من المجلة - تقارير

إدارة ترامب عامل محفز لصراع المؤسسات الأمريكية

طباعة
يقوم النظام السياسي الأمريكي في جوهره على مبدأ "الرقابة والتوازن /Check and Balance"، حيث يقيد الدستور الأمريكي المؤسسات السياسية، عبر إعطاء غيرها صلاحيات رقابية، وفي الوقت ذاته يضمن عدم التغول في استخدام تلك الصلاحيات. فتم توزيع الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) على نحو لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار.
 
 وبذلك، أصبحت العلاقة بين مؤسسات الدولة لا تقوم فقط على الفصل بين السلطات، وإنما أقرب إلى علاقة "مؤسسات منفصلة تتقاسم السلطات"(1).
 
بيد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شهدت، مع أيامها الأولي، صداما مبكرا بين السلطات الثلاث الرئيسية داخل النظام السياسي الأمريكي. وكان ترامب ومستشاروه المقربون وراء هذا الصدام، بإصداره أوامر تنفيذية تغير في بنية المؤسسات الأمريكية بإعطاء مستشاري الرئيس سلطة تفوق التنفيذيين والخبراء، وهو الأمر الذي أحدث صداما داخل المؤسسة التنفيذية، التي يأتي على رأسها ترامب. وقد ظهر هذا الصدام إلى العلن مع معارضة الرئيس ومستشاريه لتسميات وزيري الدفاع والخارجية لنوابهما، وسعيه إلى فرض أسماء تدين بالولاء له، ولمستشاريه، والتي رفضها الوزيران.
 
كما دخل الرئيس ترامب في صدام مع السلطة القضائية، بعد أن أوقفت أمره التنفيذي الخاص بمنع دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الأراضي الأمريكية، وكذا مع السلطة التشريعية، على الرغم من تمتع حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) بالأغلبية في مجلسي الكونجرس (مجلسي النواب والشيوخ)، إضافة إلى الصدام مع مجمع الاستخبارات الأمريكية، الذي يسرب لوسائل الإعلام الأمريكية اتصالات عدد من أعضاء الإدارة الأمريكية بروسيا في انتهاك القانون الأمريكي.
 
ولهذا، شهد الشهر الأول لترامب في الرئاسة توترات حادة مع وسائل الإعلام والرأي العام الأمريكي، مما دفع السيناتور جون ماكين، المرشح الجمهوري الأسبق للانتخابات الرئاسية لعام 2008، ورئيس لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، إلى التصريح بأن إدارة ترامب "في حالة اضطراب". واعترف بذلك وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، خلال أول زيارة له إلى منطقة الشرق الأوسط، غير أنه استدرك قائلا إنها "لا تؤثر في أداء الجيش الأمريكي"(2).
 
أولا- صدام المستشارين والتنفيذيين:
 
منذ بدء حملته الانتخابية، يعلن دونالد ترامب رفضه للمؤسسات الأمريكية (السياسية والاقتصادية)، ويعدّها السبب في الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقد الماضي. ولهذا، كان أمرا لافتا أن يوجه لها انتقاد الاذعا ومباشرا في خطاب تنصيبه يوم 20 يناير 2017، حيث قال إن"المؤسسات الأمريكية تحمي نفسها وليس الأمريكيين، وإنه خلال إدارته سيكون الشعب هو الحاكم الفعلى، وليس النخبة التقليدية الأمريكية"(3).
 
ولعدم ثقته في المؤسسات الأمريكية التقليدية، منح ترامب دورا متزايدا لمستشاريه المقربين منه في عملية صنع القرار الأمريكي الداخلي والخارجي على حد سواء، لاسيما صهره جاريد كوشنر، وكبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيفن بانون، ومدير سياسات البيت الأبيض ستيفن ميلر، مقابل تهميش دور التنفيذيين والخبراء داخل المؤسسات المنوط بها صياغة السياسات الأمريكية.
 
فبعد أيام من أدائه اليمين الدستورية، عين ترامب مستشاره المقرب منه بانون في لجنة مديري مجلس الأمن القومي، في الوقت الذي سعي فيه إلى تهميش دور التنفيذيين المسئولين عن قضايا الأمن القومي، مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير الاستخبارات الوطنية، اللذين سيحضران اجتماعات المجلس، عندما يناقش قضايا تتعلق بمسئولياتهما حصرا. كما منح الرئيس صهره كوشنر دورا محوريا في بدء المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية، وهي مهمة تحتكرها عادة وزارة الخارجية.
 
ويسعي ستيفن بانون إلى التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تشكيل فريق سياسي خاص به، فأنشأ "مجموعة المبادرات الاستراتيجية" لمنافسة نفوذ المؤسسات الأمريكية الفاعلة في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك مجلس الأمن القومي. ويصف البعض هذه المجموعة بأنها مركز بحثي داخل البيت الأبيض(4).
 
أدت سيطرة مستشاري الرئيس على مجلس الأمن القومي إلى رفض الأميرال المتقاعد روبرت هاروارد تولي منصب مستشار الرئيس للأمن القومي، خلفا لمايكل فلين، الذي استقال في الرابع عشر من فبراير 2016، على خلفية اتصاله بالسفير الروسي لدي الولايات المتحدة، سيرجي كيسلياك. وجاء رفض هاروارد لعدم حصوله على ضمانات من الرئيس ترامب بأن المجلس هو المسئول الأول عن صياغة سياساته، وليس مستشارو الرئيس السياسيون، خاصة بانون، وكبير موظفي البيت الأبيض رينسبريبوس، المقربين من ترامب(5).
 
يؤدي تنامي دور مستشاري ترامب في التأثير فيه إلى صدام بين البيت الأبيض، وفريق السياسة الخارجية بالإدارة الأمريكية، بسبب تناقض الأفكار والتوجهات بين المجموعتين. حيث يؤمن أعضاء فريق الخارجية بأن يكون للولايات المتحدة دور عالمي بارز، من خلال تحالفات قوية متعددة الأطراف، ويرفضون مصطلح "الإسلام المتطرف"، الذي يستخدمه مستشارو الرئيس. ومن ثم، يعدّون السياسات التي يدعو إليها أولئك المستشارون مضرة بالمصالح والأمن القومي الأمريكي(6).
 
وقد انعكس اختلاف رؤي ترامب ومستشاريه حول قضايا السياسة الخارجية مع التنفيذيين في تبني وزيري الدفاع جيمس ماتيس، والخارجية ريكستيلرسون، وسفيرة الولايات المتحدة لدي منظمة الأمم المتحدة نيكي هيلي مواقف مغايرة لترامب ومستشاريه. فبينما رأي ترامب أن حلف شمال الأطلنطي "عفي عليه الزمن"، أكد وزيرا الدفاع والخارجية، خلال جولة أوروبية، أهمية (الناتو) في حفظ الأمن والاستقرار الدوليين(7). ومقابل تصريحات ترامب حول انفتاحه على خيارات أخرى غير حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، صرحت هيلي بأن "الولايات المتحدة لا تزال تدعم حل الدولتين"(8).
 
كما أكد ماتيس، في العشرين من فبراير 2017، خلال زيارته الأولي للعراق، أن "الولايات المتحدة لا تسعي إلى نهب نفط العراق"، على عكس تصريحات سابقة لترامب بأنه كان على واشنطن الاستيلاء على النفط العراقي، قبل سحب القوات الأمريكية من بغداد في عام 2011(9).
 
ولا يقتصر الصدام بين البيت الأبيض ووزيري الدفاع والخارجية حول الاختلاف في وجهات النظر حول قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن لرفض الرئيس لمرشحي الوزيرين لتولي مناصب عليا داخل وزارتيهما. فقد رفض ترامب ترشيح إليوت أبرامز، الذي شغل مناصب دبلوماسية في إدارتي الرئيسين الأمريكيين السابقين رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، لتولي منصب نائب وزير الخارجية، لأنه انتقد ترامب بشدة خلال حملته الانتخابية(10). ويرفض البيت الأبيض تعيين السفيرة آن باترسون لتولي منصب نائب وزير الدفاع للشئون السياسية، نظرا لقربها من جماعة الإخوان المسلمين، خلال حكم الجماعة لمصر، في الوقت الذي كانت تتولي فيه منصب سفير الولايات المتحدة لدي القاهرة بين 2011 و2013، وعدم تشجيعها لخروج مظاهرات ضد الجماعة خلال تلك الفترة(11).
 
يلعب وجود قيادات، مثل وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي دور الموازن أمام مستشاري الرئيس ترامب الذين يفتقدون الدراية بالشئون الخارجية، وقضايا الأمن القومي، ويدفعون الرئيس لاتخاذ قرارات ذات مردود سلبي على المصالح والأمن القومي الأمريكي. وهو الأمر الذي دفع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب كوركر، إلى القول إنه "يشعر بالراحة لوجود أشخاص، مثل وزير الدفاع، ووزير الخارجية، يتبنون وجهات نظر أكثر تشددا بشأن روسيا، ويستطيعون التأثير في الرئيس ترامب"(12). ويتجلي الدور الذي يلعبه التنفيذيون في موازنة تأثير مستشاري الرئيس والمقربين منه في استثناء العراق من حظر دخول المسافرين من الدول السبع ذات الأغلبية المسلمة إلى الولايات المتحدة(13). فقد جاء استثناء العراق نتيجة ضغوط وزراء الدفاع، والخارجية، والأمن الداخلي، ومستشار الأمن القومي(14).
 
تهميش وزارة الخارجية:
 
همش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ توليه السلطة في العشرين من يناير 2017، دور وزارة الخارجية في القيام بدورها التقليدي في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، من خلال تغييب الوزير عن مناقشاته مع رئيس الوزراء الكندي جاستنترودو، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مقابل حضور مستشاريه المقربين منه،  إلى جانب توقف المؤتمرات الصحفية اليومية للوزارة، التي كانت تعقد بانتظام منذ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون فوستر دالاس، في خمسينيات القرن المنصرم(15).
 
كما لم يأخذ ترامب رأي وزارة الخارجية قبل اتخاذ قرارات رئيسية من اختصاصها، مثل تراجعه عن دعم حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ودعم إقامة دولة فلسطينية، وتوجيهه تحذيرا علنيا إلى إيران بشأن تجارب الصواريخ الباليستية التي تنفذها. ويظهر تهميش وزارة الخارجية بصورة واضحة في تعهد ترامب بزيادة الإنفاق العسكري بقيمة 54 مليار دولار مقابل تخفيض إنفاق وزارة الخارجية، الأمر الذي يظهر أن الرئيس ومستشاريه، وعلى رأسهم ستيفن بانون، لا يولون أهمية كبيرة للدبلوماسية، ودور وزارة الخارجية(16).
 
ويرجع البعض تهميش وزارة الخارجية إلى وزير الخارجية نفسه لعدم تمتعه بخبرة سابقة في العمل السياسي، أو الدبلوماسي، وأنه مبتدئ في الحياة الدبلوماسية الأمريكية. ولكن السبب الأبرز، من وجهة نظر الكثيرين، يتمثل في ميل ترامب إلى إحالة شئون السياسة الخارجية إلى مجموعة من المستشارين المقربين له داخل إدارته(17).
 
وفي مقابل تهميش دور وزير الخارجية، يتنامي دور وتأثير العسكريين داخل الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ريموندماكماستر، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي، الذين يتمتعون بنفوذ داخل البيت الأبيض يفوق نفوذ وزير الخارجية تيلرسون، وتقود خلفيتهم العسكرية إلى تبني نهج عسكري بصورة مفرطة على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يتناقض مع أساليب عمل وزارة الخارجية التي تركز بصورة رئيسية على العمل الدبلوماسي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية(18).
 
ثانيا- صدام مع الكونجرس:
 
على الرغم من سيطرة حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) على مجلسي الكونجرس، اتسمت العلاقة بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية بالتصادم، لاسيما مع كشف الاستخبارات الأمريكية عن اتصالات لمستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، ووزير العدل جيف سيشنز بمسئولين روس. ويأتي ذلك في تعارض مع سياسات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي ترفض التقارب مع روسيا، والتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين. وفي اتفاق نادر الحدوث، يؤكد أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ضرورة فتح تحقيقات حول اتصالات أعضاء بالإدارة الأمريكية، وارتباطاتهم بروسيا، واستدعاء فلين وسيشنز للمثول أمام الكونجرس بسبب اتصالاتهما بالسفير الروسي لدي الولايات المتحدة.
 
ويتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الرئيس ترامب يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، وذلك على خلفية مناقشته قضايا أمنية حساسة، ووثائق سرية مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بمنتجع "مار آلا جو"، بعد تجربة الصاروخ الباليستي الذي أطلقته كوريا الشمالية في 13 فبراير .2017 مما يعد انتهاكا للإجراءات الأمنية التي ترافق المحادثات السرية لحمايتها من التنصت والاختراق.
 
وينعكس الصدام بين ترامب والكونجرس الأمريكي في أن كثيرا من المناصب المهمة داخل الإدارة الأمريكية لا تزال شاغرة، مثل منصب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية، المرشح له السيناتور الأسبق عن ولاية إنديانا دان كوتس، الذي لا يزال في انتظار تصديق مجلس الشيوخ عليه لتولي مهام منصبه رسميا. ورفض الديمقراطيون بمجلس الشيوخ عددا من ترشيحات ترامب لتولي مناصب مهمة بالإدارة الأمريكية لتضارب المصالح، حيث أغلبهم من رجال الأعمال الذين يري أعضاء مجلس الشيوخ أنهم غير أكفاء لتولي هذه المناصب. ولهذا، كانت أغلب التعيينات التي تم تمريرها حتي الآن من مجلس الشيوخ بأغلبية ضئيلة(19).
 
ويدخل الرئيس ومستشاروه في صدام مع أعضاء الكونجرس من حزبه (الجمهوري) الذين ينتقدون سياسته، وفي مقدمتهم السيناتور جون ماكين، الذي انتقد الغارة العسكرية الأمريكية على اليمن في 29 يناير 2017(20).
 
نتيجة الفوضي التي سادت الإدارة الأمريكية، خلال أول شهر للرئيس في البيت الأبيض، وصدام ترامب ومستشاريه بالمؤسسات الأمريكية، واستمرار التسريبات حول اتصالات مسئولين بالإدارة مع مسئولين روس، في انتهاك للقانون الأمريكي، ينأي الجمهوريون بمجلسي الكونجرس عن تأييد ترامب في صراعه مع المؤسسات، وعن بعض سياساته، لكيلا يتحول إلى عبء عليهم، وهو ما قد يهدد استمرار احتفاظهم بالأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس العام القادم، لاسيما مع عدم اتخاذ الرئيس الأمريكي خطوات جدية لطرح بديل لنظام الرعاية الصحية، الذي أقره الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وملف إصلاح النظام الضريبي. وهما ملفان رئيسيان على أجندة الحزب الجمهوري، التي صوت على أساسها الناخب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نوفمبر 2016 .
 
ثالثا- مواجهات مع القضاء والاستخبارات:
 
رأي القضاء الأمريكي أن الأمر التنفيذي، الذي أصدره ترامب، بعد أسبوع فقط من دخوله البيت الأبيض، والذي يحظر  دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوما، بمنزلة انتهاك لمبادئ الدستور الأمريكي. حيث قرر قاض فيدرالي في مدينة سياتل بولاية واشنطن، في الثالث من فبراير 2017، تجميد هذا الأمر بشكل مؤقت على كامل الأراضي الأمريكية. وهو ما أكدته محكمة استئناف بولاية سان فرانسيسكو، في التاسع من الشهر ذاته، حيث رفضت طلبا قدمته الإدارة الأمريكية لإلغاء حكم قاضي سياتل. وبعد أن علق القضاء الأمريكي في معركتين قضائيتين تطبيق الأمر التنفيذي، هاجم ترامب السلطة القضائية، وشكك في استقلاليتها، وقال إن القضاء "مسيس"(21).
 
وتفاديا لتصعيد المعركة القضائية إلى المحكمة العليا، أعلن ترامب أنه لن يستأنف تطبيق الأمر التنفيذي الذي قام القضاء بتعليقه، بل أصدر أمرا تنفيذيا جديدا في 6 مارس .2017 وليس مستغربا أن يكون هذا الأمر التنفيذي أيضا موضع صراع جديد بين الرئيس والسلطة القضائية، مع توجه أفراد ومنظمات حقوقية إلى رفع دعاوي أمام المحاكم الأمريكية لوقف تنفيذه، لأنه -من وجهة نظر الكثير- لا يختلف عن الأمر التنفيذي السابق الذي ينتهك مبادئ الدستور الأمريكي. فقد أعلن المدعي العام لنيويورك إريك شنايدرمان، أكبر المسئولين القضائيين في ولاية نيويورك، أن مكتبه على استعداد لمقاضاة إدارة ترامب، لأن الأمر التنفيذي الجديد لا يزال يتضمن تمييزا ضد المسلمين. ودعت اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز، وهي جمعية للحقوق المدنية للأمريكيين المنحدرين من أصول عربية، إلى جمع التبرعات للتصدي للمعارك القضائية القادمة ضد الأمر التنفيذي الجديد(22).
 
عدم ثقة بالاستخبارات:
 
تعاني العلاقة بين الرئيس ومجتمع الاستخبارات الأمريكية فجوة عدم ثقة، منذ فترة الحملة الانتخابية. حيث أعرب ترامب، وقتئذ، أنه لا يثق بمعلومات أجهزة الاستخبارات الأمريكية، واتهمها بأن معلوماتها، خلال السنوات العشر الماضية، "أدت إلى وضع كارثي خارج الولايات المتحدة وداخلها". وفي المقابل، يري عدد من المسئولين الاستخباراتيين أن ترامب يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، لأنه يرفض تغيير وجهة نظره بناء على معلومات جديدة، وليست لديه رغبة في الاستماع إلى الآخرين، وأنه غير مهتم بمعرفة الحقائق(23).
 
ومن تجليات تلك الحالة من عدم الثقة نقل الاستخبارات إلى وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيل اتصالات أعضاء في الإدارة الأمريكية مع مسئولين كبار في روسيا، وتدخل الأخيرة في العملية الانتخابية لمصلحة ترامب بقرصنة حسابات اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. وفي المقابل، يتهم ترامب الوكالات الاستخباراتية بخرق القانون، من خلال تسريب معلومات عن اتصالات بعض أعضاء إدارته مع روسيا، والتي وصفها بالعمل "الإجرامي".
 
ولهذا، يخطط الرئيس ترامب للاستعانة بصديقه الملياردير ستيفن فاينبرج، الذي تربطه علاقات قوية بستيفن بانون، وجاريدكوشنر لقيادة لجنة مراجعة أنشطة وكالات الاستخبارات الأمريكية، وهو توجه يثير مخاوف من احتمالات تقليص استقلالية الاستخبارات، والحد من حرية تدفق المعلومات فيما بينها.
 
خلاصة القول، إن اختلاف الرؤي بين مستشاري الرئيس دونالد ترامب، والمقربين منه في جانب، والتنفيذيين داخل الإدارة الأمريكية، لاسيما وزراء الدفاع، والخارجية، والأمن الداخلي، ومجتمع الاستخبارات الأمريكية في جانب آخر، سيؤدي إلى صدام خطير بين المؤسسات التي تلعب دورا مؤثرا في عملية صنع القرار الأمريكي.
 
لكن نتيجة عدم خبرة الرئيس ومستشاريه، وكذلك وزير الخارجية ريكس تيلرسون بقضايا السياسة الخارجية، والأمن القومي الأمريكي، فإن تولي قادة عسكريين سابقين أبرز ثلاثة مناصب داخل الإدارة الأمريكية (جيمس ماتيس وزارة الدفاع، على عكس التقليد الأمريكي بإخضاع العسكريين للسيطرة المدنية، وجون كيلي وزارة الأمن الداخلي، وهربرت ريموند ماكماستر مستشار الأمن القومي) يعني أن المسئولين الثلاثة سيكون لهم دور بارز في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، مقابل تراجع دور وزارة الخارجية، وسيعملون ربما على موازنة تطرف الرئيس ترامب ومستشاريه في قضايا السياسة الخارجية، والأمن القومي.
 
الهوامش :
 
1- منار الشوربجي، كيف ينتخب الرئيس الأمريكي؟ قيود وتعقيدات وأشياء أخرى، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية)، 2008، ص ص18-.19
 
2- للمزيد عن ملامح التوتر داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، انظر: عمرو عبدالعاطي، ملامح الفوضي وصدام المؤسسات في إدارة ترامب، موقع مجلة السياسة الدولية، 7 مارس 2017:
- Error! Hyperlink reference not valid.
3- Inaugural address: Trump's full speech, CNN, January 21, 2017.
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
4- Josh Rogin, Can anyone inside or outside the White House stop Stephen Bannon, Washington Post, February 2, 2017. Error! Hyperlink reference not valid.
 
5- Robert Harward turns down Trump's offer to be national security adviser, The Guardian, , February 17, 2017.
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
6- Josh Rogin, Three words  radical Islamic terrorism  expose a Trump administration divide, Washington Post, March 1, 2017, Error! Hyperlink reference not valid.
 
7- عمرو عبدالعاطي، ملامح الفوضي وصدام المؤسسات في إدارة ترامب، مرجع سابق.
 
8- نيد باركر، سفيرة أمريكا بالأمم المتحدة: ما زلنا ندعم حل الدولتين لصراع الشرق الأوسط، رويترز، 16 فبراير .2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
9- وزير الدفاع الأمريكي: لسنا في العراق من أجل النفط، رويترز، 20 فبراير .2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
10- Jamie Gangel and Elise Labott, First on CNN: Trump nixes Elliott Abrams for State Department job, CNN, February 10, 2017, Error! Hyperlink reference not valid.
 
11- Eliana Johnson, White House pushing back against Mattis appointment, Politico, March 2,.2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
12- Daniel W. Drezner, The Trump administration's foreign policy is running so smoothly, Washington Post, February 20,.2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
13- ترامب يصدر أمرا تنفيذيا جديدا بشأن الهجرة يستثني منه العراق، بي بي سي، 6 مارس .2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
14- مصادر: مسئولون أمريكيون يضغطون على ترامب لاستثناء العراق من حظر سفر جديد، رويترز، 2 مارس .2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
15-   Carol Morello and Anne Gearan, In first month of Trump presidency, State Department has been side-lined, Washington Post, February 22,.2017
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
16- John Hudson, Molly O'toole, Trump's Defence-Heavy Budget Plan Sets Up Showdown With State Dept, Foreign Policy, February 27, 2017. Error! Hyperlink reference not valid.
 
17- Carol Morello and Anne Gearan, op.cit,
 
18- The Editorial Board, Calling Secretary Tillerson, The New York Times, February 24, 2017,
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
19- عمرو عبدالعاطي، ملامح الفوضي وصدام المؤسسات في إدارة ترامب، مرجع سابق.
 
20- Niels Lesniewski, Trump Blasts John McCain for Emboldening America's Enemies, Roll Call, February 9, 2017.
 
Error! Hyperlink reference not valid.
 
21- عمرو عبدالعاطي، ملامح الفوضي وصدام المؤسسات في إدارة ترامب، مرجع سابق.
 
22- ترامب يصدر أمرا تنفيذيا جديدا بشأن الهجرة يستثني منه العراق، مرجع سابق.
 
23- عمرو عبدالعاطي، معاملات المقاومة: هل يغير "الرئيس الجديد" المعادلة المؤسسية للسياسة الخارجية الأمريكية، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، المجلد 51، العدد 206، أكتوبر 2016، ص.23
طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو عبد العاطي

    عمرو عبد العاطي

    باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية