من المجلة - كيف يفكر العالم ؟

إدارة ترامب وقضايا الشرق الأوسط‮ .. ‬حدود التغير

طباعة
أثار فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات، التي جرت في نوفمبر 2016، العديد من التساؤلات حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في ضوء تصريحاته ومواقفه إبان الحملة الانتخابية.
 
حيث أدت تلك المواقف إلي توجه لإحداث تغيير كبير، مقارنة بسياسة إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما، خاصة تصريحاته بإلغاء صفقة البرنامج البرنامج النووي الإيراني، واتخاذ موقف مغاير من الأزمة السورية، وإعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم "داعش" على رحيل النظام السوري، وكذلك رفضه استقبال اللاجئين السوريين، إضافة إلي طرحه مفهوم خصخصة الأمن بالنسبة للدول الحليفة في المنطقة، وكذلك علاقاته مع إسرائيل، وجعلها أكثر تحالفا، وكذلك  الاتجاه نحو التقارب مع مصر.
 
فما هي حدود ومدي التغير في السياسة الأمريكية، سواء تجاه قضايا وأزمات المنطقة، أو تجاه تفاعلاتها الإقليمية وتحالفاتها الاستراتيجية؟ وما هي جوانب الاستمرارية والتغير في تلك السياسة؟ وهل يمكن القول إننا إزاء عقيدة لترامب في السياسة الخارجية؟
 
أولا- الإطار الحاكم لسياسة الإدارة الجديدة تجاه الشرق الأوسط:
 
هناك عدد من المحددات الداخلية والخارجية التي تشكل إطارا حاكما لسياسة إدارة الرئيس ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتؤثر بشكل كبير في توجهات تلك السياسة، وحدود التغير فيها.
 
1- المحددات الداخلية:
 
أ- مؤسسية صنع السياسة الخارجية الأمريكية: رغم أن شخصية الرئيس ترامب، وسماته الشخصية واقتناعاته تلعب دورا مؤثرا في توجهات السياسة الخارجية، إضافة إلي أن سيطرة الجمهوريين على الكونجرس الأمريكي، بمجلسيه النواب والشيوخ، تعطي حركة ومرونة أكبر لترامب في التعامل مع القضايا الخارجية، فإن عملية صنع واتخاذ قرارات تلك السياسة هي نتاج التفاعل والتوافق بين المؤسسات الأمريكية، التي تشمل الرئيس، ومستشاره للأمن القومي، ووزارتي الخارجية والدفاع، وكذلك الكونجرس، وجماعات الضغط، ومراكز الأبحاث، وهي عملية معقدة يحكمها حجم وتشابكات المصالح الأمريكية في المنطقة، والتي تفرض حدودا على إمكانية حدوث تغييرات جذرية، في ظل ضعف خبرة ترامب السياسية، وعدم درايته بتعقيدات أزمات الشرق الأوسط.
 
ولذا، فإن توجهات وتركيبة الفريق المعاون لترامب سيكون لهما التأثير الأكبر في توجهات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، حيث قام بتعيين مايك بومبيو، عضو مجلس النواب الأمريكي، في منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ومايكل فلين، الرئيس السابق لمكتب الاستخبارات التابع لوزارة الدفاع، في منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، وجيف سيشنس، السيناتور الجمهوري، في منصب النائب الأمريكي العام، والإعلامي اليميني ستيف بانون في منصب كبير المخططين الاستراتيجيين، ونيكي هيلي، حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية، من أصول هندية، لتولي منصب سفيرة بلاده في الأمم المتحدة. وقد أبرزت تلك التعيينات التي لم تكتمل، حتى كتابة هذا المقال، أن هناك توجها من جانب إدارة ترامب لاتخاذ مواقف مختلفة تجاه الأزمات العربية الحالية في سوريا، وليبيا، والعراق، والتركيز على الحل العسكري في القضاء على التنظيمات الجهادية بعدّه الأسلوب الأفضل لفرض التسويات السياسية، وإنهاء تلك الأزمات.
 
ب- الاتجاه الانعزالي في السياسة الأمريكية: يتبني ترامب سياسة العزلة البناءة، ومبدأ "أمريكا أولا"، والتي تمهد لتحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية على نمط ما قام به الرئيس الأسبق مونرو عام 1821. وتقضي هذه السياسة بتفعيل الموارد الكامنة. سواء كانت طبيعية، أو بشرية، أو تكنولوجية، لإعادة بناء الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في النظام الدولي، وعدم الانغماس في الصراعات الإقليمية، كما يحدث في منطقة الشرق الأوسط.
 
وفي ظل وجود مشكلات داخلية عديدة تواجه الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، ومشكلات الهجرة، والبطالة، ونزوح رءوس الأموال للخارج، وانتشار أعمال العنف في العديد من المدن الأمريكية، نتيجة لاستخدام السلاح بكثافة، وهي القضايا التي دفعت الناخب الأمريكي لترجيح خيار ترامب، فمن المتوقع أن يغلب التوجه الانعزالي على إدارة ترامب، على الأقل في عامه الأول، والانكفاء على مشكلات الداخل الاقتصادية، التي اختاره الناخب الأمريكي لعلاجها، مثل القضايا الاقتصادية، وتوفير الوظائف، وإصلاح النظام الضريبي. والرعاية الصحية والاجتماعية، ومعالجة مشكلات اللاجئين، والهجرة غير الشرعية، وإعادة اللحمة للمجتمع الأمريكي، وإنهاء حالة الانقسام التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية.
 
ج- عقيدة ترامب ومفهوم الصفقة: تقوم عقيدة ترامب على مبدأ ومفهوم الصفقة في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية، ويرتكز على أن حجم انخراط أمريكا في قضايا العالم، ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا، سوف يرتبط بمقدار ما تحققه من منافع اقتصادية للولايات المتحدة، وهذا نابع من عقلية رجل الأعمال الذي يتعامل بمنطق المكاسب والخسائر، والذي برز في تصريحاته في مراجعة التعاون مع حلف الناتو، والدفاع عن الدول الصديقة، وصفقة البرنامج النووي الإيراني، والانفتاح على كوبا، والشراكة مع المحيط الهادي، وموقفه الرافض للعولمة، حيث رأي ترامب أنها كانت عبئا على الولايات المتحدة ولم تحقق لها المزايا المرجوة. لكن ترامب لا يستوعب تعقيدات المصالح السياسية والاستراتيجية، وأنها لا ترتكز فقط على حسابات المنفعة المادية المباشرة. فالعلاقات الأمريكية مع الحلفاء ترتكز على مبدأ تبادل المصالح الاستراتيجية المشتركة في جميع المجالات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، ولا يتم التعامل معها بمنطقة الصفقة.
 
د- غلبة الواقعية على المثالية: تشير تصريحات ومواقف ترامب بشأن الشرق الأوسط إلي توجهه صوب تغليب الواقعية  في إعلاء المصالح، والميل نحو الاستقرار، والتعاون مع الأنظمة الحاكمة لمحاربة الإرهاب، واتخاذ مواقف متشددة من التيارات والحركات الإسلامية، وهي سمات الإدارات الجمهورية، والتخلي عن المثالية، والترويج للديمقراطية، ودعم الحريات، وحقوق الإنسان، وهو ما ميز سياسة إدارة أوباما، وبرز بشكل كبير إبان ثورات الربيع العربي، وتقاربه مع التيارات الإسلامية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين.
 
يري ترامب أن دعم الديمقراطية في المنطقة، والتقارب مع التيارات الإسلامية أديا إلي عدم الاستقرار، وانتشار الحروب الأهلية في العديد من الدول العربية، وصعود التنظيمات الإرهابية مثل "داعش"، وجبهة النصرة وغيرهما. ولذلك، من المتوقع أن يتراجع الترويج للديمقراطية في أجندة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط. كما يرفض ترامب فكرة "الاستثناء الأمريكي"، والدور القيادي الأخلاقي الأمريكي للعالم. ومن ثم، يرفض مبدأ تغيير الأنظمة بالقوة، ونشر الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، والميل للانعزالية، والتركيز على الشأن الداخلي.
 
هـ- التغير في الآليات لا الأهداف: هناك ثوابت في السياسة الأمريكية تشكل استمرارية لها، بغض النظر عن طبيعة الإدارة الأمريكية، جمهورية كانت أو ديمقراطية، وأن التغير فقط دائما ما يكون في الآليات، ما بين اللجوء إلي الآليات الصلبة كالحرب، والتدخل العسكري، والعقوبات، وهي غالبا مرتبطة بالجمهوريين، وما بين الآليات الناعمة، مثل الدبلوماسية، والمفاوضات، والمساعدات، وهي غالبا مرتبطة بالإدارات الديمقراطية. لكن هناك اتفاقا بين كل الإدارات على تحقيق تلك الثوابت، التي ترتبط بكيفية تحقيق المصالح الأمريكية.
 
ورغم أن مواقف وتصريحات ترامب تنبئ بعزمه إحداث تغيير كبير في توجهات السياسة الأمريكية في العالم باتجاه الانعزال، ورفض العولمة، واتفاقيات التجارة الحرة، وإعادة النظر في شراكات الولايات المتحدة الخارجية، فإن الشرق الأوسط يمثل أحد جوانب الاستمرارية في السياسة الأمريكية، نظرا لتشابك المصالح الأمريكية فيها، وأن التغيير سيكون في نطاق الآليات، والاعتماد على الآليات الصلبة، خاصة استخدام القوة العسكرية في محاربة الإرهاب، وتنظيم "داعش" عبر الغارات الجوية مع تجنب التدخل العسكري المباشر، كذلك استخدام أداة العقوبات ضد بعض الدول، ومنها إيران، بدلا من آليات الدبلوماسية والمساعدات.
 
و- التفاوت بين التصريحات الانتخابية والمسئولية السياسية: غالبا ما تتغير مواقف المرشح الرئاسي، بعد توليه المسئولية، ومن ثم فإن مواقف ترامب المتشددة بشأن قضايا الشرق الأوسط، إبان حملته الانتخابية، والتي كانت للاستهلاك الانتخابي، ربما تختلف عن مواقفه في موقع المسئولية، حيث يغلب عليه الطابع الواقعي والعقلاني، وتشابكات المصالح. من ناحية أحرى، فإن ضعف خبرة ترامب في القضايا الخارجية، وعدم فهمه لتعقيداتها، من شأنه أن يجعله أكثر واقعية في السلطة، وأن يتخلي عن تصريحاته ومواقفه الحادة، إبان الحملة الانتخابية، وأن يبتعد عن التغييرات الجذرية الكبرى، ويميل نحو التغير التدريجي، وفقا للمعطيات والأبعاد المختلفة، سواء من جانب فريقه للسياسة الخارجية، أو تطورات الأحداث على الأرض في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك، من المتوقع أن يستغرق الرئيس ترامب وقتا طويلا لمراجعة السياسات الأمريكية الحالية في المنطقة، قبل اتخاذ سياسات جديدة، بعد استكمال تعيينات وظائف إدارته، ولذا لن تظهر ملامح السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، قبل مرورعام على الأقل(1).
 
2- المحددات الخارجية:
 
أ- المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط: هناك مصالح ثابتة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، تشكل استمرارية للسياسة الأمريكية، وتتمثل في دعم وحماية أمن إسرائيل، وضمان وصول النفط وبأسعار معقولة، والحرب على الإرهاب، والمرور العسكري، والتحالف مع الدول الصديقة والمعتدلة. ومن ثم، فإن مساحة التغير في سياسة ترامب ستكون في إطار الآليات التي تحافظ على تلك المصالح، وهو ما يعني إعادة مراجعة التحالفات السابقة في إدارة أوباما، والبحث عن آليات جديدة تمكنه من تحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة. من ناحية أحرى، وعلى الرغم من أن أجندة ترامب الخارجية سوف تركز بشكل أكبر على منطقة آسيا والمحيط الهادي، والعلاقة مع أوروبا، وحلف الناتو، ومشكلاته مع المهاجرين  القادمين من أمريكا اللاتينية والمكسيك، فإن الشرق الاوسط وأزماته ستظل ضمن أولويات السياسة الخارجية، ويصعب فك الاشتباك معها، أو الانسحاب منها، نتيجة لحسابات المصالح الأمريكية في المنطقة، ونتيجة لتعاظم الدور الروسي فيها بما قد يؤثر سلبا في نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها في الكثير من مناطق العالم الأحرى، مثل شرق أوروبا، ووسط آسيا.
 
ب- محدودية خيارات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد في الشرق الأوسط، بخلاف ما كان في السنوات، التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتي. فقد برز في السنوات الخمس الأخيرة لاعبون رئيسيون، مثل روسيا التي أصبحت فاعلا في الكثير من الأزمات والقضايا مثل الأزمة السورية(2). وهذا الصعود الروسي كان نتيجة مباشرة لسياسة إدارة أوباما المتخبطة، وعقيدته بعدم الانخراط المباشر في الصراعات في الشرق الأوسط، وإعادة التموضع في مناطق أحرى من العالم، مثل شرق وجنوب آسيا.
 
ولا شك في أن محدودية الدور الأمريكي ستفرض قيودا على حركة وخيارات السياسة الأمريكية، وتدفعه إلى التقارب والتنسيق مع اللاعبين الدوليين، كروسيا، واللاعبين الإقليميين، كتركيا ودول الخليج، عند التعامل مع أزمات وقضايا المنطقة، مثل مشكلة الإرهاب واللاجئين. لكن في حالة إبداء ترامب ثقة أكثر من أوباما تجاه موسكو، وسعيه لبناء علاقات أقوي معها، فإن الفجوة بينه وبين النخبة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية ستزداد(3).
 
إضافة لذلك، فإن منطقة الشرق الأوسط، التي تعد أكثر ساحات العالم سخونة، تمر بحالة شديدة من السيولة والهلامية، خاصة بعد مرحلة اندلاع الثورات العربية، ونشوب الكثير من الأزمات والحروب الأهلية في العديد من الدول، مثل اليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق. وتتسم تلك الأزمات بأنها بلا أفق واضح نحو الحل السياسي، كما تتشابك أطرافها الداخلية مع الأطراف الإقليمية والدولية، وتغيرت معها أنماط التحالفات والخريطة الجيواسترايتجية. ولذلك، فإن حالة عدم الاستقرار وتبدل قواعد اللعبة يضعان قيودا على الدور الأمريكي في التعامل مع تلك المشكلات، ويجعلانها أقل تأثيرا في توجيه مساراتها العسكرية أو تسويتها السياسية، وهو ما يفرض على الإدارة الأمريكية بناء تحالفات مع الأطراف الفاعلة في الإقليم، كروسيا، وتركيا، وإيران، والسعودية، ومصر، وهو أمر يواجه أيضا تحديات عديدة، في ظل تعارض المواقف والمصالح بين هذه الدول في الكثير من تلك الأزمات، كما يبرز بشكل جلي في الأزمة السورية، إضافة إلى أن تعدد الجبهات المفتوحة أمام ترامب في داخل أمريكا وفي العالم سوف يحد من خياراته بشأن الشرق الأوسط(4).
 
وبالتالي، فإن هذا الإطار سوف يؤثر بشكل كبير في توجهات إدارة ترامب، ونمط تعامله مع قضايا الشرق الأوسط وتفاعلاته، ونمط آلياته وتحالفاته المقبلة، ونوعية الخيارات المتاحة أمامه.
 
ثانيا- الاتجاهات المتوقعة لسياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط:
 
حضر بعض قضايا الشرق الأوسط على خطاب الرئيس ترامب، إبان حملته الانتخابية، وبعد إعلان فوزه، مثل الحرب على الإرهاب، وتنظيم "داعش"، والموقف من الأزمة السورية، واتفاق البرنامج النووي الإيراني، والعلاقات مع الدول الخليجية ومصر، والقضية الفلسطينية، والموقف من العرب والمسلمين. وقد أظهر خطابه توجها نحو إحداث تغييرات على السياسة الأمريكية تجاه هذه القضايا والملفات، فما هي ملامح وحدود هذا التغير؟
 
1- الحرب على الإرهاب وتنظيم "داعش":
 
تشكل محاربة تنظيم "داعش"، والحرب على الإرهاب محور اهتمام السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في عهد الإدارة الجديدة. فقد أكد ترامب أن احتواء انتشار التطرف الإسلامي هو أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكذلك العالم. لكن موقف ترامب من التطرف الإسلامي يتسم بالعمومية، وغياب الرؤية المحددة، ويمثل تكرارا لسياسة جورج بوش الابن(5).
 
وقد رأي ترامب أن الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 كان السبب في ظهور تنظيم "داعش"، لافتا إلى أن الانسحاب من العراق عام 2011 أيضا كان خطأ كبيرا من جانب أمريكا، لأنها لم تترك أي جندي في العراق، وأن من أحد أخطاء أمريكا بالعراق أيضا هو تركها للبترول، وهو المصدر الذي اعتمد عليه التنظيم الإرهابي لكي يوفر مصادر مالية للتمويل.
 
لذلك، انطلق ترامب من موقف مبدئي مناهض للإرهاب و"داعش"، واتهم كلا من أوباما وهيلاري كلينتون بأنهما يدعمان "داعش"، وأبدي موقفا مغايرا عن النهج الأمريكي، حيث اقترح حلا جذريا للقضاء على "داعش"، يقوم على قطع رءوس أفراد التنظيم، وهدد ترامب بأنه سوف يقوم بقصف آبار البترول في العراق، لحرمان "داعش" من أهم مصادر تمويله، ومهاجمة كل المنصات الإلكترونية التي يستخدمها التنظيم في الدعاية، وتجنيد المقاتلين. وأعلن أنه سوف يأمر القوات المسلحة الأمريكية بقتل عائلات الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة، بما لا يخالف القانون الدولي أو الأمريكي. كما أعلن ترامب عن عدم ممانعته في إرسال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية لمحاربة التنظيم في العراق وسوريا، مشيرا إلى أنه (ليس لدينا خيار آخر، علينا هزيمة "داعش"). وقال إن على الولايات المتحدة إرسال ما يتراوح بين 20 و30 ألف مقاتل لمحاربة "داعش".
 
ومع تولي إدارة ترامب السلطة في 20 من يناير 2017، فإن تنظيم "داعش" في العراق سيكون قد تراجع بشكل كبير، مع تحرير معظم المدن العراقية التي كان يسيطر عليها، وآخرها معركة الموصل، التي تعد آخر معاقله في العراق. ولذا، فإن معركة الولايات المتحدة الأساسية مع التنظيم ستكون في سوريا، وهذا ما يفرض عليه التعاون مع روسيا والأطراف الإقليمية، كتركيا، لدحر التنظيم نهائيا، في إطار دعوته لعقد مؤتمر دولي بشأن التعامل مع "داعش".
 
لكن ترامب لم يطرح رؤية استراتيجية شاملة، وآليات محددة لمحاربة الإرهاب. كما أن هناك تحديات تواجه إدارة ترامب في محاربة "داعش".  فالغارات الجوية لم تفلح في القضاء على التنظيم، وهذا يتطلب إرسال قوات برية لمحاربته على الأرض، وعبر استراتيجية حرب العصابات والمدن، وهو ما يضع قيدا على إمكانية إرسال الولايات المتحدة لقوات برية، والذي أعلنه في برنامجه الانتخابي، وسيكون الاعتماد على قوات من الدول الإقليمية بمساعدة أمريكية، وهو ما يعني أن سياسة ترامب بشأن محاربة الإرهاب و"داعش" في العراق وسوريا ستكون امتدادا لسياسات إدارة أوباما، مع اختلافات طفيفة في الحلفاء، حيث سيعتمد ترامب بشكل أكبر على روسيا وتركيا.
 
2- الأزمة السورية:
 
تمثل الأزمة السورية أحد مجالات التغيير الملموس المتوقعة في سياسة إدارة ترامب الشرق الأوسط.  وتنبع أهمية تلك الأزمة  بالنسبة لواشنطن من كونها قضية رئيسية في ملف العلاقات الأمريكية - الروسية، ولتأثيرها في المنطقة ككل، والمصالح الأمريكية فيها، إلى جانب ارتباطها بقضايا أحرى، كالهجرة، واللاجئين، والإرهاب. وقد أظهرت تصريحات ومواقف ترامب، خلال حملته الانتخابية، عزمه إحداث تغيير كبير على السياسة الأمريكية، حيث انتقد بشدة سياسة إدارة أوباما في دعم المعارضة السورية المسلحة، والتركيز على تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، ورأي أن الأولوية هي لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا، وأشاد بالدور الروسي في الأزمة، وإدارة الرئيس بوتين، والرئيس السوري لها، وأنهما أكثر ذكاء من أوباما.
 
وفي لقاء أجرته معه وول ستريت جورنال، ذكر ترامب أن "علينا التركيز على محاربة تنظيم "داعش" في سوريا، بدلا من التركيز على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد"، مضيفا أن "الولايات المتحدة تدعم المتمردين ضد سوريا، دون أن يكون لديها أي فكرة من هم هؤلاء الناس".(6)  وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، قال ترامب: "أنا لا أقول الأسد رجل جيد، لأنه ليس كذلك، ولكن مشكلتنا الكبيرة ليست الأسد، بل تنظيم الدولة الإسلامية"(7).
 
ورفض ترامب استقبال اللاجئين السوريين داخل الولايات المتحدة، في إطار سياساته بمنع العرب والمسلمين من دخول أمريكا. ووافق ترامب على إقامة منطقة حظر طيران في شمال سوريا لمنع تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
 
ولذلك، من المتوقع أن تشهد السياسة الأمريكية تعاونا أكبر مع روسيا في سوريا لمحاربة تنظيم "داعش"، وكذلك التوقف عن دعم بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة، وهو ما يعد تحولا في الموقف الأمريكي، وفي موازين القوي، ومن ثم تغيير مسار الأزمة(8). ومع انشغال ترامب بالقضايا الداخلية، فقد يتنازل عن الملف السوري لنظيره بوتين، ويكتفي بجهود الإدارة الروسية في محاربة "داعش"، خاصة أنه يري أن التدخل المباشر في سوريا سيؤثر سلبا في الاقتصاد الأمريكي(9).
 
وفي المقابل، هناك حدود على إمكانية حدوث تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، لعدة عواملها، أولها الدور الإيراني الفاعل في الأزمة، حيث إن انسحاب الولايات المتحدة قد يعظم من هذا الدور، وهو ما يتعارض مع استراتيجية ترامب ضد إيران. ثانيها: إن حجم المجازر التي يرتكبها النظام السوري في سوريا، خاصة في مدينة حلب، وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين يمثل ضغطا على ترامب وتفاوضه مع النظام السوري. وقد بدا هذا البعد الإنساني في السياسة الأمريكية في إصدار مجلس النواب الأمريكي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قانونا في 15 نوفمبر 2016 يفرض عقوبات جديدة على النظام السوري وداعميه، كما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قائمة بأسماء الضباط السوريين الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد المدنيين.
 
3- الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني:
 
أعلن ترامب، أكثر من مرة، رفض اتفاق البرنامج النووي، وعدّه تهديدا لأمن الولايات المتحدة، وأمن إسرائيل، ووعد بإلغاء هذه الصفقة، والبحث عن صفقة جديدة بشروط أفضل للولايات المتحدة، حيث رأي أن الشركات الأمريكية لم تستفد من رفع العقوبات على إيران، خاصة في مجال استخراج النفط، وإنما استفادت منها الشركات الأوروبية والروسية(10).
 
كما اتهم إيران بدعم ورعاية التنظيمات المسلحة في المنطقة، وأكد إعادة تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران. ولذلك، فإن تلك المواقف ستؤدي إلى زيادة العلاقات الأمريكية - الإيرانية توترا، بعد أن شهدت حالة من التقارب الحذر في عهد أوباما، بعد توقيع الاتفاق النووي.
 
لكن هناك قيودا أيضا على إلغاء صفقة البرنامج الإيراني، تتمثل في كونها تمت تحت رعاية الأمم المتحدة، وتصديق مجلس الأمن الدولي، ضمن صفقة الخمسة + واحد، ومن المتوقع أن تتحفظ الدول الخمس الأحرى الموقعة على الاتفاق على توجه ترامب نحو إلغائها. من ناحية أحرى، فإن تقاطعات السياسة، ودور إيران البارز في سوريا قد يدفعان إلى إجراء اتصالات وتفاهمات بين البلدين فيما يتعلق بتنظيم "داعش". كما أنه ليس بمقدور ترامب بناء إجماع دولي لمواجهة إيران، حتى لو صدق على إلغاء الاتفاق النووي، على عكس الرئيس أوباما الذي تمكن من بناء تحالف دولي داعم لسياسته تجاه إيران فيما يخص الملف النووي، والتوصل لهذا الاتفاق(11).
 
لذا، فإن خيارات ترامب سوف تركز على فرض العقوبات الأمريكية على إيران، والتي أقرها الكونجرس الأمريكي بالفعل في 15 نوفمبر 2016، حيث وافق مجلس النواب بأغلبية 419 صوتا على تمديد قانون العقوبات على إيران، الذي أقر لأول مرة عام 1996، لمدة عشر سنوات، ويفرض عقوبات على الاستثمارات في قطاع الطاقة في إيران، ويمنعها من الحصول على أسلحة نووية. وفي كل الأحوال، فإن العلاقات بين البلدين ستظل في حالة من الشد والجذب، وفقا لحسابات المصالح والتفاعلات الإقليمية، وملفات وأزمات المنطقة في العراق وسوريا، ومعادلة العلاقات بين أمريكا ودول الخليج من ناحية، وأمريكا وإيران من ناحية أحرى.
 
4- القضية الفلسطينية وعملية السلام:
 
أظهرت تصريحات ومواقف ترامب، خلال حملته الانتخابية، أنه أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين تعبيرا عن الانحياز لإسرائيل، والسعي نحو تقوية التحالف معها. فقد كتب ترامب في أكتوبر 2016 على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "لقد قلت في مناسبات عديدة إنه في عهد إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل". وفي مناسبة أحرى، قال ترامب، في خطاب أمام المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية - الإسرائيلية (أيباك) في مارس 2016 بواشنطن، إنه في حال انتخابه رئيسا، سيقيم تحالفا قويا بين بلاده وإسرائيل". وأضاف: "عندما أصبح رئيسا، فإن أيام معاملة الإسرائيليين كمواطنين من الدرجة الثانية ستنتهي في اليوم الأول". وأشار إلى أن أي اتفاق تفرضه الأمم المتحدة على إسرائيل والفلسطينيين سيكون كارثة، متهما المنظمة الأممية بأنها ليست صديقة لتل أبيب. وأكد ترامب أن أول شخص سيقابله في البيت الأبيض، بعد انتخابه، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما اتهم ترامب أوباما بتخريب العلاقات مع إسرائيل. وشدد على التزامه بأمن إسرائيل، مؤكدا ضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية، ووقف جميع الهجمات الإرهابية ضدها(12).
 
وبالتالي، ستكون القضية الفلسطينية من أبرز القضايا الخارجية التي لن تشهد تغييرا إيجابيا ملموسا خلال إدارة ترامب. ومن المستبعد حدوث تقدم حقيقي على مستوي عملية السلام، في ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة، بزعامة نتنياهو، التي ترفض تقديم تنازلات حقيقية لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، حيث تريد السلام على طريقتها في إقامة دولة فلسطينية أشبه بحكم ذاتي، وكانتونات منعزلة، وعدم التخلي عن القدس، ورفض حق العودة، وهو ما أفشل كل مبادرات السلام السابقة. كما أنه من الصعب أن تحل أوروبا محل الولايات المتحدة في لعب دور فاعل في عملية السلام، خاصة بعد فشل المبادرة الفرنسية لاستئناف المفاوضات، بعد رفض إسرائيل لها، وتمسكها بالمفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين وبدون شروط مسبقة. ومع انحياز ترامب الشديد لإسرائيل، وتبني مواقفها، وعدم تقديم رؤية واضحة بشأن حل الدولتين، فإن الجمود سيظل مهيمنا على القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر، بل قد يزداد سوءا، لاسيما مع تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الأجندات الدولية، والإقليمية، والمحلية.
 
5- العلاقات المصرية - الأمريكية:
 
تمثل العلاقات المصرية - الأمريكية أحد مجالات التغيير المتوقعة في سياسة إدارة ترامب، خاصة على مستوي الخطاب السياسي، حيث ستنتقل من مرحلة البرود والفتور، التي شهدتها إبان إدارة الرئيس أوباما، نتيجة لمواقفه من ثورة 30 يونيو 2013، وقضية الديمقراطية والحريات في مصر، إلى مرحلة من التقارب والتنسيق مع الرئيس السيسي بشأن القضايا الإقليمية، خاصة ملف مكافحة الإرهاب، والوضع في ليبيا وسوريا.
 
وفي لقاء جمع بين الرئيسين السيسي وترامب، في 19 سبتمبر 2016، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، قال ترامب للرئيس المصري: إنه في حال فوزه بمنصب الرئاسة، ستكون الولايات المتحدة صديقا وفيا لمصر، وليس مجرد حليف، وإن الدولتين لديهما عدو مشترك، هو إرهاب الإسلاميين المتطرفين. وأثني ترامب على التعامل الحازم للسيسي مع الإرهاب في مصر والمنطقة، ووعد بالضغط من أجل إصدار تشريع يصنف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية(13).
 
وفي ضوء استمرار التحديات الأمنية في المنطقة، سواء تلك المتعلقة بالإرهاب الدولي، الذي يمثله تنظيم "داعش"، وجبهة النصرة (فتح الشام)، وبقايا القاعدة في بلاد الشام، والمنظمات المتطرفة في ليبيا، والمخاطر المحيطة بسلامة الملاحة الدولية في مضيقي هرمز وباب المندب، سيكون متوقعا أن يتجه الرئيس الأمريكي الجديد إلى تصحيح الخلل الذي أصاب العلاقات المصرية - الأمريكية في عهد أوباما(14).
 
والواقع أن العلاقات بين البلدين تحكمها مصالح استراتيجية متبادلة، وضعت دائما سقفا وحدودا لمستوي التصاعد أو الصدام بينهما، وتتمثل في المحافظة على معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، والمرور العسكري الأمريكي في قناة السويس، والتعاون الأمني والاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، لكنها شهدت شدا وجذبا، نتيجة لأجندة أوباما بشأن الديمقراطية والإصلاح السياسي في مصر، بعد 30 يونيو. ومع ذلك، ظل التعاون العسكري بين البلدين مستمرا، وظلت المساعدات العسكرية، التي تقدر بـ 1.3 مليار دولار، كما هي دون تغيير. كما أفرجت إدارة أوباما عن المساعدات العسكرية التي جمدتها في، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013، بينما شهدت المساعدات الاقتصادية تراجعا منذ عهد بوش الابن. ولذلك، من المتوقع أن تتراجع المطالب الأمريكية في عهد ترامب بشأن الإصلاح وتحقيق الديمقراطية في مصر، والتي كانت سببا في توتر العلاقات بين البلدين، سواء في عهد بوش الابن، أو في عهد أوباما، حيث تغلب على ترامب حسابات الواقعية، وتحقيق المصالح، والتخلي عن المثالية. كما أن تنويع مصر لسياستها الخارجية، والاتجاه شرقا صوب روسيا والصين يعطيان لها استقلالية وندية أكبر في التعامل مع الولايات المتحدة، على خلاف ما كان سائدا من علاقات تبعية، إبان عهد مبارك.
 
6- العلاقات الأمريكية - الخليجية:
 
تحدث ترامب في حملته الانتخابية عن أن دول المنطقة يجب أن تدفع مقابلا عادلا لقاء دفاع الولايات المتحدة عنها، لكن كثيرا من مواقف ترامب، واقتناعاته في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالاستغناء عن الحلفاء، وخصخصة الأمن، وإلزام الدول الحليفة بدفع تكلفة الدفاع عن مناطقها، سواء في منطقة الخليج، أو كوريا، أو اليابان، تفتقد الواقعية، وعدم فهم تعقيدات العلاقة بين أمريكا وهذه الدول، التي تقوم على تبادل المصالح بأشكالها المختلفة، حيث إن التعاون العسكري الأمريكي مع الخليج يستهدف بالأساس تحقيق المصالح الأمريكية، وجني العديد من المنافع الاقتصادية، وصفقات الأسلحة، والتعاون الاستخباراتي والأمني في مكافحة الإرهاب.
 
كما أن السعودية لديها العديد من أوراق الضغط التي تمكنها من مواجهة تداعيات أي تطورات سلبية في العلاقات، مثل التهديد بسحب الاستثمارات السعودية الضخمة في الولايات المتحدة، ووقف التعاون الأمني والاستخبارتي في مكافحة التنظيمات المتطرفة. من ناحية أحرى، فإن مواقف ترامب المتشددة ضد إيران، وتهديده بإلغاء الاتفاق النووي، الذي عارضته معظم دول الخليج، قد يدفعان إلى التقارب الخليجي - الأمريكي لاحتواء التهديدات الإيرانية في المنطقة، خاصة في العراق، واليمن، والتعاون لحل الأزمة السورية. ولذا، من غير المتوقع حدوث تباعد أو توتر في العلاقات الأمريكية - الخليجية، رغم تصريحات ترامب المتشددة.
 
7- العرب والمسلمون:
 
اتخذ ترامب، خلال حملته الانتخابية، مواقف عدائية ضد العرب والمسلمين، وهدد بمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة، وممارسة الرقابة على الأحياء التي يسكنون فيها. لكن مع بروز رد الفعل العنيف داخل أمريكا وخارجها، تراجع ترامب، بعد إعلان فوزه بالرئاسة عن تلك التصريحات، وسعي للتخفيف منها. وبدلا من منع دخول كل المسلمين، اقترح منع دخول القادمين من دول لها علاقة بالإرهاب(15).
 
كما أن التنوع العرقي والديني للمجتمع الأمريكي، واندلاع العديد من المظاهرات الاحتجاجية ضد مواقف ترامب سوف يشكلان قيدا عليه في اتخاذ مواقف وسياسات متطرفة ضد العرب والمسلمين، حيث إن أحد التحديات التي تواجهه هو إعادة اللُّحمة، وإنهاء حالة الانقسام، والحفاظ على وحدة المجتمع الأمريكي، إضافة إلي أن معركته في الحرب على الإرهاب تفرض عليه التعاون مع الدول العربية والإسلامية، ومحاولة التمييز بين الإسلام والجماعات الجهادية، وعدم تكرار تجربة بوش التي أدت لحالة الكراهية من جانب العالم الإسلامي للولايات المتحدة.
 
خاتمة:
 
مع وصول إدارة جديدة  للبيت الأبيض، فإن التغير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كدولة عظمي، تقف على رأس هرم النظام الدولي، غالبا ما يرتبط إما بوقوع أحداث كبرى تشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي، أو يكون نتيجة للتداعيات الاقتصادية السلبية الكبيرة للسياسة الخارجية للإدارة السابقة على الداخل الأمريكي، خاصة في الجوانب الاقتصادية، ولفشل تلك السياسة في تحقيق الأهداف الأمريكية.
 
فقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 دافعا للرئيس بوش الابن والمحافظين الجدد لإحداث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية، والاعتماد بشكل أساسي على الآليات الصلبة، في إطار مبدأ الحرب الاستباقية الذي أدي لغزو أفغانستان والعراق، وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، تحت مظلة محاربة الإرهاب، والضغط عليها من أجل تحقيق الإصلاح السياسي، ودعم الحريات، وحقوق الإنسان، على أساس أن القمع والاستبداد أديا إلي تفريخ الإرهابيين.
 
لكن التداعيات السلبية لسياسة إدارة بوش داخل الولايات المتحدة وخارجها، وزيادة الكراهية لأمريكا في العالم، وتوتر العلاقات مع العالم الإسلامي، كانت حافز لإدارة الرئيس أوباما لإحداث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الاوسط باتجاه الاعتماد على الآليات الناعمة بشكل أساسي، مثل المفاوضات، والدبلوماسية، ودعم التنمية، وترويج الديمقراطية، خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي. لكن مخرجات سياسات إدارة أوباما في الشرق الأوسط، وتخبطها، ونمط تعاملها مع الربيع العربي، خاصة في ليبيا، وسوريا، والعراق، ساعدت على ظهور وتصاعد نفوذ تنظيم "داعش"، واندلاع الحروب الأهلية في عدد من الدول العربية، نتج عنها مشكلات الإرهاب، واللاجئين إلي الولايات المتحدة والغرب.
 
ويمكن أن تشكل تلك المخرجات دافعا لإدارة الرئيس ترامب لإحداث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمواجهة "داعش"، والأزمة السورية، والوضع في ليبيا، والعلاقة مع إيران. لكن ملامح هذا التغير سوف تتوقف على التوجهات والخيارات المتاحة للإدارة الجديدة. كما يظل الشرق الأوسط أحد الاختبارات لمدي قدرة ترامب على تنفيذ توجهاته بشأن السياسة الخارجية، وتحويل أقواله إلي أفعال ملموسة، نظرا لتعقيدات المنطقة، ووجود إسرائيل فيها(16).
 
ويمكن القول إن سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط  سوف تشهد بعض التغيرات النسبية عن سياسة إدارة أوباما، في ضوء تصريحاته ومواقفه، لكنها لن تكون استنساخا من سياسة إدارة بوش الابن، وتجربة المحافظين الجدد. كما أن هناك حدودا لحجم ومدي التغير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة في عهد إدارة ترامب، نتيجة لتعقيدات وتشابكات المصالح، وتطورات الأحداث على الأرض، وظهور متغيرات جديدة، مثل تصاعد الإرهاب، وبروز لاعبين فاعلين، وخريطة التحالفات الجديدة بالمنطقة، وتغيرها بشكل مستمر. وسيكون التغيير محدودا مقارنة بالتحولات الأحرى المتوقعة من جانب الإدارة على المستوي الدولي، سواء في علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، وحلف الناتو، والمحيط الهادي، أو موقفها من العولمة. كما سيكون التغيير محصورا في الآليات، حيث سيكون الاعتماد بشكل أكبر على الآليات الصلبة، مثل استخدام القوة العسكرية، والغارات الجوية، والعقوبات. كما سينحصر التغيير في قضايا محددة، مثل الحرب على الإرهاب، ومواجهة "داعش"، والعلاقات الأمريكية - الإيرانية، والتقارب مع روسيا في سوريا، والانفتاح على مصر. لكن من غير المتوقع حدوث تغييرات جذرية فيما يتعلق ببقية القضايا. وفي كل الأحوال، فإن إدارة ترامب سوف تشكل مرحلة جديدة، ومختلفة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط(17).
 
الهوامش :
 
1- ريتشارد ن. هاس، أمريكا والعالم في مرحلة تحول، بروجيكت سينديكيت، موقع الجزيرة نت، 24 نوفمبر 2016.
 
2- د. أحمد سيد أحمد، قضايا الشرق الأوسط في سباق الانتخابات الأمريكية، مجلة السياسة الدولية، عدد 205، يوليو .2016
 
3- د. وحيد عبدالمجيد، في مقابلة مع قناة الغد العربي، 9 نوفمبر 2016.
 
4- حسام شاكر، ترامب الرئيس وجبهاته المفتوحة، موقع الجزيرة نت، 10 نوفمبر 2016.
 
5- جون اسبوسيتو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون،  ترامب .. سياسة العزلة وحافة الهاوية،  في مقابلة مع موقع سكاي نيوز عربية، 20 نوفمبر 2016.
 
6- تصريحات ترامب لصحيفة وول ستريت جورنال، 10 مارس 2016.
 
7- تصريحات ترامب لصحيفة نيويورك تايمز، 14 مارس 2016.
 
8- د. نورهان الشيخ، ترامب و"تهذيب" السياسة الأمريكية، صحيفة الأهرام، 10 نوفمبر 2016.
 
9- د. إكرام بدر الدين، قراءة في أسباب فوز ترامب، صحيفة الخليج الإماراتية، 10 نوفمبر 2016.
 
10- أمين قمورية، أي سياسة لترامب في الشرق الأوسط: العصا أم فن الصفقة؟، صحيفة النهار اللبنانية، 9 نوفمبر 2016.
 
11- حسن أحمديان، ترامب رئيسا لأميركا.. حسابات إيرانية، موقع الجزيرة نت، 13 نوفمبر 2016.
 
12- خطاب ترامب أمام المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية - الإسرائيلية (أيباك) بواشنطن، 16 مارس 2016.
 
13- صحيفة الأهرام، 20 نوفمبر 2016.
 
14- د. عبدالمنعم المشاط، مصير العلاقات الاستراتيجية مع مصر، صحيفة الأهرام، 10 نوفمبر 2016.
 
15- بي بي سي نيوز، 10 نوفمبر 2016.
 
16- روبت فيسك، الشرق الأوسط سيقدم اختبارا مرعبا لترامب، صحيفة الإندبندنت، 10 نوفمبر 2016.
 
17- د.أحمد سيد أحمد، حدود التغير في سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط، صحيفة الأهرام، 16 نوفمبر 2016.
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أحمد سيد أحمد

    د. أحمد سيد أحمد

    ‬خبير في الشئون الدولية،‮ ‬وحاصل علي درجة الدكتوراه عن أطروحة حول مجلس الأمن‮.‬