مقالات رأى

كشغري والليبرالية... والشخصية الإماراتية‬

طباعة

مجتمع الإمارات لم يقبل التحزب، ولا التأدلج على مر تاريخه، فلا القومية ولا الشيوعية ولا الليبرالية تمكنت أن تجد لها موطئ قدم دائم فيه، ولا فكر "الإخوان المسلمين"، بعدما أدرك الناس أنهم أتباع تنظيم وفكر وحزب فأصبح للإماراتيين موقف سلبي ورافض لهم.‬

مثير للاهتمام أن المجتمع في الإمارات على مدى العقود الأربعة الماضية لم يتأدلج ولم ينقسم.. لقد مرت موجات من الأفكار على المنطقة وعلى الإمارات ونالت تلك الأفكار نصيبها من الاهتمام ومن الأتباع والمؤمنين والمريدين إلا أنها اختفت فلم يعد لها وجود إلا لدى فئة صغيرة. والملفت أن هذه الفئة الصغيرة تصغر أكثر مع مرور الوقت، فلا يضاف إليها أتباع ولا أعضاء جدد... فلماذا؟‬

هذه حالة تحتاج إلى بحث ونقاش ودراسة من أهل الاختصاص، لأنها حالة مختلفة عن مثيلاتها من المجتمعات من حولنا... فمجتمعات دول الخليج، تأثرت بتلك الأفكار والتيارات، وأصبحت واضحة في تعايشها أو تصادمها، أما في الإمارات، فلا يزال الوضع مختلفاً.‬

أتابع منذ أيام ما يحدث للمواطن السعودي الشاب حمزة كشغري الذي أخطأ في حق سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وتطاول وأساء الأدب بما لا يليق بمسلم‬.. ولا يختلف اثنان على أن خطيئة كشغري كبيرة لكن البعض يرى أنها تغتفر والبعض الآخر لا يقبل إلا بقطع رأسه‬ على الرغم من أن هناك فتاوى شرعية كثيرة ومنها للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- بأنه يستتاب. لن أخوض في تفاصيل ذلك فكلمة الشرع والقضاء هي الفيصل. أما كشغري، فمن وجهة نظري ما هو إلا ضحية مجتمعه وأمته وضحية أجواء التشدد الديني والتحلل الثقافي، الذي يواجهه الشباب في أغلب المجتمعات العربية.

تداعيات ما يحدث في السعودية من الطبيعي أن تصل إلينا –خصوصاً إذا كنا نعيش في زمن "تويتر"- وقد ‬دار حوار إماراتي- إماراتي منذ أيام بين مجموعة من الشباب، فقال أحدهم رأيه في موضوع ما.. ولم يعجب رأيه شخص آخر.. النتيجة كانت أن الأخير اتهم الأول بالخيانة! وانطلق كلام كثير ونقاشات وتحليلات وتعليقات عن الليبراليين في الإمارات... لقد كان أسلوب الحوار والنقاش غريباً، لكنه أثار لدي تساؤلات وهي: هل هناك ليبراليون في الإمارات؟ ومن هم؟ وأين هم؟ وماذا يفعلون؟

الإجابة ببساطة، أن الفكر الليبرالي يحمله أشخاص في كل مكان في العالم -حتى بعض من يرفضونه- فما هي الليبرالية؟ هل الليبرالية هي تحطيم المقدسات أو سب الرموز أو التشكيك في وجود الله أو السخرية من الأديان؟ أم أن الليبرالية عقيدة فكرية تنطلق من الانفتاح على الآخر وعلى احترام الآخرين وعدم العيش في قيود وقوالب عتيقة تعيد المجتمع إلى الوراء؟‬ وتتلخص فكرة الليبرالية في أنها فلسفة تقدمية ضد الراديكالية، ضد الإقصاء، ضد العنف، وأداة تساهم في تطور المجتمعات، ونقلها إلى المدنية، وليس شرطاً أن تكون ضد الدين. أما سؤال من هم الليبراليون الإماراتيون وأين هم؟ فأترك الخيار لهم ليعلنوا عن أنفسهم.

ما يعرفه الجميع أن في طبيعة البشر وفي تكوينهم أنهم يحبون التجمعات والتواجد ضمن جماعات ومجموعات من الناس. لذا فإن الغرب وكثيراً من دول العالم تعيش على نظام الأحزاب، فكل فرد يبحث لنفسه عن حزب يناسب ثقافته وفكره وتطلعاته. المجتمع الإماراتي والإنسان في الإمارات لا يختلف عن باقي البشر في هذه النزعة، ولكن الشيء المختلف هنا أن القبيلة هي التي استقطبت الأشخاص وأصبحت هي التجمع التلقائي للأفراد، كحاضن إجتماعي يمتلك الممانعة ضد أية تجاذبات فكرية لا تمت لمجتمعنا ولثقافتنا بصلة. ومن الواضح أن القبيلة تحتفظ بقوتها لذا فان اختراق الأفكار والأيدولوجيات للمجتمع يبدو عصياً، وتتم مواجهته بشكل مباشر من القبيلة، وفي بعض الأحيان من المؤسسات الرسمية.

من يراقب مجتمع الإمارات يلاحظ أنه يغلب عليه طابع الليبرالية السلوكية، فمجتمعنا محافظ في عاداته وتقاليده ومتمسك بدينه وفي نفس الوقت متطور ومنفتح على الآخر يتعايش مع الأفكار وكل جديد. كما سيكتشف المراقب أنه مجتمع يعطي الحق للفرد في أن يفكر بالطريقة التي تناسبه دون أن يرفض ذلك، لكنه لا يقبل أن يأتي "ذلك الفرد" بفكر يخترق نسيجه ويفرق بين أفراد المجتمع ويغير من تركيبته الاجتماعية والقيمية التي هو متمسك بها.‬

فمن يريد أن يفكر بأي منهج كان، فلا أحد يمنعه من ذلك، ولا شيء يقف في طريقه، أما عندما يبدأ في العمل على نشر هذا الفكر في المجتمع وتكوين تجمعات وخلايا وشبكات، فإنه يكون قد بدأ في مواجهة المجتمع الذي سيوقفه ويمنعه من الاستمرار في ذلك بما يمتلكه من أدوات دفاعية ذاتية.‬

التقسيمات والتصنيفات التي حاول البعض أن يخلقها من خلال تبني بعض الأفكار كلها محاولات لم يكتب لها النجاح، لأن الإنسان في الإمارات أكثر وأول ما يهمه أن يكون إماراتياً، أما طائفته ومذهبه وأيديولوجيته فتأتي في المرتبة التالية.. وقد يكون هذا ما يجعل الإنسان الإماراتي متصالحاً مع ذاته، فهو يعرف من هو، وماذا يريد، وكيف يحصل على ما يريده‬. وهذا ما يجعل الإنسان الإماراتي شخصاً غير صدامي ولا يمارس الانتهازية، فهو يحصل على حقوقه ويحترم حقوق الآخرين.‬

لقد تشكلت الشخصية الإماراتية وتركبت على مدى العقود الماضية على احترام الذات واحترام الآخرين وفي الوقت نفسه، بنيت على الحرية المسؤولة في التفكير والتصرف، لذا أصبح الإنسان الإماراتي محل تقدير، وفي الوقت نفسه استطاع أن يعتمد على نفسه، وأن يكون مميزاً كإنسان وكمواطن .‬.. وهذا ما يجب الحفاظ عليه.

----------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 22/2/2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد الحمادي

    محمد الحمادي

    رئيس تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية