كتب - رسائل علمية

المساءلة على جرائم الإبادة:|المسئولية الجنائية الدولية للقادة وفقا للقانون الدولي

طباعة

عرض : سمير محمد شحاتة

في الوقت الذي تتداول فيه أوساط دولية وعربية اتهامات للرئيس السوري بشار الأسد والعقيد الليبي معمر القذافي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إثر قتل الثوار وتعذيبهم، تزداد أهمية مناقشة قضية المسئولية الجنائية الدولية للقادة وفقا للقانون الدولي.

وفي هذا السياق تبدو أهمية رسالة دكتوراه نوقشت في كلية الحقوق، جامعة عين شمس في العام 2011، إذ تعرضت للمسئولية الجنائية الدولية في القانون الجنائي الدولي، والتي لا تزال من الموضوعات التي حدث بشأنها جدل واسع.وتقع المسئولية عادة نتيجة تخلف شخص القانوني الدولي عن القيام بالتزاماته، أو إتيانه فعلا غير مشروع يمس قاعدة من قواعد القانون الدولي.

وتمثل الجرائم الجنائية الدولية، سواء من قبل الدولة أوالأفراد وانتشارها بحكم سهولة الانتقال من بلد لآخر، واتخاذها أشكالا متعددة خطرا علي مصالح المجتمع الدولي، لاسيما جرائم الإرهاب التي تؤدي إلي إثارة الفزع والخوف في نفوس المواطنين الأبرياء. لذا، كان لابد من وجود قانون جنائي دولي يحدد الجرائم الدولية، ويبين المسئولية المترتبة علي انتهاك قواعده والعقاب المصاحب لهذه المسئولية.

وتشيرالدراسة إلي أن جريمة الإبادة الجماعية، أو ما يطلق عليها جريمة إبادة الجنس البشري، تعد إحدي الجرائم شديدة الخطورة التي تثير قلق المجتمعالدولي بأسره لما تنطوي عليه من قسوة ووحشية تستهدف القضاء الكلي أو الجزئي على جماعة عرقية أو وطنية أو دينية أو غيرها من الجماعات. إذ تسببت هذهالجريمة في مقتل أكثر من 170 مليون شخص، وهو العدد الذي يفوق عدد الضحايا الذين سقطوا في الحروب التي دارت خلال سنوات القرن العشرين مجتمعة. وتنتقلهذه الجريمة من دولة لأخري، فهي تنتقل من كمبوديا إلى يوغوسلافيا السابقة، ومن بورما إلي كشمير، وصولا إلى رواندا وفلسطين والعراق ودارفور، الأمرالذي يتضح معه عدم التفريق بين أشخاص أو ثقافات في ارتكاب هذه الجرائم. لذا، جاءت هذه الجريمة علي قمة الجرائم التي يترتب عليها تقرير المسئولية الجنائية الدولية للقادة.

فضلا عن ذلك، فإن جرائم الإبادة الجماعية تتماثل مع الجرائم ضد الإنسانية في إمكانية ارتكابهما في وقت السلم وأيضا في وقت الحرب. إلا أنه توجد العديد من الاختلافات بينهما، إذ إن الجرائم ضدالإنسانية تقع تبعا للجرائم ضد السلام أو لجرائم الحرب، وتكون علي صلة بها، علي خلاف الحال في جريمة الإبادة الجماعية التي تعد مستقلة بذاتها، وتقع في زمن السلم والحرب على حد سواء، ولابد أن تقع ضد طائفة معينة بهدف القضاء عليها كليا أو جزئيا.

الجرائم ضد الإنسانية:

تعد فكرة الإنسانية  كمفهوم قانوني  حديثة نسبيا في التشريعات الوطنية والدولية، لأن تطور الفكر القانوني ارتبط دوما بنظرية الشخص القانوني الطبيعي أو الاعتباري. كما كان تطور مفهوم الشخصية القانونية علي المستوي الدولي رهنا بتطورات أشخاص القانون الدولي. وبقيت هذه الفكرة كمفهوم قانوني منحصرة في الأطر الدينية والفلسفية والأخلاقية، ولم يكن الفكر القانوني ليرتقي إليها لولا أن ألجأته لذلك أحداث جسام.

فالعالم كان يأمل في أن تكون الحرب العالمية هي آخر الحروب، إلا أنه قد اندلعت بعدها قرابة 250 نزاعا مسلحا ما بين محلي وإقليمي ودولي، ونتج عن هذه الصراعات انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان. من هنا، ظهرت الجرائم ضد الإنسانية، وتنبه الجميع إلي خطورتها. إلا أنها، ومع ذلك، لم تنل الاهتمام الكافي من الفقه، ولذا، فقد اكتنف مفهومها العديد من الصعوبات.

كما يتطلب فعل الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية قصدا خاصا يتمثل في نية التسبب في إصابة إنسان ما، لأنه ينتمي إلى مجتمع محلي معين، أو جماعة بعينها (نية إجرامية تمييزية). وبالتالي فإن أي اعتداء يقع على شخص، أو عدة أشخاص، ينتمي إلى ديانة أو طائفة معينة في بلد ما، فإنه لا يشكل اضطهادا مكونا لجريمة ضد الإنسانية، ما دامت وقعت بصفة فردية أو عارضة.

ولكن يصبح الاضطهاد هنا مكونا لجريمة ضد الإنسانية، إذا اتخذ طابعا جماعيا أو في إطار هجوم واسع النطاق، وتبعا لسياسة منهجية تتبناها دولة أو منظمة ما، وأن تكون هناك النية التمييزية التي تتمثل فينية الاعتداء الجسيم علي هؤلاء الأشخاص لانتمائهم إلي هذه الديانة أوالطائفة.

الأساس القانوني لمسئولية القادة

عرض الباحث في دراسته للهدف الأساسي للقضاء الجنائي الدولي، والذي يتمثل في محاكمة كبار مجرمي الحرب من القادة والرؤساء عما يقترفونه من جرائم ذات خطورة شديدة علي المجتمع الدولي بأسره.

وهؤلاء القادة لا يرتكبون الجرائم بأنفسهم، بل هم الذين يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخرفي ارتكابها، الأمر الذي يعني أن القانون الجنائي الدولي يعرف نظام المسئولية الجنائية المباشرة للقادة بكافة صورها، أي سواء أكان هؤلاءالقادة فاعلين أصليين (مباشرين)، أم فاعلين غير مباشرين ارتكبوا الجريمة عن طريق الغير، إما بأمر منهم، أو تحريض، أو إسهام، أو مساعدة، أو أي شكل آخرمن أشكال الارتكاب.

وتتخذ المسئولية الجنائية الدولية المباشرة للقادة صورا شتي، إذ يمكن مساءلة القادة جنائيا عن الجرائم الدولية التي يرتكبونها أو يأمرون بارتكابها، ويمكن أيضا تحميلهم المسئولية الجنائية عن الإسهام في ارتكاب هذه الجرائم، أو تسهيل ارتكابها، أو المساعدة، أوالتحريض عليها، كما يمكن ملاحقتهم قضائيا بسبب التخطيط لارتكاب تلك الجرائم أو التحريض عليها أو الاتفاق عليها أو مجرد الشروع في ارتكابها.

وبناء على ذلك، تتحقق المسئولية الجنائية المباشرة للقادة، إذا كان لهم دور أساسي في ارتكاب الجريمة، سواء بإصدار أوامر مباشرة  كتابية أو شفوية، أو الإسهامفيها بتحريض، أو مساعدة، أو اتفاق، أو شروع.

وعلي ذلك، فإن صور المسئولية الجنائية المباشرة للقادة تتمثل في المساهمة الجنائية الأصلية والمساهمة الجنائية التبعية، والاتفاق الجنائي، أو ما يطلق عليه (المشروع الإجرامي المشترك).

يري الباحث أنه إذا كانت القاعدة في كافة النظم القانونية الداخلية عدم جواز ادعاء أحد بالجهل بالقانون، فإن الجهل بالقانون الدولي الإنساني هو على درجة أكبر من الخطورة من الجهل بفروع القانون الأخري.

لذا،يطالب الباحث بتفعيل القرار رقم (21) الصادر عن المؤتمر الدبلوماسي، والمتعلق بنشر القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحةبنوعيها، لتأكيد وتطوير هذا القانون، وأن يكون نشره على أفراد القوات المسلحة بمختلف فروعها، من أجل عدم التذرع بأوامر الرئيس الأعلي كمانع من موانع المسئولية الجنائية، طبقا للمادة 33/2، والحيلولة بالتالي من إفلات مرتكبي جرائم الحرب من المسئولية الجنائية الدولية.

طباعة