تحليلات

الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. دلالات سياسية وقانونية وردود الفعل المتوقعة

طباعة

يُعتبر الاعتراف بالدول (State Recognition) أحد الأعمدة الأساسية لفهم ديناميكيات النظام الدولي. يمكن تناول هذا المفهوم من خلال إطار نظري مزدوج يجمع بين النظرية الواقعية (Realism) والنظرية الليبرالية (Liberalism)، مع التركيز على نظرية الاعتراف الدبلوماسي كما طورها منظرو القانون الدولي مثل هيرش لوترباخت (Hersch Lauterpacht) وأوبنهايم (Oppenheim). من منظور واقعي، يرى الاعتراف كأداة لتعزيز مصالح الدولة المعترفة، حيث يعكس توازن القوى ويخدم أهدافا استراتيجية مثل تعزيز التحالفات أو مواجهة الخصوم. على سبيل المثال، يؤكد جون ميرشايمر (John Mearsheimer) في نظريته الواقعية الهجومية أن الدول تتصرف بناءً على حسابات القوة، مما يجعل الاعتراف خطوة تؤثر على موازين القوى الإقليمية. أما النظرية الليبرالية، فتركز على دور المؤسسات الدولية والقيم المشتركة، مثل حق تقرير المصير الذي أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة (المادة 1، الفقرة 2)، حيث يُعتبر الاعتراف خطوة نحو بناء نظام دولي أكثر عدلا واستقرارا، كما يشرح جوزيف ناي (Joseph Nye) في مفهوم القوة الناعمة.

في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُطبق هذا الإطار النظري لتحليل اعتراف دول مثل بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بالدولة الفلسطينية، والذي توسع مؤخراً ليشمل دولاً أخرى مثل فرنسا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورج وإمارة موناكو وأندورا، في ضوء مؤتمر حل الدولتين الذي عقد في يوليو 2025 برعاية فرنسا والسعودية، وقمة 22 سبتمبر 2025 في نيويورك. من الناحية الواقعية، يمثل هذا الاعتراف تحولا في توازن القوى، حيث تسعى هذه الدول إلى مواجهة نفوذ إسرائيلي متزايد وتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الناتجة عن حرب غزة. أما ليبراليا، فهو يعزز مبدأ حل الدولتين كحل مؤسسي يعتمد على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (مثل قرار 242 و181).

أولًا- الآثار القانونية للاعتراف:

يمثل اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال،ولاحقاً فرنسا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورج وموناكو وأندورا،بالدولة الفلسطينية خطوة قانونية حاسمة، تعزز من وضع فلسطين في النظام الدولي.

١- يتكرس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، الذي أكدته اتفاقية جنيف الرابعة (1949) وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 (1974). هذا الحق ليس مجرد مبدأ أخلاقي، بل يمنح فلسطين القدرة على المطالبة بسيادتها على أراضيها المحتلة منذ 1967، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. في الواقع، يزيد هذا الاعتراف من عدد الدول المعترفة بفلسطين، الذي وصل الآن 151 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة (نحو 78%)، مما يقربها من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مع الوضع في الاعتبار الفيتو الأمريكي المتكرر.

٢- يعزز الوضع القانوني لفلسطين، حيث يمكنها الآن رفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية (ICJ) أو المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بصفتها دولة ذات سيادة. على سبيل المثال، في قضية الجدار الفاصل (2004)، أكدت محكمة العدل الدولية عدم شرعية الاستيطان، ومع الاعتراف الجديد، يمكن لفلسطين تعزيز مطالباتها بحقوقها في المياه الإقليمية (وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982) والمجال الجوي. هذا يفتح أبوابا لدعاوى ضد الانتهاكات الإسرائيلية، مثل هدم المنازل أو الحصار على غزة، الذي يُعتبر جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف. كما أن الاعتراف يدعم قرار نفس المحكمة الأخير في يوليو 2024 الذي يطالب بإنهاء الاحتلال غير الشرعي.

٣- يدعم حل الدولتين، الذي يُعد الإطار الرئيسي لعملية السلام منذ اتفاقيات أوسلو (1993). هذا الحل ينص على تعايش دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، مع حدود 1967 كأساس. الاعتراف يرسل رسالة قانونية واضحة بأن المجتمع الدولي يرفض الضم الإسرائيلي للأراضي المحتلة، كما حدث في خطة الضم لنتنياهو (2020)، ويعزز من قرارات الأمم المتحدة مثل 2334 (2016) الذي يدين الاستيطان. في سياق 2025، يأتي هذا بعد موجة اعترافات في 2024 من دول مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج، مما يعزز الزخم القانوني.

٤- يزيد الضغط على إسرائيل قانونيًا، حيث قد تتبنى الدول المعترفة عقوبات أو دعمًا لحملات المقاطعة والحصار الاقتصادي. على سبيل المثال، بريطانيا، التي لديها تاريخ مع وعد بلفور (1917)، قد ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي مع فلسطين، مما يجعلها أكثر التزاما بدعم الإجراءات الدولية لإنهاء الاحتلال. هذا الضغط يمتد إلى المحاسبة على جرائم الحرب، خاصة بعد تقرير جولدستون (2009) حول غزة، وتقارير هيومن رايتس ووتش لعام 2025 التي توثق الانتهاكات.

٥- يفتح أبوابا لاتفاقيات ثنائية، مثل التعاون الاقتصادي أو العسكري، مع فلسطين كدولة. كندا، على سبيل المثال، قد تقدم مساعدات إنمائية مباشرة للسلطة الفلسطينية، مما يعزز سيادتها الفعلية. هذا يعكس تحولا من الاعتراف الرمزي إلى الفعلي، كما حدث مع السويد في 2014، ويؤثر على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني خسائر تصل إلى مليارات الدولارات سنويا بسبب الاحتلال.

٦- يؤثر على القانون الدولي الإنساني، حيث يجعل الاحتلال الإسرائيلي أكثر عرضة للتحدي القانوني. وفق المادة 49 من اتفاقية جنيف، الاستيطان غير شرعي، والاعتراف يعزز مطالبة فلسطين بإزالته، خاصة مع توسع المستوطنات إلى أكثر من 700 ألف مستوطن.

٧- قد يشجع على مراجعة الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس الاقتصادية (1994)، لصالح فلسطين. هذا يمنحها سيطرة أكبر على مواردها، مثل الغاز في غزة.

٨- يعزز دور فلسطين في المنظمات الدولية، مثل اليونسكو أو منظمة التجارة العالمية، حيث أصبحت عضوا مراقبا في الأمم المتحدة منذ 2012، وقد يفتح الباب لعضوية كاملة.

٩- يحد من الاعتراف الإسرائيلي بالأمر الواقع، مثل السيطرة على القدس، ويعيد التأكيد على قرار 478 (1980) الذي يرفض ضم القدس.

١٠- يفتح نقاشا حول المسئولية الدولية، حيث قد تُحمَل الدول غير المعترفة مسئولية عن دعم الاحتلال، كما في قضية ناميبيا عام 1971، هذا يشمل مراجعة المساعدات الأمريكية لإسرائيل التي بلغت 17.9 مليار دولار في 2025.

ثانيًا- الآثار السياسية والدبلوماسية:

١- سياسيا، يؤدي الاعتراف إلى عزل إسرائيل دبلوماسيًا، خاصة أن هذه الدول جزء من الكومنولث أو حلفاء غربيين. بريطانيا، كعضو في مجلس الأمن، قد تدفع نحو قرارات أكثر صرامة ضد إسرائيل. هذا العزل يشبه ما حدث مع جنوب أفريقيا في عصر الفصل العنصري، حيث أدى الضغط الدولي إلى تغييرات. في 2025، يأتي هذا بعد استطلاعات تظهر تدهور الدعم الأمريكي لإسرائيل، خاصة بين الديمقراطيين (10% فقط يفضلون إسرائيل).

٢- يغير موازين القوى لصالح الفلسطينيين، مما يعزز موقفهم في المفاوضات. في اتفاقيات كامب ديفيد (2000) أو أنابوليس (2007)، كان الضعف الفلسطيني واضحا، لكن الاعتراف يمنحهم نفوذا أكبر، خاصة مع دعم سعودي للاعترافات.

٣- تأثير الدومينو، قد يشجع دولا أخرى مثل فرنسا أو بلجيكا على الاعتراف، خاصة بعد اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج في 2024. هذا يخلق زخما أوروبيا، كما حدث مع الاتحاد الأوروبي في دعم فلسطين، ويؤدي إلى اعترافات محتملة من نيوزيلندا.

٤- يحيي القضية الفلسطينية، التي تهمشت بعد اتفاقيات أبراهام (2020). الاعتراف يجذب الاهتمام الإعلامي والدعم الشعبي، خاصة في ظل الرأي العام الغربي المتغير بعد حرب غزة، كما في استطلاعات بروكينجز لعام 2025.

٥- يدعم الشعب الفلسطيني معنويا، مما يعزز الصمود ضد الاحتلال. استطلاعات مثل تلك من مركز بيو (Pew) تظهر زيادة الدعم الدولي لفلسطين، ويُرحب حماس بالاعتراف كخطوة نحو العزل الدولي لإسرائيل.

٦- يعكس استياءً من السياسات الإسرائيلية، مثل توسيع المستوطنات. هذا يضغط على إسرائيل للعودة إلى المفاوضات، خاصة مع تحذيرات من الإمارات ضد الضم.

٧- يؤثر على التحالفات الإقليمية، حيث قد تقترب هذه الدول من الدول العربية الداعمة لفلسطين.

٨- يعزز دور السلطة الفلسطينية مقابل حماس، مما قد يساعد في توحيد الفلسطينيين، كما في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 حول إعلان نيويورك.

٩- يفتح أبوابا اقتصادية، مثل استثمارات كندية في فلسطين، تعزز الاستقلال الاقتصادي، رغم الحصار.

10- يؤثر على الانتخابات الداخلية في هذه الدول، حيث يعكس تغيرا في الرأي العام، كما في بريطانيا بعد حملات اليسار.

ثالثًا- مواقف الدول المعترفة وتبريراتها:

١- بريطانيا: أكدت الحكومة أن الاعتراف يصحح خطأ وعد بلفور، ويعزز السلام. رئيس الوزراء كير ستارمر أشار إلى رفع التمثيل الدبلوماسي، مع دعم وقف إطلاق النار في غزة، ووصفها بأنها خطوة لإنقاذ حل الدولتين رغم معارضة أمريكا وإسرائيل.

٢- كندا: رئيس الوزراء أعلن الاعتراف للحفاظ على حل الدولتين، ردا على رفض إسرائيل، مع التركيز على إنهاء العنف ودعم الإصلاحات في السلطة الفلسطينية.

٣- أستراليا: أنتوني ألبانيز أكد الاعتراف لدعم السلام، مع التركيز على غزة وإطلاق الرهائن، ودعوة لدور غير لـحماس في الحكم.

٤- البرتغال: وزير الخارجية باولو رانغيل وصف القرار بشجاع، مؤكدا دعم السلام دون التشكيك في إسرائيل، وجعله جزءا من موجة أوروبية.

5- فرنسا: الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن الاعتراف في قمة 22 سبتمبر، معتبرًا إياه “خطوة ضرورية لإحياء حل الدولتين”، داعيًا لوقف التصعيد في غزة.

بلجيكا: وزير الخارجية أعلن الاعتراف في الجلسة 80 للجمعية العامة، مشدداً على “الحاجة إلى سلام عادل” ودعم الإصلاحات الفلسطينية.

6- مالطا: الحكومة أكدت الاعتراف كجزء من التزامها بالقانون الدولي، مع التركيز على الدعم الإنساني لغزة.

7- لوكسمبورج: رئيس الوزراء لوك فريدن اعتبر الاعتراف خطوة نحو السلام.

8- إمارة موناكو: الأمير ألبرت الثاني أعلن الاعتراف كدعم للحل السلمي، مع التركيز على الجانب الإنساني.

9- أندورا: الحكومة أكدت الاعتراف في إطار التزامها بالأمم المتحدة، مشددة على حل الدولتين.

هذه المواقف تجمع على دعم حل الدولتين، معبرة عن إحباط من الصراع، وتؤكد عدم دور لحماس في المستقبل.

رابعًا- المعنى العام للاعتراف:

بشكل عام، يمثل الاعتراف تحولًا مهمًا في المشهد الدبلوماسي الدولي، خاصة في سياق عام 2025 الذي شهد تصعيدا في الضغط الدولي بعد حرب غزة المستمرة لأكثر من عامين. وهو يعكس تزايد الإحباط من الجمود في عملية السلام، وإدانة واضحة لرفض إسرائيل لحل الدولتين، وتداعيات الصراع المستمر، خاصة الدمار الإنساني في غزة الذي أدى إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح ملايين. هذه الاعترافات ليست مجرد إجراءات رمزية، بل هي محاولة لإعادة الزخم لحل الدولتين، وتعزيز الوضع القانوني والسياسي للفلسطينيين على الساحة الدولية، وزيادة الضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي والمفاوضات الهادفة إلى سلام عادل ودائم. كما أنها تعكس إدراكًا متزايدًا بأن تحقيق السلام في المنطقة يتطلب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفق حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة.

اقتصاديا، يفتح أبوابا لفلسطين للحصول على مساعدات مباشرة، مثل برامج التنمية من كندا التي قد تصل إلى مئات الملايين، ويعزز من فرص الانضمام إلى منظمات تجارية.

أمنيا، يرسل رسالة بأن السلام يتطلب دولة فلسطينية قابلة للحياة، مما قد يقلل من التوترات الإقليمية ويمنع التصادمات في الإقليم.

معنويا، يُعزز الصمود الفلسطيني، كما عبر عنه السفير حسام زملط الذي وصفها بـ"خطوة لا رجعة فيها لتصحيح الظلم التاريخي".

إقليميا، يُرحب به من دول مثل مصر والسعودية والإمارات والتي دعت إلى المزيد من الاعترافات، مما يعزز مبادرة السلام العربية ويضغط على إسرائيل للتفاوض.

في النهاية، هذا الاعتراف ليس نهاية الصراع بل بداية لمرحلة جديدة، قد تؤدي إلى سلام إذا صاحبتها ضغوط حقيقية، أو إلى تصعيد إذا ردت إسرائيل بقوة.

خامسًا- ردود الفعل الإسرائيلية:

كان رد الفعل الإسرائيلي على هذه الاعترافات الدولية غاضبًا ومنددًا بشدة، معبرًا عن مخاوف وجودية وتهديدات مباشرة. وقد جاءت أبرز ردود الفعل على النحو التالي:

١- رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: توعد نتنياهو بأن "دولة فلسطينية لن تقوم غرب نهر الأردن"، ووصف الاعتراف بأنه "مكافأة للإرهاب الوحشي لحماس"، معتبرا أنه يشجع على العنف بدلا من السلام، مؤكدًا أن هذه الخطوة "ستكافئ الإرهاب" وستعيق أي تقدم في المفاوضات، مشيرا إلى أن إسرائيل ستستمر في عملياتها العسكرية في غزة والضفة حتى تحقيق "النصر الكامل".

٢- وزارة الخارجية الإسرائيلية: وصفت الاعتراف بأنه "مكافأة لحماس"، مشيرة إلى أن قادة حماس رحبوا بهذه الخطوة، واعتبرتها "تشجيعا للإرهاب" و"ضربة لجهود السلام". دعت إلى إدانة دولية للخطوة، محذرة من أنها ستؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية.

٣- وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: وصف الاعتراف بأنه "مكافأة للقتلة"، ودعا إلى ضم فوري للضفة الغربية كرد، معتبرا أن أي دولة فلسطينية ستكون "تهديدا وجوديا" لإسرائيل. أكد أن اليمين المتطرف سيضغط لإجراءات أكثر صرامة ضد الفلسطينيين.

٤- تهديدات بضم الضفة الغربية: أشارت بعض التقارير إلى أن وزراء إسرائيليين يستعدون للمطالبة بضم الضفة الغربية ردًا على هذه الاعترافات، بما في ذلك غور الأردن، مما قد يقضي على حل الدولتين. هذا يأتي بعد تهديدات سابقة في 2024 ردا على اعترافات أوروبية.

٥- ردود داخلية: أدى الاعتراف إلى توحيد اليمين الإسرائيلي، مع احتجاجات في تل أبيب ضد "الخيانة الغربية"، ودعوات لقطع العلاقات مع الدول المعترفة. وسائل إعلام إسرائيلية مثل تايمز أوف إسرائيل وصفتها بـ"كارثة دبلوماسية".

تعتبر إسرائيل أن هذه الاعترافات تقوض عملية السلام وتكافئ ما تصفه بالإرهاب، وتزيد من تعنت الفلسطينيين في المفاوضات، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري.

سادسًا- رد الفعل الأمريكي:

عبرت الولايات المتحدة عن موقفها الرافض للاعترافات الأحادية بالدولة الفلسطينية، واصفة إياها بـ "الخطوة المتهورة" التي لا تخدم السلام. الموقف الأمريكي التقليدي يفضل أن يتم قيام الدولة الفلسطينية من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، مع الحفاظ على دورها كوسيط.

١- وصف الخطوة بـ "المتهورة": عبرت واشنطن عن عدم رضاها عن هذه الاعترافات، معتبرة أنها لا تخدم جهود السلام وتعقد الوضع، كما أكدت وزارة الخارجية أنها "تكافئ الإرهاب" وتضعف المفاوضات.

٢- استخدام الفيتو في الأمم المتحدة: سبق للولايات المتحدة أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، مما يؤكد موقفها الرافض لأي خطوات أحادية الجانب، ومن المتوقع استمرار ذلك مستقبلًا.

٣- تفضيل الحل التفاوضي: تؤكد الولايات المتحدة باستمرار على أن حل الدولتين يجب أن يأتي عبر مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وليس من خلال اعترافات دولية أحادية الجانب، كما في سياسة ترامب التي انحازت لإسرائيل.

يعكس الموقف الأمريكي حرصًا على الحفاظ على دورها كوسيط رئيسي في الصراع، وتجنب أي خطوات قد تعقد جهودها الدبلوماسية أو تثير غضب حليفتها إسرائيل، خاصة مع استمرار دعمها العسكري.

سابعًا- سيناريوهات الرد المتوقعة من إسرائيل وأمريكا:

1- سيناريوهات الرد الإسرائيلي:

من المتوقع أن تتخذ إسرائيل عدة إجراءات للرد على هذه الاعترافات، والتي قد تتراوح بين الدبلوماسية والعقابية وحتى العسكرية، بالإضافة إلى تداعيات داخلية، مع التركيز على تصعيد لتعزيز الموقف الداخلي:

• الرد الدبلوماسي: قد تقوم إسرائيل بسحب سفرائها من الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي معها، كما حدث مع إسبانيا في 2024. استدعاء السفراء، قد تستدعي إسرائيل سفراء هذه الدول لديها لتقديم احتجاجات رسمية، مع حملات إعلامية لوصفها بـ"العدائية". حملات دبلوماسية مضادة، ستكثف إسرائيل جهودها الدبلوماسية لإقناع دول أخرى بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والضغط على الدول التي اعترفت للتراجع عن قرارها أو تخفيف آثاره، من خلال لوبيات في واشنطن أو بروكسل.

• الإجراءات العقابية ضد السلطة الفلسطينية: قد تقوم إسرائيل باقتطاع المزيد من أموال الضرائب التي تجمعها لصالح السلطة الفلسطينية (نحو 200 مليون دولار شهريا)، أو تجميد تحويلها بالكامل، مما يزيد من الضغط الاقتصادي على السلطة ويؤدي إلى انهيار اقتصادي في الضفة. تقييد حركة المسئولين الفلسطينيين، قد تفرض إسرائيل قيودًا على حركة المسئولين الفلسطينيين، بما في ذلك منعهم من السفر أو تقييد تحركاتهم داخل الأراضي الفلسطينية، كما في حالات سابقة. إلغاء تصاريح العمل، قد تلغي إسرائيل تصاريح عمل آلاف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات (نحو 150 ألف عامل)، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية ويزيد من البطالة إلى أكثر من 50%.

• الإجراءات على الأرض: قد ترد إسرائيل بتسريع وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات القائمة، كرسالة تحدٍ للمجتمع الدولي، مع خطط لبناء آلاف الوحدات الجديدة كما في 2024. ضم أجزاء من الضفة الغربية، في السيناريو الأكثر تطرفًا، قد تتجه الحكومة الإسرائيلية، خاصة الأجنحة اليمينية المتطرفة، إلى المطالبة بضم أجزاء من الضفة الغربية، مثل غور الأردن أو الكتل الاستيطانية الكبرى، مما يقضي فعليًا على أي إمكانية لحل الدولتين. تشديد الإجراءات الأمنية، قد تزيد إسرائيل من تشديد الإجراءات الأمنية في الضفة الغربية، وتكثف الاقتحامات والاعتقالات، بحجة مواجهة ما تسميه "الإرهاب"، مما قد يؤدي إلى انتفاضة جديدة.

• السياسة الداخلية الإسرائيلية، قد تؤدي هذه الاعترافات إلى تعزيز موقف الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل، التي ترفض قيام دولة فلسطينية، وتدفع نحو سياسات أكثر تشددًا، مثل توسيع العمليات في غزة. تأجيج الخطاب القومي، من المتوقع أن يرتفع الخطاب القومي المتشدد داخل إسرائيل، والذي يرى في هذه الاعترافات تهديدًا وجوديًا للدولة، مما قد يؤدي إلى احتجاجات داخلية ودعم أكبر لحكومة نتنياهو.

• سيناريوهات إضافية، قد تشمل الردود تصعيدا عسكريا في غزة أو لبنان لإلهاء الرأي العام، أو حملات إعلامية دولية لتصوير الاعتراف كدعم للإرهاب، مع الاعتماد على اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة للضغط على الحلفاء.

2- سيناريوهات الرد الأمريكي:

على الرغم من أن الولايات المتحدة عبرت عن رفضها للاعترافات الأحادية، إلا أن رد فعلها قد يكون أكثر تعقيدًا، نظرًا لعلاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل وحرصها على استقرار المنطقة، مع التركيز على الحفاظ على دورها كوسيط:

• الضغط الدبلوماسي، الضغط على الدول المعترفة، قد تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا دبلوماسية على الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، بشكل سري أو علني، للتراجع عن قرارها أو عدم اتخاذ خطوات إضافية، كما حدث مع أوروبا في 2024. تأكيد دعم حل الدولتين (بشروط)، حيث ستستمر الولايات المتحدة في التأكيد على دعمها لحل الدولتين، ولكن مع التشديد على أن هذا الحل يجب أن يأتي عبر المفاوضات المباشرة وليس عبر الاعترافات الأحادية، كما في سياسة بايدن السابقة.

• تعديل المساعدات أو التعاون، تجميد أو تقليص المساعدات، حيث أنه في حال تصاعد التوتر، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تجميد أو تقليص بعض المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية (نحو 500 مليون دولار سنويا)، كشكل من أشكال الضغط، أو حجب تمويل منظمات الأمم المتحدة مثل UNRWA.

• مراجعة التعاون، قد تراجع الولايات المتحدة بعض جوانب التعاون مع الدول التي اعترفت، خاصة إذا كانت هذه الدول حليفة مقربة مثل كندا، من خلال تأخير اتفاقيات تجارية.

• استخدام الفيتو في الأمم المتحدة، عرقلة العضوية الكاملة، فمن المتوقع وفقًا لتوجهات إدارة ترامب أن تستمر الولايات المتحدة في استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، للحفاظ على موقفها الرافض للخطوات الأحادية، كما في التصويتات السابقة.

• تغيير السياسات (وهو سيناريو بعيد)، ففي حال استمرار موجة الاعترافات وتزايد الضغط الدولي، قد تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم موقفها على المدى الطويل، وقد تشهد سياساتها تحولًا تدريجيًا نحو دعم أكثر صراحة للدولة الفلسطينية، ولكن هذا السيناريو يعتبر بعيد الاحتمال في المدى القصير بسبب الانتخابات الأمريكية.

• التركيز على التهدئة، حيث قد تركز الولايات المتحدة جهودها على تهدئة الأوضاع ومنع التصعيد في المنطقة، مع محاولة إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، ربما من خلال صفقة إقليمية تشمل وقف إطلاق نار في غزة ولبنان، ولعل ذلك ما يفسر دعوة ترامب لقمة مع الزعماء والقادة العرب وقادة في الإقليم.

ختامًا، يعكس هذا الاعتراف توترا أساسيا بين النظرية الواقعية والليبرالية في علم العلاقات الدولية. من المنظور الواقعي، يُنظر إلى الاعتراف كتحدٍ لتوازن القوى، حيث تسعى إسرائيل وأمريكا إلى الحفاظ على هيمنتهما من خلال ردود حادة مثل الضم الأرضي أو استخدام الفيتو في مجلس الأمن، وذلك كأولوية للبقاء وللتحكم في طبيعة التوازنات التي تصب في مصلحتيهما في النظام الدولي. هذا يتجلى في الردود الإسرائيلية التي تركز على الإجراءات العقابية والتوسع الاستيطاني كوسيلة لتعزيز السيطرة الفعلية، وفي الموقف الأمريكي الذي يحمي حلفاءه للحفاظ على نفوذه الإقليمي. أما من المنظور الليبرالي، فيعزز الاعتراف مبادئ القيم المشتركة والمؤسسات الدولية، حيث يُرى كخطوة نحو نظام دولي أكثر عدلًا يعتمد على حق تقرير المصير وقرارات الأمم المتحدة، مما يعزز التعاون الدولي ويقلل من النزاعات من خلال الضغط الدبلوماسي والقانوني. هذا الربط يبرز كيف يمكن للاعتراف أن يحول الصراع من صراع قوة محض (واقعي) إلى إطار مؤسسي (ليبرالي)، لكنه يكشف أيضا عن التوتر المستمر بين القوتين، حيث قد يؤدي الرد الواقعي إلى عرقلة التقدم الليبرالي، مما يتطلب جهودا دولية لتحويل هذا الزخم إلى سلام حقيقي، ربما من خلال مؤتمرات برعاية الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر مع الدول الأوروبية والآسيوية الرامية لتحقيق السلم والأمن والتعاون على المستويين الإقليمي والدولي. في النهاية، قد يدفع هذا التوتر إلى إعادة تقييم السياسات العالمية، فمن المؤكد أن الاعتراف ليس نهاية الصراع بل بداية لمرحلة جديدة من التفاوض العادل، مع الحاجة إلى ضغوط اقتصادية وعقوبات لضمان التنفيذ، وذلك في إطار يجمع بين حسابات القوة والقيم والأعراف الدولية.

نقلا عن جريدة الجمهورية، الأحد:28 سبتمبر 2025.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد ناجي قمحة

    أحمد ناجي قمحة

    رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية