مقالات رأى

"الأجندة" الأميركية: رؤية إندونيسية

طباعة

كانت زيارة أوباما إلى جزيرة بالي في نوفمبر الماضي لحضور قمة شرق آسيا، هي زيارته الثانية إلى إندونيسيا منذ توليه الرئاسة. وكان قد ألقى أيضاً خطاباً بجامعة إندونيسيا في نوفمبر 2010 أشاد فيه بهذه البلاد لنجاحها في المواءمة بين الإسلام والديمقراطية، وقدرتها على إدارة التنوع على نحو ناجح. ومما لاشك فيه أن ذلك المديح لاقى استحساناً من قبل كثيرين، إلا أن عديداً من الإندونيسيين يجدون أيضاً أن هذه الكلمات تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الأخيرة في المنطقة، ويشعرون بوجوب عمل المزيد لتحسين العلاقات بين الدولتين.

وفي أواخر شهر نوفمبر الماضي أيضاً، وقبل وصوله إلى بالي، أعلن أوباما عن نشر قوة ضاربة من "المارينز" قوامها 2500 جندي في داروين بأستراليا، التي لا تبعد سوى 800 كيلومتر عن إندونيسيا، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية. وقد أصاب ذلك القرار بعض الإندونيسيين بالدهشة وأثار قلقهم. ففي الوقت الذي يعتقد فيه معظم المحللين والسياسيين أن تلك الخطوة تتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع الصين، يتوجس بعض الأندونيسيين من أن يخلق هذا الوجود للقوات الأميركية توترات وانعدام ثقة بين الجانبين. فبالنسبة لهؤلاء، يشكل وجود عسكري أميركي بهذا القرب من شواطئهم على أقل تقدير سبباً لعدم الارتياح.

وفي قمة بالي، علق وزير خارجية إندونيسيا مارتي ناتاليجاوا على هذه المخاوف قائلاً: "إن ما أكره أن أراه هو أن تثير هذه التطورات ردة فعل، وردة فعل معاكسة، قد تؤدي إلى إيجاد دائرة مفرغة من التوتر وانعدام الثقة". والمحزن أن انعدام الثقة هذا في ازدياد. ومع ذلك فقد صرّح دبلوماسيون في إندونيسيا والولايات المتحدة وأستراليا بشكل علني بأن نشر القوات هذا لا يهدف إلى إيجاد تصعيد أو توترات في المنطقة، وأنه يتم لأهداف إنسانية بحتة تتعلق بإدارة الكوارث. إلا أن هذا التبرير قوبل بشكل عام بعدم التصديق في إندونيسيا، حيث يستمر المحللون والمراقبون في الإعراب عن شكوكهم في دوافع نشر تلك القوات.

ومع هذا ليس سراً أن كثيراً من الإندونيسيين معجبون بنظام الحكم في الولايات المتحدة وبمجتمع الأعمال والثقافة فيها، ولا توجد مشكلة لديهم مع الجمهور الأميركي بشكل عام. وفي الوقت نفسه، فهم يرفضون بعض عناصر السياسة الأميركية الخارجية، وخاصة تلك التي يرون أنها تفرض معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على حقوق الإنسان من ناحية، وسياسات الأعمال والشركات الكبرى من ناحية أخرى.

وتحظى نسبة قليلة من الإندونيسيين بفرص قد تتيح فهم الولايات المتحدة والأميركيين بشكل حقيقي. ويمكن التغلب على هذه الفجوة لو كان كل من الجانبين حساساً تجاه قيم الطرف الآخر وأطره المرجعية. وهنا يستطيع الإعلام والشخصيات الحكومية على الجانبين المساهمة في ذلك، ولعل أول خطوة على هذا الطريق هي ضرورة الكف عن عرض آراء مثيرة للجدل وصور نمطية على أنها حقائق.

وفي انتظار تكثيف صيغ التواصل والتفاهم المشترك بين الطرفين سيستمر التشاؤم وانعدام الثقة في عناوين الصحف الإندونيسية كلما تعلق الأمر بأنشطة أميركا في داروين. ولكن إذا تمكّن الجانبان من تكثيف فرص التفاهم، ومراعاة الخصوصيات الثقافية، فقد ينتج عن ذلك بناء علاقات جديدة ترتكز على المصالح المشتركة والنوايا الحسنة بدلاً من سيادة ثقافة الشك والخوف المتبادلين.


---------------------
* نقلا  عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين 30 يناير 2012

طباعة

    تعريف الكاتب

    سينغيه نوغروهو

    سينغيه نوغروهو

    باحث في معهد البحوث الاجتماعية والديمقراطية بإندونيسيا