مقالات رأى

مشروع ترامب لغزة بين الإعمار والتصفية

طباعة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة مثيرة للجدل لإنهاء الحرب في غزة، تضمنت عشرين بندًا تبدأ بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتمتد إلى انسحاب إسرائيلي تدريجي ونزع سلاح حركة حماس، وفرض حكم دولي مؤقت في القطاع، وصولًا إلى إعادة إعمار واسعة النطاق بتمويل دولي.

 وقدمت الخطة نفسها كحل نهائي يفتح الباب أمام "مرحلة استقرار" جديدة في المنطقة، إلا أن ردود الفعل التي تلت الإعلان سرعان ما كشفت حجم التحديات التي تجعل فرص نجاحها محدودة للغاية.

فعلى الرغم من أن الخطة تبدو على الورق مغرية لبعض الأطراف خاصة مع وعود إعادة الإعمار وضخ الأموال الدولية، فإن العقبة الأولى والأكثر جوهرية تكمن في موقف حركة حماس التي سارعت قياداتها العسكرية إلى رفض المقترح معتبرة أن نزع سلاحها واستبعادها من الحكم يعني استسلامًا كاملا لا يمكن القبول به.

وفي ظل أن الحركة تمثل السلطة الفعلية على الأرض، فإن أي خطة تتجاهل حضورها تبدو غير قابلة للتنفيذ.

إلى جانب ذلك عبّرت عدة دول عربية عن رفضها الصريح لبنود أساسية في الخطة خاصة المقترحات التي تلمح إلى ترحيل سكان غزة إلى مصر أو الأردن، وهو ما عُدّ طردًا قسريًا يخرق القانون الدولي ويهدد استقرار الدول المجاورة.

وقد جاءت المواقف المصرية، والأردنية، والسعودية لتؤكد أن أي مشروع يتضمن نقلًا للسكان مرفوض بشكل قاطع، لأنه يضع الخطة في مواجهة مباشرة مع البيئة الإقليمية التي من المفترض أن تُسهّل تطبيقها.

الدول الأوروبية والأمم المتحدة أيضًا لم تُخف قلقها من الصياغة الأمريكية، إذ أشارت تقارير إلى تحفظات جدية حول شرعية الخطة والآثار الإنسانية التي ستنجم عن فرض وصاية دولية أو إعادة هندسة ديمجرافية للقطاع. وبذلك يتضح أن واشنطن تواجه معارضة ليس فقط من الأطراف الفلسطينية، بل من شركائها الدوليين كذلك.

وأوضح أيضا أنه حتى في الداخل الإسرائيلي لا تبدو الأمور سهلة، فبينما أبدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استعدادًا مبدئيًا للنقاش، إلا أن إسرائيل اشترطت ضمانات أمنية صارمة واستمرار سيطرتها على المناطق المحيطة بغزة وهو ما قد يفرغ الإنسحاب التدريجي من مضمونه. ومن ثم، يصبح واضحًا أن الخطة لا تحقق توازنًا حقيقيًا بين متطلبات الأمن الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية، بل تميل إلى تكريس واقع جديد يخدم التصورات الأمريكية والإسرائيلية أكثر مما يحقق سلامًا عادلًا.

كما أن التحديات القانونية والعملية لا تقل صعوبة، إذ لا توجد آليات دولية واضحة تمنح الولايات المتحدة حق "امتلاك" أو إدارة غزة، كما أن إعادة الإعمار وإزالة الدمار وتأمين القطاع يتطلب موارد مالية هائلة وتعاونًا دوليًا يبدو بعيد المنال.

وإلى جانب التكلفة هناك الخطر الاجتماعي والسياسي الناتج عن تهجير السكان أو فرض إدارة خارجية عليهم وهو ما يهدد بموجات اضطراب جديدة في المنطقة بدلًا من تحقيق الاستقرار الموعود.

من زاوية أخرى تكشف الخطة عن استمرار النهج الأمريكي في التعامل مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي كمسألة "إدارة أزمات" بدلًا من كونه قضية حقوق وطنية وإنسانية. فهي تُركز على الترتيبات الأمنية والاقتصادية أكثر من تركيزها على جوهر المشكلة المتمثل في الاحتلال وغياب الدولة الفلسطينية المستقلة. وهذا يعيد إلى الأذهان مبادرات أمريكية سابقة، مثل "صفقة القرن" التي اصطدمت بالجدار نفسه من الرفض الشعبي، والإقليمي، والدولي.

كما أن الحديث عن إعادة إعمار غزة بمعزل عن رفع الحصار المستمر منذ أكثر من 15 عامًا يثير علامات استفهام حول جدية الوعود الأمريكية.

 فالإعمار ليس مجرد بناء حجارة وأسمنت، بل يتطلب حرية حركة للسكان والبضائع، وضمانات لعدم تدمير ما يُبنى مجددًا في أي حرب مقبلة. ومن ثم فإن ربط الإعمار بشروط سياسية وأمنية مشددة يفرغه من مضمونه ويحوله إلى أداة ضغط إضافية على الفلسطينيين.

الأهم أن الخطة تكشف عن رؤية استراتيجية تسعى إلى "تصفية تدريجية" للقضية الفلسطينية عبر عزل غزة عن الضفة الغربية والقدس وتحويلها إلى كيان شبه منفصل يخضع لوصاية دولية. هذه المقاربة قد تمنح إسرائيل هامشًا أوسع لتعزيز سياساتها الاستيطانية في الضفة، بينما تنشغل القوى الدولية بإدارة "المعضلة الغزية". وهو ما يجعل التساؤل مشروعًا هل نحن أمام مشروع إعمار حقيقي، أم أمام مشروع تصفية سياسية مُغلف بوعود اقتصادية؟

وفي النهاية، يمكن القول إن خطة ترامب لغزة تطرح تصورًا سياسيًا يتجاهل جذور القضية الفلسطينية ويتعامل مع غزة كملف منفصل بعيدًا عن القضايا الجوهرية، مثل القدس، والضفة الغربية، وحق العودة. ومع أنها قد تجذب بعض الأطراف الباحثة عن وقف مؤقت للحرب، فإن توافر غياب القبول الفلسطيني، وتأييد الدول العربية، والتحفظ الدولي قد يجعل من الصعب للغاية تصور نجاحها على أرض الواقع. وإذا لم تُعدّل جوهريًا بما يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وتراعي الشرعية الدولية، فإنها ستظل مجرد مبادرة على الورق تضاف إلى سلسلة طويلة من الخطط الأمريكية التي وُلدت محكومة بالفشل.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. آية الهنداوي

    د. آية الهنداوي

    مدرس الدراسات اليهودية، كلية الآداب- جامعة المنصورة