- كشف تدريب "تلة الكيف": احترافية القوات فى التعامل مع الإرهاب وتأمين المدنيين.
- فى "منقار الوحش" ظهر التكامل بين الأسلحة المشتركة خلال مناورة بالذخيرة الحية.
- التدريب البحرى فى "العُميد" أكد خطة الممانعة والتجهيز فى صد الإبرار المعادى.
اختتمت مناورات "النجم الساطع 2025"، الأكبر فى الشرق الأوسط، بعدما استضافتها قاعدة محمد نجيب العسكرية وقواعد مصرية جوية وبحرية أخرى، خلال الفترة من 28 أغسطس إلى 10 سبتمبر 2025. شاركت 44 دولة (14 دولة بقوات عسكرية، و30 دولة بصفة مراقب) فى المناورات التى شهدت تنفيذ تدريبات برية، وبحرية، وجوية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب، والدفاع الجوى، والتكامل العسكرى بين الدول المشاركة.
المناورات تحولت إلى مختبر عملى، ففى منطقة "تلة الكيف" ظهرت أهمية التكامل الميداني-الإنسانى خلال العمل داخل بيئة حضرية، وفى "منقار الوحش" جرى اختبار تناغم القوات متعددة الأبعاد وقدرتها على تجاوز ضغوط الزمن، واللوجستيات، والخداع المعلوماتى، بينما كشف تدريب "العُميد" البحرى عن التغلب على التحديات اللوجستية والبيئية المرافقة لعمليات الإبرار البحرى.
هذا التنوع فى البيئات والسيناريوهات ربط الأهداف الاستراتيجية بالاختبارات الميدانية، وجعل القيمة النهائية للمناورات فى قدرتها على مراكمة خبرات قابلة للتطبيق داخل السياسات الدفاعية والأمنية، وفى تحويل الدروس التكتيكية إلى رصيد استراتيجى طويل المدى، استفادت منه القوات المشاركة فى مراحل "النجم الساطع 2025".
تلة الكيف:
فى منطقة "تلة الكيف" بنطاق قاعدة محمد نجيب، كان واضحًا من التصور الميدانى الذى يحدد تفاصيل إدارة التدريب (عملية تطهير قرية حدودية من الإرهاب) تكامل الخطة والرؤية متعددة المستويات، عبر استهداف الحسم السريع واستعادة زمام النفوذ وسط أجواء حضرية صعبة.
كان الإطار العام للتدريب كاشفًا عن مستوى القيادة واللوجستيات. تنفيذ العملية التى قادتها عناصر عسكرية مصرية (بالتعاون مع قوات أخرى مشاركة فى النجم الساطع)، لم تقتصر على تخطيط تحرّكات القوات، بل تضمن أيضًا آليات التنسيق بين الأجهزة العسكرية، والأمنية، والمدنية وبروتوكولات التعامل مع تهديدات غير تقليدية مثل المواد الكيميائية.
استراتيجيًا ما حدث فى "تلة الكيف" تم عبر مرحلتين: أولاً، عملية تكتيكية تظهر القدرة على تنفيذ سلسلة من الأنشطة الأمنية (المراقبة والاستطلاع، الإنزال المظلى، الاقتحامات والمداهمات)، وفق جدول زمنى يضمن سرعة الحسم قبل تفاقم الوضع، وثانيًا، بُعد سياسى مؤسسى يركز على استعادة وإظهار القدرة على إدارة الأزمة وإعادة الخدمات الحيوية.
تبدّى أهمية دقة المعلومات والتدريب على اتخاذ القرار، لأن دقة البيانات وسرعة تحديثها ومشاركتها بين الجهات المنفذة تحدد مدى نجاح العمليات وتقليل الأضرار غير المقصودة، وتظهر التنسيق بين القوات، وبالتالى كان انسجام الخطط عنصرًا رئيسيًا لتحقيق ما نص عليه التدريب.
كان عنصر المعلومات متحققًا باحترافية (الحصول على المعلومات بواسطة طائرة مسيّرة، ودوريات الاستطلاع والاستطلاع الإلكتروني)، لضمان دقة واستمرارية دورة: جمع، وتحقق، وتقييم، وفلترة المعلومات، وهذه الجوانب الحساسة خلال هذا النوع من العمليات تتطلب إجراءات تخصصية دقيقة وتنسيقًا فوريًا تحسمه المعلومة الموثقة.
القيمة العملية للتدريب تكمن فى اختبار سرعة جمع المعلومات والتحقق منها، وكفاءة الربط بين الاستطلاع الجوى والفرق البرية، بالإضافة إلى قدرة المهندسين العسكريين على تأمين مسارات اقتحام آمنة نسبيًا، كما يوضح التدريب متعدد الجنسيات دوره فى تعزيز العلاقات العسكرية، وتبادل الخبرات، وتحسين القدرة على مواجهة التحديدات.
