من المجلة - ملف خاص: 50 عامًا على انتصار أكتوبر 73

إعداد المقاتل المصرى.. الطريق إلى النصر

طباعة

تعرضت مصر وقواتها المسلحة، خلال الحقبة الزمنية من يونيو 1967 إلى أكتوبر 1973، لظروف وتجارب فريدة دفعتها داخل دروب الصدام المسلح ودهاليز الصراع الدولى. فبالإضافة إلى التورط والاستنزاف الهائل لقواتنا على مسرح اليمن على مدى خمس سنوات متصلة منذ سبتمبر عام 1962 حتى عام 1967، الذى أدّى إلى تغييرات ضخمة فى الإعداد المادى والتدريبى والمعنوى لمقاتلى القوات المسلحة، وتتابُع أسباب التمهيد لجولة/ نكسة يونيو 67 لمصلحة إسرائيل، كان هناك أيضا الدعم العسكرى الباهظ التكاليف للثورات التحررية العربية، خاصة فى كلّ من الجزائر والعراق.

وفيما كان النشاط السياسى والعسكرى الإسرائيلى يزداد إبجابية، كانت قواتنا تتعرض للعديد من المؤثرات السّلبية وارُتكبت فى حقها أخطاءا فادحة، نذكر منها، على سبيل المثال، ما يأتى:
- سوء تقدير الموقف الاستراتيجى بإمكانية شن الحرب على جبهتين متباعدتين فى وقت واحد (سيناء  واليمن). - الأسلوب التظاهرى فى إعلان حشد القوات فى سيناء فى مايو 67، حيث تم تنفيذ هذا الحشد فى شكل مظاهرة عسكرية متعمدة ومعلنة من دون اللجوء إلى الخداع والسّرية المفروضة فى مثل هذه الأمور، بحيث أمكن قراءتها ككتاب مفتوح، بما أتاح للجانب الآخر اتخاذ جميع الوسائل المضادة. - مركزية القيادة، حيث كانت كل السلطات فى يد المشير عبدالحكيم عامر، ولا يسمح لأى قيادة بالتصرف فى أى موقف قبل التصديق من جانبه. كما كانت جميع القرارات مفروضة وغير مدروسة ودون استشارة معاونيه. - على الرغم من وجود خطط دفاعية مدروسة للدفاع عن سيناء فإن الارتجالية والتقديرات العشوائية وتغيير المهام وتغيير أوضاع القوات أكثر من مرة، أدى إلى إجهاضها. - وجود فجوة كبيرة بين القيادتين السياسية والعسكرية، خاصة عندما اتخذت القيادة المصرية العديد من القرارات، وهى تعلم أنها قد تؤدى إلى الحرب، خاصة أن أكثر من 60% من قواتنا كانت لا تزال متورطة على مسرح اليمن. من تلك القرارات، إعلان التعبئة العامة ورفع درجات الاستعداد إلى الحالة القصوى. وفى 15 مايو 1967، طلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية. وفى 23 مايو من العام نفسه، تم إعلان إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية.
فى ظل هذه الظروف، بدأت حرب الخامس من يونيو 1967 بهجوم القوات الجوية الإسرائيلية، بدءًا من الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة صباح ذلك اليوم، على المطارات المصرية ومحطات الرادار ومواقع قواتنا فى سيناء فى وقت واحد، حيث دارت معارك عنيفة بين قواتنا البرية، وهى بدون غطاء جوى على أرض سيناء.  وقد أدت الخسائر الجسيمة التى تكبدتها قواتنا إلى حدوث حالة من الشلل والاضطراب لدى القيادة المصرية، حيث بلغت ذروتها عندما صدر قرار المشير عبد الحكيم عامر بانسحاب القوات المصرية من سيناء عصر يوم السادس من يونيو، بما أتاح للقوات الإسرائيلية نصرا سهلا زهيد التكلفة، إلى أن تم إيقاف النيران تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 233 فى الساعة الواحدة ظهرا يوم 9 يونيو 67. وبعد عدول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن التنحى، اجتمع يوم 11 يونيو بالقيادة العسكرية الجديدة واستمع إلى تقرير عن موقف قواتنا ومقاتلينا نتيجة لهذه الجولة، يتلخص فى:
