من المجلة - الافتتاحية

مصر وقضايا التغير المناخى: فرص العدالة فى مواجهة التحديات

طباعة

حُددت الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022 موعدًا لاستضافة مصر الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27، وتنعقد فى شرم الشيخ. ومؤتمر الأطراف هو الكيان الرئيسى المسئول عن اتخاذ القرار ضمن الاتفاقية الأممية بشأن تغير المناخ، حيث تراجع الأطراف الموقعة عليها آليات وسياسات عملية تنفيذها، وبعد ذلك تتخذ قرارات لتعزيز التنسيق والتحركات على مستوى العالم لمواجهة تداعيات تغير المناخ.

فى هذا الإطار، شارك السيد/ سامح شكري، وزير الخارجية، الرئيس المعين للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، فى الجلسة الافتتاحية لمنتدى البيئة والتنمية لعام 2022 «الطريق إلى شرم الشيخ»، الذى نظمه المجلس العربى للمياه تحت رعاية وزارة الخارجية، وذلك يوم الأحد 11 من سبتمبر. وقد شارك فى افتتاح المؤتمر وزيرا الكهرباء والطاقة، والموارد المائية والري، والأمين العام لجامعة الدول العربية، ورائد الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ، والمنسق المقيم للأمم المتحدة بمصر، ولفيف من كبار المسئولين ونخبة من الخبراء والباحثين والمتخصصين.

تبلورت المزيد من الأهداف التى تعلى من أهمية انعقاد هذا المؤتمر، لكونه يسلط الضوء على قضايا المياه وندرتها وعلاقة ذلك بقضايا التغير المناخى بشكلٍ عام.  كما أن مؤتمر شرم الشيخ يمثل نقطة تحول على صعيد التعامل مع قضايا المناخ، للانتقال من مرحلة الوعود والتعهدات إلى مرحلة التنفيذ الفعلى على الأرض.

سبق ذلك، فى مايو الماضي، تدشين د. ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، للاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ مصر 2050، التى أكدت أنها تهدف لوضع جودة حياة المواطن المصرى كأولوية، وهو ما يتماشى مع الهدف الاستراتيجى الأول ضمن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة مصر 2030. تتشكل رؤية الاستراتيجية بطريقة تضمن حماية المواطنين من تأثيرات تغير المناخ، مع الحفاظ على تنمية الدولة بطريقة مستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية.

كما ستسهل الاستراتيجية عملية تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية المرغوبة للدولة باتباع نهج خفض الانبعاثات، مسترشدة فى ذلك برؤية (مصر 2030)، التى تعد المظلة الاستراتيجية للتنمية فى الدولة، حيث تدمج الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ جميع الأهداف الرئيسية و الفرعية المتعلقة بتغير المناخ الموجودة بها.

وقد تم إعداد الاستراتيجية بناءً على نهج تشاورى مع جميع الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية فى الدولة عبر حوارات ولقاءات متعددة، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات الدول السابقة واستراتيجيات مختلفة لدول ذات ظروف مشابهة لمصر. كذلك، فإن أهداف الاستراتيجية نتجت بشكل أساسى بناء على المادتين 45 و 46 من الدستور المصري.

لذا، من المتوقع أن تعالج الاستراتيجية نقاط الضعف والتهديدات، وتبنى على الفرص التى ظهرت فى تحليل نقاط القوة والضعف للمشهد الحالى لتغير المناخ فى مصر، مع الالتزام بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وأخذ التزامات المعاهدات الدولية المرتبطة بتغير المناخ فى الحسبان. جرى إعداد الاستراتيجية عبر مرحلتين، بواسطة فريق استشارى محلى من الخبراء الوطنيين، حيث تضمنت المرحلة الأولى تطوير إطار عمل لرسم الحدود للاستراتيجية كتحديد الرؤية، والأهداف الرئيسية والفرعية، والتوجهات العامة، والسياسات والأدوات، والمبادئ التوجيهية لإعدادها. بينما تضمنت المرحلة الأخرى إدراج التفاصيل، حيث جرت مراجعة الوثائق والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية ذات الصلة، بالإضافة إلى مراجعة استراتيجيات البلدان النامية الأخرى كدراسات حالة لفهم الأساليب المختلفة التى تتبعها البلدان الأخرى لتطوير استراتيجياتها.

وعبر مجموعة من السياسات التنفيذية على الأرض، تعمل الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ على تحقيق الأهداف الرئيسية ينبثق منها عدد من الأهداف الفرعية، هي: أولا: تحقيق نمو اقتصادى مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات فى مختلف القطاعات، ثانيا: بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، ثالثا: تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، رابعا: تحسين البنى التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، والترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، إلى جانب الترويج لآليات التمويل المبتكرة التى تعطى الأولوية لإجراءات التكيف. خامسا وأخيرا: تعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعى لمكافحة تغير المناخ، وتسهيل نشر المعلومات المتعلقة، وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، وزيادة الوعى بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة من صانعى السياسات والقرارات، والمواطنين، والطلاب.

تدرك مصر أهمية خفض الانبعاثات المصاحبة لاستخدام الوقود الأحفوري، وتعظيم كفاءة الطاقة، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ لتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ من خلال حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ، وتقليل الخسائر والأضرار عن طريق الحفاظ عليها من تأثيرات تغير المناخ والحفاظ على موارد الدولة من تأثيرات تغير المناخ عبر استغلال وجود بنية تحتية مرنة وخدمات مرنة، وذلك بالقدر نفسه من الأهمية الذى توليه لتنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث، والحفاظ على المساحات الخضراء والتوسع بها، عبر تعزيز متطلبات الاستجابة الخاصة بالمجتمع لمساعدته فى التكيف مع تغير المناخ، بالإضافة إلى تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، مع تحديد أدوار ومسئوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية، بهدف الوصول إلى تحسين مكانة مصر فى الترتيب الدولى الخاص بإجراءات تغير المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات وفرص التمويل المناخي، وإصلاح السياسات القطاعية اللازمة لاستيعاب التدخلات المطلوبة للتخفيف من آثار تغير المناخ.

باتت مواجهة تغير المناخ ضرورة حتمية لاستمرار الحياة والحفاظ على التنوع البيولوجي. لذا، نجد أن مصر وضعتها فى أولوياتها الأولى منذ عام 1992، حين التزمت الحكومات المشاركة فى مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية -بما فيها مصر- بتطبيق استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، التى تُعِد أدوات من شأنها ضمان نمو اقتصادى مسئول اجتماعيًا، مع حماية مصادر الموارد وحماية البيئة لمصلحة الأجيال القادمة. وعُد التحرك قدمًا نحو التنمية المستدامة تحديًا جسيمًا للبلاد آنذاك، حيث كان الأمر يتطلب إحداث تغيرات فى البناء الاقتصادى والاجتماعى والبيئى للدولة.

ومع امتلاك الدولة المصرية لمقدراتها والتفعيل الكامل لقدرات مؤسساتها، جاء إطلاق الاستراتيجية التى تعكس الإرادة السياسية للرئيس عبدالفتاح السيسي، التى أكدت التوجهات التالية بهدف رفع مستويات التكيف والتخفيف:

 1) التأكد من التخطيط المتكامل بين مختلف الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية (الخاصة بكل قطاع ووزارة).

 2) العمل على دمج الإجراءات المتعلقة بالتغيرات المناخية فى التخطيط الوطني، ودمج معايير الاستدامة والتعافى الأخضر فى التخطيط الوطنى وإعداد الميزانية.

 3) دمج التكيف مع المناخ والمرونة فى مشروعات البنية التحتية.

