تحليلات

تحديات دخول الروبوتات العسكرية فى سباق التسلح التكنولوجى

طباعة

فى عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجى بوتيرة لم يسبق لها مثيل، تظهر أشكال جديدة من التهديدات والفرص. ومن أبرز هذه التطورات الروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل التى تجسد التقدم الهائل الذى أُحرز فى مجال الذكاء الصناعى والروبوتيكا، تلك الماكينات التى يمكنها أداء مجموعة متنوعة من المهام القتالية وغير القتالية بشكل مستقل، والتى تقدم فوائد عدة من حيث الكفاءة والفعالية. ومع ذلك، فإنها تطرح أيضا تحديات كبيرة، من حيث القانون الدولى والأخلاقيات والأمن. هل تمثل هذه الروبوتات تقدما لا يمكن وقفه نحو مستقبل أكثر أمانا، أم هى مجرد عنصر جديد فى سباق تسلح تكنولوجى قد يؤدى إلى تصعيد غير متوقع وخطير؟ هذا التقرير يهدف إلى استكشاف محددات الروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل فى هذا السياق، وتقييم الفوائد والمخاطر المرتبطة بها.

يؤدى الذكاء الاصطناعى الدور الأكبر فى تطوير أسلحة المستقبل وتغيير بعض أساليب القتال واستراتيجيات وتكتيكات الحروب، فهذه التكنولوجيا ستقلل الاعتماد على البشر فى العديد من المهمات العسكرية ولا سيما تحسن مستوى الدفاعات العسكرية نتيجة الثورة التكنولوجية؛ ولأن عملية التحديث الدائمة للمنظومات الدفاعية مكلفة ماليا وتتطلب وقتا لاستيعابها، فإن الدول تتجه لإنشاء تحالفات تقنية تضاعف من قدراتها الدفاعية وممارستها قبل نشوب نزاع مسلح. 

وتعد التكنولوجيا عاملا رئيسيا فى تطوير الأسلحة والتكتيكات العسكرية. وفى العقود الأخيرة، شهدنا نموا هائلا فى تكنولوجيا الروبوتات، وهذا النمو أثر بشكل كبير فى القدرات العسكرية للدول المتقدمة. أما الروبوتات العسكرية، التى تشمل الدرونات الجوية والروبوتات الأرضية والبحرية، فقد أصبحت جزءا لا يتجزأ من التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية للعديد من القوات المسلحة حول العالم. 

تُعد الأسلحة ذاتية التشغيل أحد أحدث التطورات فى مجال التقنيات العسكرية، وهى تُثير الكثير من الجدل حول المخاطر المحتملة التى تنطوى عليها، مثل زيادة احتمالية وقوع أخطاء بشرية أو انحراف الآلات عن أهدافها.

الروبوتات القاتلة:  

يعد علم الإنسان الآلى "الروبوت" أحد فروع الذكاء الاصطناعى الرئيسية، ويتألف من الهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية وعلوم الحاسب، لتصميم وبناء تطبيق الإنسان الآلى أو الروبوت، أما عن حركة الروبوتات فإن لبعضها أذرعا؛ حيث تدور فى عدة اتجاهات، فى حين أن بعضها الآخر حركته محددة فى خط مستقيم، لذا يعد مصطلح "درجات الحرية Degree of freedom ودرجة الحركة Degree of movement مهما عند اعتبار هيئات الروبوت؛ حيث إن الروبوت يرتبط بالمساحة التى يعمل داخلها. 

وتعد الروبوتات أحد استخدامات الذكاء الاصطناعى، وهو ما يستدعى التعرض لمفهوم الذكاء الاصطناعى؛ حيث عرفه مجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITI) بأنه مجموعة من التقنيات القادرة على التعلم، واستخدام المنطق، والتكيف، وأداء المهام بطرق مستوحاة من العقل البشرى، كما يعرف بأنه أتمتة النشاطات المتعلقة بالتفكير الإنسانى كمصنع القرار وحل المشكلات والتعلم وغيرها. 

وتعرف الروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل (الروبوتات القاتلة)، بأنها تلك الأسلحة ذاتية التحكم التى تتخذ القرار فى ميدان القتال دون تدخل الإنسان، وهذا هو مكمن ما يوجه إليها من الإخلال بقواعد القانون الدولى الإنسانى، كما تعرف بأنها أحد أنواع الأسلحة ذاتية التحكم وإحدى منظومات الأسلحة آلالية التى تستطيع فى حال تشغيلها أن تختار الأهداف وتشتبك معها دون حاجة إلى تدخل إضافى من العنصر البشرى الذى يشغلها. 

وقد عرفت المملكة المتحدة فى مايو 2011 هذه الأسلحة، بمناسبة وضع تعريف لنظر الأسلحة المستقلة الفتاكة فى تنظيماتها العسكرية تحت عنوان "مقاربة المملكة المتحدة لأنظمة الطائرات غير المأهولة"، بأنها تلك النظم ذاتية التحكم التى تكون قادرة على فهم وتحليل ذى مستوى عال، انطلاقا من معالجة البيئة المحيطة بها، والقدرة على اتخاذ إجراءات ملائمة لإحداث حالة مرغوبة تكون قادرة على تحديد مسار العمل، واختيار البدائل، دون الاعتماد أو إشراف الإنسان ومراقبته، على الرغم من أنه موجود بالحلقة وقادر على التنبؤ بأفعالها. 

أما مكونات الروبوت الأساسية فهى: الجذع، والأطراف، والقوابض، وأجهزة الاستشعار، والعقل الروبوتى، أو جهاز الكمبيوتر، ووحدة التشغيل الطرفية، ووحدة التحكم، ووحدات القيادة. وتشمل المواد المستعملة فى تصنيع الروبوت: الصلب والألمونيوم، والمواد المركبة عالية المقاومة. ويبنى الروبوت على قواعد يمكن منها صيانته بحيث تكون أعضاؤه أقل ما يمكن حتى يمكن تخزين قطع الغيار له. 

وتوصف الروبوتات غالبا بأنها آلات مصنوعة وفق النموذج الإدراكى القائم على الشعور والتفكير والفعل، فهى مزودة بأجهزة استشعار تسمح لها بقدر من إدراك الظرف وبمعالجات أو بذكاء اصطناعى يقرر طريقة الاستجابة لحافز معين وبمنفذات تضع تلك القرارات موضع التنفيذ عن طريق آلية التحكم. 

وأظهر سوق الروبوتات العسكرية ارتفاعا مستمرا فى ميزانيات الدفاع للدول الرائدة فى السنوات الأخيرة. وتشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن حجم سوق الروبوتات العسكرية من المرجح أن ينمو من 14.5 مليار دولار إلى 24.2 مليار دولار بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوى مركب يبلغ 10.7٪.

مفهوم الأسلحة ذاتية التشغيل:  

عدَّت بعض الدول التى شاركت فى اجتماع الخبراء غير الرسمى لعام 2016 باتفاقية الأسلحة التقليدية مسألة التعريف مسألة سياسية لا ينبغى استخدامها كأداة لإصدار حكم مسبق بشأن النتائج، أو رسم خط فاصل بين المنظومات المقبولة وغير المقبولة، وطرح تعريف محدد يأخذ فى الحسبان أهداف اتفاقية الأسلحة التقليدية، ووعت اقتراحات مختلفة للتعريفات العملية، وشكلت العلاقة بين العنصر البشرى والمشغل Actuator والآلة، فيما يتعلق بمشاركة الإنسان فى استخدام القوة، عنصرا أساسيا من عناصر النقاش. وتعد طبيعة السلاح معيارا لتحديد ما إذا كان السلاح عشوائيا أم لا. ونظرا لغياب التعريف يعد البعض أن من غير الواضح –حتى الآن- ما إذا كان توصيف منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل على أنها أسلحة تقليدية يعد توصيفا سليما. 

وأشار البعض إلى أن الفرق بين الأسلحة ذاتية التشغيل والأسلحة العادية هو معيار اتخاذ القرار، فإذا كان السلاح قادرا على اتخاذ الإجراء الذى صمم من أجله دون أى تدخل بشرى فهو من قبيل الأسلحة ذاتية التشغيل، وأما إذا تطلب تدخل الإنسان لاتخاذ القرار فهو من قبيل الأسلحة التقليدية حتى لو لم يكن تصميمها يسمح لها باتخاذ خطوات بعيدة عن تدخل الإنسان، ولكن تبقى أسلحة تقليدية لضرورة المراقبة والتحكم من خلال الإنسان. 

أنواع الروبوتات العسكرية

لا يوجد تقسيم محدد للروبوتات أو الأسلحة ذاتية التشغيل؛ حيث أرجعتها الولايات المتحدة إلى ثلاثة أنواع هى: نظم الأسلحة المستقلة، وهى نظام السلاح الذى بمجرد تفعيله يمكنه تحديد الأهداف والتفاعل معها دون تدخل إضافى من قبل البشر، والأسلحة المستقلة التى تعمل تحت إشراف بشرى وتُصمم لتزويد المشغل البشرى بالقدرة على التدخل وإنهاء التشغيل المستقل فى حالة إذا ما فشل النظام فى تحقيق الهدف قبل وقوع تجاوزات غير مقبولة، وهناك نظم الأسلحة شبه المستقلة التى بمجرد تشغيلها يمكنها تحديد الأهداف منفردة أو مجتمعة والتى برمجت من قبل مشغل بشرى. 

وهناك تقسيم آخر لهذه الروبوتات، فهناك الروبوتات القاتلة، وهى التى تدار من المقاتلين عن بعد، نتيجة بعدهم عن أماكن القتال، ولعدم حدوث خسائر فى صفوف المدنيين، ومثال ذلك أنظمة الدفاع المصممة لإسقاط الصواريخ والطائرات دون طيار، وهذا النوع لم يتم وضع نظام قانونى محدد بشأنه، ومن ثم يخضع للقواعد العامة فى القانون الدولى الإنسانى المنظم لوسائل القتال وضرورة مراعاة أى يكون عشوائى الأثر، أو يسبب آلاما غير ضرورية، وألا يسبب أضرارا طويلة الأمد بالبيئة الطبيعية، والنوع الآخر، هو الأسلحة الأتوماتيكية، وهذا النوع يعمل بطريقة ذاتية بعد أن يتولى الإنسان نشرها وتوجيهها، ويكون عملها الاستشعار أو عن طريق نوع معين من الأهداف فتقوم بإطلاق النار بشكل مستقل. 

خصائص الروبوتات العسكرية: 

تتميز الروبوتات العسكرية بمجموعة من الخصائص أبرزها: 

الأتمتة أو الاستقلالية (التشغيل الآلى): 

ويقصد بها النظام الذى يقرر التصرف أو عدمه الذى يحكم عمل الأسلحة ذاتية التشغيل دون الاعتماد على مشغل بشرى، كما يعنى القدرة على التصرف بشكل مستقل، بما فيها "الإجراءات" التى تعنى القدرة على التأثير فى العالم، و"التفاعلات" التى تعنى الوعى والتكيف لما يحدث فى العالم، و"القرارات" التى تشير إلى الخوارزمية التى تتحكم فى كيفية تصرف الوكيل فى مواقف مختلفة، ويمكن أن يعنى أشياء كثيرة مختلفة، وهى تشير مباشرة إلى تعقيد خوارزمية التحكم وتعيين معلومات المستشعر إلى الإجراءات، وبشكل غير مباشر  مثل القدرة على التعلم اعتمادا على خبرة القيام بالعمل السابق. 

القدرة على التحسين الذاتى والتكيف مع الأوضاع: 

تعمل نظم الروبوتات ذاتية التشغيل عن طريق خاصية التحسين والتطوير من قدرتها ذاتيا بالاعتماد على نماذج معقدة من الخوارزميات الرياضية، وكمية هائلة من البيانات التى تم تحليلها لتحديد الإجراء السريع الذى يعرف بالذكاء الاصطناعى، ويتطلب هذا الإجراء الإشراف المستمر من البشر حتى لا يحيد النظام باختياره، ومن ذلك طريقة اختيار الأهداف العسكرية، أو عدد القتلى، أو ما يمكن أن يقلصه من الأضرار الجانبية، وغير ذلك حسب برمجة تراعى الأنظمة القانونية. 

التعقيد فى تعقب الأخطاء البرمجية:  

يصعب فهم المسار الذى اتخذته الآلة لتفسير مخرجاتها، ومن الصعب أيضا تقييمها خاصة إذا اعتمدت على طبقات عميقة من الشبكات العصبية (الذكاء الاصطناعى المتطور) ومن ثم لا يمكن تعقب الخطأ، وقد أشار المتخصصون إلى إمكانية تطوير ذكاء اصطناعى قابل للتفسير وتعقب الخطأ، وهو ما يرى البعض أنه يخلق تضادا فى المفاهيم؛ حيث يتطلب الحاجة إلى تفسير وتعقب الخطأ لكى يساعد على قيام أساس المسئولية لأى انتهاك قد يحدث سواء على المطور، أو المبرمج، أو المصمم، أو القائد العسكرى، أو غيرهم. 

الفتك بالأهداف والتجرد من المشاعر:

يشير إلى أى تهديد تسببه الآلة كالموت أو الأضرار البشرية، ولا يمكن تحديد نوع هذا التهديد فى أثناء القتال، وذلك ناتج عن اعتداد الروبوتات بالأحاسيس الإنسانية فهى لا تخضع لاعتبارات الضمير الإنسانى فى تنفيذ مهامها، ومن ثم عدم الاهتمام بالحالات الإنسانية. 

عدم القدرة على التنبؤ والموثوقية:

وتعنى عدم القدرة على التنبؤ بالنتائج التى ستترتب على استقلال الروبوت وقيامه بعملية الاشتباك، وهو ما يثير قلق المجتمع الدولى خاصة المنظمات غير الحكومية بما ستقدم عليه، ومن ثم عدم الموثوقية بقدرتها على الالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى. 

المساءلة والمحاسبة:

تنشأ المحاسبة والمساءلة عن التسلسل الهرمى الذى يحدث من طاعة القوات لأوامر القادة، وبالنسبة للروبوتات فإن استقلالها فى اتخاذ  القرار سيترتب عليه الغموض فيمن ستقع عليه المسئولية والمحاسبة على موضوع الأضرار الناتجة عن استخدام الآلة، وهذه الخاصية تثير مسألة أخلاق الآلة وأحكام المسئولية بينها وبين الإنسان، وذلك فى إطار القوانين التى تنظم عمل الآلة من عدم إيذاء الإنسان، أو السماح بإلحاق الضرر بأى إنسان فى أثناء عمله، بما سيتطلب إجراء تعديلات فى مفاهيم الآلة. 

السحابة القتالية.. تطور الحرب فى عصر المعلومات:

تستخدم السحابة القتالية نموذجا تشغيليا تكون فيه المعلومات وإدارة البيانات والاتصال والقيادة والتحكم (C2) من الأولويات الأساسية للمهمة؛ حيث تتعامل السحابة القتالية مع كل منصة على أنها مستشعر و"مستجيب"، وهى تتطلب صيغة قيادة، وتحكم توفر إمكانات الارتباط الأوتوماتكى، ونقل سلس للبيانات، بالإضافة إلى كونها موثوقة وآمنة ومضادة للأعطال. 

يعكس مفهوم السحابة القتالية صيغة حرب الأسلحة المدمجة من خلال جعل النقطة المحورية فى الحرب هى (المعلومات)، وليس (المناورة والاشتباكات) فى مجال العمليات، ويمثل هذا المفهوم تطورا حيث تتحول المنصات ذات الشبكات الفردية إلى مؤسسة "نظام النظم" فى أى مجال كان، وتكون مدمجة بواسطة النطاق والروابط المتعلقة بالمهمة. 

إن الموجودات المتعددة الوظائف القادرة على أداء مهام المراقبة والاستطلاع، ستحل بشكل ثابت محل الموجودات الخاصة بالمهمة، وسيقوم الاشتباك بالهدف القائم حول الحاجة إلى "تدمير" نقطة معينة بإفساح المجال أمام الاشتباك المرتكز على التأثيرات، بفضل قدرات محسنة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعى. 

استخدامات الروبوتات العسكرية والفرق بينها وبين الطائرات المسيرة: 

تتعدد استخدامات الروبوتات العسكرية بين استخدامات هجومية قتالية، وخدمات معاونة من مراقبة واستطلاع وعمل الأكمنة، كما تستخدم فى الاستطلاع الجوى وبمختلف الوسائل والمعدات، ومراقبة الحدود الوطنية الأرضية والبحرية للبلدان وتنفيذ مهام خفر السواحل، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية ونقل البضائع والأمن والهندسة، وكذلك فى المجال الطبى العسكرى ونقل الجرحى من ميدان المعركة، وأعمال صيانة المركبات والآلات وتطهير الطرق والكشف عن الألغام والعبوات الناسفة والتخلص منها، وحمل منظومات إعادة الاتصال وخاصة فى أثناء المعارك بين القطع الأمامية والقيادات فى الخطوط الخلفية، وكذا تنفيذ المهام البحرية والجوية فى القتال، وكذلك قصف الأهداف الأرضية، وتعقب الأهداف وتعليمها أو إضاءتها ليلا لمعاونة الطائرات الهجومية التى تستخدم منظار الرؤية الليلية، والتشويش على منصات إطلاق الصواريخ وبطاريات الدفاع الجوى. 

الفرق بين الروبوتات وبين الطائرات المسيرة: 

الطائرات المسيرة أو الطائرات بدون طيار هى تلك المركبات الجوية التى يمكن التحكم بها عن بعد أو مستقلة، كما يمكن استردادها فى نهاية الرحلة، كما أن عدم وجود طاقم يسمح لها القيام بالطيران لفترة أطول أو تعرضها لمخاطر كبيرة تميزها بانخفاض التكاليف مقارنة بينها وبين الطائرات المأهولة. 

كما تعرف بأنها المركبات التى تدار عن طريق أشخاص يوجهونها ويتحكمون فى سيرها، وتعمل تحت مسئوليتهم بما يعنى تحملهم مسئوليتهم الدولية وخضوعهم لقواعد القانون الدولى الإنسانى ومبادئه الأساسية وهى: الضرورات العسكرية، والتمييز بين المقاتلين والمدنيين، ومن ضرورة اتخاذ الاحتياطيات الممكنة عند الهجوم، واختيار الأهداف التى تسبب أقل الأضرار فى صفوف المدنيين. ومن ثم، فإن إطلاق مثل تلك الطائرات لصواريخ بطريقة عشوائية أو تسببها أضرارا مفرطة أو أضرارا بالغة يعد غير مشروعا ويخضع للمسئولية الجنائية الدولية. 

وبذلك يتضح الفرق بين الروبوتات والطائرات المسيرة من حيث درجة الاستقلال وإشراف العنصر البشرى، وهو ما يحدد المسئولية عنها من مسئولية المشغل لها الذى يسيطر على الطائرة والتحكم فيها عن بعد؛ حيث تعمل الطائرة المسيرة بتوجيه وتحكم الأشخاص الذين يسرونها ويتحكمون فى حركتها وقدرتها عن بعد، أما الروبوتات ذاتية التشغيل أو المستقلة أو القاتلة كما يطلق عليها فإنها تعمل حال تشغيلها باختيار الأهداف والاشتباك دون تدخل من العنصر البشرى؛ حيث تملك اختيار الهدف واستخدام القوة المميتة دون الحاجة إلى توجيه من البشر، وهو ما يشكل خطورة وانتهاكا لقواعد القانون الدولى الإنسانى المنظم للنزاعات المسلحة، ما يُحدِث غموضا فيمن يتحمل المسئولية. 

استخدامات الأسلحة ذاتية التشغيل فى الحرب البرية:  

أدى التقدم التكنولوجى فى مجال الروبوتات والذكاء الاصناعى إلى تطور كبير فى الأسلحة ذاتية التشغيل. هذه الأسلحة التى تمتاز بالقدرة على اتخاذ  قرارات وتنفيذها بشكل مستقل، تمثل فصلا جديدا فى ميدان الحروب البرية.  

فيما يتعلق بالنزعات المسلحة البرية؛ ابتكرت الروبوتات المشاة Walking Robots التى يمكنها المشى على أرجل متعددة، ليمكنها التحرك فوق مختلف العوائق أو حتى تسلق بعض الأهداف التى تعترض سبيلها، وكذا روبوتات المراقبة والحراسة الأمنية التى صنعتها شركة سامسونج تكوين Samsung Techwin والمنتشرة فى المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وهى روبوتات تكشف الأهداف عبر أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وهى تعمل بتوجيه البشر، لكنها تمتلك خاصية التشغيل التلقائى، فضلا عن النظام الأمريكى المضاد للقذائف الصاروخية والمدفعية وقذائف الهاون "C-RAM" وهو قادر على تدمير القذائف الصاروخية والمدفعية وقذائف الهاون الداهمة بصورة تلقائية. 

الاستخدامات المتعددة:

استطلاع وجمع المعلومات: يمكن استخدام الروبوتات لاستطلاع المناطق الخطرة وجمع المعلومات الاستخباراتية بدقة وكفاءة عالية، دون التعرض لخطر فقدان الأرواح البشرية.

نقل الإمدادات:  الروبوتات البرية يمكن استخدامها لنقل الإمدادات والمعدات إلى الجبهات الأمامية دون الحاجة للتدخل البشرى.

إزالة الألغام:الروبوتات المتخصصة يمكن استخدامها لاكتشاف وإزالة الألغام الأرضية بشكل أكثر أمانا وكفاءة. 

الهجوم والدفاع:  الروبوتات المسلحة يمكنها تنفيذ عمليات هجومية ودفاعية بشكل مستقل، ما يزيد من كفاءة القوات ويقلل من خطر الخسائر البشرية.

إن استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل فى الحرب البرية يبشر بفتح آفاق جديدة لزيادة الكفاءة وتقليل الخسائر البشرية. ومع ذلك، يجب التعامل مع التحديات الأخلاقية والقانونية والأمنية بعناية لضمان استخدامها بشكل مسئول وفعال. 

استخدامات الأسلحة ذاتية التشغيل فى الحرب البحرية:  

إذا كانت الأعمال العسكرية تنطوى على مخاطر عدة يمكن تجنب بعضها باستخدام الروبوتات، فقد كان استخدامها فى أعماق البحار أبرز استخداماتها المعروفة، إلا أن العلماء أكدوا أنه من المنتظر أن تتصف الروبوتات البحرية فى المستقبل ببعض الخصائص التى لا تتميز بها الروبوتات الأرضية ومنها: 

الاستطلاع والمراقبة: فى مياه مفتوحة، يمكن استخدام الروبوتات البحرية ذاتية التشغيل لأغراض الاستطلاع والمراقبة. هذه الأجهزة يمكنها السفر لمسافات طويلة دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود وجمع معلومات قيمة عن حركة السفن والأنشطة البحرية الأخرى. 

الهجوم على الأهداف:يمكن استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل للهجوم على الأهداف البحرية والساحلية. ويمكن للطائرات بدون طيار (UAVs) والغواصات ذاتية التشغيل تنفيذ هجمات دقيقة على السفن والمنشآت الساحلية دون المخاطرة بحياة البشر. 

نقل البضائع :يمكن استخدام السفن ذاتية التشغيل لنقل البضائع والمعدات بين المواقع البحرية دون الحاجة إلى طاقم بشرى. 

إزالة الألغام :يمكن استخدام الروبوتات ذاتية التشغيل لتحديد وإزالة الألغام البحرية دون المخاطرة بحياة البشر.

الحق فى اقتناء تكنولوجيا المعلومات:

يتضمن الحق فى اقتناء تكنولوجيا المعلومات القدرة على تطوير، ونشر تكنولوجيا المعلومات. ومع ذلك، يمكن أن يتعارض هذا الحق مع مصالح الأمن القومى والحاجة إلى منع انتشار الأسلحة ذاتية التشغيل. 

التحديات المتعلقة بالاقتناء والاستخدام:

التحديات الأمنية: مع تزايد القدرة على اقتناء وتطوير تكنولوجيا الأسلحة ذاتية التشغيل، يزداد خطر تسرب هذه التكنولوجيا لجهات غير مصرح لها، مثل الجماعات الإرهابية.

التحديات القانونية: يجب أن يكون هناك إطار قانونى يحكم استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل لضمان الامتناع عن استخدامها بشكل غير قانونى أو غير أخلاقى. 

التحديات الأخلاقية:الأسلحة ذاتية التشغيل تثير قضايا أخلاقية مهمة، منها مسألة من يحمل المسئولية فى حالة حدوث أخطاء أو أضرار غير مقصودة

إن الحق فى اقتناء تكنولوجيا المعلومات مهم للتقدم التكنولوجى والتنمية الاقتصادية، ولكنه يجب أن يتم التوازن بينه وبين الحاجة إلى الحفاظ على الأمن القومى والسلم الدولى، ما يتطلب  العمل على تطوير إطار القانون الدولى. 

الموقف الدولى من استخدام الروبوتات العسكرية فى النزاعات المسلحة

لا يوجد موقف دولى موحد تجاه استخدام أو حظر استخدام تكنولوجيا الروبوتات العسكرية فى النزعات المسلحة، وهو ما يتطلب تناول الآراء والمواقف المختلفة من هذه التكنولوجيا، وذلك على  النحو التالى: 

1- الحظر الوقائى للروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل: 

ناقشت اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بأسلحة تقليدية معينة (CCW) منذ عام 2013 موضوع أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، وبسبب معارضة الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأخرى، لم توفق الدول فى وضع مسودة بصيغة رسمية للحظر، وتبرر الولايات المتحدة رفضها بأن سياستها بالفعل أن يتولى أفراد عسكريون السيطرة على الأسلحة ذاتية التشغيل، وأن تشريعا سابقا لأوانه قد يعرقل أبحاث الذكاء الاصطناعى الجارية، ولا يلزم أن يكون الحظر مفرطا فى التقييد، حيث تؤكد حملة "وقف الروبوتات القاتلة"، وهو تحالف مؤلف من 89 منظمة غير حكومية من 50 دولة ضغطت من أجل حظر كهذا، أن الحظر سيكون مقصورا على الأسلحة الهجومية، ولن يمتد ليشمل الأنظمة المضادة للقذائف، وغيرها من الأنظمة الدفاعية التى تطلق النار آليا ردا على رءوس حربية قادمة. 

وفى إبريل 2018 أكدت معظم الدول فى الاجتماع المعنى باتفاقية الأسلحة التقليدية، أهمية الاحتفاظ بالسيطرة البشرية على أنظمة الأسلحة واستخدام القوة، وأعربت عن دعمها لوضع قانون دولى جديد بشأن أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل. 

2- تأييد استخدامات الروبوتات العسكرية فى أثناء النزاعات المسلحة:  

نتيجة لعدم وجود صك دولى ملزم بحظر أو تنظيم تطوير الروبوتات العسكرية ذاتية التشغيل تقوم عدة دول أبرزها الولايات المتحدة، وإسرائيل، والصين، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، بمتابعة تقنيات هذه الأسلحة، بما يؤدى إلى استخدامها فى نزعات المستقل؛ حيث تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ مشروع الغواصات الآلية ذاتية التشغيل لعام 2022، حيث تقوم البحرية الأمريكية بتطويرها لتنفيذ عمليات بواسطة تشغيلها التلقائى، الذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى، حسبما نشرته صحيفة ديلى ميل Daily Mail البريطانية، دون سيطرة أو تدخل بشرى، ويتولى تنفيذ مشروع الغواصة المستقبلية مكتب البحوث البحرية الامريكى، الذى ذكر  فى بيان نشرته مجلة نيو ساينتست New Scientist أنه نظام سلاح بحرى مستقل بالكامل، وقد ظهرت تفاصيل محدودة عن مشروع الغواصة القاتلة كجزء من وثائق ميزانية عام 2020. 

تزاحم الدول الكبرى :

ويمكن إدراك أن هذه السباق قد بدأ بالفعل من تقرير حديث صدر عن لجنة الأمن القومى الأمريكية حول الذكاء الاصطناعى؛ فقد تحدث التقرير عن "نموذج عسكرى جديد" ستكون فيه الخوارزميات فى مواجهة الخوارزميات، داعيا إلى استثمارات ضخمة للمضى قدما فى "التفوق الابتكارى على الأعداء المحتملين".

وليس الأمر مقصورا على الولايات المتحدة، ففى الصين يمكن إدراك أن هذا السباق قد بدا من خطة الصين الخمسية؛ حيث وضع الذكاء الاصطناعى فى قلب جهود البحث والتطوير، فيما يستعد جيش التحرير الشعبى الصينى لما يصفه "بالحرب الذكية" المستقبلية.

أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فقد سبق هذا؛ إذ تحدث فى مطلع 2017 قائلا: إن "من يمكنه القيادة فى هذا المجال فسيحكم العالم". 

ولكن ليس فقط القوى الكبرى من دخلت هذا السباق؛ إذ إن هذا الواقع الجديد من التسليح قد اختبر فى المعارك من قبل دول ليست فى صفوف الدول الكبرى .

أخذت محاضرة فى كلية الحقوق بجامعة "هارفارد" بونى دوكيرتى على عاتقها منع مثل هذه الصراعات العسكرية؛ إذ إنها تقف وراء حملة أطلق عليها اسم "أوقفوا الروبوتات القاتلة" فى تحالف يضم العديد من المنظمات غير الحكومية التى تطالب بمعاهدة دولية لحظر الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.

وفى مقابلة مع DW ، قالت إنه "يجب أن يكون هناك التزام كامل بالمعاهدة التى ترمى إلى سيطرة البشر بشكل فعال على القوة العسكرية. هذه المعاهدة يجب أن تتضمن السيطرة والتحكم فى كل أنظمة التسليح التى تعمل بشكل ذاتى التى تختار الأهداف وتطلق عليها النار استنادا إلى أجهزة استشعار وليس عن طريق البشر" .

وتركز الحملة على عقد مباحثات فى جنيف تحت مظلة الاتفاقية الأممية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة وهى الاتفاقية التى ترمى إلى حظر الأسلحة التى تسبب معاناة لا مبرر لها.  

ختاما:

 إن مستقبل التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى فى منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل يعد موضوعا حاسما ودقيقا يتطلب رفع درجة الوعى والمسئولية فى هذا المجال الذى يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الكفاءة والفعالية فى العمليات العسكرية.  

إن التحدى الحقيقى الذى نواجهه هو كيفية تحقيق التوازن بين الاستفادة من التقنيات الجديدة لزيادة فعالية القوات المسلحة وفقا لرؤية واضحة ومحددة لمستقبل هذه التكنولوجيا والدور الذى تؤديه فى تشكيل مستقبلنا العسكرى؛ حيث يجب أن نسعى دائما لاستخدام التكنولوجيا بما يخدم مصالحنا الاستراتيجية.

 وبناء عليه، فإن سباق التسلح اليوم هو فى تطوير شبكات الاتصال بين قواعد البيانات الضخمة التى تحفظ فيما يعرف بالسحابة القتالية، حيث يؤدى الذكاء الاصطناعى دورا محوريا اليوم فى آلية تطوير المنظومة الدفاعية، فى ضوء الحروب المستقبلية. 

قائمة المراجع:

-   إيهاب خليفة، الخوارزميات القاتلة فى إدارة المعارك العسكرية، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، العدد 228، إبريل 2022. 

- أبو بكر محمد الديب، التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى فى ضوء القانون الدولى، منظومة الأسلحة ذاتية التشغيل، دار النهضة العربية، 2021. 

- عبد القادر محمود محمد الأقرع، الروبوتات العسكرية فى الحروب المستقبلية ومدى خضوعها لإحكام القانون الدولى الإنسانى، المجلة القانونيةPDF  .

على فرجانى، آليات وتبعات دخول الروبوتات العسكرية فى سباق التسلح الجوى، موقع مجلة السياسة الدولية، متاح على: https://www.siyassa.org.eg

-  عبد القادر محمود الأقرع، الروبوتات العسكرية فى الحروب المستقبلية ومدى خضوعها لأحكام القانون الدولى الإنسانى، المجلة القانونية، 0758-2537 . 

- التكنولوجيا العسكرية، سباق التسلح أم تكافؤ الفرص، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية 2021. 

- رياض قهوجى، القوات الجوية وحروب المستقبل، الدار العربية للعلوم ناشرون 2020. 

Germany warns of an artificial intelligence arms race, https://www.dw.com/

Meet 'Pibot,' the humanoid robot that can safely pilot an airplane better than a human 

https://www.euronews.com/next/2023/08/15/meet-pibot-the-humanoid-robot-that-can-safely-pilot-an-airplane-better-than-a-human

Scientists Build Humanoid Robot That Can Pilot a Plane https://news.yahoo.com/scientists-build-humanoid-robot-pilot-113041132.html

Meet Pibot, the Humanoid Robot That Can Fly an Airplane and Drive a Car 

https://www.autoevolution.com/news/meet-pibot-the-humanoid-robot-that-can-fly-an-airplane-and-drive-a-car-219936.html

طباعة

    تعريف الكاتب

    علي فرجاني

    علي فرجاني

    باحث في صحافة الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني