تخشى إيران من تطويقها إسرائيليا واستغلال أراضى جيرانها فى جنوب القوقاز وآسيا الوسطى لشن أى عمل عدائى ضدها خلال صراعها الدائر والدائم مع إسرائيل، ولطالما وجهت اتهامات لبعض دول الجوار لمساعدة تل أبيب أبرزها انطلاق المسيرات الإسرائيلية عبر الأراضى الأذربيجانية خلال حرب الـ 12 يوما، بل وطالبت إيران بفتح تحقيق وفق تصريحات السفير الإيرانى فى أرمينيا مهدى سبحانى.
ومع تنامى علاقات إسرائيل مع دول قريبة جغرافيا من إيران، مثل أذربيجان، وجورجيا، وكازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، ترى طهران أنها أمام تهديد يضرب أمنها القومى و يطوقها جيوسياسيًا ويضعف نفوذها الاقتصادى فى تلك المنطقة.
تضم منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى عدة جاليات يهودية تقدر بنحو 200 ألف نسمة، أبرزها يهود بخارى، واليهود الجورجيون، والقوقازيون، ويهود الجبال أو يهود داغستان، وعملت إسرائيل على دعم تلك الجاليات عن طريق الثقافة والترويج للأفكار الدينية بما يتماشى مع أهداف إسرائيل التوسعية وحاجة تلك الدول لرأس المال والتكنولوجيا، وركزت علاقاتها مع دول فى آسيا الوسطى، واعترفت باستقلال تلك الدول بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وأبرمت اتفاقيات لعلاقات دبلوماسية كاملة تتماشى مع سعى دولة الاحتلال للخروج من عزلتها، ويتماشى أيضا مع ما يسمى مخطط الشرق الأوسط الكبير.
وفى هذا المقال سنعرج على طبيعة علاقة إسرائيل مع دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ونطاقات ومساحات التعاون مع تل أبيب فيما بينها، ومدى إمكانية استغلال إسرائيل لتلك الدول فى صراعها مع إيران.
أذربيجان وإسرائيل:
احتفلت إسرائيل وأذربيجان هذا العام بمرور 30 عاما على العلاقات الوثيقة بينهما، وتقدر عدد الشركات الإسرائيلية العاملة فى أذربيجان بنحو 140 شركة وفق التصريحات الرسمية بين البلدين، يتنوع نشاط تلك الشركات فى مجال الدفاع، والتكنولوجيا، والطاقة، وأبرز تلك الشركات شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية التى وقعت عام 2012، اتفاقية اشترت بموجبها طائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الصاروخى والمضادة للطائرات، بقيمة 1.6 مليار دولار، وكذلك شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية، حيث اشترت أذربيجان نظام "Sky Striker" للطائرات المسيرة من إلبيت فى عام 2019، لتعزيز قدراتها الهجومية المستقلة، وخلال حربها مع أرمينيا عام 2020، استخدمت باكو طائرات هجومية بدون طيار من طراز هاروب كاميكازى، وطائرات استطلاع بدون طيار من طراز هيرميس-450، وأوربيتر-1ك، وأوربيتر-2، وأوربيتر-3″، وجميعها من إنتاج شركات أسلحة إسرائيلية.
شكلت الأسلحة الإسرائيلية 69% من واردات أذربيجان من السلاح بين عامى 2016 و2021، بما فى ذلك أنظمة متطورة لاعتراض صواريخ وطائرات مسيرة انتحارية لعبت دورا كبيرا فى انتصار أذربيجان على أرمينيا فى حرب ناجورنو كاراباخ الثانية عام 2020.
واقتصاديا تزود أذربيجان إسرائيل بما يصل إلى 55% من احتياجاتها النفطية، وتحصل فى المقابل على أنظمة أسلحة متطورة بمليارات الدولارات.
يعيش فى أذربيجان نحو 26 ألف يهودى ويتمتعون بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعود قوة هذه العلاقات إلى عام 1991 بعد استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتى، وفى العام نفسه تأسست جمعية الصداقة الأذربيجانية-الإسرائيلية.