 4) الاستفادة من فرص التمويل المتاحة تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، واتفاقية باريس، وغيرها من المصادر ذات الصلة بالمناخ، مع استغلال البنية التحتية الحديثة الحالية لتنفيذ مشروعات جديدة متعلقة بتغير المناخ، منها، على سبيل المثال، الاستفادة من شبكة الكهرباء الحالية المحدثة والموسعة لتشغيل المركبات الكهربائية.

 5) تعزيز تنافسية السوق والتنوع الاقتصادى وتوفير فرص عمل خضراء.

 6) تعزيز التعاون الثنائى والمتعدد الأطراف مع دول العالم ومؤسسات التمويل الدولية والوكالات المتخصصة فى المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل دول حوض النيل وغيرها.

وعلى الرغم من أن الانبعاثات من مصر تمثل نحو 0.6٪ من إجمالى الانبعاثات فى العالم، فإنها ستكون إحدى الدول الأكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ، ما قد يؤدى إلى عدد من التأثيرات على جميع القطاعات فى مصر، مثل المناطق الساحلية، والزراعية والموارد المائية والصحة والسياحة والإسكان، وسيضيف ذلك تحديًا جديدًا لتحديات مصر فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

 من هنا، تتضمن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ مجموعة من السياسات والبرامج لتحقيق تحول فى الطاقة من خلال زيادة حصة جميع مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، وتعظيم كفاءة استخدام الطاقة من خلال تحسين كفاءة محطات الطاقة الحرارية وشبكات النقل والتوزيع، ورفع كفاءة الطاقة للأجهزة والمعدات الكهربائية، ورفع كفاءة الطاقة فى العمليات الصناعية، واعتماد اتجاهات للاستهلاك والإنتاج المستدامين للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من الأنشطة الأخرى غير المتعلقة بالطاقة، مثل الترويج لمفهوم تقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، وتقليل الاستخدام للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام.

 تعى الدولة المصرية العلاقة الحاكمة بين الطاقة وتغير المناخ، بما فى ذلك الطاقة المتجددة وتحول الطاقة، مع التركيز بشكل خاص على الانتقال العادل فى قطاع الطاقة، والهيدروجين الأخضر بعدّه مصدر طاقة محتملا للمستقبل. لذا، تركز مصر على كفاءة الطاقة وطرق إدارة الانتقال العالمى العادل فى مجال الطاقة، وكذلك الطاقة المتجددة والشبكات الذكية لرفع كفاءة وتخزين الطاقة بهدف التعرف على مستقبل الطاقة التحويلية ما بين الفرص والتحديات.

تتكلف برامج التخفيف التى تتضمنها الاستراتيجية الوطنية فى القطاعات كافة 211 مليار دولار، بينما يتراوح إجمالى تكلفة برامج التكيف 113 مليار دولار، وفق ما أكدته وزيرة البيئة. وسيشارك «صندوق مصر السيادى للاستثمار والتنمية» من خلال الاستثمار فى المشروعات الخضراء، مثل مشروع إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، بالشراكة مع شركات عالمية متخصصة، وكذلك مشروع إنتاج عربات القطارات لدعم جهود النقل المستدام، ومشروعات تحلية المياه، فضلًا عن انضمام الصندوق لمبادرة «كوكب واحد» برئاسة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، التى تضم عددًا من الصناديق السيادية بهدف دعم تنفيذ اتفاق باريس.

تسير الاستراتيجية المصرية فى خطين متوازيين، هما تقليل الانبعاثات باستخدام وسائل حديثة فى جميع القطاعات الصناعية والزراعية والطاقة والنقل، والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة فى الزراعة والموارد المائية والسواحل والمناطق الساحلية والصحة.

فحتى يصبح تحقيق التنمية المستدامة بمصر أمرًا واقعًا، تم إعداد الاستراتيجية الوطنية للبيئة بما يراعى أهداف التنمية المستدامة من خلال الأبعاد التالية: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بهدف تحقيق توافق وانسجام بين السياسات والخطط الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، وبين العناصر البيئية المختلفة فى مصر، بهدف تحقيق الأهداف التالية:

• تحليل القضايا الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية بأسلوب كلى متكامل.

• دمج أهداف السياسات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية معًا.

• دعم جهود الحكومة لتبنى سياسات تنمية مستدامة، والإجماع عليها عبر مشاركة الأطراف المعنية.

• المساعدة فى تحديد بدائل وأهداف وأغراض التنمية.

• تنسيق الأنشطة بين القطاعات (أفقيًا) والمستويات الجغرافية المختلفة (عموديًا).

• تيسير تخصيص الموارد الوطنية المحدودة بكفاءة على أساس الأولويات مع دعم مشاركة القطاع الخاص لتعظيم الموارد.

• تحسين عملية المشاركة فى فوائد التنمية على أساس العدالة الاجتماعية.

• الإسهام فى بناء القدرات فى ميادين شتى.

• تقديم العون فى دعم التنسيق بين المانحين للمشاريع والمبادرات ذات الأولوية فى الاستراتيجية.

• تيسير استغلال الموارد البشرية والمالية والطبيعية القومية لدعم التنمية المستدامة.

1- النمو الاقتصادى وزيادة الموارد:

• تشجيع استخدام تكنولوجيا المعلومات كوسيلة عملية للرقى بالقطاعات الصناعية المختلفة ولتحقيق التنمية المستدامة.

• نشر تقنية الإنتاج الأنظف.

• تحسين مستوى الالتزام بالقوانين البيئية فى المنشآت الصناعية.

• إنشاء قاعدة بيانات شاملة تضم جميع المعلومات المتعلقة بالأنشطة الصناعية فى المحافظات والمناطق الصناعية الجديدة.

• طرح سياسات من شأنها تعزيز البحث والتنمية وتطبيقها فى مجال الصناعة.

• استخدام التمويل للحد من الآثار البيئية السلبية الناجمة عن الصناعة.

• تكثيف برامج البحث العلمى والتقدم التقنى فى مجال تحلية المياه.

• تكثيف برامج البحث العلمى حول إعادة استخدام المخلفات الزراعية واستخدام مصادر طاقة جديدة ومتجددة وتقليدية.

• تشجيع الاستثمار المصرى والعربى والأجنبى فى مجال الزراعة.

• تشجيع القطاع الخاص على المشاركة فى مشروعات استصلاح الأراضى بتقديم الحوافز وتقليل أسعار الأراضى الصحراوية الجديدة.

2- الدور المجتمعى لحماية الموارد الطبيعية والبيئية والحفاظ على البيئة:

• تشجيع مشاركة القطاع الخاص فى تمويل المشاريع، خاصة مشاريع مياه الشرب واستخدام مياه الصرف المعالجة.

• تفعيل المجلس القومى للمياه لضمان التنسيق بين السياسات والبرامج ودعم التشريعات التى تحسن من مستوى فرض الالتزام.

• تنفيذ مبدأ تغريم الملوثين.

• تطبيق مشاركة المجتمع المدنى فى برامج الحفاظ على التنوع البيولوجي.

• تحسين القدرات العملية والتقنية فى مجال التنوع البيولوجى وتحسين مستوى الحفاظ على الموارد الطبيعية فى مناطق التنمية.

• بناء قدرات وطنية للحفاظ على التنوع البيولوجي.

• تنفيذ التزامات الاتفاقيات الدولية.

• دعم القاعدة التشريعية وتقوية الحوافز الاقتصادية والاجتماعية للحفاظ على التنوع البيولوجى والموارد الطبيعية.

• تحقيق مبدأ الحكم الرشيد من خلال مشاركة المجتمع المدنى والقطاع الخاص مع الحكومة فى مشروعات التنمية الحضرية.

• توفير التمويل اللازم لمشروعات التنمية الحضرية.

• توفير التمويل اللازم للمشروعات التى من شأنها تقليل تلوث الهواء فى الصناعة.

• دعم وتحسين دور السلطات المحلية.

• تقديم حوافز لتشجيع القطاع الخاص على المشاركة فى إدارة المخلفات الصلبة والخطرة، سواء كانت كاملة أو جزئية.

• دعم الروابط بين شبكة المعلومات الخاصة بإدارة المخلفات الصلبة والخطرة التابعة لجهاز شئون البيئة وبين القطاعات الصناعية الخاصة.

• زيادة الوعى العام بإدارة المخلفات عن طريق التعليم والتدريب والأفلام.

3- العدالة البيئية والاجتماعية من حيث توزيع الموارد والتعليم والخدمات والتكامل الاجتماعي:

• مشاركة القطاع الخاص فى التقليل من التلوث البيئي.

• رفع مستوى التعاون بين الأجهزة الحكومية المعنية بتطبيق القوانين البيئية وبتحقيق متطلبات التنمية المستدامة.

• رفع مستوى التعاون بين المجتمع المدنى والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.

• دعم المنظمات غير الحكومية من خلال برامج تمويل صغيرة من أجل المجموعات والأفراد المهمشين.

• تعزيز مشاركة المجتمع المدنى فى مشروعات حماية البيئة والتنمية.

• زيادة قدرات المنظمات غير الحكومية.

• إيجاد حلول مبتكرة لتمويل التعليم والبحث العلمى وزيادة حصته فى الميزانية.

• إمداد المنظمات الحكومية والمواطنين بمعلومات بيئية.

• زيادة الوعى العام بأهمية التنمية المستدامة وأبعادها الثلاثة عبر المبادرات وتشجيع المجتمع المدنى على تبنيها.

• تعزيز سبل الاتصال بالجهات الدولية لمساندة الجهود القومية فى تحقيق أعلى معدلات التنمية المستدامة.

• استمرار الدور المصرى الفعال والمؤثر فى التنسيق مع لجان التنمية المستدامة الإفريقية والعربية والمتوسطية بهدف حماية الموارد الإقليمية.

• زيادة الاستفادة من الاتفاقيات الدولية المعتمدة مع بحث ودراسة سبل ضم اتفاقيات وبروتوكولات جديدة.

• تحديد آليات مبتكرة لتمويل عملية التنمية المستدامة.

• دعم جهود التعاون الجنوبي-الجنوبى للحصول على أحدث التقنيات بأقل التكاليف ولتبادل الخبرات فى مجالات مختلفة.

• توحيد جهود الهيئات المصرية فى عرض مشروعات معدة جيدا للدول المانحة بهدف تحقيق فوائد متبادلة.

مؤشرات الاهتمام الدولى بالتغير المناخى ودلائل الإحباط:

مؤشرات الاهتمام:

منذ اعتماد اتفاق باريس فى عام 2015، شهد العالم عددًا متزايدًا من الالتزامات المتعلقة بصافى الانبعاثات الصفري من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، لاسيما من القطاعين الخاص والمالي، وكذلك من الحكومات المحلية والأقاليم. وقد اقترن النمو فى التعهدات بتزايد المعايير والمقاييس لتحديد الالتزامات المتعلقة بصافى الانبعاثات الصفرى بمستويات متفاوتة من المتانة. ومن أجل وضع معايير أقوى وأكثر وضوحًا بشأن التزامات الجهات الفاعلة غير الحكومية للوصول إلى الصافى الصفرى -بمن فى ذلك المستثمرون والشركات والمدن والأقاليم- وتعجيل تنفيذها، شكّل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فى 31 مارس 2022 فريق خبراء رفيع المستوى معنيا بالتزامات الكيانات غير الحكومية بصافى الانبعاثات الصفري.

وقد قال الأمين العام: «تتحمل الحكومات نصيب الأسد من المسئولية لتحقيق صافى انبعاثات صفرى بحلول منتصف القرن، خاصة مجموعة العشرين. لكننا نحتاج أيضًا إلى أن تعجل كل شركة ومستثمر ومدينة وولاية وإقليم فى الوفاء بوعودهم المتعلقة بصافى الانبعاثات الصفري». جاء إطلاق الفريق وسط أزمة مناخية متفاقمة وإلحاح متزايد بأن تكون جميع الالتزامات شفافة وذات مصداقية، ومدعومة بخطط عمل قوية، وتحويلها إلى تخفيضات حقيقية للانبعاثات بأسرع ما يمكن.

تعود البدايات الأولى للاهتمام بقضايا البيئة والتغير المناخى إلى عام 1972، حيث اجتمع العالم فى المؤتمر التاريخى المعنى بالبيئة البشرية فى مدينة استوكهولم السويدية. ولأول مرة، تم الاعتراف بالبيئة بعدّها قضية عالمية ملحة.  مهد المؤتمر الطريق لإنشاء (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) يُعرف اختصارا بـ «يونيب» الذى يعمل منذ ذلك الحين على رصد حالة البيئة، وصنع السياسات بالعلم وتنسيق الاستجابات للتحديات البيئية فى العالم.

تقول إنجر أندرسون، خبيرة البيئة والاقتصاد التى ترأس برنامج الأمم المتحدة للبيئة اليوم: «لقد أُسس برنامجنا عام 72، بلغنا خمسين سنة، وكثيراً ما كنا الضمير البيئى للعالم، نقدم العلم، ونحكى قصة الكوكب. نحن المناصر العالمي، نعمل على قانون البيئة. إننا ذلك النسيج الذى ترى فيه الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف، بما فى ذلك اتفاقية المناخ، نفسها مطرّزة». وتزامنًا مع احتفال برنامج الأمم المتحدة للبيئة بمرور خمسين عامًا من الدبلوماسية البيئية، نجد أن أندرسون تتحدث عن أهمية العدالة المناخية والتحولات التى نحتاج إلى إجرائها، بينما نتحرك نحو مستقبل يتسم بالقدرة على تحمل التغيرات المناخية ومنخفض الانبعاثات.

وفقًا لأحدث تقرير مناخي، صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التى أنشأها برنامج الأمم المتحدة للبيئة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام 1988، يتسبب تغير المناخ  فى اضطراب خطير وواسع النطاق فى الطبيعة، ويؤثر فى حياة مليارات الأشخاص حول العالم، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من المخاطر. فاليوم، كما تقو أندرسون، يعيش ما يقرب من نصف البشرية فى منطقة خطر. لقد عرّضت الظواهر المناخية المتطرفة الملايين من الناس لانعدام الأمن الغذائى والمائى الحاد، لاسيما فى إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي، وهى الأماكن التى لم تسهم إلا قليلاً فى تغير المناخ. 

وتؤكد أندرسون أنه عندما تكون هناك تأثيرات مناخية، ومحاصيل لم تعد كافية لإعالة الناس هناك، سترى انهيارًا بيئيًا داخليًا. ويمكن أن يؤدى ذلك إلى انهيار مجتمعي، فضلا عن الإجرام أو الهجرة الخارجية أو الصراع الداخلي. العدالة جزء أساسى من المناقشة البيئية.

وتؤكد أنه عندما نعلم أن واحدًا من كل ثلاثة مواطنين أفارقة يواجه شُحّ المياه، فإننا نفهم عدم المساواة المناخية. ثم نفهم أن هؤلاء الأشخاص الذين هم جيرانى هنا فى نيروبى ينتجون انبعاثات منخفضة للغاية من ثانى أكسيد الكربون. وتشير إلى أننا عندما نسافر إلى جزر المحيط الهادى، سندرك بشكل واضح الظلم الناجم عن ذلك كله. هذه دول لم تكن لها يد فيما يحدث من تغير للمناخ، لكنها تشعر بالعبء الأكبر. وتحذر قائلة: سنشعر جميعًا بهذا العبء الأكبر، كل ما فى الأمر أن بعضنا سيشعر بذلك عاجلاً وبشكل أصعب من الآخرين. لذا، فإن الحديث عن الخسائر والأضرار أمر بالغ الأهمية ويفرض ضغوط شديدة على العالم فيما يتعلق بمسألة العدالة.

ويفيد تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الموسوم بـ «تقرير فجوة الإنتاج»، بأنه على الرغم من الطموحات المناخية المتزايدة والتزامات الصافى الصفري، لا تزال الحكومات تخطط لإنتاج أكثر من ضعف كمية الوقود الأحفوري، غير متسقة فى ذلك بالتعامل بجدية مع الحد من ظاهرة الاحترار العالمى إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030.  فمع تفاقم تأثيرات المناخ، سيكون توسيع نطاق الاستثمارات فى القدرة على تحمل التغيرات المناخية ضروريًا للبقاء. فى الوقت نفسه، يعد التخلص من الوقود الأحفورى أو «الهيدروكربونات» أمرًا أساسيًا من أجل كوكب صحي.

وتوضح أندرسون: أننا عندما ندعم الهيدروكربونات، فإننا لم نفهم أن تكاليف هذا الدعم أعلى بكثير من الدعم فى حد ذاته.. فكر فى الأمر، الأطفال المصابون بالربو بسبب أبخرة العادم، وتآكل السواحل، حيث لا يستطيع الصيادون أو الصيادات تأمين سبل عيشهم.. فكر فى الأمر، فيضانات مستمرة، وحرائق غابات.. ما التكاليف؟ تشرح أندرسون: هذه تكاليف مجتمعية، مؤكدة أن علينا أن نفهم، مع ذلك، أن قضايا البلدان النامية التى تقع فوق كومة من المواد الهيدروكربونية التى من المحتمل أن تكون مصدر ربح لها، وعدم إنصافها فى التخلى عن ذلك، يجب أن تكون مطروحة على الطاولة لمساعدتها فى إجراء تلك التحولات.

تقول أندرسون: العلم لا جدال فيه، كل ما نحتاج إليه هو الشجاعة السياسية، إنها مسألة شجاعة القادة والمصالح الاقتصادية التى يمكن أن تمثل فى بعض الأحيان ضغطا على قادتنا عند صنع القرار، فلن يمكننا الانتظار حتى عام 2045، لنقول حينها وَاحَسْرَتَاه، يبدو أن هذا صحيح. علينا القيام بذلك فى عامى 2022 و2023، حتى نتمكن من وضع شبكة أمان لأولئك الذين ستتأثر وظائفهم، من أجل تحقيق هذا التغيير بأمان، حتى لا نرى ذلك التضارب الذى أحدثه وباء كوفيد، لأنه كان مفاجئًا للغاية، نريد أن نحقق هذا التحول الآن.

هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن التمويل، والتكيف مع تأثيرات المناخ، والحد من الانبعاثات، لاسيما من جانب أكبر مصادر الانبعاثات. إن إجراء التحول الآن يعنى التخلص التدريجى من الفحم، وتحديد سعر الكربون، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري؛ وضمان الانتقال العادل إلى مصادر الطاقة المتجددة.  واختتمت قائلة: «هذه ليست مسألة يسار أو يمين أو سياسة، إنها مسألة عدالة بين الأجيال، نحن نصوت للمستقبل، نحن نصوت لأحفادنا».

دلائل الإحباط:

تقف مخاطر العودة للوقود الأحفورى خلف التصريحات القوية لأنجر أندرسون التى تركز فيها على العدالة. فمن الولايات المتحدة إلى الصين، وحتى أوروبا والهند واليابان، بدأ الوقود الأحفورى بالعودة من جديد، وتواجه أسهم الطاقة النظيفة خسائر كبيرة، وتبدو آفاق تسريع التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة قاتمة. يأتى ذلك على خلفية تداعيات جائحة كورونا وتصاعد نتائج الأزمة الروسية-الأوكرانية على البيئة والاقتصاد العالميين.

فخلال العام الماضي، ارتفعت الانبعاثات الكربونية، فيما كان العالم يحتاج إلى خفضها إذا أراد أن يبقى على المسار الصحيح لبلوغ أهدافه المناخية. إن المصلحة الوطنية دائما ما تعارض التدابير المؤلمة التى يتفق العلماء على ضرورتها لتحقيق هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. لكن حتى فى هذا الوقت المبكر من العام، كانت الرياح المعاكسة لأى أعمال مناخية مؤثرة كبيرة للغاية. فقد اتخذت أسعار النفط مسارًا تصاعديًا بالتزامن مع تعافى الاقتصاد العالمى من تداعيات الوباء، إذ اقترب من 100 دولار للبرميل، بعد عامين فقط من انهيار الأسعار، ما يؤدى إلى تضخم مخزونات ومستوى التأثير لعمالقة الوقود الأحفوري، مثل السعودية وروسيا، ويقود لإنعاش صناعة كانت تحوّل تركيزها إلى الطاقة النظيفة. ففى الفترة الأخيرة، وضعت شركة «إكسون موبيل» ثقتها بصناعة النفط الصخرى الأمريكى من خلال خطط لزيادة الإنتاج بنسبة 25% هذا العام فى حوض برميان.

ومع ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، نتيجة للأزمة الروسية-الأوكرانية، باتت المرافق تتحول إلى الفحم بدلاً منه، رغم أنه ينتج نحو ضِعف مستويات الكربون التى ينتجها الغاز، بحسب كيت كونوليج، المحلل فى «بلومبرغ إنتليجنس». فلا عجب فى أن يبدو المبعوث الأمريكى لقضايا المناخ، جون كيري، متجهماً بشكل متزايد، مع تحذيره باستمرار من تخلّف العالم عن التحرك بشأن المناخ. وأخيراً، قال كيري: «نحن فى مأزق، لسنا على المسار الصحيح».

بالنسبة إلى كثيرين، كان الحدث الأبرز فى قمة «كوب 26» هو الاتفاق المفاجئ بين فريق كيرى ونظرائه الصينيين لتجاوز المنافسة بين واشنطن وبكين ورفع الجهود المشتركة للمناخ خلال هذا العقد الزمني. لا تزال هذه الاتفاقية قائمة، لكن كلا البلدين تراجع منذ ذلك الحين عن الإجراءات المتخذة، إذ كانت الولايات المتحدة أكبر مصدّر للغاز الطبيعى المسال فى العالم فى يناير الماضي، مستحوذة على المركز الأول من قطر للشهر الثانى على التوالي. كذلك، ارتفع استهلاك الفحم، بالتزامن مع ارتفاع إنتاجه بنسبة 8% عام 2021، بعد أعوام من التراجع. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يستمر هذا الارتفاع حتى عام 2023، فيما يكافح الرئيس جو بايدن فى واشنطن للحصول على موافقة مجلس الشيوخ على حزمة «إعادة البناء بشكل أفضل» وتدابيره المناخية الأساسية. وكان اقتراح أولى من شأنه أن يخصص نحو 555 مليار دولار للمناخ والطاقة النظيفة قد انهار فى خضم اعتراضات كل الجمهوريين والسيناتور الديمقراطى جو مانشين، من ولاية فرجينيا الغربية الغنية بالفحم والغاز. ومما لا شك فيه أن هذه البنود الخاصة بالمناخ تأتى على شكل ائتمانات ضريبية للهيدروجين والمركبات الكهربائية ومصادر الطاقة المتجددة لتصرف على مدى أعوام عدّة، وهى ضرورية للوفاء بالتزامات الولايات المتحدة المحددة، وفق اتفاقية باريس، التى تهدف إلى خفض انبعاثاتها بنسبة بين 50% و52% بحلول عام 2030. ومن دون هذه البنود، يصبح هذا التعهد فى خطر، بحسب تحليل أجرته «مجموعة روديوم».

وبدلاً من الدور القيادى الذى زعمه بايدن، فإن مسار الأمور يجعل واشنطن تبدو مفتقرة إلى الوضوح تجاه قضايا المناخ. واعترف كيري، فى مقابلة أجراها فى يناير الماضى، بوجود حاجة إلى إقرار الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة «لتمكيننا دبلوماسيًا»، مضيفًا أن «مصداقيتنا ستكون محل شك إن لم نفعل ذلك».

ورغم ضيق الوقت، بسبب اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر، لا يزال المشرعون الديمقراطيون يأملون إحياء تشريع الرئيس الأمريكى. لكننا نجد بايدن، حالياً، يتعرض لضغوط فى مواجهة التضخم المتزايد، خصوصاً فى أسعار البنزين التى قد تؤثر فى فرصه بالاحتفاظ بالسيطرة على الكونجرس، وبالتالى استجاب لمناشدة تحالف «أوبك بلس» لمنتجى النفط لتعزيز الإنتاج، وطلب من شركات النفط المحلية إجراء مزيد من عمليات التنقيب وحشد الدول للانضمام إلى الولايات المتحدة فى تنسيق إطلاق احتياطيات النفط الخام الطارئة.

كذلك، يشعر رئيس الوزراء اليابانى الجديد، فوميو كيشيدا، بضغوط مماثلة. ففى محاولة للحفاظ على الأسعار، أعلنت حكومته الشهر الماضى تقديم دعم لمصافى النفط بنحو ثلاثة سنتات أمريكية لكل لتر بنزين منتج. كما أعلنت الأسبوع الماضى أنها تدرس المضى قدماً فى تخفيف تأثير ارتفاع أسعار النفط وسط تقارير عن أنها قد تضاعف مستوى الدعم ثلاث مرات. كل ذلك يبدو وكأنه أعذار مجانية للصين، التى تُعَدّ أكبر مصدر للانبعاثات فى العالم.

ففى كثير من الاجتماعات الرفيعة المستوى التى عُقدت فى الآونة الأخيرة، شدد كبار المسئولين الصينيين على أمن الطاقة، إلى جانب جهود الحد من الانبعاثات الكربونية. وكما قالت صحيفة «بيبولز ديلي» التابعة للحزب الشيوعى الصينى فى تعليق حديث: «يجب أن يحمل المرء (وعاء الأرز) الخاص بالطاقة بين يديه».

ورغم أن كبار القادة أكدوا مرارًا وتكرارًا أن عمليات التشييد القياسية لمحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تشكل جزءًا من الحملة الرامية إلى تأمين مستقبل الطاقة في الصين، فإنّ هذا الدفع لم يغيّر بشكل ملموس مزيج الطاقة فى البلاد، فقد ظلت حصة بكين من الفحم والغاز فى توليد الطاقة مرتفعة بنسبة 71% فى عام 2021، وهو معدل عام 2020 نفسه.

وبعد أزمة الطاقة غير المسبوقة التى ضربت الصين فى النصف الثانى من العام الماضي، اضطرت بكين إلى زيادة إنتاج الفحم ووارداته إلى مستويات قياسية. وقال الرئيس «شى جين بينج»، فى جلسة بحث جماعية للمكتب السياسي، إنه من الضرورى ضمان أمن سلسلة الإمداد فى أثناء الحد من الانبعاثات، وضمان إمدادات الفحم أيضًا، فيما يجب إنتاج النفط.  

وأوضح «شي» أن خفض الانبعاثات لا يهدف إلى وقف الإنتاج أو عدم التسبب فى أى انبعاثات على الإطلاق، مشددًا على أن التنمية الاقتصادية والتحول الأخضر ينبغى أن يعزز كل منهما الآخر. ولتوضيح وجهة نظره، وضعت الصين حدًا لصناعة الصلب الضخمة يبلغ خمسة أعوام إضافية، لكبح انبعاثاتها الكربونية.

لا يتوقف الأمر على الولايات المتحدة والصين، حيث نجد أن وزير الطاقة الجنوب إفريقي، غويدى مانتاشي، قد صرح فى الأول من فبراير 2022 بأن استخدام الفحم سيستمر عقودا، وأن التسرع فى إنهاء اعتماد البلاد على الوقود الأحفورى سيكلفنا كثيرًا.

وفى الهند، تعمل شركة «كول إنديا» (Coal India) التى تديرها الدولة، وهى أكبر شركة لتعدين الفحم فيها، على تعزيز الإنتاج مع خفض اعتماد الدولة على الواردات. تكشف هذه الجهود عن نموذج النمو الاقتصادى المعتمد على الكربون الذى استخدمه الغرب سابقاً، والذى لم تتركه الهند بعد، حتى بعد إعلان رئيس الوزراء ناريندرا مودي، فى قمة جلاسكو، هدف صافى انبعاثات صفرى بحلول 2070. وتُعَدّ الهند ثانى أكبر مستخدم للفحم بعد الصين، فقد استحوذت على 74% من توليد الطاقة من الفحم خلال العام الماضي، تبعته مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 20%، بحسب أحدث تقارير وكالة الطاقة الدولية.

مع ذلك، من المتوقع أن تتغير هذه النسب فى ظل الخطط الطموح لبناء قدرات فى مجال الطاقة المتجددة. وقد أسهم كل من الملياردير الهندى موكيش أمباني، والملياردير جوتام أدانى فى دفع الاستثمار الذى يستهدف الطاقة البديلة إلى تسجيل رقم قياسى بلغ 10 مليارات دولار خلال العام الماضي، لكن هذا الرقم يُعَدّ ضئيلاً أمام خطة «أمباني» الجديدة للطاقة النظيفة التى تبلغ قيمتها الإجمالية 76 مليار دولار.

أما أوروبا، فتعانى التوازن الصعب، فلا شك فى أن أزمة الطاقة ألقت بظلالها على مناقشات الاتحاد الأوروبى بشأن كيفية تنفيذ «الصفقة الخضراء»، التى تُعرف بأنها إصلاح اقتصادى غير مسبوق للوصول إلى الحياد المناخى بحلول عام 2050. ويساور عديداً من الحكومات القلق من أن يؤدى ارتفاع الأسعار إلى تقويض الدعم العام للإصلاحات.

أسهم اشتباك الغرب مع موسكو حول أوكرانيا فى توتر حدة الأجواء السياسية، الأمر الذى انعكس على الغاز الروسي، الذى يعد المصدر الرئيسى للكيانات الصناعية الأوروبية الكبرى، بالإضافة إلى اعتماد المنازل الأوروبية عليه فى التدفئة.

على أى حال، قد يؤدى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، وأزمة الغاز الروسي، والانبعاثات، إلى تحسن الوضع الاقتصادى لمصادر الطاقة المتجددة نسبيًا. ومن دون هذه الخطوات، يجب اتخاذ خطوات أكثر صعوبة فى المستقبل. وكان قادة الاتحاد الأوروبى قد استخدموا بالفعل نفوذهم لدعم الصفقة الخضراء، كما ضاعفت المفوضية الأوروبية، وهى الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، جهودها مع إظهار استطلاعات الرأى باستمرار أن المناخ يأتى ضمن أكبر المخاوف بالنسبة إلى ناخبى الكتلة.

فى حديث للصحفيين يوم 22 يناير 2022، قالت مفوضة شئون الطاقة بالاتحاد الأوروبي، كادرى سيمسون، «إن التوترات الجيوسياسية تؤدى إلى تفاقم ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير على المدى القصير». وأضافت: «لكننا وصلنا أيضًا إلى مرحلة حاسمة فى جهودنا الطويلة الأجل لمعالجة أزمة المناخ وضمان انتقال عادل للطاقة النظيفة. والحل الدائم الوحيد للحد من اعتمادنا على الوقود الأحفوري، وبالتالى التخلص من أسعار الطاقة المتقلبة، هو إكمال التحول الأخضر».

وإذا كان المتفائلون يقولون إن الفحم يفقد حصته السوقية لإنتاج الكهرباء العالمية مع سيطرة مصادر الطاقة الخضراء، مثل الرياح والطاقة الشمسية، فإننا نجدهم فى الحقيقة محقين ولكن على الورق فقط. ففى عام 2022، من المرجح فى نهاية العام أن يمثل الفحم نحو 36% من إنتاج الكهرباء فى العالم، ما يمثل انخفاضًا من أكثر من 40% قبل بضع سنوات فقط. لكن هذا لا يساعد الغلاف الجوى كثيرًا، فهو يهتم بالعدد المطلق للفحم المحروق -وبالتالى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون- بدلاً من النسبة المئوية لحصة السوق. وبالتالي، فإن المتفائلين محقون من الناحية الفنية، إلا أنهم مخطئون من الناحية العملية.

يحتاج العالم إلى التوقف عن الجدل حول ما إذا كان يجب وقف أو خفض إنتاج الفحم، وغير ذلك من التصريحات الكبرى التى لا تفعل شيئاً يذكر لخفض الاستهلاك. بدلاً من ذلك، يحتاج العالم إلى التركيز على سبب وجود طلب كبير على الفحم وكيفية تغييره - ليس فى عام 2050، ولكن على مدى السنوات العشر القادمة.

الإدراك المصرى وفلسفة المواجهة بعدالة:

لم يكن الإصرار المصرى على استضافة الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف التى وقعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27، وإصدار الاستراتيجية الوطنية للبيئة، إلا ترجمة لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى التى تتبنى الحقائق التالية:

1- تمر البشرية فى وقتنا الحالى باختبار هو الأصعب منذ زمن، حيث تواجه تحديات عدة تتمثل فى تداعيات جائحة «كورونا»، والأزمة الروسية-الأوكرانية، وما أنتجته من آثار سلبية فى التغيرات المناخية، ما يفرض علينا واقعًا جديدًا يتطلب أفكارًا وصيغا أكثر ابتكارًا فى صنع القرار، ووعيًا أكثر بالمخاطر المحتملة، ونهجًا متوازنًا يقوم على العمل المشترك لتحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية المستدامة الخضراء لتلبية تطلعات شعوب العالم.

2- بما أن التعافى الأخضر قد أضحى ضرورة ملحة على رأس قائمة أولويات حكومات العالم فى المرحلة الراهنة، فإن ذلك لا ينبغى أن يجعلنا نغفل عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتباينة لشعوب الدول الناشئة والنامية، التى تأثرت بشدة من جراء أزمات عالمية تتجرع تداعياتها، الأمر الذى قد يعيق قدرتها على اللحاق بركب التعافى الأخضر، ما يتطلب مساندة المجتمع الدولى ومؤسسات التمويل الدولية لتحقيق الأهداف المنشودة لتلك الأجندة الطموح.

3- الأمر الذى لا شك فيه أن الحكومات بمفردها لن تستطيع تحقيق هذا التعافى. لذا، يبرز الدور المحورى للقطاع الخاص للمضى قدمًا نحو مستقبل مستدام من خلال الآليات المبتكرة لتعبئة الموارد والتمويل المختلط لتعزيز مشاركته فى مختلف مجالات التنمية، جنبًا إلى جنب مع التوظيف الجيد للتكنولوجيا والتحول الرقمى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للعالم أجمع.

4- كانت مصر فى طليعة الدول التى وضعت خطة استراتيجية طويلة المدى لتحقيق التنمية المستدامة 2030، استنادًا إلى الأولويات والمبادئ الوطنية بهدف تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، أخذًا فى الحسبان البعد البيئى كمحور أساسى فى القطاعات التنموية كافة للتغلب على آثار تغيرات المناخ والحفاظ على الموارد الطبيعية والتحول نحو النمو الشامل والمستدام بما يضمن حقوق الأجيال القادمة. تتسق أهداف رؤيتنا التنموية لعام 2030 مع أجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 وأجندة إفريقيا ٢٠٦٣، لتعظم من قيم العمل المشترك والتعاون المتعدد الأطراف لدعم جهود التنمية فى الدول المختلفة.

5- المضى قدمًا نحو تحقيق التنمية جنبًا إلى جنب مع مواجهة التحديات والمشكلات المتراكمة، من خلال دفع جهود التنمية فى العديد من القطاعات، ودعم مشروعات البنية التحتية الكبرى، وبرامج الحماية الاجتماعية، وزيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى، واتخاذ خطوات فعالة نحو التحول للاقتصاد الأخضر للارتقاء بحياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته وتلبية تطلعاته نحو غد ومستقبل واعد، وهو ما أشادت به العديد من تقارير المؤسسات الدولية.

6- أهمية تحقيق التكامل الإفريقي، وتبنى المواقف العادلة من قبل القوى الدولية كافة بحق الشعوب الإفريقية، التى دفعت ولا تزال ثمنًا كبيرًا أعاق محاولاتها التنموية.

7- ترحب مصر بالتعاون الوثيق مع مؤسسات التمويل الدولية والأمم المتحدة ووكالاتها التابعة لتعزيز جهود التنمية وتوفير الخبرات اللازمة لأشقائنا فى منطقتى الشرق الأوسط وإفريقيا، لنأخذ بأيدى بعضنا بعضا نحو تحقيق «المكسب للجميع» من خلال دعم هذه المؤسسات والقوى الكبرى لأجندة التنمية المستدامة 2030 والرؤية الإفريقية القارية ٢٠٦٣، وإنجاز ما أقره العالم فى اتفاق باريس للمناخ.

لعل ما سبق قد عكسته كلمة الرئيس السيسى بالجلسة الرفيعة المستوى على هامش حوار بترسبرج (يوليو 2022)، حيث أكد أن تغير المناخ يعد تهديدًا وجوديًا للكثير من الدول على مستوى العالم، وأن التقديرات والتقارير العلمية كافة تؤكد بشكل واضح أن تغير المناخ بات يمثل تهديدا وجوديا للكثير من الدول والمجتمعات على مستوى العالم، على نحو لم يعد ممكنا معه تأجيل تنفيذ التعهدات والالتزامات ذات الصلة بالمناخ.

وقد استرشد بما تشهده القارة الأوروبية من ارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة، بالإضافة لموجة الحرائق، وشدد على «أنها خير دليل على صحة ودقة هذه التقديرات المتعلقة بتغير المناخ، وأن هذا يجب أن يدفعنا جميعًا إلى تكثيف العمل المطلوب، خاصة أن الأطراف كافة قد أجمعت على أن الأولوية خلال المرحلة المقبلة هى لتنفيذ اتفاق باريس، وتحويل المساهمات المحددة وطنيا إلى واقع فعلي، فى إطار المبادئ الدولية الحاكمة لعمل المناخ الدولي، وفى مقدمتها العدالة والمسئولية المشتركة المتباينة الأعباء والقدرات المتفاوتة للدول».

 وإدراكًا للمسئولية المصرية، أشار الرئيس إلى «أن جانبًا رئيسيًا من جهد الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف ينصب فى الوقت الراهن على جعل قمة المناخ العالمية نقطة فارقة على صعيد عمل المناخ الدولي، بما يسهم فى الحفاظ على الزخم الدولى وتأكيد التزام مختلف الأطراف الحكومية وغير الحكومية بتحويل وعودها وتعهداتها إلى تنفيذ فعلى على الأرض، يضمن عملية التحول إلى الاقتصاد المنخفض الانبعاثات القادر على التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتكيف معها، ويسهم فى تعزيز حجم ونوعية وآليات تمويل المناخ المتاحة للدول النامية، وهو الجانب الأهم وحجر الزاوية لتمكين تلك الدول من القيام بدورها فى هذا الجهد العالمي».

ونبه الرئيس إلى «أن إفريقيا تقع فى القلب من التحديات وتتأثر بها على نحو يفوق غيرها من المناطق، وأنه من المهم بذل الجهود لتمكين الدول الإفريقية للاستفادة من ثرواتها، وأن تغير المناخ يمثل تهديدًا وجوديًا، ودعا إلى ضرورة التوصل إلى رؤى واضحة لدعم جهود الدول النامية الرامية إلى استخدام الطاقة النظيفة».وأعرب الرئيس السيسى عن تقديره لجميع التعليقات التى وردت خلال الجلسة الافتتاحية لحوار بترسبرج للمناخ، بعدّها مؤشرًا إلى إدراك الدول والأطراف كافة لمدى الحاجة الملّحة للعمل المشترك لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، التى باتت تؤثر فى جميع الدول دون استثناء، مشيراً إلى أن التقارير الأخيرة أظهرت أن الالتزامات التى تم تنفيذها حتى الآن فى إطار وضع اتفاق باريس موضع التنفيذ لا تزال حتى الآن غير كافية.

استكمالًا للجهود المصرية، ينبغى علينا التأكيد على ما يلي:

1- أصبحت قضية العدالة المناخية من أهم القضايا، بل وفى مقدمتها التى تطرح بشدة على صعيد الأجندات الدولية، لاسيما تلك التى تتعلق بتغير المناخ.

2- يعد مصطلح العدالة المناخية حديثًا، حيث ظهر فى الآونة الأخيرة ضمن أولويات العمل المناخى والتنموي. ولكن على الرغم من ذلك، ينبغى أن نشير إلى أن تحديد المصطلح على نحو واضح لم يتم إلا فى الاتفاقيات الدولية منذ عام 1992، وتحديدًا من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

3- تعد العدالة المناخية مزيجًا بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف فى المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التى قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية. لذا، فإن العدالة المناخية تعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل فى الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية، والدول الفقيرة الأكثر تضررًا من جراء التغيرات المناخية، التى تعد الدول الصناعية المتسبب الأول فيها.

4- لا يوجد اتفاق دولى حتى الآن ينص على كيفية ترجمة مبدأ توزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشكل عادل ومنصف. وتطرح العدالة المناخية بعض المقاربات والرؤى بشأن كيفية الاستجابة لتغير المناخ، سواء عن طريق خفض الانبعاث «التخفيف»، أو عن طريق التكيف معه بطريقة منصفة، ما يتطلب حتمية الوصول إلى آليات العدالة المناخية فى المؤتمر القادم. يتحتم على ذلك ضرورة تعديل اتفاقيات تغير المناخ، لتنص صراحة على مبدأ العدالة المناخية، وتجعله مبدأ ملزمًا، لاسيما للدول الصناعية الكبرى. يفرض ذلك الأمر، من جهة أخرى، ضرورة أن تتحمل الدول المتقدمة عبئًا أكبر من الفقيرة فى التصدى لتغير المناخ، وهو ما يُعرف بمبدأ المسئولية المشتركة لكن المتباينة.

5- ضرورة توضيح الحقوق المتعلقة أو ذات الصلة بالعدالة البيئية فى ظل القانون الدولى لحقوق الإنسان، على أن يطلق على مثل هذه الحقوق مصطلح الحقوق الخضراء.

الفرص المصرية:

لعل ما سبق قد عكسته التحركات المصرية. فمع تولى القاهرة رئاسة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، أعربت وزارة الخارجية عن التزامها بتعزيز «التحركات الجدية والملموسة (بشأن تغير المناخ) مع الاعتراف بتعقيد التحديات المختلفة السياسية والاقتصادية والتنموية». وتنقسم التحركات الهادفة إلى التصدى لتغير المناخ إلى نهجين مترابطين: «التخفيف» و«التكيف». تشير كلمة «التخفيف» إلى تقليل انبعاثات غازات الصوبة (غازات الاحتباس الحراري) إلى الغلاف الجوى للحد من تغير المناخ مستقبلا. أما «التكيف»، فيشير إلى تعزيز قدرة المنظومات البشرية والطبيعية على التكيف مع الآثار الحالية والمستقبلية لتغير المناخ.

 وبصفتها البلد المضيف لمؤتمر الأطراف، فإن مصر فى موقع حيوى يمكنها من أن تمثل على الصعيد العالمى مصالح البلدان النامية الأكثر هشاشة أمام آثار التغيرات المناخية الحثيثة. ويدور تمثيل المصالح هذا على الأخص حول المفاوضات الأممية المقبلة بشأن التزامات التخفيف من وطأة تغير المناخ والتكيف مع آثاره. ومن المتوقع أن يَبرز  فى مفاوضات المناخ المقبلة دعم وتمويل استخدام «الطبيعة» للتصدى لتغير المناخ. وهكذا، فلا بد من التباحث بعناية خلال جلسات المؤتمر حول كيفية الانخراط فى «الحلول القائمة على الطبيعة».

 كذلك من المهم التصدى لما ظهر فى قمة المناخ الأممية الأخيرة فى جلاسكو (مؤتمر الأطراف السادس والعشرون) من إقرار غير مسبوق بدور الطبيعة فى تحقيق درجات الحرارة العالمية المستهدفة. فبدون الطبيعة، سيتعذر وضع حد للاحتباس الحرارى العالمى عند 1.5 درجة مئوية. وبعد بضعة أشهر، وافقت جمعية الأمم المتحدة للبيئة رسميا على تعريف للحلول المستمدة من الطبيعة، وأقرت بأهميتها فى الاستجابة العالمية لتغير المناخ. هذه الأمثلة مؤشر إلى الزخم العالمى المتزايد للاعتراف بالحلول القائمة على الطبيعة وتبنيها للتصدى لتغير المناخ، ما يمهد الطريق لجعل الطبيعة مركزًا لمزيد من الحشد السياسى فى مؤتمر الأطراف المناخى المقبل فى مصر. وقد أثار صعود الحلول القائمة على الطبيعة على الأجندة المناخية مخاوف عبر شتى القطاعات والأطراف المعنية فى أنحاء العالم. إذ يخشى بعض المراقبين، نظرًا لالتباس المصطلح نفسه، احتمال تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة على نحو غير فعال دون مراعاة الممارسات القائمة على الأدلة، أو دون استشارة الخبراء والأطراف المعنية وحاملى المعرفة المحلية من السكان الأصليين والأهالى استشارة لائقة. وقد أعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يؤدى التبنى العاجل للحلول المستمدة من الطبيعة إلى تأخير الإيقاف التدريجى لاستخدام الوقود الأحفورى عن طريق نقل التركيز إلى قدرة الطبيعة على الاحتفاظ بثانى أكسيد الكربون وتخزينه.

من موقعها فى رئاسة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، يمكن لوزارة الخارجية المصرية أن تشكل قوة دافعة نحو تبنى تعريف واضح للحلول المستمدة من الطبيعة، إلى جانب معايير كافية لضمان عودة المنافع على الناس والمناخ والتنوع البيولوجي. ويمكن لتبنى تعريف الجمعية الأممية المذكور آنفا، والوارد فى نص الاتفاقية، أن يعزز التوافق عبر أطر عمل الأمم المتحدة التى توضع فيها الحلول القائمة على الطبيعة. والأهم من ذلك تبنى معيار عالمى للحلول المستمدة من الطبيعة، وعلى الأخص ذلك المعيار الذى طوره الاتحاد الدولى للحفاظ على الطبيعة، بما يعزز جهود الأطراف لتحقيق مصداقية الحلول القائمة على الطبيعة وتصميمها وتوسيع نطاقها ورفع مستواها للتصدى لتغير المناخ وخسائر التنوع البيولوجى من خلال عمليات حوكمة ضامة للكل وشفافة وتمكينية.

 وينبغى على وزارة الخارجية أن تؤكد أن الحلول القائمة على الطبيعة يجب عدم تنفيذها إلا جنبًا إلى جنب مع التزامات مناخية عالمية عادلة أشد طموحًا، بما فى ذلك إزالة الكربون (على الأخص فى البلدان ذات الدخل المرتفع وبواسطتها)، وتحويل الاقتصادات نحو الاستهلاك المستدام والمنظومات الغذائية المقاوِمة، ورفع مستوى التمويل المناخي. بغير ذلك، تنطوى الحلول القائمة على الطبيعة على مخاطرة تتمثل فى الإلهاء عن المحركات الأساسية لتغير المناخ والمتجذرة فى السياسات والممارسات الاقتصادية غير المستدامة.

إن مصداقية مصر عند انخراطها فى الحلول القائمة على الطبيعة فى ضوء مؤتمر الأطراف السابع والعشرين تتحقق بالتنسيق العالى المستوى للاستراتيجيات والخطط بين وزارتى التخطيط والتنمية الاقتصادية والبيئة، مع تأكيد الحاجة إلى الإيقاف التدريجى للصناعات القائمة على الكربون/الكثيفة الاستخدام للكربون، والتصرف بناء على هذا التأكيد، جنبا إلى جنب مع تعزيز المنظومات البيئية الطبيعية وشبه الطبيعية لدعم المجتمعات والاقتصادات فى تكيفها مع آثار تغير المناخ. بناء على ذلك، فإن «رؤية مصر 2030»، التى تضع الخطوط العريضة لأهداف مصر المتمثلة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكنها الاستفادة بشكل كبير من الاعتراف بإسهامات الطبيعة نحو المجتمع والاقتصاد، وكذلك الاعتراف بالحلول المستمدة من الطبيعية وتمييزها وإدراجها كمحفزات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عند تنفيذها بشكل فعال.

فمصر لديها خطط طموح للتوسع فى الطاقة المتجددة، حيث تستهدف الاستراتيجية الحالية الوصول باستخدام الطاقة المتجددة فى مصر إلى نسبة ٤٢٪ من مزيج الطاقة بحلول ٢٠٣٥، وتم تخصيص أكثر من ٧ آلاف كم٢ لبناء مزارع الرياح والمزارع الشمسية لتولد كهرباء بما يعادل ٩٠ ألف ميجابايت، وقد نصل بحلول عام ٢٠٢٣ إلى توليد ١٠ آلاف ميجاوات من الطاقات المتجددة ، مع العمل على تحسين كفاءة استخدام الطاقة. يعد القطاع الخاص حليفا مهما فى تنفيذ هذه المشروعات. كما تسعى الدولة المصرية لتحسين كفاءة عمليات توليد الطاقة والحد من الانبعاثات، بالإضافة إلى العمل على استخدام ٣٠٠ ميجابيتس من خلال توليد الطاقة من المخلفات، والتوسع فى استخدام السيارات الكهربائية.

من جهة أخرى، تلعب وزارة التخطيط دورًا مهمًا فى التحضير والتنسيق لمؤتمر الأطراف  COP27، من خلال دمج قضايا الاستدامة البيئية والتغير المناخى فى عملية التخطيط المحلى والوطنى والسياسات الاقتصادية المختلفة، فضلا عن إنشاء العديد من المبادرات على المستويين الوطنى والإقليمي، للتركيز على زيادة الوعي، وعملية البحث والتطوير، والثقافة البيئية، وتوطين التقنيات الحساسة للمناخ، إلى جانب تعزيز المرونة وتحفيز القطاع الخاص على تسريع التحول للأخضر. وقد أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بالتعاون مع وزارة البيئة، دليل معايير الاستدامة البيئية لأول مره، أوضح أن  نسبة المشروعات الخضراء فى الخطة الاستثمارية لعام 2020/2021 كانت 15%، وبلغت العام الحالى 2021/2022 30%، ومن المستهدف الوصول إلى 50% بحلول عام 2024/2025، فضلًا عن جهود وزارة التخطيط فيما يخص التقييم الاقتصادى لتأثير مختلف المشروعات فى المناخ.

إن الدولة المصرية لم تتوان عن إصدار معايير الاستدامة البيئية وتخضير الموازنة العامة، الذى يعد من أهم القرارات التى اتخذتها فى أثناء ذروة جائحة كورونا التى أظهرت حتمية مراعاة اعتبارات البيئة فى مسارات التنمية، فتم على الفور بدء تدريب الوزارات المختلفة على دمج تلك المعايير فى استراتيجياتها وخططها. كما تقدم مصر العديد من الحوافز الخضراء لتشجيع مشروعات التكيف والتخفيف، مستفيدة فى ذلك بما لديها من تجربة مهمة فى التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية، من خلال مشروعات تنموية تواجه تداعيات التغيرات المناخية، وتدفع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بما يمثل انطلاقة نحو تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والتجارب مع  الدول الإفريقية، والدول النامية والناشئة.

كما أصدرت مصر الطرح الأول من السندات الخضراء، التى تعد الأولى من نوعها فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بهدف تنفيذ مشروعات خضراء فى عدد من المجالات كإدارة المخلفات والمياه، بالإضافة إلى مبادرة دعم المزارعين بالدلتا للتحول لأنظمة رى أكثر استدامة للحفاظ على المياه، ودعم مشروعات النقل العام لتقليل الانبعاثات مثل الخط الثالث لمترو الأنفاق ومشروع المونورويل والقطار الكهربائي.

إن مصر، وهى تتخذ بالفعل إجراءات طموحة للتخفيف من آثار تغير المناخ بتمويل وطني، لديها فى الوقت ذاته متطلباتها للتكيف مع تلك الآثار وفق أولوياتها الوطنية،  ما يتطلب مزيدا من التمويل لتلبية الاحتياجات الحقيقية على الأرض، ولمساعدة كافة الدول فى أن تكون شريكا حقيقيا فى الجهد العالمى لمواجهة آثار تغير المناخ. فبالرغم من تنامى دور القطاع الخاص فى تمويل تلك المشروعات، فإن الدول فى حاجة لمزيد من التمويل للقيام بالتزاماتها.

ومن المهم الترويج لقصص النجاح المصرية فى مجال مواجهة تغير المناخ كمدخل لمؤتمر المناخ القادم، والبحث عن التجارب والنماذج الملهمة لتشجيع الدول على تنفيذ إسهاماتها الوطنية، مع التأكيد على  ضرورة توفير الدعم الضرورى لها من المجتمع الدولى لإمكانية تنفيذ الإجراءات المطلوبة على الأرض. ومن المهم أيضًا توفير التمويل لتنفيذ المبادرتين الإفريقيتين للطاقة المتجددة والتكيف اللتين أطلقهما الرئيس السيسى عام ٢٠١٥ فى مؤتمر باريس للمناخ، والذى يُعد تحديًا حقيقيًا يجب أن يكون على طاولة المؤتمر. فبالرغم من تنفيذ بعض الإجراءات، ومنها بناء القدرات، وتدريب أبناء الدول الإفريقية فى مجال الطاقة المتجددة خاصة إعداد السياسات المتعلقة، فإن عملية التمويل هى التحدى الحقيقي.

وفى النهاية، يتطلب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر مشاركة جميع طوائف المجتمع، بما فيها المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى بشكل فعال، وعدم الاقتصار على الجهات الحكومية فقط لتحقيق أهداف الاستراتيجية، من خلال زيادة الوعى حول العمل المناخي، وتعزيز قيم العمل التطوعى لتعظيم الفرص فى مواجهة التحديات.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد ناجي قمحة

    أحمد ناجي قمحة

    رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية