دراسات - مجلة السياسة الدولية

السياسة الخارجية التركية تجاه مصر منذ‮ ‬2011‮ : ‬ إعادة هيكلة أم تغيير مسار؟

طباعة
تجلت بوادر أزمات جديدة بين القاهرة وأنقرة حول حقوق استغلال الغاز في شرق البحر المتوسط، بجانب موقف تركيا المعادي لمصر،‮ ‬والذي تمت إعادة التصريح به من خلال منبر الأمم المتحدة في الدورة‮ ‬74‮ ‬لجمعيتها العامة،‮ ‬التي استخدمتها تركيا للترويج لعدد من المزاعم والأكاذيب حول وفاة محمد مرسي، لتضاف إلي سلسلة من التوترات في العلاقات السياسية بين البلدين والتي بدأت منذ ما يزيد علي ست سنوات‮.‬
جاءت الأزمات الراهنة في وقت كان قد شهد بالفعل تحولا كبيرا في العلاقات التركية‮ - ‬المصرية بعد الإطاحة بحكم تنظيم الإخوان عبر ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو وما تبعها من تصريحات تركية رسمية،‮ ‬وصفّت الثورة توصيفا‮ ‬غير دقيق، ومحاولتها تقليب المجتمع الدولي لدعم وجهة نظرها المعادية للنظام المصري، وما تبع ذلك من لجوء عدد من قيادات تنظيم الإخوان إلي تركيا والإقامة بها،‮ ‬واستخدامها كمنصة علنية لمهاجمة الدولة المصرية،‮ ‬ومكتسبات ثورة يونيو‮ ‬2013‮ ‬تحت مرأي ومسمع النظام التركي، وما سبق ذلك من تقارب في العلاقات في فترة حكم التنظيم لمصر‮.‬
تنبع أهمية هذه الدراسة من الوزن الحضاري،‮ ‬والسياسي،‮ ‬والعسكري،‮ ‬والاقتصادي،‮ ‬والثقافي لكل من البلدين، وكونهما أبرز الفاعلين في الشرق الأوسط‮.‬ ولذ،ا تعد العلاقات بين البلدين ركنا أساسيا في دراسة العلاقات الإقليمية في المنطقة‮.‬
فمصر دولة لها ثقلها التاريخي المتأصل في المنطقة، فضلا عن مركزها الاستراتيجي المتميز،‮ ‬ودورها الفاعل والإيجابي في قضايا الجوار علي مر العصور‮. ‬كما تعد تركيا كذلك لاعبا إقليميا محوريا ذا أهمية استثنائية،‮ ‬نظرا لكونها نقطة الالتقاء بين أوروبا وآسيا، بالإضافة إلي كونها امتدادا ووريثا شرعيا للإمبراطورية العثمانية، بغض النظر عن سياسات أتاتورك الرافضة لهذا الواقع،‮ ‬والتي اتجهت‮ ‬غربا،‮ ‬وسعت كل سعيها إلي طمس تلك الصلة التاريخية، فضلا عن قوتها الاقتصادية والعسكرية الحالية‮.‬
إن العلاقة التركية‮ - ‬المصرية هي علاقة تاريخية ممتدة منذ أن كانت مصر ولاية عثمانية‮.‬ وبالرغم من العلاقات التاريخية،‮ ‬والتجاور الجغرافي،‮ ‬والترابط الديني، فإن العلاقات بين البلدين دائما ما اتخذت اتجاهات معاكسة،‮ ‬منذ قيام الجمهورية التركية،‮ ‬ما بين تباعد وتقارب،‮ ‬ومن ثم تنافر جديد‮.. ‬وهكذا‮.‬
يختبر البحث السياسة الخارجية التركية تجاه مصر منذ‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬حتي الآن، تحت النظام التركي نفسه،‮ ‬وحكم حزب العدالة والتنمية،‮ ‬وتغير ثلاثة نظم حاكمة في مصر‮. ‬ويسعي البحث لتحديد ما إذا كان التغير يرقي إلي درجة إعادة الهيكلة،‮ ‬أم فقط تغيير مسار‮. ‬في هذا الصدد،‮ ‬يرصد البحث تباين الموقف الرسمي التركي تجاه مصر عبر الفترات الثلاث المشار إليها‮.‬
تنقسم الدراسة إلي أربعة أقسام، يبدأ‮ ‬القسم الأول‮ ‬باستعراض أهم تعريفات السياسة الخارجية، ثم يتطرق إلي تعريف إعادة هيكلة السياسة الخارجية،‮ ‬والمؤشرات التي حددها كالفي هولستي،‮ ‬رائد نظرية إعادة الهيكلة،‮ ‬في كتابه‮ "‬لماذا تغير الدول من تحالفاتها‮: ‬إعادة هيكلة السياسة الخارجية في عالم ما بعد الحرب‮" ‬وما تبعه من جهود لآخرين،‮ ‬ومنهم هيرمان وروساتي‮. ‬ثم يتطرق القسم إلي تقييم دراسة إعادة هيكلة السياسة الخارجية في المنطقة العربية والشرق الأوسط،‮ ‬اعتمادا علي كتاب‮ "‬السياسات الخارجية للدول العربية‮: ‬تحدي العولمة‮" ‬لكل من بهجت قرني،‮ ‬وعلي الدين هلال دسوقي‮.‬
يعرض‮ ‬القسم الثاني‮ ‬نبذة مختصرة عن السياسة الخارجية التركية،‮ ‬منذ تولي حزب العدالة والتنمية،‮ ‬الذراع السياسية في ذلك الوقت،‮ ‬مقاليد الحكم عام‮ ‬2002،‮ ‬وبداية انتهاج سياسات العمق الاستراتيجي،‮ ‬وتصفير المشكلات مع دول الجوار، بالإضافة للاعتماد علي القوة الناعمة، مع عرض لكيفية تحول السياسة الخارجية التركية لاستغلال الثورات العربية، في سبيل تصدير النموذج التركي الإسلامي في عباءة العثمانية الجديدة، ومركزية مصر في هذه الحسابات‮.‬
أما‮ ‬القسم الثالث،‮ ‬فيناقش السياسة الخارجية التركية تجاه مصر منذ‮ ‬25‮ ‬يناير وحتي الآن، وينقسم إلي محورين‮. ‬يتناول المحور الأول سياسة تركيا تجاه مصر،‮ ‬بداية من‮ ‬2011،‮ ‬ومحاولات التقرب والتعاون في عهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والتي توطدت ووصلت إلي أوجها بعد تولي محمد مرسي الحكم،‮ ‬خاصة مع تقارب الأيديولوجيات لحزب العدالة والتنمية التركي مع نظيره حزب الحرية والعدالة المصري‮. ‬يعرض المحور الثاني التغير الشديد الذي حدث في السياسة الخارجية المصرية مع اندلاع ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬2013،‮ ‬وعزل محمد مرسي،‮ ‬وإنهاء حكم تنظيم الإخوان‮. ‬
يحلل‮ ‬القسم الرابع‮ ‬من الدراسة المؤشرات التي تم الاستدلال بها علي التغير الجذري في السياسة الخارجية، ومدي تطابق هذه التغيرات مع معايير هولستي الخاصة بإعادة الهيكلة، وما إذا كانت التغيرات قد استوفت مستوي إعادة الهيكلة،‮ ‬أم اقتصرت فقط علي نوع من التغير في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر‮.‬
يستخدم البحث عددا من المفاهيم الأساسية، بما في ذلك إعادة هيكلة السياسة الخارجية، والقوة الناعمة، والعمق الاستراتيجي، وتصفير المشكلات‮. ‬وتتضمن المنهجية المستخدمة أسلوبا وصفيا وتحليليا يتناول دراسة حالة لمقارنة اتجاه السياسة الخارجية التركية تجاه مصر،‮ ‬خلال ثلاث فترات متتالية،‮ ‬هي‮ ‬2011‮ ‬إلي‮ ‬2012،‮ ‬و2012إلي‮ ‬2013،‮ ‬و2013‮ ‬إلي‮ ‬‭.‬2019
وما دام التغيير من فترة إلي أخري كان جذريا إلي حد أن بعض المراقبين صنفوا التغيير بالانتقال من سياسة‮ "‬تصفير المشكلات‮" ‬إلي‮ "‬مشكلات كثيرة‮"‬،‮ ‬أو‮ "‬العديد من الأعداء‮"‬،‮ ‬فإن البحث‮ ‬يقوم باختبار الفرضية التالية‮: ‬هناك علاقة إيجابية بين وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة بجذوره الأيديولوجية المعروفة، واتجاه السياسة الخارجية التركية نحو الشرق الأوسط، خاصة مع الفرص المفترضة مع اندلاع أحداث ما بعد‮ ‬2011،‮ ‬وشكل ومضمون السياسة الخارجية التركية تجاه مصر، خاصة الدعم اللامحدود في فترة حكم تنظيم الإخوان في مصر،‮ ‬والعداء الشديد تجاه ثورة‮ ‬2013،‮ ‬وما تبعها‮.‬
يتطلب فحص الفرضية السابقة الإجابة عن عدد من الأسئلة‮: (‬1‮) ‬ما هي الخلفية التاريخية،‮ ‬والأهداف السياسية الخارجية لحزب العدالة والتنمية؟‮ (‬2‮) ‬ما هي العوامل التي شكلت السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط،‮ ‬بعد الربيع العربي،‮ ‬وكيف كانت مصر عنصرا رئيسيا،‮ ‬وما هي معادلة السياسة الخارجية التركية؟‮ (‬3‮) ‬ما هي الأسباب التي شجعت التقارب النسبي في عهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة عقب ثورة‮ ‬2011،‮ ‬والصداقة والشراكة القوية،‮ ‬خلال حزب الحرية والعدالة، ثم العداء بعد ثورة‮ ‬2013؟‮ (‬4‮) ‬هل هذه التغييرات في السياسة الخارجية ترقي إلي مستوي إعادة الهيكلة،‮ ‬وفقا للمعايير المشار اليها في الإطار النظري؟‮.‬
أولاً‮- ‬الإطاران النظري والمنهجي‮:‬
اختلف العلماء في تحديد‮ ‬مفهوم السياسة الخارجية‮ ‬بشكل دقيق، ولم يوجد تعريف موحد لها، ولكن يمكن حصر معظم التعريفات في ثلاثة اتجاهات‮(‬1‮)‬،‮ ‬الاتجاه الأول،‮ ‬والذي يعرف السياسة الخارجية بأنها مجموعة برامج‮. ‬من أهم رواد هذا الاتجاه د‮. ‬محمد السيد سليم،‮ ‬الذي عرَّف السياسة بأنها منهج لعمل أو مجموعة من القواعد،‮ ‬أو كلاهما، تم اختياره للتعامل مع مشكلة أو واقعة معينة حدثت فعلا،‮ ‬أو تحدث حاليا،‮ ‬أو يتوقع حدوثها في المستقبل‮(‬2‮). ‬كما عرفها بأنها‮ "‬برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة،‮ ‬من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي‮"(‬3‮).‬
وقد حدد هذا التعريف السياسة الخارجية بأنها مجرد برنامج محدد الأهداف،‮ ‬دون تأثير البيئة الداخلية،‮ ‬والبيئة الخارجية،‮ ‬ودون تأثير سلوكيات صانع القرار أو النخبة الحاكمة‮.‬
الاتجاه الثاني‮ ‬يعرِّف السياسة الخارجية بأنها سلوك صانع القرار‮. ‬من أهم رواد هذا الاتجاه تشارلز هيرمان،‮ ‬الذي عرفَّها بأنها‮ "‬تتألف من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة،‮ ‬التي يتبعها صانعو القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم،‮ ‬والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية‮"(‬4‮). ‬وقد ربط هذا الاتجاه بين صانع القرار،‮ ‬وسلوكه،‮ ‬وعملية صنعه للقرار وتوجيه السياسة الخارجية‮.‬
الاتجاه الثالث‮ ‬يعرِّف السياسة الخارجية بأنها نشاط، مثلما عرَّفها حامد ربيع بأنها‮ "‬جميع صور النشاط الخارجي،‮ ‬ولو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية، أي نشاط الجماعة كوجود حضري، أو التعبيرات الذاتية كصورة فردية للحركة الخارجية،‮ ‬تنطوي وتندرج تحت الباب الواسع الذي نطلق عليه السياسة الخارجية‮"(‬5‮).‬
ومن أبرز وأشمل التعريفات،‮ ‬التي تنطوي علي الاتجاهات الثلاثة،‮ ‬السابق ذكرها،‮ ‬أن السياسة الخارجية للدولة هي‮ "‬جزء من سياستها الوطنية، وأن علي كل دولة أن تختار ما ينبغي أن تقوم به فيما يخص الشئون الدولية، وفي إطار قوتها وواقع بيئتها الخارجية،‮ ‬وأن الفشل في ذلك يؤثر في مصالحها الحيوية في الفعل الصحيح لتحقيق هذه الأهداف والحفاظ علي المصالح‮"(‬6‮). ‬والسياسة الخارجية لأي دولة تعكس الأهداف،‮ ‬التي تسعي إليها لتحقيقها،‮ ‬وفقا لإمكانياتها ووسائلها،‮ ‬التي تستثمرها في محيطيها الدولي والإقليمي‮.‬ إذ إن هناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر في حركة الدولة الخارجية،‮ ‬وتؤدي إلي التفاعل مع الدول التي تريد تحقيق الغايات والأهداف المرجوة من سياستها الخارجية تجاهها،‮ ‬سواء كانت العوامل أو المتغيرات،‮ ‬تنشأ من البيئة الداخلية للدولة،‮ ‬أو من العوامل الخارجية لها‮.‬ فإذا اجتمعت تلك الأهداف مع ما تطمح إليه،‮ ‬فإن السلوك السياسي الخارجي سيتسم بسمة التعاون‮. ‬أما إذا أصبح التناقض في الأهداف،‮ ‬التي تسعي إليها كل دولة، فإن ذلك يؤدي إلي الصراع والتنافس بين الدول‮(‬7‮).‬
لقد ظهرت دراسة‮ ‬نظرية إعادة هيكلة السياسة الخارجية‮ ‬في الثمانينيات لتعبر عن التغيرات الجذرية في توجهات السياسة الخارجية‮.‬ ويعد كتاب كالفي هولستي، الصادر في عام‮ ‬1982‮ ‬بعنوان‮ "‬لماذا تغير الدول من تحالفاتها‮: ‬إعادة هيكلة السياسة الخارجية في عالم ما بعد الحرب‮"‬، هو أول دراسة متعمقة لإعادة الهيكلة،‮ ‬وأول استخدام لمصطلح إعادة الهيكلة‮. ‬تبع ذلك العديد من الدراسات في مجال إعادة الهيكلة،‮ ‬مثل هيرمان،‮ ‬وروزيتي في التسعينيات،‮ ‬وغيرهما، ولكن يظل هولستي رائد هذه النظرية،‮ ‬وأول من وضع إطارا نظريا لتفسير هذا التحول الجذري‮.‬
عرَّف هولستي إعادة هيكلة السياسة الخارجية،‮ ‬كنوع من سلوك السياسة الخارجية،‮ ‬حيث تسعي الحكومات إلي التغيير الهائل الشامل في النمط الكلي لعلاقاتها الخارجية،‮ ‬مقارنة بالتغير العادي الذي يكون تدريجيا وبطيئا،‮ ‬مع القليل من الآثار‮ ‬غير المباشرة بين القطاعات الجغرافية أو الوظيفية‮. ‬تتسبب إعادة الهيكلة في التغيير الجذري للتوجه السياسي للدولة،‮ ‬ويكون عادة مفاجئا،‮ ‬وينطوي علي الربط الواعي بين مختلف القطاعات‮(‬8‮).‬
وأوضح هولستي أن إعادة الهيكلة عادة ما تكون ردا علي تهديد،‮ ‬ولكن ليس بالضرورة تهديدا عسكريا حيث إنه في العصر الحديث،‮ ‬قد تكون التهديدات ثقافية،‮ ‬أو بيئية،‮ ‬أو اجتماعية،‮ ‬أو أمنية أو سياسية،‮ ‬أو إعلامية،‮ ‬أو اقتصادية‮(‬9‮)‬،‮ ‬وهي النقطة ذاتها التي أبرزها كل من بهجت قرني وعلي‮ ‬الدين هلال،‮ ‬حيث أوضحا تأثير الجوانب الاجتماعية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والثقافية،‮ ‬والإعلامية في تحويل النظام العالمي،‮ ‬وإعادة هيكلة السياسات الخارجية‮(‬10‮). ‬
كما عَّرف هلال إعادة الهيكلة بأنها تستوجب تغييرا جذريا في اتجاه الفاعل السياسي أو الدولة لمصلحة إنشاء مجموعة جديدة من التعاهدات والتحالفات‮(‬11‮).‬
وقد قدَّم الفصل الأول،‮ ‬الذي كتبه هولستي،‮ ‬إطارا نظريا لوصف وتفسير إعادة الهيكلة، ثم عرض وآخرون ثماني دراسات حالة للدول في الفترة ما بين‮ ‬1957‮ ‬إلي‮ ‬1980،‮ ‬والتي بينت نجاح إعادة الهيكلة أو إجهاضها‮(‬12‮). ‬قدم الإطار النظري أربعة تصنيفات لسلوك إعادة الهيكلة،‮ ‬هي‮: ‬مستوي الارتباط الخارجي، والاختراق الخارجي، والانغماس الخارجي، والالتزامات العسكرية والدبلوماسية‮. ‬كما حدد التصنيف أربعة أنماط للتغير،‮ ‬وهي العزلة،‮ ‬والاعتماد علي الذات،‮ ‬وعدم الانحياز والتنويع،‮ ‬والنية لإعادة الهيكلة، ورأي أن إعادة الهيكلة تتم بالتحول من توجه إلي آخر‮.‬
لقد شكلت هذه العناصر الأربعة المتغيرات التابعة في الدراسة‮.‬ وشملت المتغيرات المستقلة العوامل الخارجية،‮ ‬مثل التهديدات العسكرية وغير العسكرية، والعوامل الداخلية،‮ ‬مثل العوامل الاقتصادية،‮ ‬والتأثيرات الداخلية،‮ ‬والأوضاع السياسية، والخلفية الثقافية والتاريخية، والتي تشمل التجارب الاستعمارية،‮ ‬والنظرة للأجانب، ورأت أن خبرات وآراء صانعي القرار وخصائصهم الشخصية، بالاضافة إلي عملية صنع القرار،‮ ‬وتوجهات النخبة الحاكمة نحو الفاعلين الدوليين، هي المتغيرات الوسيطة‮(‬13‮).‬
بناء علي ذلك، قد تؤدي التغيرات الجوهرية في المعاملات التالية إلي إلقاء الضوء علي وجود نوع من أنواع إعادة الهيكلة‮:‬
1‮- ‬المعاهدات‮.‬
2‮- ‬الالتزامات العسكرية بين الدولتين‮.‬
3‮- ‬السياحة وتنقل الأفراد بين البلدين‮.‬
4‮- ‬التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬أو مجلس الأمن‮.‬
5‮- ‬التعليق علي قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬أو مجلس الأمن‮.‬
6‮- ‬التصريحات السياسية للرؤساء،‮ ‬والقادة السياسيين،‮ ‬والنخب الحاكمة‮.‬
7‮- ‬اتجاه التجارة الخارجية،‮ ‬والتعاون الاقتصادي بين البلدين‮.‬
8‮- ‬عدد وتوجه الزيارات الخارجية من قِبل رئيس الدولة أو الحكومة والقادة‮.‬
9‮- ‬عدد وأماكن البعثات الدبلوماسية‮(‬14‮).‬
كما يمكن الاعتماد علي المؤشرات التالية لتقييم إعادة هيكلة السياسة الخارجية، وهي‮:‬
1‮- ‬طرد،‮ ‬أو قبول الأفراد،‮ ‬أو القواعد والمعدات العسكرية الأجنبية‮.‬
2‮- ‬طرد الأجانب الذين يعيشون في البلاد،‮ ‬والقيود المفروضة علي الأجانب الجدد الذين يدخلون البلاد،‮ ‬أو رفع القيود السابقة‮.‬
3‮- ‬القيود علي حجم المؤسسات الدبلوماسية الأجنبية،‮ ‬أو حركة الدبلوماسيين داخل البلد المضيف، أو تحرير القيود‮.‬
4‮- ‬إغلاق البلد للسائحين،‮ ‬أو إقامة حواجز إدارية لعرقلة السياحة‮.‬
5‮- ‬الرقابة الجزئية أو الكلية علي الكتب،‮ ‬والدوريات،‮ ‬والأفلام،‮ ‬والإذاعة،‮ ‬والتليفزيون الواردة، أو رفع هذه القيود‮.‬
6‮- ‬تأميم أو مصادرة المنشآت الأجنبية‮.‬
7‮- ‬القيود الشديدة علي أعداد الطلاب أو الأكاديميين القادمين من بلدان معينة، أو تعديلات علي هذه القيود‮.‬
8‮- ‬طرد المنظمات الإنسانية،‮ ‬والحقوقية،‮ ‬والتعليمية،‮ ‬والثقافية الموجودة بالفعل بالبلاد،‮ ‬أو فرض قيود علي من يحاولون الوصول إليها،‮ ‬أو التأثير في سياسات الدولة‮.‬
9‮- ‬القيود المفروضة علي استيراد بعض السلع من بعض البلدان‮ (‬لأسباب أخري بخلاف الأسباب الاقتصادية‮)(‬15‮).‬
وقد يؤدي حدوث أي من الإجراءات السابقة بشكل منفصل إلي تغير في السياسة الخارجية دون إعادة الهيكلة‮.‬ لكن عند حدوث عدد من التغيرات في آن واحد، والذي يؤدي إلي التغير في العلاقات الخارجية،‮ ‬أو إقامة أنماط جديدة منه، يمكن الاستدلال علي حدوث إعادة هيكلة، ولو حدث ذلك لبرهة من الزمن‮.‬
وتبِع خطي هولستي العديد من العلماء،‮ ‬مثل تشارلز هيرمان، الذي عرض في مقال له بعنوان‮ "‬تغيير المسار‮: ‬عندما تختار الحكومات إعادة توجيه السياسة الخارجية‮"‬،‮ ‬منظوره عن إعادة الهيكلة‮. ‬وفقا لهيرمان، فإن حدوث إعادة الهيكلة في السياسات الخارجية قد يكون حتميا، كما أنه كان يحدث دائما‮. ‬وأوضح هيرمان أهمية إعادة هيكلة السياسة الخارجية لما يترتب عليها من عواقب داخلية وخارجية،‮ ‬والتي قد تؤدي إلي حدوث الحروب أو توقفها، بالإضافة إلي العواقب الاقتصادية،‮ ‬والتي قد تؤدي إلي ازدهار الحالة الاقتصادية وتحسنها،‮ ‬أو إلي انخفاضها بشكل كبير‮. ‬وقد تتم إعادة تشكيل التحالفات الدولية،‮ ‬مما يؤثر في النظام العالمي ككل‮. ‬وأكد هيرمان أن التغيرات التي تشير إلي إعادة توجيه شديد للسياسة الخارجية تحمل طابعا خاصا من الأهمية لما يتبعها من خطوات لا بد من الحكومة تبنيها وإدماجها في السياسات المحلية، بالإضافة إلي العواقب المحتملة علي الدول الأخري‮.‬
وقد حاول هيرمان في المقال ذاته توضيح الظروف التي تمهد الطريق لهذه الأنواع من التغيرات في السياسة الخارجية،‮ ‬والتي تدرك من خلالها الحكومة أن مسارها‮ ‬غير كاف،‮ ‬أو مخطئ،‮ ‬أو لم يعد قابلا للتطبيق في ظل الظروف الراهنة‮.‬ لذا،‮ ‬يستلزم التصحيح الذاتي الذي يؤدي إلي التغيير‮. ‬وقام هيرمان بالتمييز بين تعديل السياسة الخارجية وإعادة توجيه السياسة الخارجية، فأوضح أن التعديل ينطوي علي تغيرات في البرامج،‮ ‬أو علي المناهج المتبعة،‮ ‬والوسائل المستخدمة لتحقيق السياسة، ولكن ليس في جوهر السياسة أو أهدافها‮. ‬ولكن تشير تغيرات المشكلات والأهداف،‮ ‬والتوجهات الدولية إلي تغيير أعمق وأكثر استراتيجية في إعادة توجيه النهج العام للبلد،‮ ‬ووضعها ومكانتها في النظام الدولي ككل‮. ‬وتتضمن هذه التغيرات استبدال المشكلة أو الهدف الأوَّلي،‮ ‬بالإضافة،‮ ‬إلي توجهات السياسة الخارجية، والتي قد تتخذ في نهاية المطاف شكل إعادة توجيه وتغيير مسار شامل للدولة،‮ ‬بالتزامن مع التغيير في العديد من سياساتها وأهدافها‮(‬16‮).‬
أعقب ذلك عمل جيريل روساتي،‮ ‬وآخرين عام‮ ‬1994،‮ "‬إعادة هيكلة السياسة الخارجية‮: ‬كيف تستجيب الحكومات للتغيير العالمي؟‮"(‬17‮)‬،‮ ‬والذي تضمن‮ ‬12‮ ‬مقالة تستكشف لماذا،‮ ‬ومتي تمضي الحكومات قدما في إعادة تحديد سياساتها الخارجية‮. ‬يتناول الكتاب ثلاثة أسئلة رئيسية‮: ‬ما هو تغيير السياسة الخارجية؟، وما هي مصادر تغيير السياسة الخارجية؟، وإلي أي مدي تسهم دراسة إعادة الهيكلة في فهم السياسة الخارجية؟‮. ‬كما أوضح روساتي أن السياسة الخارجية تخضع لحركات دورية،‮ ‬حيث إن التفاعلات بين الدولة والمجتمع والبيئة الدولية أدت إلي تطور السياسة الخارجية،‮ ‬عبر الوقت،‮ ‬من الاستقرار والتوازن إلي التحول واختلال التوازن‮. ‬وتميل السياسات الخارجية للحكومات في الأصل إلي مقاومة التغيير،‮ ‬ولكن ذلك أصبح متعذرا بسبب الأزمات السياسية التي تحفز التغيير‮. ‬كما أوضح روساتي أنه في حالة حدوث إعادة هيكلة،‮ ‬يتم تبني نمط جديد من السياسة الخارجية،‮ ‬يتم تطويره لجلب فترة جديدة من الاستقرار والتوازن‮. ‬ولذلك،‮ ‬تتكون السياسة الخارجية من عملية دورية تسودها الاستمرارية،‮ ‬ولكن تتم مقاطعتها دوريا بسبب الحاجة إلي التغير‮(‬18‮).‬
وفي كتابهما‮ "‬السياسات الخارجية للدول العربية‮: ‬تحدي العولمة‮"‬، أشار كل من بهجت قرني وعلي الدين هلال دسوقي إلي تأثير اثنتين من الهزات الكبيرة في تغيير السياسة الخارجية، علي المستوي العالمي، لكن مع التركيز بشكل أساسي علي العالم العربي‮(‬19‮). ‬فبدآ بتسليط الضوء علي حقيقة أنه لم يتم سوي القليل من العمل البحثي والأكاديمي لتحليل السياسات الخارجية للدول العربية، وكيف تنظر تلك الدول إلي العالم ودورها فيه‮(‬20‮). ‬وأضافا أن معظم الأدبيات المتعلقة بالموضوع كانت‮ -‬إلي حد كبير‮- ‬من النوع الوصفي،‮ ‬وذلك لعدة أسباب،‮ ‬هي‮:‬
أولا‮:‬ حالة التردي في فرع دراسة التحليل الأجنبي‮ ‬Foreign-Analysis،‮ ‬مع الإشارة إلي الجنوب العالمي‮. ‬ثانيا‮:‬ محدودية توافر البيانات،‮ ‬إلي جانب صياغة سلوك السياسة الخارجية تحت مسميات،‮ ‬منها‮ "‬السرية‮"‬،‮ ‬و"الأمن القومي‮"‬،‮ ‬و"الصندوق الأسود‮." ‬ثالثا‮:‬ التركيز‮ ‬غير المتوازن علي الديناميكيات السياسية الإقليمية/الجماعية علي حساب تحليل سلوك الوحدة الواحدة‮. ‬رابعا،‮ ‬وأخيرا، الضعف المنهجي،‮ ‬جنبا إلي جنب،‮ ‬مع الافتقار إلي الدقة التحليلية لأغلب الدراسات عن الدول العربية،‮ ‬مع التركيز المفرط علي التاريخ،‮ ‬والإشارة إلي استثنائية وتفرد الوضع العربي‮ - ‬الإسلامي‮.‬
وقد أسهم العمل في سد الفجوة المعنية في الأدب،‮ ‬وتعزيز فهم السياسات الخارجية العربية،‮ ‬القائمة علي العمل الميداني المنهجي،‮ ‬والمؤلفات النظرية حول السياسة الخارجية بإستخدام‮ -‬وتأكيد‮- ‬الترابط بين المكونات المختلفة، وفي النهاية إدراك وفهم السياسة الخارجية في سياق كل من محيطها المحلي،‮ ‬والإقليمي،‮ ‬والعالمي‮(‬21‮). ‬ثم قاما، بالإضافة إلي باحثين آخرين، بتطبيق الإطار المقترح فصلا فصلا علي عدد من الدول، وهي مصر،‮ ‬والعراق،‮ ‬والأردن،‮ ‬ولبنان،‮ ‬والمغرب،‮ ‬والمملكة العربية السعودية،‮ ‬والسودان،‮ ‬وسوريا،‮ ‬والإمارات العربية المتحدة‮.‬
وفي شرح سبب الاهتمام بالعالم العربي في المقام الأول، سلط الكتاب الضوء علي الموقع الاستراتيجي للمنطقة، وسيطرتها علي المجاري المائية الحيوية، والدور الحاسم الذي تلعبه في المنتديات الإسلامية،‮ ‬والإفريقية،‮ ‬والمتوسطية، وأخيرا، ثروة النفط، وفقا للمؤلفين‮(‬22‮). ‬وكان الانفجاران الكبيران‮  ‬هما انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما سمَّاه محمد حسنين هيكل الزلزال السوفيتي، وهجمات‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮ ‬2001‮ ‬ضد الولايات المتحدة‮(‬23‮). ‬وأضافا مركزية الشرق الأوسط،‮ ‬مع تزايد استخدام‮ "‬الحرب علي الإرهاب‮"‬، وإرهاب الإسلام، وغزو العراق‮(‬24‮)‬،‮ ‬فضلا عن الحدث الأكبر الذي أصاب المنطقة مع اندلاع الثورات العربية، وتبعاته التي لم يلحق بها الكتاب المذكور أعلاه‮. ‬بدأت هذه الأخيرة في تونس في أواخر عام‮ ‬2010،‮ ‬وانتشرت في عدد من البلدان،‮ ‬خلال عام‮ ‬2011،‮ ‬وعلي رأسها مصر، في حين لا تزال لها تداعيات خطيرة علي عدد من الدول، التي تحول بعضها إلي حروب بالوكالة طويلة الأمد لا تشمل فقط القوي الإقليمية،‮ ‬بل والعالمية‮.‬