فى "تلة الكيف" ركز التدريب على البعد الزمنى كمعيار رئيسى للأداء (الإطار الزمنى للحسم، ومعايير تقييم النتائج، وخطط التثبيت بعد العملية)، ضمن رسائل عملية تؤكد قدرة القوات المنفذة على سرعة المبادرة فى الحسم الميدانى، وأظهرت أيضا الاستعداد الكامل للتعامل مع أى سيناريوهات تقليدية أو استثنائية.
شاركت فى تنفيذ تدريبات "تلة الكيف" عناصر مراقبة واستطلاع جوى وبرى، وهجوم جوى، وعمليات اقتحام خاصة ومداهمة، مع الحرص على توافق مستهدفات التدريب مع النتائج من خلال جودة المعلومات، والتكامل بين الأجهزة، وقدرة القوات على إدارة تعقيدات بيئة حضرية مختلطة، والحد من الضحايا المدنيين، وعدم الإضرار بالبنى التحتية الحيوية.
تجربة قوات إنفاذ القانون فى مصر خلال مجابهة الإرهاب (2013-2019) مثّلت تطبيقًا عمليًا لمراعاة استخدام القوة داخل مناطق مدنية عبر الامتثال الصارم لمبادئ التمييز والتناسب والاحتراز، والتعامل معها كهدف حيوى يجعل التقييم الأخلاقى والقانونى أولوية من أجل الحد من المخاطر ومراعاة حقوق الإنسان.
رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق أحمد خليفة، حرص على إعادة التذكير (خلال مناورات النجم الساطع 2025)، بفلسفة قوات إنفاذ القانون خلال مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى مراعاة القيود الإنسانية، والأخلاقية، والقانونية، وهو ما كان سببًا فى امتداد مواجهة الظاهرة العابرة للحدود لفترة أطول مما يقتضيه الحسم السريع، إذا لم تُراع هذه الأبعاد.
تنفيذ خطة التدريب فى منطقة "تلة الكيف" كشف فى كل مراحلها عن نية حازمة لإزالة تهديد من موقع محدَّد وتحقيق أثر نفسى واستراتيجى، مدعومة بقيادة مركزية، ودقة المعلومات، وتكامل التخصصات، والقدرة على إدارة الأزمات ذات الطبيعة الخاصة (التهديد الكيميائي)، بالإضافة إلى تجهيز خطط استمرارية للخدمات الحيوية لتقليل المخاطر الاستراتيجية.
النظرة الشاملة لعمل القوات ومراعاة الحماية المدنية وإدارة المخاطر (تهديد كيميائى، وعبوات ناسفة، وخلافه) عكستها خطة التدريب التى اتسعت من عملية عسكرية إلى عملية مشتركة مع المختصين فى التعامل مع هذه المخاطر، فضلًا عن خدمات الطوارئ الطبية والإطفاء، عبر تجهيزات احترافية وسيناريوهات لإجلاء صحى شامل ومتابعة بيئية.
التعامل مع مخاطر المواد الكيميائية أو المختبرات الخطرة كشف عن جاهزية القوات فى مواجهة هذا التحدى الميدانى، من خلال وجود بروتوكولات إخلاء وإنذار، وتدريبات متخصِّصة، وتجهيزات لوجستية، فضلًا عن مسار واضح للتواصل مع السكان المدنيين فى المنطقة المستهدفة (القرية الحدودية وفق التدريب) حتى لا يتحوّل المكسب الميدانى إلى عبء.
إشراك عناصر إعلامية فى التدريب على تطهير قرية ومدنيين ومرافق حيوية ارتبط بعمليات المتابعة اللاحقة (شفافية التنفيذ) محليًا ودوليًا، بما يتطلب توثيق مراحل الحسم الميدانى، ولاسيما تفادى حدوث أى إصابات مدنية، وإظهار الدقة فى التعامل مع العدائيات (العناصر الإرهابية)، وتجنب أى تداعيات سياسية أو قانونية قد تترتب على عملية التنفيذ.
خلال تنفيذ هذا النوع من العمليات فى منطقة وسط وشمال سيناء (قبل وأثناء العملية الشاملة)، كانت سيناريوهات ما بعد الحسم حاضرة (إعادة الحياة إلى طبيعتها داخل القرى التى تتطلب أكثر من إزالة تهديد مباشر، وبرامج إغاثة طارئة، واستعادة الخدمات: كهرباء، ومياه، واتصالات، وإعادة تأهيل البنى التحتية).
يعرف المختصون أن أعمال "الإبرار، والإسقاط، ودفع دوريات، والاقتحام الرأسى، والتفتيش..." تحمل خطرًا إذا اعتمدت على مفردات تكتيكية جامدة دون مرونة تكيفية، لذا تحرص قوات إنفاذ القانون (القوات المسلحة والشرطة المدنية) فى مصر على أن تكون الخطط مرنة قابلة للتعديل وفقًا للمعلومات الميدانية الحية، مع وجود بدائل احتياطية لحماية المدنيين.
كان التدريب خلال هذه المرحلة من "النجم الساطع - 2025" فرصة لقياس القدرة على مهارة التنسيق والتخطيط المشترك، وتزامن العمليات متعددة الأبعاد، واختبار مرونة الخطط عبر محاكاة بيئة معركة حضرية مختلطة تتسم بوجود تهديدات متفرقة ومتداخلة، وقياس قابلية الانتقال من مرحلة الرد إلى مرحلة الاستعادة المدنية، كون الأمن الدائم ليس بالقوة وحدها بل بالتنمية الشاملة.
منقار الوحش:
خلال المرحلة الرئيسية للمناورات بمنطقة "منقار الوحش"، حرص القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، الفريق أول عبد المجيد صقر، على حضور تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب بمشاركة قوات جوية، وبرية، ودفاع جوى، فضلا عن التنسيق الجوي- البرى، واستخدام منظومات التأمين الجوى وإجراءات الرماية المتزامنة لجميع الوحدات.
ركزت المرحلة على اختبار قدرة القيادة على إدارة معركة متكاملة، وقياس قابلية التواصل بين ميادين ساحات القتال، وقياس جاهزية الوحدات للتعامل مع تهديدات متعددة المستويات من الخطوط الأمامية إلى العمق، وذلك من خلال قدرة القادة على خلق بيئة تدريبية تحاكى الأجواء الواقعية، وفروق المعلومات، والقيود الزمنية واللوجستية التى تصاحب المعارك الحقيقية.
قد لا يعى غير المختصين أهمية التناغم العسكرى جوًا وبرًا، الذى يعتمد على شبكة دقيقة من التنسيق، فعندما تطلب القوات البرية "طلعة حماية جوية" أو يوجّه ضابط مختص (JTAC) الطائرات لتنفيذ مهام متعددة، يصبح نجاح العملية مرتبطًا بدقة وسرعة تمرير المعلومات.
أى خطأ أو تأخير فى نقل صورة الميدان من الجو إلى القوات على الأرض قد يؤدى إلى نتائج خطيرة (إصابة مدنيين أو التسبب فى أضرار لبنية تحتية حساسة)، ولا يُقاس نجاح توجيه الـ"JTAC"، بعدد الأهداف المعلنة فقط، بل بمدى دقّة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وسرعة إيصال الصورة إلى مركز القيادة، لأن أى نقص أو تشويه فى المعلومات يؤثر على تحقيق الأهداف المحددة وقد يعرقل نجاحها.
استخدام مضادات "Avenger" تعزز عمليات التصدى للتهديدات الجوية المنخفضة (المروحيات، والمسيرات الانتحارية، والقذائف)، بما يرفع من كفاءة شبكة الدفاع الجوى القصير المدى، خاصة فى ظل تكاملها مع شبكة أوسع من الرادارات وأنظمة الدفاع متوسطة وبعيدة المدى، إلى جانب مراكز التحكم والمراقبة التى تؤمّن التغطية الشاملة للأجواء.
التدريبات تستهدف اختبار قدرة القوات على التحوّل السريع بين حماية الأصول الصديقة واعتراض التهديدات الجوية المعادية المفترضة، مع الحفاظ على الأمن الأرضى وعدم إضعاف عناصر الرد الأخرى، كما يظهر الدور الحيوى للقوات البرية فى تسلسل الاشتباكات عبر الخطوط وحتى العمق، كمعايير لقياس القدرة على شن هجوم منظّم واستمرارية القتال.
نتائج الاختبارات تسهم فى تقييم كفاية المعلومات لاتخاذ قرارات ميدانية آمنة أو الحاجة لتعزيز تبادل المعلومات والتحليل السريع بين الوحدات، كما يُعد قياس زمن الاستجابة مؤشر أداء واضحا يمكن مقارنته بين الوحدات لتحديد نقاط القوة والضعف، بينما يظهر إدخال سيناريوهات الخداع لاختبار قدرة الفرق على التعامل مع المعلومات المضللة والتحقق منها قبل أى قرار حسّاس.
خلال المرحلة الرئيسية فى "منقار الوحش" كانت الفرصة مهيأة لكيفية اتخاذ القرارات العسكرية ونقلها وتطبيقها بفعالية على الأرض بين قوات التدريب متعددة الجنسيات، لاسيما "القيادة والاتصال" فى توجيه القوات، وتنفيذ القرارات، ومتابعة سير العمليات، مع اختبار مرونة القرارات عبر تحرك عناصر تأمين القوة الرئيسية، والقدرة على التعامل.
شاطئ "العُميد":
خلال التدريب البحرى فى منطقة "العُميد" تداخلت عناصر بحرية، وجوية، وبرّية، وهندسية، ودفاعية لاختبار سلسلة من القدرات المتكاملة: السُفن الحربية وطائرات الإنذار والاستطلاع، ووسائل الاستهداف البحرى عملت على اكتشاف ومسح مواقع الإبرار المحتملة، بينما وحدات الدفاع الجوى دشّنت مظاهر الحماية ضد التهديدات الجوية والصاروخية.
قامت وحدات المهندسين العسكريين بإزالة الألغام، وتأمين نقاط الشاطئ، ونفذت وحدات أخرى ردًا سريعًا وهجومًا معاكسًا لقطع خطوط التقدم المعادية وتأمين الساحل. كان الهدف العملى قياس قدرة القيادة والاتصال على مزامنة عمليات الإنزال والإبرار مع الدعم الجوى والسطحى، وضمان استمرارية الإمداد، والإخلاء، وإدارة الاحتياطيات.
التمرين برهن على تكامل "المعلومات، والمراقبة، والسيطرة" فى التنفيذ وتجنّب الاشتباك الصديق، فعندما تتدفّق المعلومات بدقّة وتزامن، تصبح الضربات أكثر فعالية وتقلّ المخاطر، كما أن سرعة "تحميل- تفريغ" الوسائط البحرية وتنقّل القوات بين البحر والشاطئ تحت الضغط النارى عوامل حاسمة تؤثر مباشرة فى نجاح تنفيذ العمليات واستمراريتها.
استراتيجيا التدريب لا يختبر فقط قدرات الأسلحة، بل التناغم بين القوات خلال العمليات المشتركة، ودرجة مرونة التخطيط، والأداء الفعّال للقيادة الموحدة، خاصة قدرتها على اتخاذ القرار وتمريره بسرعة، ومنح تفويض عند الحاجة دون فقدان التنسيق، مع إبقاء خطوط تواصل مع الجهات الأخرى المعنية.
تم اعتماد مؤشرات قابلة للقياس لتحويل نتائج التدريب إلى قدرة عملية ثابتة (زمن اتخاذ القرار، ودقة وسرعة تبادل المعلومات، وزمن استجابة الاحتياط، وفعالية الإخلاء والإسعاف، واستمرارية الإمداد اللوجستي) حتى فى حالة تعطل الاتصالات أو التعرض لنيران معادية، ودمج السيناريوهات التفاعلية لتحويل الدروس المستفادة إلى سياسات وإجراءات تقلل المخاطر وتحسن الجاهزية.
خلال التدريب فى منطقة "العُميد"، ظهر بوضوح أن نجاح خطة "صدّ الإبرار البحري"، و"الهجوم الجوى المضاد"، و"إبرار المظلات" ارتبط بدقة المعلومات وتدفقها المستمر، فى بيئة ساحلية مزدحمة بالحركة مما جعل دورة "جمع، وتحقق، وتقييم، وتحديث" المعلومات عاملًا فاصلًا بين القرارات السريعة الفعالة والقرارات المقيّدة بضعف البيانات أو بطئها.
من منظور الدمج العملياتى للقوى، قدّم التمرين فرصة لفحص تكامل الدفاع الجوى قصير المدى مع القطع البحرية والوحدات الهجومية، وآلية التنسيق بين الحرس الساحلى ووحدات الصاعقة البحرية، لكن القيمة الحقيقية ظهرت حين ركّزت السيناريوهات على حالات عدم اليقين: موجات إبرار متتابعة، وأهداف متحركة داخل العمق الساحلى، واستخدام مناطق مأهولة كغطاء للعدو.
حالات تتطلب مرونة فى التخطيط، وآليات تفويض محلية واضحة، وإجراءات طبية ولوجستية للطوارئ، وقدرة القادة على اتخاذ خيارات فعالة فى الزمن الحقيقي، مما يعكس الحرص الدائم على التطور الحقيقى فى الأداء وتحويل الخبرة التكتيكية المؤقتة إلى تحسينات دائمة فى الكفاءات والعمليات. وعلى المستوى السياسى والدبلوماسى، عكست تدريبات "النجم الساطع" عمومًا قدرة الدولة على حماية أمنها القومي، لذا كانت رسالة ردع قبل أن تكون تدريبًا عسكريًا رفيع المستوى.