مقالات رأى

مصر تصنع السلام.. والقانون الدولى يحميه

طباعة

في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، اتجهت الأنظار إلى مدينة شرم الشيخ، حيث فعاليات قمة السلام التي استضافتها جمهورية مصر العربية، بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، لبحث سبل وقف الحرب بين حماس وإسرائيل والوصول إلى اتفاق شامل للتهدئة.
قمة أتت في توقيت بالغ الحساسية، بينما تتقاطع فيها الإرادات الدولية والإقليمية، لتعود القاهرة من جديد إلى مقدمة المشهد، لا باعتبارها وسيطًا فحسب، بل صانعة لمسارٍ قانوني وسياسي جديد يضع أسس سلامٍ مستدامٍ في الشرق الأوسط.

مصر.. من الوساطة إلى صناعة القرار:

ما شهدته شرم الشيخ  لا يُختزل في مفاوضات بين طرفين متنازعين، بل يُمثّل إعادة تثبيت لدور مصر التاريخي كـضامن للاستقرار ومُعيد للتوازن في منطقة أنهكتها الصراعات.
فمصر تمتلك أدوات التأثير التي لا تملكها أي دولة أخرى في الإقليم: رصيد من الثقة الدولية، وشبكة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، وخبرة متراكمة في إدارة الأزمات دون الانحياز إلا لمبدأ الدولة والقانون.

على مدار الأسابيع الماضية، بذلت الدبلوماسية المصرية جهودًا مكثفة لتهيئة الأجواء السياسية والإنسانية التي تسمح بانعقاد القمة، مع العمل على وضع جدول زمني واضح لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وفتح مسارات الإغاثة الإنسانية، تمهيدًا لمرحلة تفاوض سياسي أوسع.

الإطار القانوني للاتفاق:

من الناحية القانونية، فإن أي اتفاق نتج عن هذه القمة، متى تم برعاية رسمية من الأمم المتحدة أو بضمانات دولية، يُعد اتفاقًا مشروعًا وفقًا لقواعد القانون الدولي العام.
وقد نصّت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على أن “المعاهدة هي اتفاق دولي يُبرم كتابة بين أشخاص القانون الدولي وينظمه القانون الدولي”.
وبالتالي، فإن اتفاق التهدئة أو وقف إطلاق النار الذي ترعاه دولة ذات مكانة قانونية ودبلوماسية كـجمهورية مصر العربية، يكتسب شرعية دولية كاملة، حتى وإن لم يُصغ في شكل معاهدة تقليدية.

وتنص المادة (26) من الاتفاقية ذاتها على مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”، أي أن الأطراف الموقعة على الاتفاق تلتزم بتنفيذه بحسن نية، ولا يجوز لها التنصل منه أو الإخلال ببنوده.
هذا يعني أن أي اتفاق صدر عن قمة شرم الشيخ سيكون وثيقة قانونية ملزمة، تُسجل في أرشيف الأمم المتحدة، وتُحسب لمصر في سجلها الدبلوماسي كإحدى القوى الإقليمية القادرة على تحويل النزاعات إلى مسارات تفاهم وسلام.

القاهرة وضمانات التنفيذ:

لأن مصر لا تكتفي بدور الراعي، بل تمارس دور الضامن، فإنها تتحرك وفق رؤية متكاملة تستند إلى أدوات تنفيذية واقعية:
        •  ضمان أمني يحقق وقف العمليات الميدانية وتثبيت التهدئة.
        •  ضمان إنساني لتأمين المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين.
        •  ضمان سياسي لتوسيع قاعدة الحوار الفلسطيني الداخلي وتهيئة الأجواء لعملية سلام عادلة.

بهذا المعنى، لا تصبح مصر مجرد وسيط، بل ركيزة لنظام إقليمي جديد يعيد للدولة الوطنية اعتبارها، ويحد من فوضى الميليشيات والسلاح غير الشرعي، ويعيد مركز الثقل من الميدان إلى مائدة التفاوض.

ختامًا:

تمثل قمة شرم الشيخ، وسط هذا الحضور العربي والدولي الواسع، ليس مجرد اجتماع دبلوماسي عابر، بل اختبار حقيقي للإرادة الجماعية في إنقاذ ما تبقى من الأمل في استقرار الشرق الأوسط.  لقد أثبتت مصر، مرة بعد أخرى، أنها بوصلـة السلام في الشرق الأوسط، وأن من أراد سلامًا حقيقيًا لا بد أن يمر عبرها.
ومن أراد تعطيل مسار التهدئة، إنما يستهدف ضرب الاستقرار الإقليمي بأسره.
وفي النهاية، حين تلاقت الإرادات على أرض السلام، كتبت شرم الشيخ فصلًا جديدًا من تاريخ الدبلوماسية المصرية، عنوانه الكبير: «القانون يحمى السلام.. ومصر تصنعه».

طباعة

    تعريف الكاتب

    المستشارة/ دينا المقدم

    المستشارة/ دينا المقدم

    عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين