تحليلات

حوكمة السياسة المالية كأولوية استراتيجية للدولة المصرية

طباعة

تولي الدولة المصرية أولوية استراتيجية لإصلاح السياسة المالية المصرية، بما يضمن خفض الدين العام وتعظيم الإيرادات العامة. إذ تعد السياسة المالية إحدى السياسات الاقتصادية ذات أهمية كبرى، تهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وتحسين عدالة توزيع الدخول، فضلا عن التخصيص الأمثل للموارد بين أوجه الإنفاق المتعددة. وفي هذا الصدد تتضمن الأهداف الأساسية للسياسة المالية، كفاءة التخصيص الأمثل للموارد، والعدالة في توزيع الدخول، والاستقرار الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية.

وعليه تلعب السياسة المالية دورًا استراتيجيًا ومؤثرًا في هيكل اقتصاد الدول سواء النامية، أو الناشئة، أو المتقدمة، حيث تؤثر على التنمية المستدامة والأعباء التي تتحملها الأجيال القادمة، ومن ثم تحديد فرص استفادة أفراد المجتمع من ثمار التنمية المستدامة على المدى المتوسط والمدى الطويل. وتكمن أهمية السياسة المالية في أربع ركائز اقتصادية مهمة تضعها الدولة المصرية كألوية في صنع سياسات مالية فعالة، أولًا وظيفة كفاءة تخصيص الموارد حيث تقسيم الموارد بين القطاعين العام والخاص، وذلك وفقا لتوزيعها على الحاجات المختلفة في داخل كل قطاع. ثانيًا وظيفة عدالة توزيع الدخل القومي والثروة القومية على أفراد المجتمع. والركيزة الثالثة تتمثل في الاستقرار الاقتصادي حيث تحقيق الأهداف المتعلقة بالسياسة الاقتصادية الكلية، مثل تحقيق معدلات مرتفعة ومستدامة من النمو الاقتصادي، ورفع معدلات التوظف، وتحقيق الاستقرار في معدلات التضخم، والحفاظ على المسار النزولي لمؤشرات عجز الموازنة العامة وبقاء الدين العام في الحدود الآمنة. والركيزة الرابعة هي التنمية الاقتصادية حيث تحقيق معدل مُرض للزيادة في الموارد الاقتصادية وبالتالي لزيادة الإنتاج، وذلك مع الأخذ في الاعتبار عدد السكان ومعدلات التغير في التضخم.

وفي ضوء ما تقدم تختلف الاتجاهات والاستراتيجيات لوضع سياسات مالية فعالة تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية للدولة المصرية، والتي تستهدف الارتقاء بجودة معيشة كل مواطن مصري ومواطنة مصرية ومن ثم خفض معدلات الفقر متعدد الأبعاد. فلا يمكن تحقيق رفاهة اقتصادية وتنمية مستدامة شاملة وعادلة بدون سياسة مالية ناجحة وفعالة، ذات أثر إيجابي على السياسات الاقتصادية الأخرى وعلى رأسها السياسات النقدية والتجارية. الجدير بالذكر أنه يتم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية لتغطية النفقات العامة، وضبط حركة التوسع النقدي من أجل الحد من التضخم، وتخفيض حجم الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي، وذلك من أجل ضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية.

وتجدر الإشارة إلى أن السياسات المالية في كل دولة تختلف من دولة لأخرى حول آليات تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، حيث تتجه بعض الدول إلى التركيز على ترشيد الإنفاق العام دون تعظيم الإيرادات العامة، وتتجه دول أخرى إلى تعظيم الإيرادات العامة خاصة في حالة عدم قدرة الدولة على التخلي عن الالتزامات الاجتماعية التي تقوم بتقديمها. بينما تتجه كثير من الدول إلى الاهتمام بكل من الاتجاهين، أي ترشيد الإنفاق العام وتعظيم الإيرادات العامة. وفي ضوء التزام الدولة المصرية نحو توسيع شبكات الضمان الاجتماعي، وخفض معدلات الفقر متعدد الأبعاد، وتسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوطينها، تنتهج الحكومة المصرية الاتجاهين حيث ترشيد النفقات العامة من خلال تخصيص الموارد وتحديد الأولويات والاحتياجات العامة الاستراتيجية، هذا إلى جانب العمل على تنويع مصادر الإيرادات العامة وتعظيمها والعمل على استدامتها.

إلا أن السياسة المالية تجابه العديد من التحديات الجوهرية التي تحد من سرعة وتيرة تنفيذ أهداف السياسة المالية، فقد تزايدت قيمة الدين العام حيث تزايد أصل قيمة الدين العام وخدمة الدين العام الذي يشكل النصيب الأكبر من النفقات العامة، فضلًا عن تزايد الاحتياجات العامة لتتواكب مع زيادة العدد السكاني المطرد، مما يجعل تخصيص الموارد وعدالة توزيعًا تحديًا.

وعلى هدى ما تقدم، تم وضع وتنفيذ عدد من السياسات الفعالة للإصلاح المالي التي من شأنها أن تعزز من حوكمة السياسة المالية، حيث تم وضع استراتيجية استدامة الدين العام على المدى المتوسط، واستراتيجية تعظيم الإيرادات العامة على المدى المتوسط، واستراتيجية ترشيد ورفع كفاءة النفقات العامة على المدى المتوسط.

وتتضمن أبرز آليات إصلاح السياسة المالية التي تختلف من دولة لأخرى وفقًا للظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية في كل دولة، على صعيد تعظيم الإيرادات العامة وتنويعها، تعديل معدلات الضرائب في إطار تحديد معدل الضريبة الأمثل، والذي إذا تم تجاوزه، تكون الزيادات في معدل الضريبة مرتبطة بالتراجع في الحصيلة الضريبية، وأهمية تحسين الإدارة الضريبية الأمر الذي يسهم في توسيع قاعدة دافعي الضرائب، وتقليل عملية التهرب الضريبي، هذا إلى جانب الإفصاح عن الوضع المالي لدافعي الضرائب، الأمر الذي يحد من التهرب الضريبي والفساد في عملية تحصيل الضرائب.

وعلى صعيد ترشيد ورفع كفاءة استخدام النفقات العامة لتمويل الاحتياجات ذات الأولوية، تحديد سقف الإنفاق العام بهدف الحد من التزايد المطرد في النفقات العامة، ويسهم بشكل كبير في ضبط الإنفاق المالي والحد من الفساد أو إهدار المال العام، ومن ثم التحكم في مستويات عجز الموازنة والدين العام.هذا إلى جانب أهمية تطوير نظم الدعم حيث ضمان كفاءة توزيع الدعم والحد من ارتفاع ما تتحمله الدول من نفقات، وضمان وصول الدعم لمستحقيه؛ وذلك من خلال وضع حدود لحجم الدعم المقدم عن طريق وضع حجم معين من الاستهلاك يتم دعمه، ثم يتحمل المستهلك التكلفة كاملة بدون دعم عندما يتعدى هذا الحد من الاستهلاك. بالإضافة إلى ضرورة ترشيد نظام الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية، حيث إعادة هيكلة الحوافز المالية المقدمة للقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، وتخفيض الحوافز المالية، وتخفيض دعم الفائدة علـى القروض المقدمة. وترشيد برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، حيث إصلاح نظام المعاشات، وإصلاح النظم المالية للمرتبات الحكومية.

1- كما أن الاستمرار في تنفيذ السياسات الهيكلية للإصلاح الاقتصادي من الأولويات المهمة والعاجلة. إذ تتأثر الإيرادات العامة والنفقات العامة بشكل كبير بالهيكل الاقتصادي للدولة؛ حيث إن وجود اختلالات هيكلية بالمنشآت الاقتصادية وانخفاض إنتاجيتها يؤديان إلى انخفاض الإيرادات العامة، وزيادة النفقات العامة الناجمة عن إصلاح هذه الاختلالات. حيث إن تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية والخدمات التي تقدمها من الآليات المهمة لحوكمة السياسة المالية. ومن بين أبرز إجراءات السياسات الهيكلية ما يلي: إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية من خلال دمج وتطوير هياكل عدد من المؤسسات الحكومية التي ترتبط مع بعضها بعضا في تقديم الخدمة، ومن ثم تحسين جودة الخدمات العامة المقدمة، وتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصاد الذي يعد من أبرز الاتجاهات العالمية لإصلاح السياسة المالية بهدف رفع كفاءة النشاط الإنتاجي للقطاع العام،وزيادة الكفاءة الاقتصادية. وتعزيز أسلوب المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص،في تقديم العديد من الخدمات العامة، مثل التعليم، والصحة، والصيانة، والمرافق العامة، والبنية الأساسية. هذا إلى جانب تفعيل نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية، حيث تتجه العديد من الحكومات إلى إسناد إنشاء وتشغيل عدد من المشروعات، ومنها مشروعات البنية الأساسية، إلى القطاع الخاص وذلك بنظام الـBOT ، حيث يقوم القطاع الخاص ببناءوتشغيل هذه المشروعات لفترة زمنية معينة، ثم تحويلها بعد ذلك للدولة. هذا إلى جانب تحقيق اللامركزية المالية بهدف ترشيد الإنفاق الحكومي، فضلا عن تطوير موازنات مستقلة للمؤسسات الحكومية.

وفي ضوء تعدد آليات إصلاح السياسة المالية، انتهجت الحكومة المصرية عددًا من الاستراتيجيات التي تتضمن آليات للإصلاح الضريبي، ورفع كفاءة النفقات العامة، وخفض الدين العام الخارجي والداخلي على المدى المتوسط، وأن نجاح السياسات الاقتصادية وعلى رأسها السياسة المالية في ضوء نظريات الاقتصاد السياسي الذي يقرن الحرية الاقتصادية بالحرية السياسية، وأن النظام السياسي المصري يوفر المناخ الملائم لوضع سياسات مالية ناجحة وفعالة، تتسم بالحرية الاقتصادية الجاذبة للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، وتعظيم الإيرادات العامة من خلال تعزيز أواصر الثقة والمصداقية والشفافية بين القيادة السياسة المصرية والمواطنين داخليًا وخارجيًا. إذ يؤثر النظام السياسي ورغبة وقدرة النظام السياسي في وجود ضوابط على عملية إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة، بما يضمن شفافيتها، وذلك من خلال طرحها للمواطنين من خلال قيام وزارة المالية المصرية بطرح موازنة المواطن، وإيجاد آلية للتفاعل بين الحكومة والمواطنين في إعدادها وتنفيذها، حيث إتاحة المعلومات التفصيلية الخاصة بالموازنة العامة للدولة وهيكلها، ثم دراسة آراء المواطنين المتعلقة بها. ويسهم ذلك في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية والاقتصادية.

المصدر:
https://unsplash.com/photos/depth-of-field-photography-of-man-playing-chess-fzOITuS1DIQ

طباعة

    تعريف الكاتب

    عائشة غنيمي

    عائشة غنيمي

    خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية