مقالات رأى

الموقف الإفريقى من الحرب على غزة فى ظل ديناميكية التحرك الإسرائيلى تجاه القارة

طباعة

اتسم الدور الإفريقى تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بالقوة والوضوح فى ظل الصمت الدولى على استمرار إسرائيل بارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطينى والاجتياح البرى المتقطع على القطاع وعلى المدنيين العزل وقصف المستشفيات، والحديث عن مستقبل قطاع غزة من وجهة النظر الغربية والإسرائيلية، وعن تهجير سكان غزة إلى مصر، وكان للاتحاد الإفريقى موقفه الرافض لكل هذا رغم تباين موقف دول القارة، فهناك دول ما زالت تلتزم الصمت تجاه ما يحدث من إسرائيل، ويرجع ذلك إلى ما شهدته العلاقات الإفريقية مع إسرائيل خلال العقود الماضية من تطور نوعى بالتقارب الإسرائيلى مع العديد من دول القارة السمراء. وبناء عليه، اتسم الموقف الإسرائيلى بديناميكية التغيير تجاه القارة فى العقود الأخيرة بالتقارب والوجود غير المسبوق، هذا التقارب انعكس بدوره على التقارب الإفريقى الفلسطينى ما ألقى بظلاله على موقف بعض الدول من القضية الفلسطينية، ومن ثم من الأحداث فى غزة، إلا أن الاتحاد الإفريقى كان له الموقف الحاسم تجاه القضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطينى.

ديناميكية الحضور الإسرائيلى فى القارة السمراء:

ترجع أسباب التغيير الديناميكى فى الموقف الإسرائيلى تجاه القارة إلى:

- ثروات القارة السمراء.

- تأثير إسرائيل فى دول القارة، مثل قيام تشاد بفتح سفارة لها فى تل أبيب عام 2019، ووصف موقع أكسيوس بأن ما قامت به إسرائيل تجاه تشاد يعد اختراقا تاريخيا.

- دور إسرائيل فى إثيوبيا من خلال ملف سد النهضة وتمويل إسرائيل للسد.

- المحاولات التى قامت بها إسرائيل للانضمام إلى الاتحاد الإفريقى بصفة عضو مراقب وموافقة موسى فقى على طلبها فى 2021 رغم اعتراض 25 دولة إفريقية، ما أدى إلى قيام الاتحاد بتعليق النقاش فى هذا الأمر لرأب الصدع تجاه الانقسام الإفريقى حيال هذا القرار.

- تقارب إسرائيل مع معظم دول القارة وصل إلى وجودها فى 40 دولة بخطط مختلفة.

- عودة العلاقات الدبلوماسية مع دول القارة وهو ما قام به نتنياهو منذ 2009 وحتى هذا العام.

-  استخدام إسرائيل الإرهاب كذريعة للوجود فى القارة السمراء.

- قيام دولتين إفريقيتين بنقل سفارتيهما إلى القدس وهما غينيا 2021 وملاوى 2020.

 التعاطف الشعبى محركا:

فى ظل المعطيات السابقة، ورغم التقارب الشديد بين إسرائيل والقارة والحضور الإسرائيلى غير المسبوق فإن الموقف الشعبى هو الذى كان محركا تجاه ما يحدث من انتهاكات من قبل إسرائيل لسكان غزة ما عمل على تحول الموقف بتبنى الدول الإفريقية موقفا داعما تجاه غزة، وقد عبر الموقف الشعبى عما اكترثه طيلة عهده من ويلات الاستعمار حتى وقت قريب بظهير شعبى يرفض الاستعمار الجديد لدول القارة مرة أخرى فى النيجر والجابون وبوركينا فاسو ومالى، لذا يشعرون بمعاناة الشعب الفلسطينى من الحصار والاستعمار.

وكما ذكرت فى المقالات السابقة فإنه رغم التحرر من تبعية الغرب فإن الدول الإفريقية لم تتحرر اقتصاديا من الاحتلال الغربى! أيضا تظل دساتير بعض الدول الإفريقية كتبها الاستعماريون وفق مرجعيتهم، ولم يكن هناك التحرك الجاد لمراجعة دساتير القارة وتغييرها للحفاظ على الهوية الإفريقية والعربية لبعضها ما أثر سلبا فى القضية الفلسطينية، وتبنى بعض دول القارة موقفا تجاه إسرائيل مما يحدث حتى تحركت الشعوب وتغير موقف الدول تجاه القضية الفلسطينية.

 أوجه التشابه مع الحالة الفلسطينية:

- التقسيم العرقى والطائفى لسكان القارة وهو ما يحدث لشعب فلسطين، والإبقاء على سكان الضفة وتهجير سكان غزة.

-  قمع الغرب للشعوب الإفريقية وقمع إسرائيل لشعب غزة.

-  تقارب المصالح بين الغرب في إفريقيا والغرب وإسرائيل فى غزة.

- تشابه مناهضة الاستعمار فى القارة وفى فلسطين.

-  المواقف الدولية المتشابهة فى حالة القارة الإفريقية وحالة إسرائيل.

-  تباين المواقف الدولية تجاه إفريقيا وأيضا فى فلسطين.

- غياب حقوق الإنسان تجاه الشعبين الإفريقى والفلسطينى.

دور الاتحاد الإفريقى:

من خلال ما سبق اتخذت الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقى موقفا داعما تجاه ما يحدث فى قطاع غزة تمثل فى الآتى:

- قيام الاتحاد الإفريقى بتقديم أوجه سبل التعاون لغزة.

- دور الوساطة التى بادر بها الاتحاد الإفريقى لحل الأزمة ووقف إطلاق النار.

- قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من قبل بعض دول القارة، مثل موريتانيا تضامنا مع القضية الفلسطينية منذ عام 2009.

- قيام التظاهرات الرافضة والمنددة للجرائم الإسرائيلية فى معظم الدول الإفريقية.

- مقاطعة المنتجات الإسرائيلية من بعض دول القارة تضامنا مع شعب غزة.

- قيام دولة جنوب إفريقيا وسعيها لمحاكمة إسرائيل على جرائمها كعضو فى المحكمة الجنائية الدولية والضغط على 33 دولة إفريقية عضوا فى المحكمة لتبنى موقف مشابه.

-         قيام مجموعة كبيرة من دول إفريقيا بموقف دبلوماسى بدعم مصر فى جهودها الرامية تجاه غزة، والدور العربى الإفريقى لحل القضية الفلسطينية وحل الدولتين على حدود 67.

سيناريوهات مستقبل غزة وفق المنظور الإفريقى:

دعى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقى رئيسَ المجلس الأوروبى إلى تشكيل جبهة عالمية مفتوحة لوقف اللجوء لكل أشكال العنف خاصة ضد المدنيين. وعدم القبول بالسيناريوهات التى طرحتها إسرائيل لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب التى تمثلت فى عدة سيناريوهات، الأول: تولى قوة أممية القطاع أمنيا. الثانى: تولى السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع وهو ما قوبل بالرفض من رئيس الوزاء الفلسطينى محمد اشتية الذى أكد ضرورة حل الدولتين وإيقاف الحرب. الثالث: تولى مصر السيطرة على القطاع وهو ما رفضته مصر للحفاظ على الهوية الفلسطينية وسيادة الدولة الفلسطنية وعدم تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر. السيناريو الأخير: سيطرة إسرائيل على القطاع وهو ما رفضته الولايات المتحدة بتأكيد وزير الخارجية الأمريكى رفض سيطرة إسرائيل على القطاع.

لكننا نشهد سيناريو جديدا حيث تغازل وتراوغ أمريكا مرة أخرى بهذا الرفض كأنها تتحدث لشعب فلسطينى لم يعِ مخططات الغرب الكاشفة لنياتهم بهذا الإعلان؟! فلماذا إذن الإشارة ضمنيا بالطمأنة التى تحوى فى باطنها خطة إسرائيلية للسيطرة المطلقة على القطاع دون حتى فكرة إشراك السلطة الفلسطينية معها مثلما يحدث فى المنطقة ج بالضفة الغربية، لذا فحديث إسرائيل والغرب عمن يحكم القطاع من أى جهة فى تقديرى لا بد من عدم الترويج إليه، وأن ترديد الرواية الإسرائيلية عن مستقبل غزة وفق المخطط الإسرائيلى يروج لما تريده إسرائيل والغرب، فلابد من الحديث عن الرؤية العربية والإفريقية فقط وترويجها وتبنيها، ويترك للغرب ومحلليه طرح ما يشاءون.

ختاما:

تباينت المواقف الإفريقية تجاه ما يحدث فى غزة لكن بات الصوت الأقوى هو الداعم للقضية الفلسطينية كدول مؤثرة فى المعادلة الدولية والتعددية القطبية من خلال وجودها فى مجموعة بريكس ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية للضغط على الصين وروسيا لإنهاء الوضع، رغم ما يقابل ذلك من فيتو أمريكى غربى مثلما حدث فى مجلس الأمن، لكن ستكون لهذه التعددية القطبية دورها أمام القطب الأوحد وحلفائه الذى أصبح يتصرف دون مراعاة للقانون الدولى لكى يظل القطب الأوحد فى وجه العالم متعدد الأقطاب، وتعيش أمريكا على أمجاد الجيوبوليتك القائم على توسع الدول لحدودها حتى لو على حساب دول الجوار وهو ما ينتج عنه الحروب والخسائر الاقتصادية بل انهيار للدول وتصطدم بالجيوسياسية العربية الإفريقية. لذا، لم يتبق لنا سوى الحل العربى الإفريقى من خلال تبنى الدول العربية والإفريقية موقفا صارما تجاه الصمت الدولى وخاصة أمام الدور غير المسبوق لهما من خلال قمة القاهرة للسلام والقمة العربية الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن الحرب على غزة دخلت شهرها الثانى فى غياب تحرك دولى، واستمرار إسرائيل فى الاجتياح البرى للقطاع واستهداف المدنيين العزل، ورغم عقد مؤتمر باريس الإنسانى حول غزة برعاية فرنسا وبحضور 80 دولة ومنظمة لكن هذه الدول لم تستطع اتخاذ قرار وقف إطلاق النار، أو إنهاء الحرب، أو حتى إيصال المساعدات، وكان لا بد من تكاتف دولى لتجريم اختراق القوانين والمواثيق الدولية لما تقوم به إسرائيل من جرائم تجاه المدنيين، ليظل أمر إيصال المساعدات هو جهد مصرى خالص، فقد استطاعت مصر إدخال 5400 طن بحسب وزير الخارجية سامح شكرى. وتتبقى للدبلوماسية المصرية النجاح والجهد فى القضية الفلسطينية برمتها.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    كاترين فرج الله

    كاترين فرج الله

    باحثة دكتوراه فى الاتصال السياسي