- وصلت الخسائر البشرية فى المقاتلين إلى نحو أكثر من 15 ألفًا على أرض سيناء. - وصلت الخسائر فى الأسلحة والمعدات لأكثر من 70%. - كانت القوات البرية فى شتات وجار تجميعها وتصنيفها وما يتم تجميعه منها يكَّلف بمهام دفاعية غرب القناة. - تحددت فى هذا الاجتماع استراتيحية هذه المرحلة كالآتى:
• إعادة التنظيم، وإنقاذ ما تبقى من أوضاع، وتغيير القيادات، وإعادة تقييم الموقف، وتنسيق الجهود. • إعادة البناء والتخطيط السليم لتدريب المقاتلين وإعدادهم للمرحلة المقبلة.
انطلقت الإرادة المصرية وسط هذا الكم الهائل من اليأس، لتعلن رفض الهزيمة وتصميمها على إزالة آثار العدوان مهما تكن التضحيات. كان إيمان الجميع بأن رجال القوات المسلحة المصرية لم يتح لهم الصراع المتكافئ فى تلك الجولة فكانوا إحدى ضحاياها وليسوا أحد أسبابها. كما قررت القيادتان السياسية والعسكرية الجديدتان بناء استراتيجيتهما وفقا للمفاهيم التالية:
- ما أخذ بالقوة.. لا يُسّترد بغير القوة، أى الدعوة إلى الجهاد فى سبيل استرداد الحق. - يد تبنى ويد تحمل السلاح، أى الدعوة إلى تكثيف العمل فى تحرير الأرض. - الحرب من أجل السلام، وهذا المفهوم يمثل قمة الحضارة المصرية، حيث حدد هدف الحرب قبل أن تبدأ. - مصر أولا.. وقبل كل شىء.
من جانب آخر، خرجت الدعاية الإسرائيلية تؤكد للعالم أنها الحرب التى أنهت كل الحروب بين العرب وإسرائيل. ذلك أن الجيش الإسرائيلى «الذى لا يقهر !!» حسم الموقف تماما ولعشرات السنين، فقد تمكن من التغلب على القدرة العسكرية العربية ووصلت قواته إلى الحافة الشرقية لقناة السويس، وإلى ضفاف نهر الأردن، وإلى مرتفعات الجولان فى سوريا، ودفعت بالقوات العربية بعيدا جدًا عن حدودها الطبيعية، وسيطرت على مساحات شاسعة من الأرض تساوى أكثر من ثلاثة أمثال مساحة إسرائيل. بدأت بعد هذه الجولة مراحل إعادة البناء للقوات والمقاتل المصرى، وكان الخبراء العسكريون فى العالم يقدرون مرحلة إعادة البناء والتدريب والإعداد بما لا يقل عن جيل كامل، فيما قدَّرته الدعاية الإسرائيلية بجيلين على الأقل قبل أن تقوم للقوات العسكرية المصرية، بصفة خاصة والعربية عموما، قائمة وتكتمل لها مقومات قوة حربية يُعتد بها.  إلا أن الإرادة المصرية التى لا تقهرها الخسائر العسكرية حولت ذلك كله إلى إيجابيات متلاحقة بأسلوب فاق كل تصور فى أقل من ست سنوات. فمن خلال مرحلة جمع الشتات اتُخذت دفاعات سريعة غرب قناة السويس وبمواحهة أكثر من 200 كيلو متر (من خليج السويس جنوبا حتى بور سعيد شمالا) بالإضافة إلى منطقة البحر الأحمر العسكرية. بذلت قواتنا فى سبيل إعادة البناء جهودا شاقة ومكثفة فى هدوء وصبر بهدف تجميع المقاتلين واستكمال القوات وتطويرها تسليحا وتنظيما وتدريبا ومعنويا فى الوقت نفسه الذى كانت تدير فيه معارك الصمود ثم الردع ثم حرب الاستنزاف الطاحنة بمراحلها التصاعدية، برا وبحرا وجوا، ليلا ونهارا على مدى ثلاث سنوات متصلة، وفى ظروف سياسية وعسكرية معقدة، مكبِّدة القوات الإسرائيلية خسائر بشرية ومادية هائلة. مرت عملية إعادة البناء وإعادة التنظيم والتدريب بالعديد من المراحل الشاقة، من خلال إدارة معارك حربية تصاعدت حدتها فى عامى 1969 و1970، على مدى 24 ساعة يوميا.

  إعادة بناء الفرد المقاتل وتدريبه: 

كان من أهم القرارات التى اتخذتها القيادة العليا فى مجال بناء الفرد ذلك القرار القاضى بتغيير القيادات العليا للقوات المسلحة، وذلك بتعيين الفريق/ محمد فوزى قائدا عاما، والفريق/ عبدالمنعم رياض رئيسا للأركان، بالإضافة إلى إجراء تعديلات جوهرية فى المناصب العسكرية فى مختلف القيادات، وفى أجهزة القيادة العامة والأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات. كان من الضرورى -فى بداية البناء الصحيح للمقاتل- إزالة الآثار الناجمة عن معاناة المقاتلين من جراء إحساسهم بهزيمة لا يستحقونها ورفع معنوياتهم واستعادة ثقتهم بالنفس والقادة والسلاح وبعدالة القضية، مع تسليح الفرد بالعزم والإصرار وقوة الإيمان كمقدمات حيوية لرفع الكفاءة القتالية التى سوف تتيح لهم أفضل أداء لتحقيق النصر كهدف نهائى. على هذا الاساس، كانت مهمة إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة دفع أفرع وأقسام لها لتكون ضمن التركيب التنظيمى فى الوحدات والتشكيلات والإدارات وأفرع القيادة العامة. وبدأت قوافل التوعية تؤدى مهامها مؤكدة أن الوازع الدينى لا يتعارض مع حرية الفكر وجهاد النفس نحو حياة أفضل، ومركِّزة على التصدى للشائعات المعادية.

كما بدأ التوسع فى تجنيد حملة المؤهلات العليا والمتوسطة لكى يتمكنوا من سرعة الاستيعاب والتدريب على الأسلحة والمعدات الحديثة وتكنولوجيا الحرب المتطورة، وفى جميع التخصصات، مع إرساء قواعد تدريبية متطورة بعيدة عن العقائد الشرقية أو الغربية، بل بما يتلاءم مع فكرنا وأرضنا وطبيعة مسْرح العمليات، وأيضا إمكانياتنا. زاد من صلاحية هذا البناء ذلك التعايش واللقاءات المستمرة بين القادة والضباط والجنود، مع وعى الجميع أن إرادة القتال فى الوحدة العسكرية تتوقف على العلاقات الإنسانية السائدة والقدوة الحسنة، وأن هذه الوحدة بمعناها الصحيح ما هى إلا رابطة بين مجموعة من الأفراد تجمعهم تحت كل الظروف وأمام كل الأخطار فى عمل موحد متناسق ومتكامل، بحيث يمكنها «أى الوحدة» بتسليحها الذاتى القيام بواجب قتإلى لتحقيق النصر فى المعركة. كانت الروح المعنوية لدى المقاتلين من أهم عناصر النجاح فى كسْب المعارك، وتستمد من قوة الإيمان بعدالة القضية والرغبة فى الثأر واسترداد الأرض، وكلها دوافع كانت تختلج فى صدور المقاتلين وتدفعهم إلى بذل الروح لإنجاز مهام القتال ودفعهم لعبور تلك الموانع الأسطورية، واقتحام القلاع الفائقة التحصين والموانع والنيران، محطمةً كل ما أطلقته إسرائيل من دعاية وافتراءات عن ضعف المقاتل المصرى. وقد ضاعف من تلك الشحنة المعنوية ما يلى:
- التلقين المعنوى وبث روح القتال والعقيدة الدينية والتمسك بالقيم والمبادئ.

- الاهتمام بمشكلات الأفراد، وتحقيق العدالة فى الثواب والعقاب.

- بث الثقة بالقادة والسلاح والمعدات، مع استمرار التدريب وتشجيع البارزين والحث على الابتكار.

- نشر الحقائق والتوعية لإحباط أساليب الحرب النفسية المعادية. - تقدُّم القادة فى الصفوف الأمامية أمام المقاتلين فى أثناء إدارة المعارك وتصميمهم على تنفيذ المهام، كان خير حافز للمقاتلين على الصمود، خاصة فى المواقف الحرجة.

التطوير فى مجال التدريب:

دارت عجلة التدريب الشاق على الجبهة، وفى الخلف، وفى عمق الدولة على أراض مشابهة لمسرح عمليات الحرب الحالية «الاستنزاف» والمقبلة لتحرير الأرض. إضافة إلى ذلك، أجريت المشروعات التدريبية والتجارب المكثفة على اقتحام الموانع المائية وتدمير النقاط القوية والحصينة ضد ماكيتات تم تجهيزها لتشابه تحصينات خط بارليف، بالإضافة إلى تدريب المقاتلين على الرمايات الليلية والنهارية بالذخيرة الحية ومشروعات مراكز القيادة على مختلف المستويات، وكذلك التدريب التخصصى لجميع الصنوف والتخصصات. بذلت القيادات والقوات العرق والدماء والروح حتى جاءت النتائج التدريبية مبهرة محققة أرقاما قياسية فى كثير من مجالات التدريب، وفى تجهيز الأسلحة والمعدات، وأيضا فى رفع درجات الاستعداد القتالى. كما أفادت هذه الأنشطة التدريبية الإيجابية فى إزالة الكثير من الآثار الروتينية وأمراض الاكتئاب النفسى للمقاتلين الناجمة عن حرب الخنادق وطول مدتها (استمرت ست سنوات من عام 1967 حتى عام 1973)، حيث كان المقاتلون يعانون، خاصة بعد توقف تسريح دفعات الرديف منهم. كانت الواقعية فى التدريب وتطويره، مع التصميم الدائم على إطلاق حرية الفكر والابتكار والإبداع والمبادأة كإجراء هام من مقومات مرحلة إعادة البناء.

التطوير فى مجال التسليح والتنظيم:

كانت مواردنا من الأسلحة والمعدات فى ذلك الوقت منحصرة فى حدود دول الكتلة الشرقية وما كان يصاحبها من مماطلات وتعطيل من الجانب السوفيتى فى عقد الصفقات (خاصة من حيث تحديث التسليح واستكماله)، وكذلك فى توقيتات وصولها متأخرة إلى الموانئ المصرية. لذا، دخلت الخدمة دبابات وطائرات وأسلحة جديدة وحديثة، كما شكِّلت أعدادا إضافية من لواءات المشاة واللواءات المدرعة، وتم البدء فى تحويل بعض الفرق واللواءات المحملة والراكبة إلى مشاة ميكانيكية وإمدادها بمركبات القتال المجنزرة والبرمائية، وبالذخائر والمعدات والصواريخ وأجهزة الدفاع الجوى الفنية, وكذلك وحدات من مختلف التخصصات، مع إدخال عنصر الحرب الإلكترونية فى الخدمة بمعداتها وأجهزتها الحديثة، وأنشئت لها إدارة منفصلة. فى هذا المجال، كان للموقف العربى دور حيوى فى مجال التسليح والدعم، خاصة من جانب الجزائر، وكذلك من واقع مقررات القمة العربية فى الخرطوم فى 28 أغسطس 1967. على خط الجبهة، استمرت القيادة الشرقية فى تنفيذ مهامها على طول جبهة قناة السويس إلى أن صدر أمر التنظيم من القيادة العامة للقوات المسلحة فى سبتمبر 1967 بتقسيم القيادة الشرقية إلى تشكيلين تعبويين، هما: الجيش الثانى الميدانى والجيش الثالث الميدانى مع تحويل قطاع البحر الأحمر العسكرى إلى منطقة عسكرية، مع تدعيمها بأسلحة ووحدات إضافية. لم تتوقف خطة إعادة بناء القوات المسلحة ومقاتليها. ففى منتصف عام 1968 أنشئت قيادة وقوات الدفاع الجوى، ليصبح هذا الصرح الضخم فى عملية إعادة البناء أحد الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، ليكتمل بعد ذلك بناء حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى العظيم. نجح هذا الحائط، بنهاية معارك حرب الاستنزاف، فى إسقاط الطائرات الفانتوم واسكاى هوك الإسرائيلية، وليقطع إحدى ذراعىْ إسرائيل الطويلة ولترتفع معنويات المقاتلين وتزداد ثقتهم بالنفس والسلاح. فى هذا المجال، لا ننسى الدروع البشرية، أى المقاتلين من أفراد المشاة المترجلين الذين تمكنوا بصواريخهم الفردية المضادة للطائرات والمضادة للدبابات من إسقاط وتدمير أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات المعادية. ومع تسارع الجهود، وبعد أن استردت القوات المسلحة جزء من عافيتها، بدأ التركيز على التدريب القتإلى الراقى، والانتهاء من إعداد الكوادر المتخصصة وتجهيز مسرح العمليات. إن بناء قوات مسلحة جديدة ومتطورة، يتطلب جهودا مضنية ومكثفة للإعداد والتجهيز ونحن نخطط لحرب شاملة ستخوضها القوات المسلحة لا محالة ولا بديل عن النصر فيها ونحن نعانى ظروفا سياسية وعسكرية واقتصادية صعبة.  لقد تم إنجاز هذه الجهود الشاقة فى صبر وجلد وجنبا إلى جنب مع أعمال قتال مستمرة وعنيفة ضد القوات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس وفى منطقة خليج السويس والبحر الأحمر وعلى الساحل الشمإلى لسيناء وفى أعماق سيناء، خلال معارك حرب الاستنزاف التى دارت رحاها تصاعديا فى البر والبحر والجو، وعلى مدى ثلاث سنوات متصلة (أى أكثر من ألف يوم) وصلت فيها الاشتبكات إلى أقصى مدى لها ليلا ونهارا بما لم تشهده أى حروب سابقة، ومن أوضاع دفاعية، إلى أن وافق الجانبان على المبادرة الأمريكية المعروفة بمبادرة وليم روجرز، وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت، الخاصة بإيقاف النيران بدءا من 8 أغسطس عام 1970.

فى ختام هذا المقال، يجب عدم إغفال الإشارة إلى الموقف السياسى قبل حرب أكتوبر 73، فقد كانت سياسات القوتين العظميين (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى «السابق») قد استقرت على تسكين الأوضاع فى الشرق الاوسط وفرض الاسترخاء العسكرى (أى فرض حالة اللاسلم واللاحرب) وهو الهدف الرئيسى الذى كانت تسعى إليه إسرائيل وتعمل على تحقيقه لفرض الأمر الواقع وتغيير ديموجرافية المنطقة مع مرور الزمن. كما برمجت إسرائيل سياستها فى ردودها على أى مقترحات للتسوية باللاءات التى يستحيل معها الالتقاء عند أى نقطة على طريق السلام. فى خضم هذه الظلمة، انبثق موقف عربى موحد، فقد سارعت العديد من الدول العربية إلى مساعدة مصر ودول المواجهة، كما قررت مصر بناء استراتيجيتها الشاملة الجديدة على أساس القواعد الرئيسية التالية:
1- إن مصر تعدّ المعارك التى خاضتها بمقاتليها مرحلة ضمن جولات الصراع العربى-الإسرائيلى ولا يمكن أن نسمح باستكانة واستسلام مصر، ولا بد من الأخذ بالثأر واسترداد الأرض والكرامة.

2- لتكن مهمة القوات المسلحة الاساسية فى الوقت الحإلى هى التفرغ من أجل تحرير الأرض.

3- على الجبهة الداخلية أن تجهز نفسها لكى تقف وتحمى ظهر مقاتلى القوات المسلحة بتقديم الدعمين المادى والمعنوى لها من أجل إزالة آثار العدوان.

4- عملت مصر فى تلك الحقبة على إسقاط جميع شعارات التفرقة فى الصف العربى وحشد الطاقات المتاحة لديها لمصلحة المعركة، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية.  

طباعة

    تعريف الكاتب

    لواء أ.ح.م/ مسعد الششتاوى أحمد

    لواء أ.ح.م/ مسعد الششتاوى أحمد

    رئيس عمليات الجيش الثالث الميدانى فى حرب أكتوبر 73