تحليلات

زيارة نتنياهو إلى فلوريدا وفتح الصندوق الأسود لإسرائيل.. هل يبيع الداخل من أجل مواجهة إيران؟

طباعة

في ظل تكهنات محتدمة حول ما سيُحسم في اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يراقب الفاعلون الإقليميون عن كثب احتمال أن يحمل هذا الاجتماع مفاجآت بشأن ملف إيران في ظل الانغلاق الدبلوماسي وخيارات التصعيد العسكري. بالمقابل برزت تصدعات أمنية محورية تفسر دوافع هذه الزيارة، وتشير إلى تحديات الداخل الإسرائيلي وتحولات موازين القوى الإقليمية، التي ستشكل محور النقاش بين الطرفين.

ملف "قطر جيت" يهدد حكومة نتنياهو:

يرتبط ملف قطر جيت بسلسلة من الاتصالات والعلاقات غير المعلنة بين مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ودولة قطر، يُثار أنها أسفرت، خلال حرب غزة، عن ممارسات يُشتبه في أنها ألحقت ضررًا بمصالح وأمن إسرائيل. ووفق ما أوردته وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية، نقلًا عن قناة 12 الإسرائيلية، فإن التحقيقات والتقارير الإعلامية تتناول شبهات حول تورط عدد من المستشارين الكبار والمقربين من نتنياهو في العمل، مقابل دعم مالي قطري، على خدمة مصالح الدوحة داخل تل أبيب، بما في ذلك الترويج لرؤى سياسية منسجمة مع السياسة القطرية، واتهامات بتسريب معلومات حساسة خلال فترة الحرب، في وقت كانت فيه قطر تستضيف قيادات بارزة من حركة حماس وتؤدي دور الوسيط.

في المقابل أسهم تصاعد هذا الملف في إدخال المشهد السياسي الإسرائيلي في مرحلة أكثر تعقيدًا، بعدما انتقل من كونه قضية ذات طابع أمني إعلامي إلى محور رئيسي في الصراع السياسي والانتخابي، الأمر الذي انعكس سلبًا على المكانة السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وعلى خلفية ذلك دعا كل من نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ويائير لابيد، زعيم المعارضة، إلى استقالة نتنياهو، مؤكدين أن المسئولية السياسية تقع عليه بغض النظر عن مدى علمه المباشر بهذه الاتصالات، وواصفين القضية، في خطاب سياسي تصعيدي، بأنها من أخطر القضايا التي واجهت النظام السياسي الإسرائيلي.

جاءت هذه المواقف عقب تقرير نشرته شبكة "i24 News" العبرية، كشف عن اتصالات بين اثنين من مستشاري نتنياهو، جرى اعتقالهما أواخر مارس 2025، وفتح تحقيق رسمي بشأن دورهما، في حين دافع نتنياهو عنهما لاحقًا، معتبرًا أن الدوحة ليست عدوة لتل أبيب، في إشارة إلى الدور الذي تؤديه قطر كوسيط في عدد من الملفات الإقليمية.

والجدير بالانتباه أن بينيت صرح بأن ثلاثة من أقرب المقربين من نتنياهو يُشتبه في أنهم عملوا لخدمة المصالح القطرية، وهو ما يوظف سياسيًا، بهدف تعزيز فرص خصوم نتنياهو في مواجهته خلال الانتخابات التشريعية الإسرائيلية أكتوبر 2026. وفي هذا السياق يصعب فصل تفاقم أزمة هذا الملف عن سعي نتنياهو إلى تحصين موقعه خارجيًا، وهو ما يفسر جزئيًا دوافعه لتكثيف تحركاته الدبلوماسية، بما في ذلك لقاؤه المرتقب مع الرئيس الأمريكي.

اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل:

في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل على خلفية اعتداءاتها المتواصلة على غزة، ولبنان، وسوريا، أولت الصحافة الإيرانية اهتمامًا ملحوظًا بملف اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل. وفي هذا السياق نقلت وكالة "إيرنا" الحكومية ما وصفته بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" على اتفاق لتصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر من حقل ليفاثيان، الذي تُقدر احتياطاته بنحو 600 مليار متر مكعب. على أن يمتد التنفيذ حتى عام 2040، عبر شركة "شيفرون" الأمريكية.

وفي قراءة تعكس زاوية النظر الإيرانية، رأتوكالة أنباء "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري و"عصر إيران" الإصلاحية، أن موافقة نتنياهو تكتسب أهمية سياسية مضاعفة، لكونها جاءت بالتزامن مع امتناع إسرائيل عن الانتقال إلى المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفي ظل الضغوط التي تمارسها الدول الضامنة للاتفاق، وفي مقدمتها مصر.

في ضوء ذلك، يبدو أن نتنياهو يسعى لتأمين مشروعاته الإقليمية قبيل زيارته للولايات المتحدة بين 29 ديسمبر 2025 و4 يناير 2026، بما في ذلك إعادة مصر إلى دائرة التعاون الثنائي والإقليمي عبر تصدير الغاز إليها، لاسيما في ظل استيراد تركيا للغاز المسال من مصر. كما تُظهر الصفقة، في هذا السياق، محاولة لتحسين صورة نتنياهو السياسية والاقتصادية أمام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ورغم أن هذه الخطوة قد تسهم في تخفيف حدة الضغط المتعلق بالمرحلة الثانية من "اتفاقية ترامب للسلام"، بما يمنح نتنياهو هامش حركة سياسيًا أوسع في واشنطن ويحد نسبيًا من الانتقادات الموجهة إليه بشأن غزة ولبنان، إلا أن المؤشرات توحي بأن نتنياهو يراهن على توظيف الصفقة بصورة أوسع؛ بغية تكريس موقعه الإقليمي، والسياسي، والاقتصادي قبيل لقائه مع الإدارة الأمريكية.

تهديدات البرنامج الصاروخي الإيراني:

نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسئول إسرائيلي، أن التهديد الصاروخي الإيراني بات يُنظر إليه داخل الدوائر الأمنية في تل أبيب بوصفه تهديدًا جديًا، مشيرًا إلى أن بنيامين نتنياهو يعتزم عرض معطيات بهذا الشأن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفي الوقت الذي تقتصر فيه الاستخدامات المعلنة للقدرات الصاروخية الإيرانية على إطار العمليات الدفاعية، زعمت الصحيفة الإسرائيلية أن تل أبيب قد تدرس خيار المواجهة مع إيران في حال عدم تدخل واشنطن، للحد من تطوير إيران برنامجها الصاروخي.

وبالتوازي نقلت شبكة "NBC News" الأمريكية عن مسئولين إسرائيليين قولهم إن إيران، عقب الهجمات الأخيرة، لم تكتفِ بإعادة ترميم بنيتها الدفاعية الصاروخية، بل سارعت إلى تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي بوتيرة أسرع مقارنة بالمراحل السابقة، وهو ما يثير قلق نتنياهو والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ويُستَخدم ضمن الخطاب السياسي لتبرير أي خيارات عسكرية محتملة تجاه إيران.

يأتي هذا التصعيد الإعلامي في أعقاب تقارير وتحليلات نشرها موقع "WDMMA" المتخصص في شئون التسليح الجوي، أشار فيها إلى حصول إيران، وفق تقديرات غير رسمية، على نحو 24 مقاتلة من طراز سوخوي-35 متعددة المهام (جيل 4++)، ومروحيات هجومية من طراز ميل-24، ومروحيات هجومية روسية أكثر تطورًا، مثل ميل-28 وكا-52، التي تُصنف، وفق توصيفات تقنية، ضمن المروحيات المصممة لتوفير تفوق نوعي في ساحات القتال.

بالتزامن مع إعلان الحرس الثوري الإيراني عن تطوير صواريخ متوسطة المدى من طرازي "عماد وقدر"، مثبتة على ناقلات إطلاق متحركة (TELs)، ومرافقة ضمن بنية تحت أرضية محصنة، ومزودة بإجراءات يُعتقد أنها تهدف إلى تقليل فاعلية الحرب الإلكترونية المعادية.

ويبدو أن تنامي القدرات الصاروخية الإيرانية بات يشكل مصدر قلق أكثر إلحاحًا لدى إسرائيل مقارنة بالملف النووي، لكونه يبعث برسالة مفادها أن طهران تسعى إلى رفع كلفة أي تصعيد عسكري محتمل، وهو ما يتسق مع ما خلصت إليه في مقاربة تحليلية نُشرت قبل شهرين تحت عنوان: (الاستراتيجية الأمنية الإيرانية الجديدة.. مقاربة رفع تكلفة المواجهات المحتملة).

تعقيدات مهمة نتنياهو أمام ترامب:

تمثل الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وفق ما أوردته صحيفة "إسرائيل هيوم"، مؤشرًا على تحول في بؤرة الاهتمام داخل الأجندة السياسية الأمنية الإسرائيلية، من ساحتي غزة ولبنان اللتين تصدرتا المشهد خلال الفترة الماضية، نحو التهديد الإيراني الذي جرى التعامل معه باعتباره ملفًا مؤجلًا، ولو بصورة مؤقتة.

ويأتي هذا التحول في وقت أسهمت فيه النتائج التي حققتها إسرائيل بدعم من الإدارة الأمريكية في إحداث تغيير نسبي في ميزان القوى الإقليمي، غير أن تقارير صادرة عن مناورات الحرس الثوري في الخليج العربي بصواريخ كروز وباليستية تشير، في المقابل، إلى تسارع وتيرة تسليح إيران ترسانتها الصاروخية، وسعيها إلى معالجة الثغرات التي خلفتها الهجمات الإسرائيلية قبل أشهر في دلالة على قدرة واضحة على التكيّف وإعادة البناء.

في موازة ذلك يفرض تنامي قدرات حزب الله في لبنان، إلى جانب استمرار قوة حركة حماس في قطاع غزة، على إسرائيل الاستعداد لاحتمال مواجهة متزامنة وغير تدريجية على أكثر من جبهة. وفي هذا السياق يبدو أن نتنياهو يسعى إلى إقناع الرئيس الأمريكي بإخراج مسارات التسوية في هذه الساحات من دائرة الأولوية السياسية، بما يتيح له تركيز الجهد الاستراتيجي على التحدي الإيراني باعتباره التهديد الأوسع والأكثر تأثيرًا على المديين المتوسط والبعيد.

غير أن هذا المسعى يصطدم بسياق دولي أوسع يحكم حسابات واشنطن. فاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي تضع المنافسة مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ في صدارة الأولويات، وهو ما يجعل انخراط الولايات المتحدة في حرب واسعة في الشرق الأوسط خيارًا أقل جاذبية من منظور استراتيجية القوة الكبرى.

خاتمة:

تشير المعطيات المتعلقة بصفقة الغاز، وملف "قطر جيت"، والبرنامج الصاروخي الإيراني إلى أن بنيامين نتنياهو يميل إلى تبني خيار التحرك الأكثر حزمًا، مع السعي لمنع تراكم قدرات خصومه بدل الاكتفاء بهدوء نسبي قد يتيح لإيران تعزيز قدراتها العسكرية، ويضعف موقفه في الانتخابات التشريعية المقبلة.

ويبدو أن هذا التوجه يحظى بتفهم داخل أوساط إدارة ترامب، التي تدرك المنطق الأمني وراء خطوات إسرائيل، دون أن يعني ذلك بالضرورة دعمًا مطلقًا لكل تحركاتها. لذلك يضطر نتنياهو، خلال زيارته المرتقبة إلى فلوريدا، إلى الموازنة بين الأولويات الأمريكية ومساعي تثبيت وقف إطلاق النار أو الدفع نحو سلام إقليمي، بما لا يضر بالمصالح الأمنية الحيوية لتل أبيب.

خاصة أن الإدارة الأمريكية تحاول تجنب الانزلاق إلى حرب كبرى تستنزف مواردها وتشتت تركيزها بعيدًا عن التحدي الصيني. وهذا لا يعني أن واشنطن ترفض التدخل العسكري في جميع الأحوال؛ فقد شاركت بالفعل في ضربات استهدفت المنشآت النووية الإيرانية (أصفهان – نطنز – فوردو) خلال حرب الإثني عشر يومًا.

إلا أن هذه التدخلات تندرج ضمن مقاربة أوسع تقوم على إدارة التوترات واحتواء المخاطر، لا خوض صراع شامل. وعليه تبقى أولوية الولايات المتحدة الاستراتيجية متمثلة في موازنة التزاماتها الشرق أوسطية مع متطلبات المنافسة الدولية، بما يحفظ مصالحها دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة ذات كلفة مرتفعة.وفي هذا السياق يمكن تفسير غياب أي تصعيد عسكري ضد إيران حتى الآن بأنه نتاج حسابات دقيقة لإدارة التوتر، وليس انعكاسًا لتراجع الخيارات المتاحة.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. شيماء المرسي

    د. شيماء المرسي

    الخبيرة فى الدراسات البينية الإيرانية