واليوم تتعدد دوافع التعاون العسكرى بين باكو وتل أبيب، عملت إسرائيل على حجز موطئ قدم لها بالقرب من الحدود الإيرانية، على شاكلة أذرع إيران فى سوريا، ولبنان، والعراق، كما تسعى إسرائيل إلى تأمين منابع النفط التى تغذى خطَ الأنابيب الممتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركى، ثم إلى ميناء عسقلان المحتل.
جورجيا وإسرائيل:
الجالية اليهودية الجورجية تمثل نحو أربعة آلاف شخص يقيم معظمهم فى العاصمة تبليسى التى تضم نحو 17 معبدا يهوديا، ويعيش نحو 80 ألف يهودى جورجى فى الأراضى المحتلة، وخلال الحرب الجورجية-الروسية عام 2008، كانت إسرائيل من أبرز الداعمين للحكومة الجورجية وكان وزير الدفاع الجورجى آنذاك دافيت كيزير اشفيلى إسرائيليا جورجيا.
وبرز التعاون العسكرى بين إسرائيل وجورجيا منذ عام 2000، حيث باعت تل أبيب أسلحة بمئات الملايين من الدولارات وقدمت تدريبات عسكرية لجورجيا، وفى يناير 2001، وخلال زيارة الرئيس الإسرائيلى موشيه كاتساف إلى جورجيا تم توقيع اتفاقية لمكافحة الإرهاب، وفى 2002، تعاونت إسرائيل وجورجيا فى إنتاج وتجميع الذخيرة العسكرية.
ويعود اهتمام إسرائيل بجورجيا لمجموعة من الأسباب أهمها تأمين المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى منطقة جنوب القوقاز، وخاصة ما يتعلق بتأمين نقل موارد الطاقة من أذربيجان وآسيا الوسطى، كما يخدم قرب جورجيا من إيران مساعى تل أبيب لمحاصرة نفوذ طهران فى جنوب القوقاز، استغلالا للعداء الروسى-الجورجى خاصة بعد اعتراف موسكو بالمنطقتين المنفصلتين فى جورجيا (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا)، مما دفع تبليسى للتقارب من المعسكر الغربى وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل.
كازاخستان وإسرائيل:
الأرقام الحكومية فى كازاخستان تؤكد استيراد إسرائيل نحو 25% من احتياجاتها النفطية من آستانا، فيما بلغ حجم التجارة بين البلدين فى عام 2024، ما يقرب من 236 مليون دولار، وتعمل أكثر من 160 شركة ذات رأس مال إسرائيلى فى كازاخستان فى مجالات، مثل الزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والرقمنة والرعاية الصحية، والتعدين، وقطاعات أخرى.
وفى يناير 2014، وقعت إسرائيل وكازاخستان اتفاقية للتعاون العسكرى وتعزيز التعاون فى مجال التقنيات العسكرية، بما فى ذلك التعاون فى إنتاج الطائرات بدون طيار وتقنيات أمن الحدود.
وفى مايو 2022، حصل مصنع تابع لشركة الصناعات الجوية الكازاخستانية على ترخيص لإنتاج طائرات بدون طيار من شركة إلبيت الإسرائيلية.
لكن ما يشغل إسرائيل أكثر امتلاك كازاخستان نحو 20% من احتياطيات اليورانيوم العالمية، وتخشى إسرائيل حصول إيران على تلك الموارد واستخدامها فى برنامجها النووى، لكن تطمينات الرئيس الكازاخستانى الأسبق نور سلطان نزارباييف الذى قال لصحيفة إسرائيلية: "لا داعى للقلق بشأن الأسلحة النووية التى نمتلكها. فنحن نحرسها جيدًا ومن المستحيل أن تغادر حدودنا".
أما على صعيد التعاون الدفاعى والأمنى بين البلدين، ففى يناير 2014، وقع البلدان اتفاقية تعاون أمنى ودفاعى، كما يوجد اتفاق بين الحكومتين لحماية المعلومات فى مجال التعاون الفنى-العسكرى والدفاعى وقع فى تل أبيب عام 2012، وتم الموافقة عليه فى مارس 2023، كما يوجد اتفاق على تصنيع طائرات بدون طيار فى كازاخستان باستخدام تكنولوجيا إسرائيلية، وفى 2016، تم الإعلان عن تعاون بين أجهزة الاستخبارات لمواجهة الإرهاب والتطرف، وفى نوفمبر 2020، وقعت مذكرة تفاهم فى مجال الأمن السيبرانى.
وأحدث هذه الاتفاقيات ما تم توقيعه فى يونيو 2025، وشملت مجالات، مثل الفضاء والتعاون الاقتصادى ومجالات، مثل المياه، والتجارة، والتصدير بين البلدين.
أوزبكستان وإسرائيل:
مخاوف أوزبكستان من تسلل التيارات الإسلامية المتطرفة من أفغانستان ومواجهة نفوذ إيران فى آسيا الوسطى بعد ثورة 1979، دفعت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها بطشقند، وقد عبر عن هذا التوجه الرئيس الأوزبكى السابق، إسلام كريموف، أثناء زيارته لإسرائيل، فى سبتمبر 1998، عندما تحدث صراحة عن أن الأصولية الإسلامية تمثل أحد التحديات المشتركة لكل من إسرائيل وبلاده.
تعد أوزبكستان واحدة من أهم مراكز الاستيطان اليهودى فى الاتحاد السوفيتى سابقا، وشهدت هجرات عدة إلى إسرائيل قدرت ب 70 ألف شخص من إجمالى نحو 120 ألف شخص عبر الوكالة اليهودية التى لها مكتب تمثيلى فى العاصمة طشقند.
أوزبكستان وهى سادس أكبر منتج للذهب فى العالم ورابع أكبر احتياطى من خام الفضة، ولديها احتياطيات كبيرة من اليورانيوم تتعاون مع إسرائيل فى مشاريع تعليمية، وصحية، وزراعية عبر وكالة التعاون الإنمائى الإسرائيلية.
وفى مايو 2023، زار إسرائيل وفد برئاسة وزير الموارد المائية فى أوزبكستان شوكت خامراييف، بهدف تطوير قطاع المياه الحديث ودراسة أفضل الأساليب والممارسات الإسرائيلية فى هذا المجال. وفى عام 2024، بلغ إجمالى التبادل التجارى بين البلدين نحو 55 مليون دولار.
ويمتد مجال التعاون إلى الصناعات السياحية، والاتصالات، وبناء الفنادق، والمقاولات، من خلال استثمارات إسرائيلية أو مشتركة ساهم فيها رجال الأعمال الجدد من يهود أوزبكستان.
وفى عام 2018 سمحت أوزبكستان للإسرائيليين بزيارتها دون تأشيرة، وفى مايو 2025 أطلقت شركة طيران سمرقند الأوزبكية أحدث رحلاتها الدولية المنتظمة إلى العاصمة الإسرائيلية تل أبيب.
تركمانستان وإسرائيل:
بعد ثلاث سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتى، زار شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك تركمانستان لتوطيد العلاقات بين البلدين، وبعد ما يقرب من ٣ عقود وفى أبريل 2023، وصل إيلى كوهين وزير الخارجية الإسرائيلى السابق العاصمة عشق آباد للمشاركة فى افتتاح سفارة إسرائيل، وهى الخطوة التى وصفت إسرائيليا بالاختراق الجديد لإقامة مبنى السفارة على بعد 15 ميلا من الحدود الإيرانية.
تتعاون تركمانستان مع دولة الاحتلال فى مجالات الزراعة، والتكنولوجيا المائية، والتعاون الصحى والطبى، ورغم عدم وجود اتفاقيات للتعاون العسكرى والأمنى مع إسرائيل ظهرت خلال عرض عسكرى فى عيد الاستقلال عام 2017، مركبات من طراز Combat Guardالإسرائيلية رباعية الدفع، كما تستخدم تركمانستان طائرات مسيرة انتحارية Loitering Munitionsإسرائيلية الصنع.
ختاما، فإن تطويق إيران إسرائيليا فى جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، تعتبره طهران تهديدا وجوديا مركبا يفرض طوقا جيوسياسى على حدودها الشمالية الشرقية والغربية، ويقضى على تطلعاتها الاقتصادية كممر تجارى بين تجارة الشرق والغرب، وكذلك يهدد أمنها القومى الداخلى خشية استغلال إسرائيل للقضية القومية الأذرية عبر تغذية النزعة الانفصالية، وكذلك لا تريد طهران استغلال تل أبيب قربها الحدودى لشن هجمات مستقبلية على الداخل الإيرانى أو القيام بعمليات استخباراتية عبر جيرانها.