قام المؤلفان أيضا بتقييم المنهجين الرئيسيين المؤثرين في تحليل السياسة الخارجية، وهما المدرسة الواقعية التقليدية،‮ ‬والمدرسة النفسية السلوكية‮ (‬السلوكية/العلمية‮)(‬25‮). ‬كما لاحظا أن المناقشات في مجال العلاقات الدولية قد‮ ‬غذتها الهزات الكبيرة المذكورة أعلاه، مؤكدين أن الحرب لم تعد العامل الوحيد لإحداث التغيير علي المستوي الدولي، والدور المتزايد للجماعات الإرهابية، وحتمية إدخال عامل الدين في المعادلة‮(‬26‮). ‬بعد التشديد علي العناصر الرئيسية لكل مدرسة وعيوبها، قدم المؤلفان تحليلهما الخاص لمخرجات السياسة الخارجية والمدخلات/المحددات، مفضلين اتباع نهج شمولي في تحديد نتائج السياسة الخارجية، ووضع تصور لمخرجات السياسة الخارجية كمنتج للدور ثنائي-الأبعاد للمسرح العالمي‮(‬27‮).‬
كانت لدراسة كل من قرني وهلال أهمية خاصة في مجال العلاقات الدولية، لا سيما فيما يتعلق بتغيير السياسة الخارجية، لعدة أسباب بارزة‮. ‬أولا‮:‬ تناول الكتاب مستويات مختلفة في تغيير السياسة الخارجية، بما في ذلك المنطقة شديدة الاضطراب،‮ ‬والتي ظلت مركز المسرح العالمي للسياسة الخارجية للعديد من العوامل التاريخية،‮ ‬والجيوسياسية،‮ ‬والإجتماعية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬المتأصلة، بالإضافة إلي الهزات الكبيرة المذكورة، فضلا عن الثورات العربية،‮ ‬التي يمكن أن يشار إليها‮ "‬بالزلزال العربي‮."‬
ثانيا‮:‬ لم تقترح الدراسة الإطار الشامل في الفراغ، ولكنها قدمت عددا من دراسات الحالة الموضوعية والمعاصرة‮. ‬تعد دراسات الحالة ذات أهمية قصوي في تحليل وفهم، ليس فقط الأساليب المتنوعة لتغيير السياسة الخارجية، بل الأهم من ذلك، الدوافع وراء تصميم السياسة الخارجية واتخاذ القرارات بهدف تحقيق أجندات محلية،‮ ‬وإقليمية،‮ ‬ودولية معقدة‮.‬
ثالثا‮:‬ دعت الدراسة إلي اتباع نهج شامل لفهم تغيير السياسة الخارجية، والذي لم يحدّ‮ ‬من سلوك السياسة الخارجية إلي الشئون بين الجهات الفاعلة الحكومية،‮ ‬ولا في السمات الشخصية للزعيم بمعزل عن‮ ‬غيرها‮. ‬كما نظرت الدراسة إلي السياسة الخارجية كمظهر من مظاهر السياسات الخارجية والداخلية،‮ ‬وكمنتج معقد لمجموعة متنوعة من المحددات الديناميكية المتشابكة‮. ‬بالإضافة إلي ذلك، كان العمل مفيدا في تسليط الضوء علي حقيقة أنه بينما تحدث العديد من التغييرات الدراماتيكية في المسار،‮ ‬عندما تتولي حكومات جديدة ذات تصورات مختلفة،‮ ‬وجداول أعمال جديدة، فإن عددا من الحالات تكشف عن مواقف كانت فيها الحكومة،‮ ‬التي بدأت مسارا في السياسة الخارجية،‮ ‬هي نفسها التي اعترفت بضرورة إجراء تغييرات كبيرة‮.‬
في إطار ما سبق، تعتمد هذه الدراسة علي نظرية هولستي ومعاييره، كالأب الروحي لمفهوم إعادة هيكلة السياسة الخارجية، لدراسة حالة السياسة الخارجية التركية تجاه مصر،‮ ‬وتحليل التغير في هذه السياسة، مع المقارنة بين فترتين زمنيتين متتابعتين، مع استمرارية النظام الحاكم نفسه في تركيا، وكذلك إيمانا ويقينا بأهمية تكريس الجهود البحثية لدراسة إعادة هيكلة السياسات الخارجية في الوطن العربي والشرق الأوسط،‮ ‬خاصة في هذه الفترة الحرجة،‮ ‬لاسيما في حالة تركيا تجاه مصر،‮ ‬لما في ذلك من أبعاد وتبعات خطيرة تتعلق بالأمن القومي المصري،‮ ‬كما سيرد ذكره لاحقا‮.‬
ثانيا‮- ‬السياسة الخارجية التركية بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات‮ ‬2002‮:‬
اتجهت السياسة الخارجية التركية،‮ ‬منذ تأسيس الجمهورية التركية عام‮ ‬1924‮ ‬علي يد مصطفي كمال أتاتورك،‮ ‬نحو الغرب أو‮ "‬التغريب تحت اسم التحديث‮"‬،‮ ‬وأدارت ظهرها للشرق،‮ ‬وخاصة العالم العربي، وظهر ذلك التغريب جليا بداية من مشاركتها في الحرب الكورية في عام‮ ‬1950،‮ ‬جنبا إلي جنب،‮ ‬مع الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وانضمامها إلي عضوية حلف شمال الأطلسي عام‮ ‬1952،‮ ‬والسماح للقوات الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك التركية عام‮ ‬1958،‮ ‬خلال الأزمة اللبنانية، والتصويت لمصلحة فرنسا في الأمم المتحدة،‮ ‬خلال حرب الاستقلال في الجزائر، وأخيرا، توقيع اتفاق أنقرة بين الجماعة الأوروبية وتركيا عام‮ ‬1963،‮ ‬الذي‮ ‬يقضي بإمكانية انضمام تركيا في المستقبل إلي الاتحاد الأوروبي،‮ ‬والتي واصلت سعيها الحثيث،‮ ‬في إطار استراتيجيتها بعيدة المدي،‮ ‬لتأمين عضويتها في الاتحاد الأوروبي‮(‬28‮). ‬وعلي مدي عشرات السنين، بقيت العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية محور مصالحها السياسية، وعضوية الناتو أساس مصالحها العسكرية والاستراتيجية، وملف انضمامها للاتحاد الأوروبي جوهر مصالحها الاقتصادية‮(‬29‮).‬
أسهمت فترة الحرب الباردة في إيضاح أولويات واتجاهات السياسة الخارجية بجلاء،‮ ‬حين اشتبكت تركيا مع قضايا المنطقة،‮ ‬وكان ذلك في‮ ‬غير مصلحة الدول العربية‮.‬ فكانت أولي دول العالم الإسلامي اعترافا بدولة إسرائيل، والتي أبرمت لاحقا معها ومع إثيوبيا اتفاقية حزام المحيط عام‮ ‬1958،‮ ‬وتعاونت معها،‮ ‬استخباراتيا وعسكريا،‮ ‬علي مدي سنوات طويلة، فضلا عن دورها في حربي الخليج الأولي والثانية بشكل عام‮(‬30‮).‬
ومنذ انتهاء الحرب الباردة،‮ ‬التي بدأت بانهيار المعسكر الشرقي، سعت تركيا للبحث عن دور إقليمي فاعل في المنطقة،‮ ‬خصوصا بعد وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم وتسلَّمه السلطة في عام‮ ‬‭.‬2002‮ ‬وتبع ذلك تغيير جذري في التوجهات التكتيكية،‮ ‬وأصول السياسات المتبعة،‮ ‬وبدأت تركيا تعيد تفسير وصياغة سياساتها الخارجية، عبر إعادة تعريفها لإمكانياتها،‮ ‬وتوجهاتها،‮ ‬وتطلعاتها‮(‬31‮).‬
جاء هذا التغيير انعكاسا للترابط والتفاعل بين المتغيرات الداخلية والخارجية، مما أدي إلي لعب دور سياسي خارجي لتركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، واكتساحه الساحة الداخلية التركية، وسمح له بتشكيل الحكومة لتتضح معالم سياسة خارجية جديدة لتركيا،‮ ‬والتي جاءت بعد اكتشاف منطقة التأثير القوي ألا وهي منطقة الشرق الأوسط‮. ‬انعكس ذلك علي السياسة الخارجية التركية التي انتهجت منهجا وسطيا يجمع بين تيار إسلامي قوي،‮ ‬ونظام علماني في تجربة نادرة،‮ ‬لتشكل‮ "‬نموذجا يلفت النظر كونه يوازن بين متطلبات الغرب،‮ ‬الذي يؤيد الحياة المدنية وعدم تقييدها،‮ ‬ونظام إسلامي،‮ ‬ومبادئ إسلام سياسي جديد،‮ ‬ليكون في المحصلة النهائية مقبولا من جانب الأطراف جميعا‮"(‬32‮).‬
منذ ذلك الوقت،‮ ‬اعتمدت سياسات حزب العدالة والتنمية‮ ‬علي ثلاثة عوامل،‮ ‬الأول‮ ‬تصالح تركيا مع ذاتها الحضارية والإسلامية،‮ ‬والاعتزاز بتاريخها وماضيها العثماني ذي الثقافات والأعراق المتعددة‮. ‬فيما أكد‮ ‬العامل الثاني‮ ‬استرجاع واستعادة الإحساس بالعظمة العثمانية،‮ ‬والثقة بالنفس،‮ ‬والتخلص من شعور الضعف في مجال السياسة الخارجية‮.‬ وتطلب‮ ‬العامل الثالث والأخير‮ ‬استمرارية التوجه نحو،‮ ‬الغرب،‮ ‬بالتوازي مع العلاقات مع الشرق الإسلامي، مما دعا البعض لتسمية التوجه‮ "‬العثمانية الجديدة‮"(‬33‮).‬
وأصبح أحمد داود أوغلو، الباحث الأكاديمي، كبير مستشاري السياسة الخارجية لرئيس الوزراء،‮ ‬عقب الفوز بالانتخابات عام‮ ‬2002،‮ ‬وأطلق علي أوغلو مهندس السياسة الخارجية التركية،‮ ‬والإطار النظري لسياسة حزب العدالة والتنمية،‮ ‬من خلال عمله الرائد‮ "‬العمق الاستراتيجي‮: ‬موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية‮"(‬34‮). ‬وأصبح الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية التركية إعادة اكتشاف الشرق الأوسط الذي يشكل عمقا استراتيجيا لها،‮ ‬بالإضافة إلي تصفير المشكلات مع دول الجوار مع الاعتماد علي القوة الناعمة‮(‬35‮). ‬ووضع أوغلو الأسس النظرية،‮ ‬التي سارت عليها تركيا‮ (‬العدالة والتنمية‮) ‬فيما بعد، وعلي رأسها‮:‬
‮- ‬العمق الاستراتيجي‮: ‬رأي أوغلو أن مكانة تركيا الدولية مرتبطة بشكل وثيق بمركزها في محيطها وأدوارها الإقليمية التي تلعبها، خاصة في المناطق الجغرافية،‮ ‬التي عدَّها عمق تركيا الاستراتيجي، أي الشرق الأوسط،‮ ‬والبلقان،‮ ‬والقوقاز،‮ ‬والتي أطلق عليها مجتمعة‮ "‬المناطق القارية القريبة‮".‬
‮- ‬تصفير المشكلات‮: ‬إذ لا يمكن لأي دولة‮ ‬غارقة في خصومات وعداوات مع دول جوارها أن تبلور سياسة خارجية إيجابية وفاعلة، وبالتالي تحتاج إلي تصفير‮  ‬أو تقليل‮  ‬المشكلات مع جوارها ليستفيد كل الأطراف،‮ ‬تفعيلا لمبدأ الربح للجميع‮(‬36‮).‬
‮- ‬القوة الناعمة‮: ‬حتي تكون تركيا‮ "‬دولة مركز‮" ‬في محيطها، رأي أوغلو أن التبادل التجاري والاقتصادي،‮ ‬والتواصل الفكري‮ - ‬الثقافي أعمق أثرا،‮ ‬وأكثر فائدة من القوة الخشنة‮. ‬وقد استفادت تركيا منذ أحداث‮ ‬2011‮ ‬من هذه القوة الناعمة، ورحب بها بشكل لافت في المنطقة‮(‬37‮) ‬في أشكال عديدة،‮ ‬أشهرها الرواج الشديد للأعمال الدرامية التركية كأداة هذه القوة الناعمة‮.‬
بناء علي هذه الأسس الرئيسية الثلاث، سارت السياسة الخارجية التركية بشكل عام، وفي المنطقة،‮ ‬ودول الجوار‮ -‬ومنها مصر‮- ‬بشكل خاص، ضمن عدة محددات، أهمها‮:‬
‮- ‬أولوية الحفاظ علي الأمن القومي داخليا وخارجيا‮.‬
‮- ‬التوفيق بين تحقيق المصالح والوفاء بالمبادئ والشعارات التي ترددها تركيا، وقد نجحت في ذلك لفترة طويلة خاصة مع بداية أحداث‮ ‬‭.‬2011
‮- ‬عدم مناقضة الرأي العام التركي، المتجه أخيرا نحو‮ - ‬والمتعاطف مع‮ - ‬الشعوب العربية وقضاياها‮.‬
‮- ‬الالتزام بسقف المنظومة الدولية،‮ ‬والأركان الثلاثة للسياسة الخارجية التركية‮: ‬الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي‮.‬
‮- ‬تنويع العلاقات مع مختلف الأطراف، حتي المتعارضة، الأمر الذي يقلل الضغوط علي تركيا،‮ ‬ويمنحها حيزا مقبولا من الحيادية، ولو جزئيا، في سياستها الخارجية‮.‬
‮- ‬تقبل المسئولية الأخلاقية والسياسية فيما يتعلق بقضايا المنطقة بحسبان أن تركيا وريثة فعلية للدولة العثمانية‮.‬
‮- ‬تجنب الصراعات، وتفضيل التواصل والتكامل، بحسبان أن النموذج التركي في عهد العدالة والتنمية قائم علي التنمية الاقتصادية المعتمدة بشكل أساسي علي الاستقرار السياسي‮.‬
‮- ‬رفض النزاعات القائمة علي أسس إثنية ومذهبية، وذلك لخطورتها علي المستويين النظري العام والعملي الخاصين بتركيا،‮ ‬ونسيجها العرقي والمذهبي، وعدّ‮ ‬هذا الشكل من الصراعات‮ "‬توريطا‮" ‬قد تسعي إليه بعض القوي الخارجية للقضاء علي مستقبل المنطقة‮.‬
‮- ‬إخضاع السياسة للاقتصاد في حالات التواصل والعلاقات الجيدة، والفصل بينهما، عبر ديمومة وتطوير العلاقات الاقتصادية،‮ ‬رغم التوترات السياسية، في حالات التوتر والقطيعة‮.‬
‮- ‬لعب دور الوسيط في النزاعات والصراعات في المنطقة، وهو دور لعبته تركيا دائما في الماضي،‮ ‬في صورة تركيا المقبولة من شعوب ونظم المنطقة كنموذج فريد، كما حدث في المفاوضات‮ ‬غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل عام‮ ‬2008،‮ ‬وبين سوريا والعراق في‮ ‬2009‮(‬38‮)‬،‮ ‬وفي الاتفاق الثلاثي بين إيران،‮ ‬والبرازيل،‮ ‬وتركيا حول الملف النووي عام‮ ‬2010،‮ ‬وغيرها‮.‬
‮- ‬تجنب الدخول في أي نزاع بشكل فردي،‮ ‬أو دون‮ ‬غطاء دولي أو إقليمي‮.‬
‮- ‬يعرف صانع القرار التركي أنه ورث دولة بعيدة عن الانخراط في قضايا المنطقة، وبالتالي افتقاده عناصر التأثير التي تحتاج لسنوات من العمل،‮ ‬وفق رؤية وخطوات مدروسة‮. ‬وقد سعت تركيا للتعامل مع هذه الفجوة باستخدام القوة الناعمة،‮ ‬إلي جانب التواصل الاقتصادي والثقافي، والذي كان يمكن له أن يفيد في حالة الاستقرار، بينما أصبح‮ -‬علي العكس‮- ‬عبئا كبيرا،‮ ‬في ظل حالة الاستقطاب وأشتعال الصراعات، خاصة في ظل وجود قوي إقليمية تنتهج القوة الخشنة‮.‬
‮- ‬حاجة تركيا للشراكات الإقليمية،‮ ‬وعدم قدرتها علي حل الأزمات بمفردها‮. ‬ويتبدي ذلك علي المستوي النظري في كتابات أوغلو عن‮ "‬مثلث المنطقة‮" ‬المكون من تركيا،‮ ‬وإيران،‮ ‬ومصر‮(‬39‮).‬
هذه الرؤية والأهداف،‮ ‬التي طمحت لها تركيا، دفعتها للانخراط في العديد من قضايا الشرق الأوسط،‮ ‬مما كان له الأثر المباشر في الولوج إلي العمق الاستراتيجي لها في تلك الدول‮.‬ فمن خلال التجارب الكثيرة،‮ ‬التي خاضتها تركيا علي الأصعدة السياسية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والثقافية،‮ ‬وغيرها،‮ ‬كان لتركيا دور فعال في أحداث‮ ‬2011‮ ‬بالمنطقة العربية، وإن كانت تفاوتت قوة وشكل التدخل بحسب طبيعة كل بلد من هذه البلدان التي اجتاحتها تلك الثورات من جهة،‮ ‬وحسابات تركيا الخارجية والداخلية من جهة أخري، انطلاقا من المصالح التي كانت تربطها مع الدولة المعنية،‮ ‬وبالتالي كان من الطبيعي أن يختلف التدخل التركي بحسب ذلك التوجه‮.‬
فمنذ بداية الأحداث، عدَّ‮ ‬حزب العدالة والتنمية الأحداث بمنزلة احتجاج للمسلمين في المنطقة ضد الحكومات الاستبدادية،‮ ‬قياسا بالقضية التركية لحزب العدالة والتنمية ضد المؤسسة العلمانية‮. ‬من هذا المنظور، ووفقا لرؤية وتصور نخب حزب العدالة والتنمية بأن تركيا هي قائدة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، فإن ما شهدته المنطقة من أحداث هي ثورة ضد الأنظمة شبه الكمالية‮ / ‬العلمانية في الشرق الأوسط‮. ‬وكان هذا عاملا خارجيا بمنزلة متغير مستقل تتم رؤيته من خلال عدسة العوامل المحلية، أي المرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، الذي يؤثر في ديناميكية التطورات المتلاحقة في المنطقة‮.‬ كل ذلك من منظور أيديولوجي إسلامي يهدف إلي دعم صعود واستتباب أمر الأنظمة الإسلامية تحت قيادة النموذج التركي،‮ ‬وتحت مظلة العثمانية الجديدة‮. ‬وبالفعل،‮ ‬شكلت تلك الثورات اختبارا وتحديا لمنطلقات ونظريات السياسة الخارجية التركية،‮ ‬التي تبناها حزب العدالة والتنمية،‮ ‬منذ صعوده للسلطة عام‮ ‬2002‮(‬40‮)‬،‮ ‬خاصة حالة الحراك الشعبي في‮ ‬25‮ ‬يناير في مصر،‮ ‬وما تبعها من وصول تنظيم الإخوان لسدة الحكم،‮ ‬ثم اندلاع ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬2013،‮ ‬وما أعقب كل هذه الأحداث الجمة من تباين شديد في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر‮.‬
ثالثًا‮- ‬السياسة الخارجية التركية تجاه مصر‮:‬
تناقش الدراسة السياسة الخارجية التركية تجاه مصر عبر محورين، الأول يبدأ منذ يناير‮ ‬2011،‮ ‬بينما يناقش الآخر العداء الشديد والتباعد منذ ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬2013،‮ ‬وذلك علي النحو التالي‮:‬
المحور الأول‮- ‬السياسة الخارجية التركية تجاه مصر منذ‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮:‬
تباينت مواقف تركيا تجاه الأنظمة العربية منذ اندلاع شعلة ما أطلق عليه الربيع العربي،‮ ‬حيث تدخلت بأشكال مباشرة وغير مباشرة في توجيه الأحداث في الدول العربية والتي انتهت بإسقاط بعض النظم الحاكمة‮(‬41‮)‬،‮ ‬كما حدث في تونس بإسقاط نظام زين العابدين بن علي،‮ ‬وفي مصر بتنحي محمد حسني مبارك‮. ‬وقد انحازت تركيا إلي المطالب الشعبية في كل من البلدين،‮ ‬آملة أن الثورة ستقوم بإحداث التغيير المنشود تحت مسمي‮ "‬تحقيق الهدف في التحول الديمقراطي‮"(‬42‮).‬
بخصوص مصر،‮ ‬بالتحديد، شكل الموقف،‮ ‬الذي اتخذته تركيا إزاء ما حدث في يناير‮ ‬2011،‮ ‬جزءا لا يتجزأ من رؤية تركيا تجاه أحداث ما أطلقوا عليه الربيع العربي ككل،‮ ‬وتفاؤل واقتناع النخبة التركية بأن فرص تصدير النموذج التركي قد سنحت بقوة،‮ ‬وتصاعدت بشدة،‮ ‬في ظل الحراك الشعبي المنادي بالتغيير والانتقال إلي ديمقراطيات مدنية ودستورية‮. ‬ومع اندلاع أحداث‮ ‬2011‮ ‬في مصر، وارتفاع الأصوات المصرية المطالبة بشعارات‮ "‬عيش،‮ ‬حرية،‮ ‬عدالة اجتماعية‮"‬،‮ ‬أدركت تركيا مبكرا أن ثمة تغيرا حقيقيا ستشهده الساحة المصرية، سيلقي بظلاله علي طبيعة المرحلة الانتقالية التي يشهدها النظام العربي،‮ ‬مع تزايد وتيرة الاحتجاجات والثورات بين دوله المختلفة‮. ‬وفي ظل محاولات العديد من الأطراف والقوي الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي،‮ ‬وحلف الناتو، للمشاركة في صياغة طبيعة النظامين السياسي والاقتصادي لدول المنطقة، سواء عن طريق تقديم الدعم أو طرح رؤيتها، أرادت تركيا ألا تكون بمعزل عن تلك المرحلة، فاتجهت السياسة الخارجية التركية، ومنذ اللحظات الأولي لأحداث يناير، لانتهاج سياسة الدعم والتقارب مع‮ "‬مصر الثورة‮"(‬43‮).‬
بناء علي ذلك، كان الموقف التركي الرسمي مؤيدا لمطالب المتظاهرين، الانتقال السلمي للديمقراطية، وعدم اللجوء للقوة في التعامل مع المتظاهرين‮(‬44‮). ‬فقد صرح رئيس الوزراء التركي،‮ ‬رجب طيب أردوغان،‮ ‬علنا‮ "‬بأن علي الرئيس المصري حسني مبارك أن يستمع إلي مطالب شعبه دون تردد‮". ‬وقال أردوغان في خطابه الأسبوعي المتلفز الموجه إلي البرلمان التركي،‮ ‬مخاطبا الرئيس مبارك‮: "‬استمع إلي صراخ شعبك ومطالبه الإنسانية العادلة، واستجب لمطلبه بالحرية دون مواربة‮". ‬وأضاف أردوغان أن الحل لكل المشكلات السياسية يكمن في صناديق الاقتراع،‮ ‬مردفا‮ "‬أن أي سلطة لن تتمكن من التمسك بالحكم رغم أنف شعبها، كلنا فانون،‮ ‬والمهم أن نترك بعدنا ذكري جميلة‮"(‬45‮).‬
كما أكد وزير الخارجية التركي،‮ ‬أحمد داود أوغلو،‮ ‬أن‮ "‬مطالب المتظاهرين المصريين مطالب شرعية، ولكن يجب أن تبقي المظاهرات سلمية‮"‬،‮ ‬مضيفا‮ "‬أن تركيا لن تبقي صامتة إزاء ما يحدث في مصر، فهي تولي أهمية كبري للسلام الداخلي في مصر‮"(‬46‮). ‬وفي مقابلة أخري مع أوغلو،‮ ‬شدد علي أهمية العلاقات التركية‮ - ‬المصرية كقوة اقليمية جديدة في الشرق الأوسط،‮ ‬نظرا لما‮ ‬يتمتع به البلدان من أهمية استراتيجية وقوة عسكرية في المنطقة،‮ ‬وأكد أن تعاون البلدين يشكل محورا حقيقيا للديمقراطية في الشرق الأوسط‮(‬47‮).‬
وعَّدت تركيا أحداث يناير‮ ‬2011‮ ‬في مصر فرصة عظيمة لتعميق العلاقات، التي اتسمت بالبرود والتباعد فيما قبل،‮ ‬ولإعادة رسم العلاقات بين البلدين، كما حاولت القيام بدور فاعل ورئيسي في عملية التغيير‮. ‬فبعد نجاح‮ "‬تلك الأحداث،‮ ‬حاولت تركيا بناء علاقة استراتيجية مع مصر‮.‬ وفي سياق محاولات التقارب التركي‮ - ‬المصري، كان الرئيس عبد الله جول أول رئيس يزور مصر بعد تنحي مبارك،‮ ‬حيث التقي المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة،‮ ‬في مارس‮ ‬2011، بعد شهر واحد من تنحي الرئيس مبارك‮(‬48‮).‬
حملت هذه الزيارة دلالات واضحة لنية تركيا التقارب،‮ ‬وبناء علاقة استراتيجية مع مصر،‮ ‬في إطار سياسة تركيا الخارجية لتحسين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط‮. ‬دعا جول،‮ ‬خلال الزيارة،‮ ‬المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي الأخذ في الحسبان مطالب الشباب الثوري في التعبير عن ضرورة إقامة نظام ديمقراطي،‮ ‬وبرلماني،‮ ‬ودستوري في مصر، كما أكد أهمية الأحزاب السياسية ودورها في العملية الديمقراطية،‮ ‬وتطور النظام السياسي‮(‬49‮). ‬وقد صرحت وزارة الخارجية التركية، كجزء من تصريح صحفي رسمي،‮ ‬تعقيبا علي أحداث إمبابة،‮ ‬في‮ ‬7‮ ‬مايو‮ ‬2011،‮ ‬بأنه من الأهمية القصوي الحفاظ علي السلام الاجتماعي، والهدوء، والاستقرار خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تمر بها مصر‮. ‬وأضاف التصريح أن الوزارة، علي لسان الحكومة التركية، علي ثقة بأن روح الوحدة والتماسك للشعب المصري لن تسمح بتأجيج أية مشاعر تجاه التمييز الديني أو العداء المجتمعي‮(‬50‮).‬
في سبتمبر‮ ‬2011،‮ ‬قام رئيس الوزراء التركي،‮ ‬أردوغان‮. ‬بزيارة لمصر، بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين،‮ ‬وتأكيد أهمية مصر في سياسة تركيا الشرق أوسطية‮. ‬ورأس أردوغان وفدا ضم وزراء،‮ ‬ورجال أعمال،‮ ‬ومستثمرين أتراكا بهدف توطيد التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين‮(‬51‮).‬
وكان لهذه الزيارة دلالات علي أهمية مصر في السياسة الخارجية التركية، كما حملت بعض الأهداف الاستراتيجية،‮ ‬مثل الاستفادة من كاريزمية النموذج التركي لدي شعوب المنطقة العربية المتطلعة إلي التغيير والحرية،‮ ‬وتصدير هذا النموذج لهم‮(‬52‮).‬
تزامنت هذه الزيارة أيضا مع توتر العلاقات المصرية‮ - ‬الإسرائيلية من جانب، بعد مقتل عدد من أفراد الأمن المصري علي الحدود المصرية‮ - ‬الإسرائيلية في أغسطس‮ ‬2011،‮ ‬والذي أثار رد فعل شديدا لدي المصريين‮(‬53‮)‬،‮ ‬حتي تمت محاصرة السفارة الإسرائيلية في القاهرة،‮ ‬وأجبر السفير علي المغادرة‮.‬ ومن الجانب الآخر،‮ ‬كان هناك توتر بين تركيا وإسرائيل،‮ ‬وصل إلي حد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة،‮ ‬وتجميد العلاقات العسكرية بين البلدين،‮ ‬نتيجة لتقرير بالمر الخاص بالأمم المتحدة‮(‬54‮). ‬وقد أعطي هذا التشابه في المواقف بعدا آخر لأهمية توطيد العلاقات التركية‮ - ‬المصرية‮.‬
في إطار ما سبق، شكلت أحداث‮ ‬25‮ ‬يناير مدخلا للتقارب التركي‮ - ‬المصري، خاصة دعمهم وصول تنظيم الإخوان للحكم، ‮ ‬انطلاقا من المصلحة التي تريدها تركيا منهم،‮ ‬لتعميم النموذج التركي في الحكم،‮ ‬من خلال تجربة حزب العدالة والتنمية‮(‬55‮)‬،‮ ‬إلي جانب التناغم الأيديولوجي بين الحزبين‮.‬
حيث قامت تركيا بدعم حزب الحرية والعدالة،‮ ‬وقدمت المشورة السياسية،‮ ‬والنصائح الانتخابية، بالإضافة إلي الزيارات الرسمية بين الطرفين،‮ ‬وتوقيع اتفاق للشراكة بين فرعي الإسكندرية واسطنبول لتبادل الخبرات،‮ ‬وتعميق التعاون‮.‬
ولم تكن مفاجأة أن يكون أردوغان أول المهنئين لمرسي،‮ ‬مؤكدا أن نتائج الانتخابات قد أكملت عملية التحول الديمقراطي في مصر‮(‬56‮). ‬وقد هنأت وزارة الخارجية التركية، في تصريح صحفي رسمي،‮ ‬تعقيبا علي فوز مرسي، الشعب المصري إزاء ما رأته خطوة كبري تجاه الديمقراطية‮. ‬كما أكد التصريح ثقة تركيا في قدرة المصريين علي النهوض أقوي من ذي قبل بسبب النقلة الديمقراطية التاريخية،‮ ‬وعملية التحول الإيجابي المنشود، وأهمية ذلك للشرق الأوسط ككل‮. ‬كما أكد التصريح وقوف تركيا مع الشعب المصري،‮ ‬وتأييدها لعملية الديمقراطية،‮ ‬في إطار الصداقة التاريخية بين البلدين‮(‬57‮).‬
كان ذلك‮ ‬يشير إلي أن منحني العلاقة بين أنقرة والقاهرة أخذ في التبلور‮. ‬وتبع ذلك العديد من الزيارات الرسمية رفيعة المستوي،‮ ‬مثل زيارة الرئيس التركي لمصر،‮ ‬ومقابلته لوزير الخارجية المصري،‮ ‬حيث تباحث الطرفان بخصوص التطورات الإقليمية‮(‬58‮). ‬كما قام حزب العدالة والتنمية بدعوة محمد مرسي كضيف شرف في مؤتمره الرابع،‮ ‬في‮ ‬30‮ ‬سبتمبر‮ ‬2012،‮ ‬حيث قام بإلقاء كلمة أمام أعضاء الحزب‮(‬59‮).‬
وقد أصبحت القاهرة محطة رئيسية لأردوغان،‮ ‬فقام بزيارة أخري في نوفمبر‮ ‬2012‮(‬60‮)‬،‮ ‬التقي خلالها‮  ‬محمد مرسي،‮ ‬الذي استقبله بحفاوة بالغة، وصاحبه خلالها عدد كبير من الوزراء والمسئولين رفيعي المستوي،‮ ‬بالإضافة إلي ما يقرب من‮ ‬300‮ ‬من رجال الأعمال‮. ‬وقد نتج عن هذه الزيارة توقيع‮ ‬27‮ ‬اتفاقية تجارية في عدة مجالات‮(‬61‮).‬
كان من اللافت قيام أردوغان، علي‮ ‬غرار الرئيس الأمريكي أوباما، بإلقاء خطاب في جامعة القاهرة وسط قيادات تنظيم الإخوان وأنصارهم، حيث كان أبرز ما قاله في هذا الخطاب‮: "‬أنتظر كتابة الدستور المصري حتي نحتذي به في تركيا‮"(‬62‮). ‬كما دشن خطابه ما سمَّاه مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي المصري‮ - ‬التركي،‮ ‬والتزامه بتحسين العلاقات مع مصر، وقدم رؤية تركية لتطوير العلاقات معها، وقال للحضور الذي تفاعل معه بحماس‮ "‬ارفع رأسك فوق أنت مصري‮"(‬63‮). ‬كما استخدم أردوغان هذه الزيارة لتصدير جاذبية النموذج التركي‮:‬ العلمانية التركية،‮ ‬والدعوة إلي تبني أيديولوجية وطنية بدلا من الأيديولوجيات الفردية لجماعات متفرقة‮(‬64‮).‬
كما لعبت تركيا دورا مؤثرا في اتجاهات وتوجهات قصر الاتحادية بفضل سياسة المعونات والإقراض دون فوائد،‮ ‬أو بفوائد بسيطة‮.‬ وقدرت المساعدات التركية للقاهرة‮ -‬آنذاك‮- ‬بملياري دولار، كما استعانت مصر بقطاع من الشركات التركية في جميع المجالات‮. ‬ومقارنة بعام‮ ‬2010،‮ ‬وصل حجم الصادرات المصرية إلي تركيا عام‮ ‬2011‮ ‬إلي ما يقرب من‮ ‬1‭.‬5‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بزيادة قدرها‮ ‬500‮ ‬مليون دولار عن العام السابق له، كما بلغت الواردات المصرية من تركيا ما يقرب من‮ ‬2‭.‬6‮ ‬مليار دولار عام‮ ‬2011،‮ ‬في حين كانت تعادل‮ ‬1‭.‬9‮ ‬مليار فقط عام‮ ‬2010‮(‬65‮).‬
في إطار ما سبق،‮ ‬حرصت تركيا علي بناء علاقة استراتيجية مع الدولة الأهم في المنطقة، مستفيدة من الوضع الجديد،‮ ‬خاصة مع تصدر تنظيم الإخوان للساحة السياسية في مصر‮. ‬ولكن مع اندلاع ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو،‮ ‬وعزل محمد مرسي، انقلبت حسابات السياسة الخارجية التركية رأسا علي عقب‮. ‬فقد فرض عزل محمد مرسي،‮ ‬وسقوط حكم التنظيم واقعا جديدا لم يكن في حسبان مخططات تركيا،‮ ‬لا علي الصعيد الثنائي،‮ ‬أو الإقليمي‮.‬
المحور الثاني‮- ‬العداء الشديد والتباعد منذ ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬2013‮:‬
كان للتطورات بعد‮ ‬30‮ ‬يونيو، وعزل محمد مرسي في مصر  تأثيراتها السلبية في الاستراتيجية التركية في المنطقة‮. ‬فقد عارضت تركيا علنا ما جري في مصر علي يد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأصرت علي تسميته وفقا لصدمتها مما حدث من تغيرات علي الأرض‮(‬66‮)‬،‮ ‬ورفضت الاعتراف بنتائجه ومخرجاته،‮ ‬والتعامل مع القائمين علي الوضع بعده، منتقدة ما سمَّته انتهاكات حقوق الإنسان،‮ ‬والأوضاع القانونية‮ ‬غير السوية، فضلا عن التصريحات اللاذعة الماسَّة بشخص القيادات الجديدة للدولة المصرية، والتصريحات الصحفية الرسمية،‮ ‬الصادرة عن وزارة الخارجية التركية،‮ ‬والمنددة بالنظام المصري، وتبني حملة إعلامية وسياسية ضخمة لتشويه صورة الحكومة المصرية وأعضائها، واستضافة اجتماعات لجماعات تدعو لخلخلة الاستقرار في مصر، ومنح الملاذ الآمن لعدد من المطلوبين أمنيا، وتوفير مقر بديل لتنظيم الإخوان لوضع خطط من شأنها أن تزعزع أمن البلاد، كما تبنت تركيا اتصالات رسمية وغير رسمية مع حكومات دول أوروبية وإسلامية،‮ ‬ومنظمات دولية وإقليمية،‮ ‬لتعبئة موقف دولي مضاد للتغيير السياسي في مصر‮.‬
بداية،‮ ‬صرح أردوغان في حوار مع الجزيرة،‮ ‬قائلا‮: "‬إن عبدالفتاح السيسي لا علاقة له بالديمقراطية، وإنه قتل الآلاف من شعبه‮." ‬فيما صرح وزير الشئون الأوروبية في الحكومة التركية،‮ ‬قائلا‮: "‬من ينتقد تركيا الآن،‮ ‬عليه توجيه هذه الانتقادات للسيسي في مصر‮". ‬وأعلن الرئيس التركي أن تبعات عزل مرسي ستنشر العنف والفوضي،‮ ‬ليس فقط في مصر،‮ ‬بل في المنطقة ككل‮(‬67‮). ‬وحرص أردوغان علي رفع شعار رابعة بعد فض الاعتصام، ورفض الرد علي اتصال محمد البرادعي،‮ ‬نائب الرئيس المصري،‮ ‬في يوليو‮ ‬2013‮ ‬بحسبانه‮ "‬شخصا‮ ‬غير منتخب‮"(‬68‮).‬
وقامت الحكومة التركية بتكثيف مساعيها علي المستويين الدولي والإقليمي عن طريق استخدام المنابر والمحافل المختلفة، كمجلس الأمن،‮ ‬وجامعة الدول العربية، وذلك لاتخاذ إجراءات صارمة مع الحكومة المصرية‮(‬69‮). ‬وحسمت تركيا خيارها منذ البداية برفضها القاطع لذلك التغيير،‮ ‬وتبنيها محورين للتحرك،‮ ‬أولهما‮ ‬يتمثل في حشد واستخدام كل الوسائل والطرق لنزع الشرعية عن‮ "‬الإدارة‮" ‬المصرية،‮ ‬وعزلها إقليميا ودوليا‮. ‬ثانيهما‮ ‬يتعلق بدعم تنظيم الإخوان في مواجهة الإدارة المصرية الجديدة،‮ ‬مما تجلي في احتضانها عددا كبيرا من قياداته،‮ ‬وتشكيلها لكيانات سياسية،‮ ‬في محاولة لاستنساخ استراتيجية التعاطي مع الملف السوري‮(‬70‮). ‬إلي جانب التصريحات الرسمية من طرف النخبة التركية، أصدرت وزارة الخارجية التركية عدة تصريحات صحفية لدعم هذا التوجه‮.‬
فقد صرحت وزارة الخارجية التركية، كجزء من تصريح صحفي رسمي،‮ ‬تعقيبا علي التطورات في مصر، بأنه من‮ ‬غير المقبول عالميا في كل الديمقراطيات أن‮ ‬يترك القادة السياسيون،‮ ‬الذين يصلون إلي السلطة عن طريق الانتخابات،‮ ‬السلطة بغير الانتخابات‮. ‬وأشارت في التصريح نفسه بأن تركيا ستستمر في الوقوف إلي جانب مصر،‮ ‬وتأييد استقرارها السياسي، ووحدتها، وتماسكها، وتقدمها الاقتصادي‮(‬71‮).‬
كما صرحت وزارة الخارجية التركية، كجزء من تصريح صحفي رسمي آخر،‮ ‬تعقيبا علي التطورات في مصر، بأن الوضع في مصر حساس ويدعو للقلق، وأنه من‮ ‬غير المقبول تفهم أو قبول أن تتم إزاحة رئيس منتخب بطرق‮ ‬غير ديمقراطية بدون انتخابات‮. ‬كما شدد التصريح علي وقوف تركيا إلي جانب الشعب المصري‮(‬72‮). ‬ونددت أيضا وزارة الخارجية التركية، كجزء من تصريح صحفي رسمي،‮ ‬تعقيبا علي التعامل مع المتظاهرين، بطريقة التعامل مع المتظاهرين، ودعت المجتمع الدولي للوقوف مع الديمقراطية،‮ ‬وتأييد الشعب المصري في نضاله لتحقيقها، مع تأكيد‮-  ‬في النهاية مجددا‮ - ‬وقوفها مع الشعب المصري‮(‬73‮).‬
وقامت وزارة الخارجية التركية، كجزء من تصريح صحفي رسمي بشأن محاصرة مسجد الفتح، بمعاودة الإشارة إلي ضرورة تدخل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لاتخاذ ما يلزم حيال هذا الموضوع‮(‬74‮). ‬وطالبت الوزارة كجزء من تصريح صحفي رسمي،‮ ‬تعقيبا علي مناوشات في مصر، بالامتناع عن استخدام القوة، والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، واحترام القانون والحريات والحقوق الأساسية،‮ ‬وإعادة الشرعية الديمقراطية‮(‬75‮).‬
لقد أحدثت تلك السياسات،‮ ‬من قبل تركيا،‮ ‬شرخا عميقا في العلاقات التركية‮ - ‬المصرية علي عدة أصعدة‮. ‬بداية، وعلي المستوي العسكري، تم إلغاء المناورات البحرية الثنائية،‮ ‬التي كان من المقرر إجراؤها في عام‮ ‬‭.‬2013‮ ‬سياسيا، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلي مستوي‮ ‬غير مسبوق في نوفمبر‮ ‬2013،‮ ‬بإعلان القاهرة السفير التركي شخصا‮ ‬غير مرغوب فيه،‮ ‬ومطالبته بمغادرة البلاد، وخفض التمثيل الدبلوماسي إلي مستوي القائمين بالأعمال‮. ‬اقتصاديا، لجأت مصر إلي ما يشبه القطيعة الاقتصادية الجزئية بإعلانها عدم تجديد اتفاقية خط الرورو الملاحي مع تركيا استنادا إلي أنها لم تحقق أي مكاسب لمصر،‮ ‬منذ توقيعها في مارس‮ ‬2012‮(‬76‮).‬
ووصلت ذروة هجوم الرئيس التركي علي مصر،‮ ‬مع انطلاق الانتخابات الرئاسية في مصر لعام‮ ‬2014،‮ ‬والتي اسفرت عن تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسا للبلاد، والتي وصفها صراحة بغير النزيهة، وأنها كانت موجهة، ولم يسمح لأحد بخوض الانتخابات، عندما قال‮: "‬لا يمكن وصف هذا النظام بأنه ديمقراطي،‮ ‬لأن الرئيس محمد مرسي في السجن‮"‬،‮ ‬وفقا لقوله‮. ‬وفي موقف جديد، اتهم الإدارة المصرية بالعمل مع إسرائيل ضد حماس المدعومة من الحكومة التركية، بحسب وصفه‮. ‬وتابع أن‮ "‬الإدارة في مصر ليست شرعية‮"‬، متهما السلطات المصرية بأنها تريد استبعاد حماس من أي اتفاق سلام في‮ ‬غزة‮(‬77‮).‬
ولعل ما حدث،‮ ‬خلال خطاب أردوغان الأخير، في افتتاح الدورة رقم‮ ‬74‮ ‬للأمم المتحدة،‮ ‬في‮ ‬24‮ ‬سبتمبر‮ ‬2019،‮ ‬وما تبعه من رد من وزارة الخارجية المصرية، ثم رد من وزارة الخارجية التركية، خير مثال علي ذلك‮. ‬فبعد استخدام أردوغان لمنبر الأمم المتحدة لبث أفكاره وأكاذيبه تجاه القيادة المصرية،‮ ‬كجزء لا يتجزأ من سياسة التشويه والشحن ضد النظام المصري، بإثارة وفاة محمد مرسي،‮ ‬والتلميح لقتله من قبل النظام المصري،‮ ‬والمطالبة بتحقيق دولي، وبعده قامت مصر برفض هذه التطاولات أو أي شكل من أشكال التدخل في شأنها الداخلي‮. ‬وقالت الخارجية التركية،‮ ‬في بيان نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية‮: "‬نرفض التصريحات المليئة بالكذب والافتراءات ضد بلادنا ورئيس جمهوريتنا، والتي أدلي بها متحدث الخارجية المصرية،‮ ‬متجاوزا حدوده في‮ ‬24‮ ‬سبتمبر‮ ‬2019‭.‬‮. ‬إن انتقاد الديمقراطية في تركيا من قِبل السلطة المصرية هو أمر تراجيكوميدي بحد ذاته‮". ‬وأضافت الخارجية التركية‮: "‬تركيا بحسبانها عضوا يتحلي بالمسئولية في المجتمع الدولي، تدعو إلي وقف انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة بشكل واسع وممنهج في مصر، وإلي تلبية المطالب المشروعة للشعب المصري،‮ ‬مثل الديمقراطية،‮ ‬والعدالة،‮ ‬والمساواة،‮ ‬والحرية،‮ ‬والمساءلة،‮ ‬والازدهار‮.. ‬الممارسات التي لا يمكن أن يتقبلها الضمير داخل السجون في مصر، والأعمال القضائية،‮ ‬التي تجري بقرارات سياسية معروفة بشكل جيد للغاية من قِبل المجتمع الدولي، تتعرض لانتقادات مؤسسات دولية مختلفة‮". ‬وأردفت الخارجية التركية أن‮ "‬الإدارة الحالية في مصر تفضل تبني موقف عدواني،‮ ‬مثلما فعلت ذلك عدة مرات في السابق، وذلك بهدف التستر علي انتهاكات حقوق الإنسان وتجاهل المطالب الأساسية للشعب المصري‮.‬ وسعي الإدارة الحالية في مصر لاستهداف تركيا،‮ ‬التي تتمتع بدور ريادي،‮ ‬وتجربة في مكافحة الإرهاب، هو انعكاس للموقف العدواني المذكور‮"(‬78‮).‬
رابعًا‮ - ‬ما بين تغير المسارات وإعادة هيكلة السياسة التركية تجاه مصر‮:‬
استنادا إلي المؤشرات التي حددها هولستي لإثبات حدوث نوع من أنواع إعادة الهيكلة، وفي ظل كل ما سبق عرضه، خلص البحث إلي أن التغير في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر،‮ ‬عقب أحداث‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011،‮ ‬لم يصل إلي مستوي إعادة الهيكلة،‮ ‬وإنما حرصت تركيا علي أن تنسج علاقات تعاون مميزة مع القوة الإقليمية الكبري،‮ ‬التي تنافسها في القوة العسكرية والنفوذ في المنطقة،‮ ‬استنادا إلي نظريات العمق الاستراتيجي، وتصفير المشكلات، والقوة الناعمة، فقامت تركيا مباشرة،‮ ‬بعد‮ ‬25‮ ‬يناير بمحاولات التقرب،‮ ‬وبناء علاقة استراتيجية مع مصر بعد العلاقة التي اتسمت بالتنافس والريبة في عهد مبارك، وبدأت تركيا مباشرة،‮ ‬في ظل حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة،‮ ‬في توطيد التعاون بين البلدين،‮ ‬والسعي إلي تصدير النموذج التركي للشعب والإدارة المصرية،‮ ‬إيمانا منها بجاذبيته المفترضة من جانب الحزب التركي الحاكم‮.‬
وعقب وصول تنظيم الإخوان إلي الحكم، متمثلا في محمد مرسي، الذي كان عضوا بارزا في مكتب الإرشاد، أصبح حلم تعميم النموذج التركي أقرب،‮ ‬من خلال تقارب الأيديولوجيات بين حزبي العدالة والتنمية التركي،‮ ‬والحرية والعدالة المصري،‮ ‬فتوطدت العلاقات بين البلدين آخذة منحي تصاعديا نحو التقارب وتوطيد العلاقات،‮ ‬مشيرة إلي التغير في السياسة الخارجية التركية إزاء مصر‮.‬
لكن لم يثبت خلال هذه الفترة حدوث أي من المؤشرات التي تدل علي التغير الجذري المفاجئ، الذي يصل إلي حد إعادة الهيكلة الذي أشار إليه هولستي في كتاباته، بالرغم من وجود بعض المؤشرات التي أثبتت التغير من حالة الجمود والبرود إلي التقارب والتعاون والدفء‮.‬ ويتضح ذلك من خلال الأمثلة التالية‮:‬
1‮- ‬المعاهدات بين تركيا ومصر‮: ‬كما سبقت الإشارة، تم توقيع عدد من المعاهدات في الفترة الزمنية التي أعقبت فوز محمد مرسي بالانتخابات‮.‬
2‮- ‬التصريحات السياسية للرؤساء،‮ ‬والقادة السياسيين،‮ ‬والنخب الحاكمة‮: ‬بدأت التصريحات الإيجابية للنخبة الحاكمة التركية إزاء الأحداث في مصر،‮ ‬عقب تنحي مبارك، مؤيدة مطالب الشعب،‮ ‬ومساندة لمصر خلال هذه المرحلة الانتقالية،‮ ‬إيمانا منهم بأهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين،‮ ‬وأهمية استقرار الوضع في مصر،‮ ‬وانعكاساته علي الشرق الأوسط،‮ ‬نظرا لأهمية ووزن مصر علي جميع الأصعدة‮.‬
3‮- ‬اتجاه التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي بين البلدين‮: ‬رصدت الدراسة توقيع‮ ‬27‮ ‬اتفاقية اقتصادية في عدة مجالات، بالإضافة إلي القروض الميسرة التي قدمتها تركيا إلي مصر‮.‬
4‮- ‬عدد وتوجه الزيارات الخارجية من قِبل رئيس الدولة أو الحكومة والقادة‮: ‬سبقت الإشارة إلي أن الرئيس التركي عبد الله جول أول من قام بزيارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة،‮ ‬بعد تنحي مبارك، كما قام أردوغان بزيارة مصر في سبتمبر‮ ‬2011،‮ ‬عقب فوزه بالانتخابات لتأكيد أهمية مصر في سياسة تركيا الشرق أوسطية‮. ‬وتوالت بعد ذلك الزيارات رفيعة المستوي بين البلدين،‮ ‬مثل دعوة مرسي،‮ ‬في سبتمبر‮ ‬2012،‮ ‬كضيف شرف في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية،‮ ‬وصولا إلي زيارة أردوغان الثانية،‮ ‬التي قام فيها بإلقاء خطاب في جامعة القاهرة لتدشين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين البلدين‮.‬
لكن، مع اندلاع ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو،‮ ‬والتي أسقطت شرعية نظام محمد مرسي،‮ ‬وأدت الي عزله، انقلبت حسابات تركيا وسياساتها رأسا علي عقب، وظهرت مؤشرات إعادة الهيكلة والتحول المفاجئ من التقارب والتعاون إلي العداء الشديد منذ الوهلة الأولي‮.‬
يمكن الاستدلال علي ذلك من خلال عدة مؤشرات من بين التي حددها هولستي،‮ ‬هي، علي سبيل المثال‮:‬
1‮- ‬المعاهدات بين تركيا ومصر‮: ‬في اكتوبر‮ ‬2014،‮ ‬تم إلغاء اتفاقية الخط الملاحي‮ "‬الرورو‮" ‬الموقعة في عهد مرسي في مارس‮ ‬2012،‮ ‬والتي كان من المفترض انتهاؤها في مارس‮ ‬‭.‬2015‮ ‬وردا علي قيام مصر بإعادة ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط، بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بين مصر وقبرص، أعلنت تركيا أن سفنها ستجري عمليات حفر في البحر المتوسط للتنقيب عن الغاز واستخراجه،‮ ‬مما دعا الخارجية المصرية إلي تحذير تركيا من اتخاذ أي إجراء أحادي الجانب فيما يتعلق بأنشطة حفر أعلنتها في منطقة بحرية‮ ‬غرب قبرص‮. ‬وقالت الخارجية إن إقدام تركيا علي أي خطوة،‮ ‬دون الاتفاق مع دول الجوار في منطقة شرق المتوسط، قد يكون له أثر علي الأمن والاستقرار في المنطقة،‮ ‬وأكدت ضرورة التزام جميع دول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه‮(‬79‮).‬
2‮- ‬الالتزامات العسكرية بين الدولتين‮: ‬تم إلغاء المناورات البحرية المشتركة التي كان من المفترض القيام بها في أكتوبر‮ ‬‭.‬2013‮ ‬ولم يقتصر النشاط العسكري التركي المعادي،‮ ‬ولو بطرق ملتوية وغير مباشرة،‮ ‬علي عدم تفعيل أي شكل من أشكال أوجه التعاون العسكري مع مصر،‮ ‬بل امتدت للتأثير في محيط العمق الجغرافي الاستراتيجي لمصر في السودان وليبيا‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فإن‮ "‬الصبغة الإقليمية للصراع حول مصر لم تقتصر علي التطورات الميدانية علي أرضها، بل تعدتها لتصبح دول أخري مسرحا لهذه المبارزة،‮ ‬التي تؤدي فيها تركيا دور البطولة، وترغب في حصار دور مصر الإقليمي‮. ‬ولعل خير مثال علي هذا التوجه هو قيام أردوغان بزيارة السودان في عام‮ ‬2017،‮ ‬وتوقيعه عشرات الاتفاقات مع حكومتها،‮ ‬وعلي رأسها اتفاقية استراتيجية تسمح لتركيا بالتمركز في جزيرة‮ "‬سواكن‮" ‬السودانية، التي تقع علي بعد نحو‮ ‬350‮ ‬كم من الحدود بين السودان ومصر، لتأهيلها خلال مدة زمنية‮ ‬غير محددة، وهو ما يسمح للأسطول التركي بالتحرك في هذه المنطقة بشكل شبه دائم، ومن ثم من الممكن عدّ‮ ‬هذه الجزيرة قاعدة جديدة للجيش التركي تضاف إلي قاعدته الموجودة في العاصمة الصومالية مقديشيو،‮ ‬وقواته التي تم تعزيزها في قطر‮"(‬80‮).‬
3‮- ‬التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن‮: ‬قامت تركيا،‮ ‬في أغسطس‮ ‬2013،‮ ‬بالتقدم بطلب إلي مجلس الأمن الدولي بغرض فرض عقوبات علي مصر،‮ ‬لكن لم يحصل الطلب علي تأييد كاف‮. ‬في المقابل،‮ ‬سعت مصر إلي ضغوط علنية لمنع حصول تركيا علي مقعد في مجلس الأمن‮.‬
4‮- ‬التعليق علي قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬أو مجلس الأمن‮: ‬في خطاب أردوغان في افتتاح الدورة رقم‮ ‬74‮ ‬للأمم المتحدة،‮ ‬في‮ ‬24‮ ‬سبتمبر‮ ‬2019،‮ ‬قام بمطالبة المجتمع الدولي بإجراء تحقيق دولي في وفاة محمد مرسي،‮ ‬وقال أردوغان بهذا الخصوص‮: "‬وفاة محمد مرسي وهو ينازع في قاعة المحكمة،‮ ‬وعدم السماح لأسرته بدفنه، جرح نازف بداخلنا‮"(‬81‮).‬
5‮- ‬التصريحات السياسية للرؤساء،‮ ‬والقادة السياسيين،‮ ‬والنخب الحاكمة‮: ‬أثبتت جميع التصريحات السياسية السابق ذكرها التحول الشديد في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر من التقارب إلي العداء الشديد،‮ ‬مشيرة للتغير الشديد منذ اللحظة الأولي لعزل محمد مرسي‮. ‬ولم يقتصر الأمر علي التصريحات السياسية فحسب،‮ ‬بل وصل إلي مرحلة الفعل،‮ ‬من خلال استضافة أنقرة لرموز تنظيم الإخوان المسلمين الفارين من العدالة في مصر،‮ ‬وإعطائهم ملاذا آمنا لممارسة أنشطتهم بحرية، بالإضافة إلي إتاحة منابر إعلامية ليبثوا،‮ ‬من خلالها،‮ ‬عداءهم للنظام المصري‮. ‬كما استضافت تركيا رسميا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين‮.‬
6‮- ‬عدد وتوجه الزيارات الخارجية من قِبل رئيس الدولة أو الحكومة والقادة‮: ‬حدث تباين ملحوظ في الحد من الزيارات الرسمية خلال فترة التباعد وقصرها علي تلك التي تتعلق بصورة مباشرة باجتماعات،‮ ‬أو مؤتمرات خاصة كمؤتمر التعاون الإسلامي‮.‬
7‮- ‬عدد وأماكن البعثات الدبلوماسية‮: ‬ردا علي التصريحات المسيئة لمصر،‮ ‬والقيادات السياسية المصرية، قامت مصر في‮ ‬23‮ ‬نوفمبر‮ ‬2013‮ ‬بإستدعاء السفير التركي وإبلاغه بخفض التمثيل للقائم بالأعمال،‮ ‬وبأن السفير نفسه شخص‮ ‬غير مرغوب فيه،‮ ‬وأمهلته حتي‮ ‬29‮ ‬نوفمبر لمغادرة البلاد،‮ ‬وردت تركيا بالمثل إعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل‮. ‬وكانت هذه الواقعة‮ ‬غير مسبوقة لمصر في جميع علاقاتها الدبلوماسية عبر السنوات الماضية،‮ ‬لكنها عبرت عن رفض مصر الشديد للتدخل التركي في شئونها الداخلية،‮ ‬والتعبئة والحشد ضدها من قِبل استضافة ودعم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي صنفته مصر تنظيما إرهابيا، إلي جانب الأسلوب المسئ والمتدني في التعامل مع القيادة المصرية‮.‬
تأسيسا علي ما سبق، يمكن التطرق إلي أسباب تغير مسارات السياسة الخارجية التركية، كما يلي‮:‬
برغم أن البلدين لا تجمعهما حدود جغرافية مشتركة بالمعني التقليدي، فإن ذلك لا يعني أن هناك تباعدا جيوسياسيا،‮ ‬بل علي العكس‮. ‬فقد تتعاظم أهمية هذا الأمر، حتي في‮ ‬غياب حدود فعلية أو علاقات دبلوماسية، نظرا لما يتضمنه المنظور الأخير من أبعاد وحسابات متشابكة ومعقدة‮. ‬من هذه الزاوية، تحتل مصر موقعا استثنائيا في اهتمامات وأولويات تركيا لعدة أسباب مرتبطة ببعضها بعضا، من بينها وقوع مصر في مركز ما أطلق عليه أوغلو في كتابه‮ "‬العمق الاستراتيجي‮" ‬اسم‮ "‬المناطق البرية القريبة‮"‬،‮ ‬أي البلقان،‮ ‬والقوقاز،‮ ‬والشرق الأوسط، والتي من المحتم علي تركيا ليس فقط التواصل معها فحسب،‮ ‬بل التقارب وتوطيد العلاقات معها لرفع مكانتها في الإقليم خاصة والعالم ككل‮. ‬يضاف إلي ذلك وعي تركيا بأن مصر ليست فقط أكبر الدول العربية سكانا،‮ ‬بل أكثرها تأثيرا في التاريخ لأسباب عدة،‮ ‬منها السياسي،‮ ‬والعسكري،‮ ‬والاقتصادي،‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬والتاريخي،‮ ‬والثقافي،‮ ‬والجغرافي،‮ ‬مما يمنحها مزيجا من هبات القوة الناعمة والخشنة،‮ ‬ويضعها من ضمن الدول التي يجب علي تركيا التنسيق والتعاون معها‮. ‬أيضا،‮ ‬تشكل مصر الضلع الثالث في معادلة ما سمَّاه أوغلو‮ "‬مثلث المنطقة‮" ‬المكون من تركيا،‮ ‬وإيران،‮ ‬ومصر لتنمية وحماية المنطقة،‮ ‬كون مصر بوابة تجارية لتركيا علي الدول الإفريقية وبعض الدول العربية،‮ ‬خاصة مع الأزمة السورية‮. ‬وتتشارك الدولتان في المخاطر والفرص إزاء عدد من الملفات،‮ ‬ومن ضمنها القضية الفلسطينية‮(‬82‮).‬
إضافة إلي ما سبق، أسهمت أحداث‮ ‬2011‮ ‬في العالم العربي خصوصا المصرية،‮ ‬في إعادة توجيه دفة الموقف السياسي الخارجي التركي التقليدي، والذي بطبعه متحفظ وبعيد عن التورط في أي تحيزات إلي أقصي حد ممكن، إلي مواقف واضحة وعلنية وصريحة فيما يتعلق بشئون الدول العربية، بدون استثناء،‮ ‬ولكن بتفاوت في الشكل والدرجة، وما حدث فيها من حراك شعبي‮ ‬يدعو للتغيير والإصلاح الشامل‮.‬ فاتخذت تركيا مواقف مؤيدة للمطالب الشعبية في وقت مبكر للغاية ولأسباب عدة، وتوازي ذلك مع تحركات دبلوماسية وتصريحات علي أعلي مستوي من جانب القادة الأتراك‮.‬
علي وجه الخصوص، يمكن إرجاع أسباب التغير في سلوك السياسة الخارجية التركية تجاه مصر بعد أحداث يناير‮ ‬2011،‮ ‬إلي عدة عوامل،‮ ‬منها الرهان التركي المبكر وشبه اليقين بأن تحول مصر من شأنه تبديل الأوضاع وتغيرها جذريا،‮ ‬ليس فقط علي الساحة المصرية،‮ ‬بل المنطقة بأسرها‮. ‬لذا،‮ ‬استبقت تركيا الأحداث وهرعت إلي تأييد ما حدث في مصر‮(‬83‮). ‬هناك أيضا الإدراك التركي المتصاعد لماهية الفرص التي يمكن أن يجسدها توثيق العلاقات مع الأنظمة الصاعدة إلي السلطة، مقابل التخلي عن النخب البائدة التي تحرك المتظاهرون ضدها، خاصة أن بعضا من هذه النخب الأخيرة لم يكن راغبا في ترسيخ العلاقات مع تركيا، وكان ذلك واضحا وضوحا جليا في الحالة المصرية،‮ ‬بالنظر الي طبيعة العلاقات بين الدولتين خلال حقبة مبارك‮(‬84‮). ‬أضف إلي ذلك استغلال تركيا لنافذة الفرصة السياسية المقترنة بروابط أيديولوجية، حيث مثَّل صعود حزب الحرية والعدالة في مصر فرصة تاريخية وفريدة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي، الذي بدا الأكثر تعاطفا وحماسا لصعود تيارات الإسلام السياسي إلي الحكم في الدول التي شهدت تلك الأحداث‮(‬85‮). ‬فضلا عن ذلك،‮ ‬ثمة تصور تركي بأن إقامة علاقات متينة مع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر تعد محورية في تأكيد الدور العالمي الذي يمكن أن تتولاه تركيا،‮ ‬من خلال علاقاتها مع‮ "‬الحركة الأم‮" ‬لحركات الإسلام السياسي في العالم، خاصة بعد ارتقائها لسدة الحكم في بعض الدول العربية، وعلي رأسها مصر، التي تشكل، وفق النمط الإدراكي للقيادة التركية، الدولة العربية الأكثر أهمية للحسابات الديموجرافية والجيوسياسية، والتي سبقت الإشارة إليها، فضلا عن محاولات قيادات الإخوان المسلمين الدائمة تصدير النموذج التركي عامة، والرئيس التركي،‮ ‬رجب طيب أردوغان،‮ ‬خاصة، كمثال للإسلام الوسطي الذي يقدم إنجازات اقتصادية،‮ ‬وسياسية،‮ ‬وعسكرية علي السواء‮(‬86‮).‬
من جهة أخري، وعلي النقيض تماما، ثمة محددات عدة فرضت صياغة الموقف التركي الحاد والصارخ،‮ ‬وربما المنفرد‮  ‬من ثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو، من أهمها التأثير الخاص بتدخلات الجيش التركي في الحياة السياسية، اثنان منها علي شكل انقلاب عسكري صريح، ولم يكن الإسلاميون الأتراك بمنأي عن آثارها، إن لم يكونوا الأكثر تضررا، مما ترك في نفوسهم ومخيلاتهم ترسبات وتوجسات وهواجس منذ فترة الستينيات حتي وقتنا الحاضر‮. ‬ولعل ما فعله أردوغان من تفكيك وخلخلة في الجيش التركي،‮ ‬وإعادة توزيع أدواره ومسئولياته في‮ ‬2016،‮ ‬فضلا عن الإقصاءات التعسفية والمحاكمات الهزلية، خير دليل علي ذلك‮. ‬وهناك محدد اقتناع النخبة التركية بأن أنقرة قد تكون مستهدفة بعد مصر،‮ ‬حال استقر الأمر لنظام الرئيس السيسي،‮ ‬بالإضافة إلي محدد الانسجام مع الموقف التركي التقليدي الداعم لخيارات الشعوب والتعامل مع الأنظمة التي تفرزها الانتخابات في البلدان المختلفة،‮ ‬بغض النظر عن أيديولوجياتها ومواقفها وخلفياتها الفكرية،‮ ‬فضلا عن الآمال التي بنتها تركيا علي شراكة إقليمية مع مصر بعد الثورة، والتي لاقت استحسان النخبة التركية،‮ ‬خاصة لتناغمها مع تصدير النموذج التركي،‮ ‬ودعم‮ "‬العثمانية الجديدة‮"‬، والتي تبددت مع قيام ثورة يونيو‮ ‬2013،‮ ‬والتي رأي فيها وزير الخارجية‮ -‬آنذاك‮- ‬أوغلو تحالفا استراتيجيا سمَّاه‮ "‬محور الديمقراطية‮" ‬في المنطقة‮. ‬وأخيرا التناغم مع الرأي العام ومزاج الشارع التركي، الذي رفض ما حدث، وتعاطف مع المعزول مرسي والإسلاميين بشكل عام،‮ ‬وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون في مصر‮(‬87‮)‬،‮ ‬بدون أيه تفكير أو تحليل موضوعي للأسباب التي قد تكون قد أدت إلي ذلك،‮ ‬أو إجراء تقييم محايد لفترة حكم الإخوان المسلمين،‮ ‬والتي استمرت لعام كامل‮.‬ ولم يكتفوا بذلك،‮ ‬بل قاموا بتصدير تلك الأفكار للخارج كجزء من حملة دولية للشحن والتشويه تجاه كل ما تعلق بثورة‮ ‬30‮ ‬يونيو ومكتسباتها‮.‬
نظرة مستقبلية‮:‬
بالنظر إلي كل ما سبق، فإن الموقف التركي إزاء أي تطور متعلق بالمشهد المصري، لاسيما موضوع المصالحة مع النظام المصري القائم الآن، محدد بخطوط عريضة من المفترض،‮ ‬ومن الصعب تجاوزها أو تجاهلها، حتي لو تأخر ذلك، ومنها شبه اقتناع تركيا بضرورة تصفير المشكلات‮ (‬أو‮ -‬علي الأقل‮- ‬الحد منها‮)‬،‮ ‬وتدوير الزوايا مع مختلف الدول قائمة‮.‬ ويغذي ذلك ما تعانيه السياسة الخارجية التركية،‮ ‬منذ فترة،‮ ‬من ضغط داخلي وإقليمي ودولي، ممزوج بتخبط السياسات واندفاعها لأهداف أيديولوجية تارة،‮ ‬أو أحلام إمبراطورية،‮ ‬بحثا عن أمجاد لإشباع دوافع شخصية تارة أخري، مما أدي إلي عزل تركيا وحرمانها من لعب الدور المؤثر والفعال المتوقع من دولة في حجمها ووزنها في ظروف طبيعية‮. ‬من ناحية أخري، لا يمكن لتركيا الاستغناء عن دولة إقليمية كبيرة ومؤثرة،‮ ‬مثل مصر، حكومة وشعبا، أو تجاهلها لفترة طويلة، بغض النظر عن النظام الذي يحكمها‮. ‬كما أن الملفات المشتركة بين البلدين، بما يشمل المصالح والتهديدات المشتركة، حافز كبير للتقارب بينهما، بغض النظر عن التوقيت والمستوي‮. ‬كما يبقي الاقتصاد عاملا محددا لأطر العلاقة، من خلال أهميته الاستثنائية في التجربة والرؤية التركية،‮ ‬وفي ظل الحاجة المصرية لدفع وتيرة عجلة التنمية الاقتصادية، وهو ما يعني أن التقارب الاقتصادي أقرب للتحقق من المصالحة السياسية، بما قد يضعنا أمام سيناريو مشابه للعلاقة بين أنقرة وتل أبيب‮ (‬القطيعة الدبلوماسية،‮ ‬في ظل تنامي التبادل التجاري‮). ‬جدير بالذكر أن حجم الصادرات التركية إلي مصر بلغ‮ ‬3‭.‬05‮ ‬مليار دولار في عام‮ ‬2018،‮ ‬أي بزيادة تقدر بنحو‮ ‬29‭.‬4٪،‮ ‬مقارنة بالعام السابق‮ ‬2017،‮ ‬في حين أن الواردات التركية من مصر قد وصلت في العام ذاته إلي‮ ‬2‭.‬19‮ ‬مليار دولار، بزيادة قدرها‮ ‬9‭.‬68٪،‮ ‬مقارنة بالعام السابق له‮(‬88‮).‬
فبالنظر إلي هذه الأرقام،‮ ‬يتضح مدي استفادة كل من البلدين من الناحية الاقتصادية،‮ ‬برغم حالة التباعد السياسي الشديد،‮ ‬مما يدل علي وجود مجال لتطوير هذا الشكل من أشكال التبادل إلي مستويات‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬خاصة مع الوضع في الحسبان حجم وقدرات وفرص نمو كل من السوقين،‮ ‬لاسيما حال تطور العلاقات السياسية تطورا إيجابيا‮. ‬فهناك من يري أن هذا التعاون الاقتصادي قد يوفر المناخ الملائم،‮ ‬أو الحافز،‮ ‬أو المقدمة للتقارب السياسي المطالبات‮. ‬ولكن من الصعب توقع إقدام تركيا علي التجاوب الكامل مع المطالب المصرية بخصوص المعارضة المقيمة علي الأراضي التركية،‮ ‬حتي في حالة التطبيع‮.‬
واقعيا،‮ ‬لا يستطيع الرئيس التركي،‮ ‬ولا حزب العدالة والتنمية الحاكم،‮ ‬تسويق خطوات من قبيل ترحيل المعارضة،‮ ‬أو تسليم مطلوبين للنظام في مصر للرأي العام التركي،‮ ‬وأنصار الحزب‮. ‬بينما ستبقي الحلول الوسط، مثل خفض سقف الحرية المتاح لوسائل الإعلام المستهدفة للقيادة المصرية،‮ ‬إضافة لمنع أي أنشطة سياسية،‮ ‬من قبيل البرلمان الموازي أو المجلس الثوري، خطوات محتملة من الناحية النظرية‮.(‬89‮).‬
لكن بالنظر إلي ما قام به أردوغان تجاه القيادة المصرية في خضم حديثه في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬في سبتمبر‮ ‬2019،‮ ‬وما تبعه في أكتوبر من إعطاء الضوء الأخضر الأحادي، المفتقد أي مظلة شرعية دولية، لبدء عملية‮ "‬نبع السلام‮" ‬العسكرية في شمال سوريا، التي لقيت شجبا،‮ ‬وتنديدا،‮ ‬واعتراضا من الغالبية العظمي من الدول الفاعلة،‮ ‬بغض النظر عن التوجهات والمصالح السياسية، فإنه ينذر بأن السياسة الخارجية التركية، ليس تجاه مصر فحسب،‮ ‬بل المنطقة والعالم أجمع، لا تزال تصر علي انتهاج أسلوب التهور،‮ ‬والأحادية،‮ ‬والحسابات الخاطئة المدفوعة بأغراض قصيرة المدي، كالأهداف الانتخابية، وهو ما يعكس في المحصلة التأثر بالأيديولوجية المحدودة للتيار الذي ينتمي إليه حكام تركيا، مما ينبئ بأن سياسة تركيا الخارجية تجاه مصر ستستمر في التأرجح بين التصعيد والجمود إلي أجل‮ ‬غير معلوم، وبعيدة كل البعد عن التهدئة، وتغييرها في الأغلب سيرتبط بتغيير شخص القيادة الحاكمة في تركيا،‮ ‬وتوجهاتها الإخوانية‮.‬
 
الهوامش‮ :‬
 
1‮- ‬عربي لادمي محمد، التحول في السياسة الخارجية التركية تجاه العراق، وسوريا،‮ ‬والقضية الفلسطينية‮ ‬1990‮-‬2010،‮ ‬المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين،‮ ‬2017،‮ ‬ص7‭.‬
2‮- ‬محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط2،‮ ‬1998، ص‮.‬7
3‮- ‬أحمد النعيمي، السياسة الخارجية، عمان‮: ‬دار زهران للنشر والتوزيع،‮ ‬2009، ص‮.‬23
4‮- ‬محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص‮.‬7
5‮- ‬محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص‮.‬36
6‮- ‬سعد حقي توفيق، مبادئ العلاقات الدولية، مكتبة السنهوري، بغداد، ص‭.‬15
7‮- ‬عطا الله زايد الزايد، العلاقات السياسية السعودية‮ - ‬الإيرانية وأثرها علي الأمن الإقليمي لمنطقة الخليج العربي‮ ‬1980‮-‬2003،‮ ‬الأكاديميون للنشر والتوزيع، الأردن، ط1،‮ ‬2015،‮ ‬ص‮.‬57
8- Kalevi Holsti, Why Nations Realign: Foreign Policy Restructuring in the Postwar World (London: Allen and Unwin, 1982, p.2.
9- Kalevi Holsti, Why Nations Realign, op. cit., p. 2-3.
10- Bahgat Korany and Ali E. Hillal Dessouki, ‮'‬Foreign Policy Approaches and Arab Countries: A Critical Evaluation and an Alternative Framework,‮' ‬in Bahgat Korany and Ali. E. H. Dessouki, p.22.
11- Ali E. Hillal Dessouki, “Regional Leadership: Balancing off Costs and Dividends in the Foreign Policy of Egypt”, in Bahgat Korany and Ali. E. H. Dessouki, p.167.
11- Ibid, p.167.
12- Kalevi Holsti, Why Nations Realign, op. cit., p. 3.
13- Kalevi Holsti, Why Nations Realign, op. cit., pp. 12-14.
14- Kalevi Holsti, Why Nations Realign, op. cit, p.15.
15- Kalevi Holsti, Why Nations Realign, op. cit, p.16.
16- Charles F. Hermann, Changing Courses: When Governments Choose to Redirect Foreign Policy, International Studies Quarterly, March 1990, pp. 3-21.
17- Jerel A. Rosati, J. D. Hagan and M. W. Sampson III (eds.), Foreign Policy Restructuring: How Governments Respond to Global Change (Columbia: University of South Carolina Press, 1994).
18- James A. Rosati, A Cognitive Approach to the Study of Foreign Policy, in J. A. Rosati, J. D. Hagan and Martin W. Sampson III, eds., Foreign policy Restructuring: How Governments Respond to Global Change, Columbia: University of South Carolina Press, 1994, p.52.
19- Bahgat Korany and Ali. E. Hillal Dessouki (eds.), The Foreign Policies of Arab States: The Challenge of Globalization (Cairo: The American University in Cairo Press, 2008, p.9.
20- Ibid, p.1.
21- Ibid, p.3.
22- Ibid, p.4.
23- Ibid, p.9.
24- Ibid, p.10.
25- Ibid, p.21.
26- Ibid, pp. 21-22.
27- Ibid, p.27.
28- Omer Taspinar, “Turkey‮'‬s Middle East Policies: Between Neo Ottomanism and Kemalism”, Carnegie Middle East Center, vol. 10, 2008, p.7.
http://www.turkpress.co/node/20261 
29‮- ‬سعيد الحاج،‮ ‬محددات السياسة الخارجية التركية إزاء مصر،‮ ‬2‮ ‬أبريل‮ ‬2016،‮ ‬تاريخ الدخول‮ ‬27 يونيو‮ ‬2019‭.‬‮ ‬متاح علي الرابط‮:‬
http://www.turkpress.co/node/20261
30‮- ‬المرجع السابق‮.‬
31‮- ‬سعيد الحاج، المرجع السابق‮.‬
32‮- ‬سعد عبيد السعيدي، العرب والعثمنة الجديدة، كراسة استراتيجية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية،‮ ‬2013، العدد‮ ‬‭.‬13
33‮- ‬محمد سعد أبو عامود، تركيا وحلم إعادة إنتاج دولة الخلافة العثمانية، مجلة السياسة الدولية، العدد‮ ‬201،‮ ‬2015،‮ ‬ص‭.‬98
34- Utku A. Alpaydin, “Soft Power in Turkish Foreign Policy under the AKP Government: 2002-2009", Unpublished master thesis, Bilkent University, 2010, p.89.
35- Ahmet Davutoglu, The Strategic Depth: Turkey‮'‬s Location and its Role in the International Arena (Doha: Al Jazeera Institute for Research, 2010).
36‮- ‬أحمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية،‮ ‬2011، ص612‭.‬
37‮- ‬سعيد الحاج، مرجع سابق‮.‬
38- Tur, Ozlem, “Turkish - Syrian Relations: Where we are going?” UNISCI Discussion Papers, No. 23, 2010, pp. 9-10.
39‮- ‬سعيد الحاج، مرجع سابق‮.‬
40‮- ‬سعد عبيد السعيدي، مرجع سابق،‮ ‬ص‮.‬30
41‮- ‬محمد كريم جبار، تركيا والتدخل العسكري في العراق، المركز الديمقراطي العربي، 9‮ ‬أكتوبر،‮ ‬2019،‮ ‬ص‮.‬3
42‮- ‬سعد عبيد السعيدي، مرجع سابق‮.‬
43‮- ‬أستفانيا ماهر نعيم رزق، السياسة الخارجية التركية تجاه التنظيمات الإسلامية‮: ‬دراسة حالة داعش والإخوان المسلمين في مصر، المركز الديمقراطي العربي،‮ ‬أول أغسطس‮ ‬‭.‬2016
44‮- ‬رجب طيب أردوغان يدعو مبارك إلي الإصغاء إلي مطالب شعبه، فرانس‮ ‬24،‮ ‬أول فبراير‮ ‬2011‭.‬
45‮- ‬أردوغان‮: ‬انصح مبارك بالاستماع إلي مطالب شعبه، بي بي سي عربي، 1 فبراير‮ ‬2011، علي الرابط‮: ‬
https://cutt.us/bGWM9
46‮- ‬المرجع السابق‮.‬
47- A. Shadid, “Turkey Predicts Alliance with Egypt as Regional Anchors”,‮ ‬The New York Times, September 2011.
48 Zenonas Tziarras, “(2013), Turkey - Egypt: Turkish model, political culture and regional power struggle”, SI Research Papers, No4., pp. 5-7.
49‮- ‬عبدالرحمن سعد،‮ ‬العلاقات التركية‮ - ‬المصرية من الثورة للانقلاب، تاريخ الدخول‮ ‬30‮ ‬يوليو،‮ ‬2019،‮ ‬علي الرابط‮:‬
https://cutt.us/j1EfM
50- Press Release Regarding the Clashes in Cairo, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 124, 10 May 2011.
51‮- ‬عمر كوش،‮ ‬الموقف التركي من الثوارت العربية، الجزيرة دوت نت،‮ ‬10‮ ‬يونيو‮ ‬‭.‬2011
52‮- ‬عمر كوش، المرجع السابق‮.‬
53‮- ‬إسرائيل تعتذر ومصر تسحب سفيرها، الجزيرة دوت نت،‮ ‬20‮ ‬أغسطس‮  ‬‭.‬2011‮ ‬
54‮- ‬عمر كوش، مرجع سابق‮.‬
55‮- ‬سعد عبيد السعيدي، مرجع سابق،‮ ‬ص30‭.‬
56‮- ‬أردوغان يهنئ مرسي،‮ ‬ويؤكد أن التحول الديمقراطي تحقق في مصر، بوابة الأهرام،‮ ‬24‮ ‬يونيو‮ ‬‭.‬2012‮ ‬
57- Press Release Regarding the Results of the Presidential Elections in Egypt, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 174, 24 June 2012.
58‮- ‬مباحثات بين العربي ووزير خارجية تركيا، بوابة الأهرام،‮ ‬2‮ ‬يوليو‮ ‬2012‭.‬
59‮- ‬كلمة الرئيس مرسي في تركيا يوم الأحد‮ ‬30‮ ‬سبتمبر‮ ‬2012،‮ ‬متاح علي‮:‬
https://www.youtube.com/watch?v=pHayGWDf6Xo
60‮- ‬عمر كوش،‮ ‬الموقف التركي من الثورات العربية، الجزيرة دوت نت،‮ ‬10‮ ‬مايو‮ ‬‭.‬2011
61- Hend El-Behary, “A New Era for Egyptian-Turkish Relations”, Daily News Egypt, 18 November, 2012.
62‮- ‬مصر وتركيا‮: ‬حدود تغيير قواعد اللعبة‮:‬
http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=232
63‮- ‬محمد عبدالقادر خليل،‮ ‬مصر وتركيا‮ .. ‬تحالف ما بعد الثورة، سلسلة ستا للدراسات والأبحاث،‮ ‬العدد الأول، مايو‮ ‬2013،‮ ‬ص8‭.‬
64‮- ‬عمر كوش،‮ "‬الموقف التركي من الثوارت العربية، الجزيرة دوت نت،  10‮ ‬مايو‮ ‬‭.‬2011‮ ‬
65‮- ‬نفين العيادي، قراءة في العلاقات التركية‮ - ‬المصرية بعد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير، المصري اليوم، 22 نوفمبر‮ ‬2012‭.‬
66‮- ‬إيمان رجب،‮ ‬السياسة الخارجية المصرية في أربع سنوات،‮ ‬الشروق، 23 يناير‮ ‬‭.‬2015
67- Joshua Haber and Hella Ighani, “A delicate balancing act: Egyptian foreign policy after revolution”, IMES CAPSTONE paper series, The Institute for Middle East Studies, May 2013, pp. 5-9.
68‮- ‬سعيد الحاج، مرجع سابق‮.‬
69‮- ‬إنجي نوحي،‮ ‬دور تركيا في الشرق الأوسط،‮ ‬الشروق، 30 يناير‮ ‬‭.‬2015
70‮- ‬محمد عبدالقادر خليل،‮ ‬مصر وتركيا‮ .. ‬من التحالف إلي المواجهة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 سبتمبر‮ ‬2013‭.‬‮ ‬تاريخ الدخول‮ ‬31‮ ‬أغسطس‮ ‬2019،‮ ‬علي الرابط‮:‬
https://cutt.us/dFzQi
71- Press Release Regarding the Latest Developments in Egypt, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 190, 3 July 2013
72- Press Release Regarding the Latest Developments in Egypt, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 192, 4 July 2013.
73- Press Release Regarding the Deaths Occurred in Egypt After Shooting at Demonstrators, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 195, 8 July 2013.
74- Press Release on the Demonstrators Besieged at Al Fath Mosque in Egypt, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 228, 17 August 2013.
75- Press Release Regarding the Clashes in Egypt, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Turkey, No. 269, 7 October 2013.
76‮- ‬تحولات السياسة الخارجية التركية إزاء دول الربيع العربي، متاح علي‮:‬
http://www.fekr-online.com/article
77‮- ‬منذ‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ .. ‬تطاولات من أردوغان وتلميحات من السيسي، متاح علي‮: ‬http://www.dotmsr.com
78‮- ‬تركيا ترد علي مهاجمة مصر لأردوغان وتبرز الانقلاب وشخصية الإدارة المصرية،‮ ‬سي إن إن العربية، 26 سبتمبر‮ ‬2019،‮ ‬متاح علي‮: ‬
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/26/09/2019/turkey-response-egypt-erdogan
79‮- ‬مصر تحذر تركيا من عواقب التنقيب عن الغاز‮ ‬غرب قبرص، بي بي سي عربي، 4 مايو‮ ‬2019،‮ ‬متاح علي‮:‬
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-48162127
80‮- ‬محمد منصور،‮ ‬حرب العبوات الناسفة،‮ ‬الميادين نت، 26 ديسمبر‮ ‬2017،‮ ‬متاح علي‮: ‬https://cutt.us/zdIdW
81‮- ‬سونر جاغابتاي،‮ ‬ومارك سيفرز،‮ ‬اللعبة الكبري بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط،‮ ‬واشنطن انستيتيوت فور نيير ميدل إيست،‮ ‬8 مارس‮ ‬2015،‮ ‬متاح علي‮:‬
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/turkey-and-egypts-great-game-in-the-middle-east
82‮- ‬سعيد الحاج، مرجع سابق‮.‬
83‮- ‬أحمد محمد أبوزيد،‮ ‬محددات السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬المستقبل العربي، العدد‮ ‬391،‮ ‬سبتمبر، ص ص130‮-‬‭.‬131
84‮- ‬محمد عبدالقادر خليل، مرجع سابق‮.‬
85‮- ‬بولنت أراسي،‮ ‬وبينار أكبيتار، السياسة الخارجية الجديدة لتركيا وانعكاساتها علي الشرق الأوسط، شرق نامة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد‮ ‬6،‮ ‬يناير، ص19‮-‬‭.‬20
86‮- ‬نعم نذير شكر،‮ ‬التحولات الراهنة في النظام العربي المعاصر، مركز الدارسات الدولية، جامعة بغداد، العدد‮ ‬48،‮ ‬ص ص‮ ‬20‮-‬‭.‬21
87‮- ‬سعيد الحاج، مرجع سابق‮.‬
88‮- ‬رقم قياسي في التبادل التجاري بين تركيا ومصر،‮ ‬رغم التوتر بين البلدين، 25 مايو‮ ‬2019،‮ ‬متاح علي‮:‬
https://cutt.us/B9Rg8
89‮- ‬المرجع السابق‮.‬
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. هدي فاضل شلتوت

    د. هدي فاضل شلتوت

    مدرس العلوم السياسية، كلية الإدارة والاقتصاد،‮ ‬جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا