى تسبب تغيرا جذريا فى الطقس نتيجة عوامل عدة. وتتأثر القطاعات الاقتصادية فى مختلف أنحاء العالم تأثرا بالغا بأية تغيرات مناخية. وتعد العلاقة بين التغير المناخى والأوضاع الاقتتصادية إحدى العلاقات المعقدة، حيث يتداخل بها تأثير المناخ والبيئة والظروف الإجتماعية والاقتصادية.

لذلك، فإن التغيرات المناخية تحمل فى جوهرها ارتدادات سلبية على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- تراجع الاقتصادات الكبرى: وفقا لدراسة أعدتها شركة «سويس ريإنشورانس» لإعادة التأمين» فى أبريل 2021، ستشهد البلدان الأعضاء فى «منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية»، وهى مجموعة من أغنى دول العالم، انخفاضا بنسبة 5% فى حجم اقتصاداتها، مقارنة بـ 9 % فى أمريكا الجنوبية، ونحو 17% فى الشرق الأوسط وإفريقيا، و 25% فى دول «رابطة جنوب شرق آسيا/ آسيان»(2).

وقد تأتى الأشكال الرئيسية للضرر الاقتصادى من خلال المخاطر المادية، مثل الأضرار التى تلحق بالممتلكات والاضطرابات التجارية الناجمة عن زيادة مستويات الأحداث المناخية القاسية، وفقدان الإنتاجية، واضطرار الحكومات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة التغير المناخي.

فى المقابل، تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يؤدى ارتفاع الحرارة، بمعدل 2 إلى 2.6 درجة مئوية، إلى خسائر اقتصادية عالمية بنسبة 11 إلى 13.9%، أى أعلى بنحو 10% من خط الأساس. لكن السيناريو الأسوأ سيحدث إذا ارتفعت الحرارة بمعدل 3.2 درجة، إذ قد يؤدى ذلك إلى خسارة 18.1% من الناتج الاقتصادى العالمى بحلول منتصف القرن.

2- تدهور الاقتصادات الضعيفة: قد تسفر التغيرات المناخية عن ارتدادات سلبية على اقتصادات الدول الفقيرة. وقد كشف عن ذلك تصريحات كريستينا لاجارد، مدير صندوق النقد الدولي، حيث قالت «نحن نُقَدِّر الاحتياجات السنوية بأكثر من 1% من إجمالى الناتج المحلى فى نحو 50 من الاقتصادات المنخفضة الدخل والنامية على مدى السنوات العشر القادمة، وذلك بفعل التغيرات المناخية. ويمكن أن تصل التكاليف فى البلدان الجزرية الصغيرة المعرضة للأعاصير الاستوائية وارتفاع مستويات البحار إلى 20% من إجمالى الناتج المحلي». وأضافت «من المؤسف أن البلدان الأشد احتياجا إلى التكيف غالبا ما تفتقر إلى سبل القيام بذلك. فهى فى العادة لا تملك التمويل والقدرات المؤسسية اللازمين لتنفيذ برامج التكيف المطلوبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض البلدان الأشد عرضة لموجات الحرارة الشديدة ونوبات الجفاف والعواصف وارتفاع مستويات البحار غالبا ما تواجه احتياجات تنموية ملحة أخرى. يعنى هذا أنه من المهم أكثر من أى وقت مضى الاستثمار فى النمو القادر على الصمود، مع إدماج التكيف إدماجا كاملا فى الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة»(3).

وتشكل تبعات التغير المناخى خطرًا شديدًا يهدد اقتصادات دول القارة الإفريقية. وبالرغم  من إسهام إفريقيا بنسبة ضئيلة فى إجمالى الانبعاثات الضارة العالمية، فإنها الأكثر تضررًا من تداعيات المناخ، حيث تتأثر اقتصادات القارة الإفريقية بأنماط المناخ المتطرفة؛ إذ تعتمد معظم الاقتصادات فى القارة على الموارد الطبيعية (المعادن والزراعة والحياة البرية). ووفقًا للأمم المتحدة، من المتوقع أن ينخفض إجمالى الناتج المحلى للقارة بنسبة 2.25% ليصل إلى 12.12%(4).

3- تهديد الإنتاجية الزراعية: تمثل التأثيرات المحتملة لتغيُّر المناخ تهديدًا للإنتاجية الزراعية فى تلك المناطق، التى تمثل الزراعة فيها الجانب الأكبر من اقتصاداتها، وهى فى الوقت ذاته الأقل قدرةً واستعدادًا للتكيف مع تلك المخاطر، نتيجة لضعف إمكانيات تلك الدول من النواحى البشرية، والمؤسسية، والتقنية، والمالية.

فى المقابل، يعمل تغير المناخ على تقليل الإنتاج الزراعي، إذ تمثل التغيرات المناخية تهديداً كبيراً للإنتاج الزراعي. فمع تغير المناخ، تصبح الظروف الجوية غير مواتية بدرجة كبيرة لزراعة محاصيل بعينها. أضف إلى ذلك أن طرق الزراعة التقليدية تُشكِّل خطورة وضغطاً كبيرين على النظم البيئية العالمية، إذ ينتج عنها كميات كبيرة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما يسهم بالتبعية فى مزيد من التغيرات المناخية. علاوةً على ذلك، يستهلك الإنتاج الزراعى كميات كبيرة من المياه العذبة، ما يُمثِّل خطورةً على كميات المياه العذبة المتوافرة على الكرة الأرضية(5).

وقد يسفر تراجع الإنتاج الزراعى بفعل التغيرات المناخية عن ازدياد محتمل لعدد الجياع فى العالم. وبحسب بعض الدراسات، يُقدر عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع بنحو 800 مليون شخص حول العالم. ويقدر آخرون بأن 1 من كل 9 أشخاص يعانى الجوع يومياً ونقص التغذية نتيجة لذلك. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، فإن البلدان التى لديها أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، لديها أيضًا أعلى معدلات الهجرة الخارجية للاجئين. وبحسب الإحصاءات الأخيرة، هناك ما يقدر بنحو 821 مليون شخص يعانون حاليًا سوء التغذية، ونحو 151 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون التقزُّم، وما يقرب من 613 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً يعانين نقص الحديد، وما لا يقل عن مليارى بالغ يعانون زيادة الوزن أو السمنة(6).

4- ارتفاع أسعار الغذاء: قد يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير محتمل فى طبيعة التركيب المحصولي، ما يؤدى إلى ارتفاع أسعار الأغذية نتيجة لتباطؤ زيادة الإمدادات الغذائية العالمية نسبةً إلى زيادة الطلب العالمى عليها. أى ستتسبب التغيرات المناخية فى تناقص المحاصيل المختلفة، ما يؤدى إلى انخفاض مستوى الأمن الغذائي، خاصة بالنسبة للدول المستوردة للغذاء.  يزداد هذا الأمر سوءاً نتيجة جائحة كورونا التى أثرت سلباً فى سلاسل الإمداد العالمية للغذاء(7).

5- تأثيرات فى حركة النقل العالمية: ثمة ارتدادات سلبية لأزمة جفاف المسطحات المائية التى تعصف بعدد واسع من اقتصادات الدول الكبرى، وفى الصدارة منها الصين والدول الغربية. فقد أدى الجفاف الذى يعصف بهذه الدول إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لم تقتصر تداعياتها على إنتاج الحبوب والكهرباء فى تلك الدولة، بل ربما تؤدى أيضا إلى نقص عالمى فى المواد الغذائية والصناعية على نطاق أكبر بكثير من تلك التى أحدثتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والحرب فى أوكرانيا.

ونظرا للأهمية البالغة التى تتمتع بها الصين  والدول الأوروبية فى الاقتصاد العالمي، فإن الجفاف الحادث فى بعض مسطحاتها المائية قد ينعكس على الأوضاع الاقتصادية العالمية. فعلى سبيل المثال، الماء عنصر حيوى فى التطور السريع للصين التى تستهلك يوميا 10 مليارات برميل من المياه، أى ما يعادل نحو 700 ضعف استهلاكها اليومى من النفط. كما أن موجة الجفاف التى تتعرض لها أوروبا فى الوقت الحالى، وتعد الأسوأ فى القارة العجوز منذ نحو 500 عام، قد تؤدى إلى تآكل جانب واسع من اقتصادات الدول الأوروبية. فعلى سبيل المثال، تسهم أنهار أوروبا التى تعرضت للجفاف «نهرا الراين والدانوب» بنحو 80 مليار دولار فى اقتصاد المنطقة كوسيلة نقل لحركة التجارة.

أما فى الصين، فقد أدى الصيف القاسى إلى خسائر فادحة فى نهر يانجتسي، أطول أنهار آسيا. كما أدى انخفاض مستويات المياه إلى إعاقة توليد الكهرباء فى عدد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية. وقد ترتب على ذلك إطفاء المدن الضخمة، ومنها شنغهاي، الأنوار للحد من استخدام الطاقة، وتحذير شركة «تسلا» من حدوث اضطرابات فى سلسلة التوريد فى مصنعها المحلي، وإغلاق شركة «تويوتا موتورز» وهى أكبر شركة لإنتاج السيارات فى العالم، وشركة «Contemporary Amperex Technology» (أكبر شركة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية فى العالم) مصانعهما(8).

6- اختلال الخريطة السياحية: سيسبب ارتفاع درجة الحرارة تراجعاً شديداً فى مؤشر التصنيفات السياحية للعديد من الوجهات السياحية. على سبيل المثال، سيؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية -الناتج عن ازدياد معدل درجات الحرارة وحموضة مياه البحر- فى اقتصادات السياحة ببلدان حوض البحر الأحمر، وبالدرجة الأولى مصر والأردن. كما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار فى المراكز السياحية الشاطئية، وبالدرجة الأولى فى مصر، وتونس، والمغرب، وسوريا، والأردن، ولبنان، وتمثل السياحة فى هذه الدول مصدراً مهماً للعملة الصعبة. كما كان للتغير البيئى المصاحب لإزالة الغابات فى كينيا تأثير مباشر فى السياحة التى تمثل العمود الفقرى للاقتصاد الكيني، وتعد المحميات الطبيعية وما فيها من حياة برية عنصر الجذب الأساسى لهذه الصناعة.

بالتوازى مع ذلك، ثمة ارتدادات سلبية مباشرة للتغيرات المناخية على صناعة السياحة فى الدول الكبرى، خاصة إسبانيا، وإيطاليا، واليونان وغيرها من الدول الأوروبية، التى تعد السياحة أحد أهم مصادرها المالية. بذلك، يمكن أن تتحول المناطق المصنفة سياحياً فى الوقت الحالي، وفقاً لبعض التقديرات، بين «جيدة» و«ممتازة» إلى تصنيفات تتراوح بين «هامشية» و«غير مواتية» بحلول عام 2080. هنا، يمكن فهم اعتماد منظمة السياحة العالمية عام 2021 رسميًا إعلان «سورينتو»، الذى صدر فى ختام قمة السياحة الشبابية الأولى التى أقيمت فى إيطاليا، وهو الإعلان الذى وقعه 120 مشاركًا من 57 دولة، عن تأثير التغيرات المناخية فى السياحة، وأهمية اعتماد أنماط سياحة مستدامة منخفضة الانبعاثات صديقة للبيئة.

7-اختلال النظام الصحي: يتوقع أن تؤدى التغيرات المناخية المتسارعة إلى تعرض بعض أنواع النباتات والحيوانات لخطر الانقراض بنسبة 20 إلى30٪ تقريباً. وإذا استمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي، فمن المتوقع انقراض العديد من النباتات والحيوانات وما يتبعه من آثار مادية نتيجة لتأثر الأنشطة الاقتصادية مثل السياحة والصيد والزراعة، واتساع المدى الجغرافى لانتشار الأمراض المعدية، وما يترتب عليه من تأثيرات ضارة فى صحة الإنسان، خاصة فى القارة الإفريقية.

8- التأثيرات فى البنية التحتية: تتصاعد التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية فى البنى التحتية للاقتصادات العالمية، خاصة داخل الاقتصادات التى تتجاهل أنظمة استخدام الأراضى والتخطيط العمرانى فيها المتطلبات الأساسية للتكيف مع تغير المناخ.

فى هذا السياق، ومع كثافة التحولات فى المناخ، تتصاعد فرص ازدياد معدل حدوث الانهيارات الأرضية الناجمة عن شدة هطول الأمطار، إلى جانب ازدياد معدل حدوث الفيضانات بالمستوطنات القائمة على ضفاف الأنهار. ومع التوسع العمرانى السريع فى المناطق الساحلية المنخفضة عن سطح البحر -سواء فى الدول النامية أو المتقدمة- وما يصاحبه من ارتفاع معدلات الكثافة السكانية والاستثمارات والبنية التحتية المصاحبة لهذا التطور العمرانى فى تلك المناطق، سوف تزداد قيمة الخسائر البشرية والمادية المتوقعة فى تلك المناطق، نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير الناجمة عن تغير المناخ. تقدر قيمة الخسائر المحتملة فى البنية الأساسية فى المناطق الساحلية، نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية ببعض البلدان مثل مصر وبولندا وفيتنام. وفى القارة الإفريقية، سوف تتأثر المستوطنات الساحلية مثل خليج غينيا، والسنغال، وجامبيا، ومصر، والساحل الشرقى الجنوبى لإفريقيا، نتيجة لارتفاع مستوى البحر وما ينتج عنه من غمر الأراضى وتآكل السواحل. كما تكشف بعض الدراسات عن أن  ما يقرب من 75% من المبانى والبنى التحتية فى بعض دول المنطقة العربية معرضة بشكل مباشر لخطر تأثيرات تغير المناخ، وبالدرجة الأولى ارتفاع مستويات البحار، وتكرار الأيام الحارة، واشتداد العواصف، الأمر الذى يعرض نظم النقل وشبكات المياه، والصرف الصحي، ومحطات توليد الطاقة لخطر شديد.

الخلاصة:

يتطلب التعامل الناجح مع قضية التغييرات المناخية اعتماد رؤية شاملة، تأخذ فى الحسبان الأبعاد المتشابكة والمترامية لتأثيرات التغيرات المناخية، وفى الصدارة منها ضرورة تحول العالم إلى اقتصاد من نوع جديد، يعتمد على موارد جديدة للطاقة، وتكنولوجيا جديدة فى الصناعة، وممارسات مختلفة فى الاستهلاك والحياة، وتوجه أكبر نحو الاقتصادين الأخضر والأزرق.

الهوامش:

1- صندوق النقد الدولي يحذر من أثر تغير المناخ على النمو الاقتصادي فى الشرق الأوسط، 31 مارس 2022. https://bit.ly/3enbFbV

2- هيثم تميم، خسائر هائلة للاقتصاد العالمي جراء التغيرات المناخية، 22 أبريل 2021. https://bit.ly/3TEjEBG

3- البلدان الفقيرة والضعيفة تحتاج إلى الدعم حتى تتكيف مع تغير المناخ، 23 مارس 2022. https://bit.ly/3RgSIGq

4- مسئول: تبعات التغير المناخي تشكل خطرا يهدد اقتصاد إفريقيا، 2 أغسطس 2022. https://bit.ly/3BbsAr1

5- سهير الشربينى، فرص التوسع: هل تتغير خريطة الإنتاج الزراعي فى العالم؟، 13 يوليو 2022. https://bit.ly/3RaGBL8

6- التغير المناخي ومستقبل الغذاء.. البشرية إلى منعطف خطر، 23 يوليو 2022.

 https://al-ain.com/article/climate-change-future-food-humanity-dangerous

7- د. نعمة زهران: التكيف الحتمي: السيناريو الاقتصادي الأسوأ للتهديد المناخي فى العالم، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 31 أغسطس 2021. https://bit.ly/3QgDAHM

8 - https://bit.ly/3qaDXJC

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    كرم سعيد

    كرم سعيد

    مساعد رئيس تحرير مجلة الديمقراطية