- فى يوم 7 أكتوبر الجارى نجحت حركة حماس فى الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، فى إعادة مشهد الصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلى الصدارة مجددا،بل طغت أخبار هذا الصراع على الأحداث فى العالم، واحتلت العناوين الرئيسية فى جميع أنحاء العالم، واسترعت انتباه أغلب زعماء وقادة دول العالم ودول الجوار القريب والمتوسط و البعيد. 

- أرقام خسائر الطرفين المتنازعين من العسكريين والمدنيين من القتلى والجرحى والأسرى والرهائن معلنة ومطروحة بل متداولة، واللافت للنظر فيها من وجهة نظرى الشخصية قدرة الطرف الأقل عددا وعدة وتجهيزا وتدريبا والذى لا يرتقى إلى مصاف الجيوش النظامية على مباغتة بل مفاجأة الطرف الأكبر عددا وعدة والأكثر تجهيزا وتدريبا والذى يمتلك من أسباب القوة والتكنولوجيا الكثير، بالإضافة إلى تمتعه بالدعم اللا محدود من أغلب القوى الكبرى والفاعلة فى العالم بل إننى أرى إهمالا وتقصيرا جسيما يقابله إعداد وتجهيز وتدريب بلغ حدا يقارب الكمال فى ذلك الهجوم، ولكنى أتساءل عن جدوى هذه العملية، وماهية الأهداف القريبة والمتوسطة وبعيدة المدى المخططة؟ وهل تم استنتاج رد الفعل الإسرائيلى العنيف وحساب المكاسب والخسائر قبل بدء التنفيذ؟ وهل اتخذت حركة حماس ما يلزم من تكديس وتخزين الاحتياطيات الإدارية تحسبا لحالة الحصار الجماعى والرغبة المحمومة للانتقام التى ضربت إسرائيل أو فيما يعرف بالعقاب الجماعى؟ وهل تراخت القبضة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إلى الحد الذى يستلزم ارتكاب تلك المجازر الوحشية واستدعاء ما يزيد على نصف الاحتياطى لجيش الدفاع الإسرائيلى والتجهيز لعملية اجتياح شاملة لقطاع غزة الذى تبلغ مساحته 360 كم2 فقط بهدف تدمير قدرات حركة حماس العسكرية بعد أن يتم تدمير القطاع بالكامل (إذا كانت المواجهة مع حركة حماس فى غزة، فلماذا تهاجم الضفة الغربية؟) بالإضافة إلى تشكيل مجلس حرب مع تسخير كلإمكانات الدولة لشن هذه الحرب.

- ولماذا تجاهر الولايات المتحدة العسكرية بهذا الدعم غير المسبوق متمثلا فى قيام الرئيس الأمريكى جو بايدن بزيارة إلى إسرائيل سبقتها زيارة وزير خارجيته أنتونى بلينكن بالتزامن مع إصدار الأوامر إلى حاملتى طائرات وما يقرب من 2000 جندى من مشاة البحرية الأمريكية لتقديم الدعم والمساندة لإسرائيل مع توفير كامل الدعم المادى والمعنوى (8 مليارات دولار"المعلن" إضافة إلى جسر جوى للإمداد بالذخائر).

- وللإجابة عنهذه التساؤلات من وجهة نظرى،فإننى أجدنى مضطرا للنظر إلى ما حدث ويحدث بالفعل على أرض الواقع فى محاولة لسبر أغوار المستقبل القريب والبعيد لهذه المنطقة التى كانت ولاتزال بؤرة الأحداث الساخنة فى العالم قديما وحديثا؛إذ إن الإجابة صادمة؛حيث إن ما حدث ويحدث فى هذه الجولة من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ليس إلا مقدمة لإحداث تغيير ديمغرافى صارخ لهذه المنطقة من العالم؛حيث ظن المُخطط الآخر أنه قادر على إحداث التغيير المطلوب من وجهة نظره وفرض الأمر الواقع بكل تحد،متعمداإغفال وسلب حقوق الأطراف المعنية بالمنطقة، متجاهلا أبسط حقوق الفلسطينيين منكرا إياها بل تعدى الأمر بوصف الفلسطينيين بأنهم أقل درجة من الإسرائيليين.

ولابد لنا من استقراء هذه المعطيات والملابسات والأحداث ونمط العمليات العسكرية الجارية الآن بقطاع غزة لنخلص منها الآتى:

- إجبار الفلسطينيين المحاصرين بقطاع غزة والموجودين بالضفة الغربية على النزوح إلى مصر والأردن،هربا من بطش الآلة العسكرية الإسرائيلية والنجاة بأرواحهم وأسرهم وأطفالهم من حالة العقاب الجماعى المفروضة عليهم،ومن ثمترك المنطقتين خاليتين من البشر لإسرائيل،ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية التى ناضلت مصر والعرب من أجلها طوال 75 عاما،وتستطيع إسرائيل إضافة 6,220 كم2 إلى أراضيها خالصة المشاكل دون سكان (نسف معضلة عودة عرب 48 إلى أراضيهم من الأساس) وتنتفى مسئوليات وواجبات المستعمر "طعام – مياه – وقود – علاج - ..." تجاه الفلسطينيين على أن تتحمل كل من مصر والأردن أعباء النازحين كاملة مع تقديم الوعود ببذل المساعدات المادية والإدارية لمساعدة مصر على استيعاب النازحين والحُجة جاهزة،فسيناء أرض واسعة قليلة السكان فماذا يضير أن يضاف إليهم من يتشاركون معهم فى الدين واللغة والعروبة،متجاهلين الكثير من الاعتبارات والثوابت المصرية الراسخة التى تتعارض تماما مع هذا المشروع،ولعل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فند هذا الطرح غير المسئول خلال الأيام القليلة الماضية "تتردد أقاويل عديدة فى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بأنه فى حالة رفض مصر لما طُرح أن تقوم إسرائيل بإعادة قطاع غزة إلى السيطرة المصرية، والحجة أن غزة كانت تحت السيادة المصرية لفترات طويلة فيما مضى".

- فى رأيى الشخصى أن المُخطط الآخر الذى قام بتهيئة المسرح المصرى ]أزمات اقتصادية )تخفيض التصنيف الائتمانى الدولى–ارتفاع الأسعار المبالغ فيه – غلاء تكلفة المعيشة اليومية -  ....) - رغبة البعض فى نقل مركز الثقل الاستراتيجى من القاهرة..[وذلك بهدف فرض الأمر الواقع على الدولة المصرية التى تعانى الأزمة الاقتصادية، ولكنه أغفل فى أثناء ذلك أن المصرى الضاربة جذوره فى أعماق التاريخ الذى يأبى دوما وأبداالتفريط فى أرضه وعرضه،فهما يكنما يمتلكه المصرى فقدعاش أبد الدهر مدافعا عن أرضه وعرضه،ولم يكن يوما باغيا أو عاديا،ومهما تكالبت عليه الشدائد والمحن حتى إن كان فى أضعف حالاته فإنه بمجرد استشعاره بوجود خطر ما يهدد أرضه فإنه ينتفض فورا مدافعا عن الأرض مهما بلغت تضحياته،وإن خسر شبرا واحدا فإنه جاهز تماما ليبذل حياته،مسخرا كلإمكاناته لاستعادة أرضه مهما طال الزمن.

- إننى أرى أن هدفهم بعيد المدى هو إفشال الجمهورية الجديدة ووأد التجربة المصرية الثالثة "فى العصر الحديث" الواعدة والمبشرة مع عدم السماح بسقوط مصر، وشواهدى فى هذا الشأن متمثلة فى الضغط الاقتصادى الهائل على الاقتصاد المصرى، ومحاولة شل وإرباك القائمين على أمره، مستخدمين عدة محاور ومسخرين كل أسلحتهم [هروب الأموال الساخنة – البدء فى شق قناة موازية لقناة السويس – الإيعاز لبعض من رجال الأعمال "الكبار" بالخروج من السوق المصرى – الامتناع الجزئى للشركاء الاستراتيجيين لمصر عن الاستثمار أو حتى الإقراض – تناقص تحويلات المصريين العاملين بالخارج.....] ولقد أسفر هذا الضغط الهائل، فقد أصبح المصريون ولا حديث لهم سوى غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة اليومية ما أضفى مزاجا سلبيا عند جموع الشعب المصرى، ولكن بمجرد حديث السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى "أثناء لقائه كلا من وزير الخارجية الأمريكى والمستشار الألمانى على الترتيب" الذى أوضح فيه وبشكل لا يحتمل اللبس الرفض المصرى القاطع لما يدبر لقطاع غزة وما يحدث من عقاب جماعى للفلسطينيين العزل كما أسلفنا، تلك التصريحات التى أصفها بأنها باعثة للشعور الوطنى ومستنهضة للهمة المصرية وشاحذة لروح التحدى؛ استقبلتها جموع الشعب المصرى بإعلان أن المصريين لا يقبلون سياسة فرض الأمر الواقع بأى شكل من الأشكال، وأنه لا توجد أسرة مصرية إلا ولديها شهيد أو مصاب من أجل نصرة القضية الفلسطينية التى تعد أولى مرتكزات السياسة المصرية الخارجية.

- قد يعانى المصريون الضغط الاقتصادى الهائل واشتعال الحدود المصرية فى الاتجاهات الاستراتيجية الثلاثة فى سابقة لا تكرر إلا نادرا في التاريخ المصرى الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة، فلم يسبق أن واجهت مصر من قبل حدودا مشتعلة "وفى توقيت متزامن" على الاتجاه [ليبيا "الغربى" – السودان "الجنوبى" – فلسطين "الشمالى الشرقى"] فمن قديم الأزل وتواجه مصر خطرا أو تهديدا من أحد الاتجاهات الاستراتيجية، ولكنها المرة الأولى التى نواجه فيها ذاك.

- وللآخر أقول: إنك لا تواجه قيادة سياسية تصورت أنك أضعفتها بالضغوط الاقتصادية وتستطيع أن تملى إرادتك عليها بل تواجه الإرادة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية، باختصار تواجه مصر التى لن تستطيع أن تفرض إرادتك عليها حتى إن طال الدهر، ولقد فعلناها من قبل منذ 50 عاما مضت، ونستطيع أن نفعلها مجددا، وأن التصعيد لن يقابله إلا التصعيد، فإما أن تتحمل مسئولياتك وتتخلى عن طموحاتك التوسعية وتركن إلى الرشد والعقل وأن تجعل السلام هو خيارك الاستراتيجى الأول، وإما أن يقضى الله أمرا مفعولا، وإن الشارع المصرى بأكمله "وهذا ما لمسته" ودفعنى للكتابة يقف خلف قيادته السياسية حتى إن وقفت مصر وحدها حتى النهاية فإن ما يمتلكه المصريون من إرادة صلبة وروح صلدة وعزم لا يلين دفاعا عن الحق والعدل ونصرة الأشقاء لكافية بإذن الله تعالى وحوله وقوته، ولكم فى التاريخ عبرة وعظة.